مصطفى نصر - راعي بقر منتصف الليل

أرتبطنا كثيرا بندوة يوم الأحد التي يشرف عليها أستاذنا حمدي علوان، بمكتبة جمعية الشبان المسلمين.
أقترح حمدي علوان علينا أن يدفع كل منا مبلغ ثلاث جنيهات، مقابل أن ننشر قصصنا في كتاب، والناشر – السيد خليفة - صاحب مطبعة لوران – سيدفع نصف التكاليف. ويحصل كل منا على عشر نسخ من الكتاب المطبوع.
أشترطت على حمدي علوان أن نناقش قصص المجموعة في ندوتنا، حتى لا يشترك في الكِتاب ضعاف الكُتِّاب، فوافق على ما أقول.
لكنني أكتشفت إنه لم يلتزم بما أتفقنا عليه. ونشر قصصا غاية في السذاجة، وأكمل بنفسه بعض القصص، فاعترضت على ذلك، وذكرت القصص الضعيفة، فغضب مني وأعاد لي الجنيهات الثلاث.
لم ينس لي حمدي علوان هذا الموقفف، فقد أشتركت بقصتي الليل وبقايا إنسان التي نوقشت بالندوة، وأثارت اهتماما وإعحابا عاليين.لكن حمدي علوان أستبعدها.فحسني الأسناوي – رئيس نادي القصة - سلمه كل القصص المشتركة في المسابقة، ليستبعد منها القصص الضعيفة التي لا تستحق الإشتراك في مسابقة أدبية.
00
ذهبت – يوم إعلان نتيجة المسابقة – في مسرح جمعية الشبان المسلمين. وفوجئت بأن كل زملائي قد فازوا، خاصة رشيد خضر الذي فازت قصته بالمستوى الثالث، وهناك من فازوا بالجائزة الخامسة والأربعين.
دعانا رشيد خضر إلى لورانتس، وأنفق علينا مبلغا أكبر من قيمة الجائزة التي كانت خمسة جنيهات وعندما صعد للمسرح لاستلام قيمة الجائزة لم يعطه حسني الإسناوي الخمسة جنيهات.
كنت حزينا لأنني الوحيد من بين المجموعة الذي لم يفز. فقال رشيد لي:
- قصتك أفضل من قصص كثيرة فازت وتوقعنا أن تفوز بالمركز الأول.
شرب رشيد – وآخر لا أذكره الآن – خمرا. وأكتفى الباقي بشرب القازوزة وأكل المزة.
بعد أن انتهى الحفل، صافحنا رشيد خضر، لكنه همس في أذني لكي أنتظره.
جلست أنا وهو بعض الوقت في محل لورانتس، ثم سرنا ناحية سينما ريالتو الملاصقة للمحل. قال:
- أدعوك لمشاهدة فيلم راعي بقر منتصف الليل.
لم أرفض، فقد كنت في حاجة لأن أنسى ما حدث لي في هذه المسابقة.
00
في فيلم راعي بقر منتصف الليل. شاب وسيم وقوي، يعمل في فندق بمدينة تكساس الأمريكية. يتحدث مع امرأة سوداء ممتلئة – تعمل معه في مطبخ الفندق - عن حلمه بأن يسافر إلى مدينة نيويورك ليستغل إمكانياته الجسدية مع النساء الثريات العواجيز.
يذهب راعي البقر إلى نيويورك وهو مازال يرتدي ملابس رعاة البقر – كما ذهب بطل فيلم يوسف شاهين – ابن النيل – إلى القاهرة بردائه الريفي. الأثنان يحلمان بالمدينة الكبيرة، وينتظران الوقت الذي سيهجران فيه القرية التي يعيشان فيها، فهي أقل من من طموحاتهما وأحلامهما.
عرض راعي البقر على نساء نيويورك بضاعته. قال لهن هذا بكل وضوح ووقاحة – وعندما قابلته أول امرأة عجوز- ظنها قد وافقت على شروطه ورغباته، وأحس بإنه وصل لغايته.
خلعت المرأة ملابسه بنفسها، ثم أمسكت سماعة التليفون وطلبت صديقا لها، وعندما أرادت أن ترسل إليه قبلة – عبر التليفون – استدعت راعي البقر وقبلته بصوت مرتفع يسمعه من تتحدث معه تليفونيا.
لكن عند الحساب، أكتشف راعي البقر المفاجأة القاسية، فالمرأة فهمته خطأ. فقد ظنته يبحث عن امرأة تبيع جسدها. وطالبته المرأة بثمن المتعة التي أعطتها له. فأعطاها ما تريد مضطرا.
ما شاهدته في الفيلم أثارني. وفكرني بالمرأة التي تسكن بيتنا والتي انشغلت بها بعض الوقت. 00
كنت قد بنيت حجرتين فوق سطح بيتنا، لكن نقودي نفدت قبل أن أكمل أو أشطب الحجرتين، فالجدران مازالت في حاجة لمحارة وبياض، والأرض في حاجة لبلاط جديد.
نظرت من الشرفة التي تطل على منور البيت، وجدت المرأة تطل من نافذتها في الدور الأرضي. لم تنظر نحوي.
كانت عروسا، فقد تزوجت منذ شهور قليلة، وسكنت هذه الحجرة الوحيدة.
شردت بعيدا، تذكرت قصتي التي لم تفز, بينما فاز من كنت أظنهم أقل مني في الكتابة والموهبة. قررت ألا أحضر ندوات أدبية بعد ذلك. فهذه المسابقة أكدت فشلي، فأنا للأن لم تنشر لي قصة واحدة رغم مرور السنوات الكثيرة على كتبتي للقصة القصيرة وحضور الندوات.
فوجئت بالمرأة تخلع جلبابها وتقترب من النافذة بقميص نومها الذي يكشف عن ذرعيها ومساحة كبيرة من ظهرها وصدرها.
النافذة تسمح لي برؤية مساحة صغيرة من الحجرة، وجزء قليل من سريرها.
أبتعدت، ثم عادت بكروانة ألمونيوم وإناء فيه ماء، وجلست في مواجهتي كاشفة عن ساقيها حتى آخرهما، وغسلتهما ودعكتهما.
قلت لنفسي: ربما لم تكتشف وجودي.
سعلت بصوت مرتفع، لكنها لم تلتفت إلي. وظلت تكمل ما كانت تفعله، ثم قامت وهي تستعرض أمامي ملابسها الداخلية. في الجزء الصغير الذي يسمح بأن أشاهد ما تفعل، ثم أرتدت قميصا وراء الآخر وأنا أتابع ما يحدث في دهشة.
أرتدت ملابسها وتجملت بالروج والبودرة، ثم أغلقت النافذة استعدادا لخروجها.
00
أحس رشيد خضر بتململي فوق مقعدي، وتأثري بما أراه على الشاشة، ثم قال:
- لم تجرب هذه الأشياء من قبل؟
أحسست بالضيق من سؤاله، فقلت:
- مررت بتجارب كثيرة.
00
سار راعي البقر باحثا عن النساء العواجيز اللائي في حاجة لشبابه وقوته وجماله، فلم يجد. حتى كادت نقوده – التي جاء بها من مدينته – تكساس – تنفد.
تعرف في ذلك الوقت على شاب عاجز يسير بصعوبة، فأخبره راعي القر برغبته في التعامل مع نساء عواجيز ليستغلهم، فتظاهر الشاب العاجز بإنه خبير في مثل هذه المسائل. ووسيط في هذه المهنة.
يمر راعي البقر والشاب العاجز بحديقة. يشاهدان شابا يتحدث مع أمه العجوز.فيحييه الشاب العاجز مدعيا معرفته به، ومدعيا بإنه هو الذي عرفه بهذه المرأة التي أتخذته عشيقا. وتنفق عليه بسخاء.
يطلب الشاب العاجز من راعي البقر عشرين دولارا مقابل أن يعرفه بامرأة منهن. لكن عندما يذهب راعي البقر للشقة التي حددها له الشاب العاجز, يجد بها رجلا شاذا، فيدفعه راعي البقر ويجري هاربا باحثا عن ذلك الشاب الذي خدعه ونصب عليه. ويجده في إحدى الحانات. فيقبض عليه، وعندما يفتشه، لا يجد معه نقود.
يأخذه الشاب العاجز إلى البيت الذي يسكنه، بيت من البيوت الآيلة للسقوط، والمحرم السكن فيها بأمر الحكومة. لكن سكانها يدخلونها عن طريق النوافذ.
يعيش راعي البقر مع الشاب العاجز ويضطر أن يفعل ما سبق أن رفضه من شدة حاجته للمال. ينفرد بشاب شاذ
ولكي تكتمل مأساة راعي البقر، يكتشف أن الشاب الذي تعامل معه، طالب لا يمتلك مالا.
00
قلت لرشيد خضر:
- إنني على علاقة بامرأة تسكن بيتنا.
وكنت قد نقلت الكنبة العربي التي أنام عليها إلى حجرتي السطح لأتتبع المرأة ليلا ونهارا.
أعود مساء، أفتح النافذة، فأجد نافذتها مغلقة، فأرمي خشب النافذة بطوبة صغيرة، فتفتح النافذة دون أن تنظر نحوي، وتبدأ في عرض جسدها العاري.
وفي الصباح – قبل أن أذهب لعملي – أتتبع عريها. وفي الصباح– أتتبعها لبعض الوقت.
00
أشعر بالحزن من أجل الشاب العاجز، إنه يحلم بالسفر لفلوريدا وقضاء عدة أيام هناك.
يجد راعي بقر منتصف الليل ضلته التي جاء لنيويورك من أجلها. امرأة تكبره بعدة سنوات، غنية، وعلى استعداد لأن تدفع له ما يريد مقابل ما تأخذه منه من جنس. قابلها في إحدى احتفالات الجماعات البوهيمية.فأخذته إلى فندق – أو سكن مؤقت - لا أذكر - ووعدته بأن تقابله في هذا المكان بعد أسبوع.
قبل أن يأتي الموعد الذي حددته المرأة الغنية له، يمرض الشاب العاجز مرضا شديدا، ويخاف من أن يموت قبل أن يرى مدينة فلوريدا، فيلح على راعي البقر بأن يأخذه إليها، فيستجيب له مضطرا.
يركبان أتوبيسا، فيتبول الشاب العاجز وهو جالس في الأتوبيس. ثم يموت وهو جالس فوق مقعده.
( ظل هذا المشهد يطاردني منذ أن شاهدت الفيلم في عام 1969 فأنا أركب أتوبيس الشركة التي أعمل بها - كل صباح - وأظل جالسا فيه لأكثر من ساعة، وأعود به في نفس الطريق، فيطاردني موت الشاب العاجز، وأخاف من أن أموت في رحلة من هذه الرحلات اليومية فوق مقعدي، كما مات الشاب العاجز في الفيلم.
بعد أن مات الشاب العاجز، نزل راعي البقر من الأتوبيس واشترى ملابس جديدة مثل التي يرتديها كل سكان نيويورك. ورمى ملابس رعاة البقر في سلة المهملات. فلقد انتهت الرحلة، ولن يبحث عن النساء العواجيز الأثرياء مرة أخرى.
أدى دور الشاب العاجز داستين هوفمان.فأداه ببراعة. وأدى دور راعي البقر جون نويت. وأخرج الفيلم المخرج الإنجليزي الأصل جون شلسنجر - في أول فيلم يخرجه في أمريكا - وحصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وأفضل إخراج عام 1970.
00
عندما أضيئت أنوار سبنما ريالتو. وسرت في ممراتها الضيقة، اقترب مني رشيد خضر وقال لائما:
- كيف تقيم علاقة محرمة مع زوجة جارك؟
بعد ذلك علمت أن رشيد خضر قد اكتشف خيانة زوجته له مع ابن صاحب البيت الذي يسكنه، فطلقها، وظلت هذه المشكلة تطارده وتؤرقه وتؤثر على علاقاته باصدقائه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى