خالد السيد علي - الدراما فيها سم قاتل

يرى البعض أن العناصر الدرامية في حياتنا قليلة وأن الحياة مملة وينقصها الصراع الحقيقي، لذا دور الدراما هي خلق هذا الصراع، فالإنسان يولد وبداخله غريزة المحاكاة وهي التي تميزه عن سائر الحيوانات الأخرى حيث يعتبر من أشد المخلوقات الحية التي تحيا الحياة بحبها القيم للمحاكاة.
ويقول أرسطو فيما معناه “إن التاريخ ينقل الواقع كما يكون.. أما الدراما فتنقل الواقع كما ينبغي أن يكون”.. لذلك للدراما صراع مغاير عن الواقع ينشأ فيه الحبكة الدرامية؛ فليس كل واقع حدث متكامل العناصر بخلاف الدراما.. منذ وطأت فيها قدم الإنسان الأرض وهو في صراع مع الطبيعة ثم مع أخيه الإنسان وهذا مسجلًا في أصدق الوثائق كافة في القرآن الكريم عندما احتدم هذا الصراع بين ابني آدم (هابيل وقابيل) فعلى مسرح الحياة تتألف القصص والحكايات والحواديت من واقع وخيال ويبقى أحسن القصص.. القصص القرآني.. هذا ليس موضوعنا ولكن وجب الإشارة لمن يود أن يتعلم أصول كتابة الأدب بحرفية طالما وهبه الله عز وجل بالموهبة وأصقلها بالعلم والمعرفة..
نعود لموضوعنا – السينما والفيديو الإذاعة – عالم الدراما المعتمد على صراعات تروى بالصوت والصورة حيث نجد أن الدراما مرتبطة بالإنسان وهذا يعني أن نشأتها مع نشأة الإنسان منذ أن هبط في الأرض، فمن منا لا يعرف قصة سيدنا آدم وخلقه وذنبه وعقابه بهبوطه للأرض وما حدث له من أحداث وصراعات حتى تناثرت الذرية وما جرى لها من صراعات مع الطبيعة ثم مع بعضها البعض.. أحداث الذرية يسطرها التاريخ.. تناقلها الرواة ومن ثم القراطيس.
ومن هذا المنطلق إذا نظرنا وتابعنا في الآونة الأخيرة أو منذ بداية الألفية الثالثة نجد أن الدراما لعبت دورًا خطيرًا في تشكيل عقل ووجدان جيل جديد – ينتشر في عصره التكنولوجيا – هذا الدور للأسف الشديد دورًا سيئَا نتيجة سوء الأعمال الفنية التي تقدم على شاشة الفن السابع والشاشة الصغيرة إلا ما رحم ربي.. هذا والأمر موصول للآداب الذي اتجه معظم كُتابه إلى الإثارة الفكرية أو اللعب على الغريزة من أجل الشهرة السريعة.. كل هذا كان له أثر سلبي على المجتمع؛ فلقد نجحت هذه الأعمال في زرع أسوأ المزروعات.. قيم ومبادئ وسلوكيات ومفردات كلامية جديدة لهذا الجيل بل وللمجتمع وكأن القيم والمبادئ تتجزأ وتتغير كما لو كان الإنسان بلا إيديولوجية.
نتج عن زرع الأعمال الدرامية السيئة حصادًا للبلطجة وتجارة السلاح والسموم البيضاء، وكذا نشر الفجور قولًا وفعلًا وكأن العالم أصبح لا يدار بالعلاقات الإنسانية الحسنة وبالقانون والعرف وأن القيم والمبادئ والسلوكيات والمعاملات الحياتية التي كنا نعيشها ونشأنا عليها عفا عليها الزمن، نفهم من ذلك أن القوى الناعمة (الفنون والآداب) قد يدس فيها سم قاتل يقتل التفكير المستنير يقتل الوجدان المرهف يقتل المشاعر الطيبة يقتل الطموح المشروع يقتل الحياء يقتل التقوى…إلخ
وأخيرًا إعادة وتقويم بناء الشخصية المصرية خاصة والعربية عامة يحتاج إلى مشروع ضخم يتضافر فيه المجتمع مع مؤسسات الدولة لإصلاح ما فعله أصحاب الفكر المتطرف دينيًا وسياسيًا، وكذا الفن الهابط والأدب المخرب للعقل والوجدان، وما أفسده الإعلام المأجور والمنتجين الدخلاء بهدف التجارة المربحة، هذا بالإضافة للفقر والجهل والمرض.. ثلاثي لا بد من القضاء عليه؛ فبالقضاء عليه نكون قد انتهينا من مرحلة التقويم ثم تأتي مرحلة إعادة بناء الشخصية على أرض صلبه لتشكيل وجدان وفكر الإنسان المعاصر وتصحيح مساره نحو آفاق جديدة تنموية للذات وللمجتمع وتفعيل آليات مغايره تواكب التطور التكنولوجي المذهل في كافة العلوم لخلق مساحة موازية للتقدم العالمي تخص العالم النامي.


تم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى