محمد السلاموني - الكتابة إلى حد التعرى [4] الأدب والحب:

[4] الأدب والحب:


الخطأ الذى وقع فيه أرسطو فى "البويطيقا- فن الشِّعر"، يتلخص فى أنه اعتقد أن الأثر الناتج عن القراءة الفردية للـ "نص الدرامى" هو نفس الأثر الناتج عن الفُرجة الجماعية على "العرض المسرحى"...
أوجه الخطأ عديدة، ولا يتسع لها المقام، لذا أكتفى منها بالحديث عن أن "التطهير" يقع بالفعل فى "القراءة الفردية للنص الدرامى"، بينما يستحيل وقوعه فى الفرجة الجماعية على "العرض المسرحى".
العرض المسرحى تجسيد للنص "اللغوى"، أى تحويل للكلمات التى يراها ويسمعها القارئ بعين الخيال إلى فعل "مرئى- مسموع" أمام الجمهور.
الإشكالية تكمن هنا تحديدا:
الكلمات، بينما تنحدر من أفواه الممثلين، من فوق خشبة المسرح، ترتسم فى مخيِّلة المتفرحين على هيأة صور عديدة لعروض عديدة... "بفعل نظرية الحافز والإستجابة- التى تحدثت عنها فى الحلقات السابقة"/ أعنى أن "ذاكرة المتفرج" تنفتح على العرض، وهو ما يحدث فى عملية القراءة الفردية أيضا، لكنه أثناء الفرجة على العرض، ونظرا "لاستحالة المطابقة بين العرض والواقع الحياتى"، خاصة أن العروض اليونانية كانت عروضا مؤسلبة، أقول: أثناء الفرجة على العرض المُجَسِّد للنص الدرامى، تتوالد الإحتلافات أو المسافات بين ما يراه المتفرج أمامه على المسرح وبين ما يراه بعين خياله... بل وأكثر من هذا، فالمتفرج يظل منشغلا بتلك الإختلافات، وقد يقبل بما يقدمه العرض، أو ببعضه، وقد لا يقبل- وهذا هو السبب الذى يجعلنا كمتفرجين لا نرضى عن أداء هذا الممثل أو ذاك، أو كذلك الأمر مع العناصر المسرحية الأخرى.
هذا مع ملاحظة أن هذا يحدث مع كل متفرِّج على حدة- وإذ أمكن لنا تجميع الإختلافات بين التَجسيد المحدَّد الذى قدمه العرص وبين التجسيدات الخيالية العديدة التى ارتسمت فى مخيِّلة المتفرجين، سنجد كم هى هائلة.
وإذا كان المسرحيون قد اعتادوا الحديث عن المتفرجين" باعتبارهم "المتفرِّج- كجمع بصيغة المفرد"، فهذا الإختزال يعود فى الأساس إلى نظرية الدراما الأرسطية "التى وحَّدت الأثر الدرامى على المتفرجين جميعا، كأنما هم متفرج واحد على شاكلة القارئ المفرد"...
ما الذى يعنيه هذا؟.
هو يعنى استحالة اندماج المتفرج بالبطل- فى العرض- اندماجا كاملا... وهو ما يحُوُل دون استمرارية تَدَفُّق الإنفعالات وتواصلها؛ أعنى أن اختلاف صورة العرص عن الصور المتخَيَّلة فى أذهان المتفرجين، وانشغال المتفرجين بمتابعتها ومعادلتها ببعضها البعض، فضلا عن التفكير فى دلالات عناصر العرض وعلى رأسها أداء الممثلين، كل هذا وغيره سيضعنا حتما أمام "التغريب- بالمفهوم البرختى"... وهو ما يعنى أيضا أن نظرية برخت "المضادة للنظرية الأرسطية" لم تكن سوى إعادة تنظير للمسرح اليونانى.
غير أن ما يعنينى هنا، هو أن النظرية المسرحية التى تقول بأن المتفرجين يتحولون أثناء الفرجة على العرض المسرحى من "ذوات فردية منفصلة" إلى "ذات جماعية واحدة"، وهى النظرية التى تتأسس عليها فكرة العرض المسرحى ومن ثم الإخراج المسرحى، ليست سوى خرافة تاريخية تعاطى معها المسرحيون على مدار قرون طويلة .
المشكلة كلها تكمن فى اعتقاد "أرسطو- والمسرحيين من بعده" أن فن المسرح "محاكاة للواقع"... وأن "الإيهام- بالواقع" هو جوهر اللعب المسرحى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى