د. سيد شعبان - الصفحة الثانية والثلاثون: صبر ابن جادو!

وعيته رحمة الله تعالى عليه حين يخلو بنفسه وقد أحاطت به النوائب تقصم الظهر وتفت العضد؛ يصدح بموال الصبر يستمد رفده ويطلب من ربه العون!
ينشد طبيب المبالي!
علمته وقد عولج من آلام الظهر بأن نفدت في ظهره إبرة الكي؛ وكشف لي عن ثلاث منها!
ينخر السوس له ضرسا فيمد يده يخرجه غير آبه ولامشتك!
يحب أولياء الله في غير شطط ويرى لهم الكرامات!
يذكر السيرة الهلالية ويتمثلها هزجا وطربا؛ يرفدني بكثير من الحكايات فتعلق أمي بأنهم ارتحلوا إلى الدار الآخرة، ومن ثم لن أتذكرهم؛ فيجيبها بأن الأيام القادمة تحتاج رجلا صلب العود؛ يخبرني وقد عشنا التغريبة الصحراوية منذ مايقارب ربع قرن أو يزيد قليلا؛ الغريب ياولدي حليم أو كريم وأشهد الله أنه فيهما بلغ الجادة واستوى!
كان شبعان النفس عفيفها لاترديه حظوة النفس، قوي القلب!
حين نجلس وكثيرا ما آنس منه حديث السمر؛ يحن لآبائه وأعمامه؛ فيشخصون في قصصه وذكرياته؛ ربما تسرب إلي كثير من مفرداته فقد كان فصيحا لسنا؛ تعجبه الطرفة وتجذبه النادرة!
يطاوعني فيما أحب غير ضجر ولا آسف فقد وسعني بحبه حتى خلته لم يرزق من الأولاد بغيري!
غير أن عاطفته وهوى فؤاده أخي الصغير سمي جده؛ فكان يؤثره كما يعقوب مع يوسف إلا أن أكون أنا بنيامين!
غير مغفل في عالم القرية سيدا من ساداتها وقد بلغ من العمر سنواته الكبرى؛ تعرف سيرته من أفواه الرجال الذين عرفوا قدره وتسامعوا بمآثره، فلم يذكر أحد ابن جادو إلا بكل خير مترحما على رجل غالب زمنه وخبر أيامه فترك فيها حديثا يروى ومحمدة لا ينالها إلا القليل!
لم يكن في بداياته من ذوي البسار إلا أن تكون الهمة دافعة بصاحبها أن يعالج حاله بالصبر وهو مر علقم!
خلته يمتلك من المال وافره فما طلبت منه حاجة إلا وسارع لتلبيتها؛ يراني عوضه الذي رزقه من دون الناس؛ انطويت على محبته فما أريم بديلا عن علو ذكره حتى يقال هذا ابن الحاج شعبان!
ومما قصه أن العصبة من الرجال وقد عجزوا عن رفع الحديد عتالة في السعودية؛ فنفخ فيهم من همته ودفع بهم إلى معاركة الأيام حتى أنجزوا وغنموا المال رزقا!
ما أدري أي أمره أذكره؛ وقد بليت بآخرة بالأقارب والأباعد يريدون عجزي فهذا يخذلني وذاك يصارعني وتلك تقاضيني وثالثة تمكر خبث أفعى؛ فلا أنام حتى أستعيد حكمته وأسترفد صبره فأعلم أن ذلك ميسر وإن طال ليله وادلهمت مصائبه؛ فقد كان يهزأ بالمحن يقهرها لايعجزه مال ولاتنقصه شجاعة؛ فالولد بعض أبيه!
مضت بي السنون وها أنا متلفع بعباءته متوكأ على عصاه.
لا أرى الأيام بعده حمدا ولاذما فقد انطفأ سراجها وهاهي الثعالب حقيقة لامجازا تحوطني!
قضى الله عليه بالموت وتلك حكمته وآيته التي لاتقهر؛ غير أن حياته أطول بكثير ممن ظنوا موته؛ فلو كان في سير الرجال ما يراد مثلا لكان بصبره وأنفته وشارفة رأيه في أن يخرج من بلده يضرب في أرض الله سعيا وكدا، فأين سأكون لولا عمارته القفر ومغالبته الفقر وتجرعه المر؛ عساي كنت سأنتهي كما لداتي موظفا أو متسكعا في ضروب كفر فقير يعتاش على أرغفة وحبات الفول؛ وها أنا بفضل الله في رزقه وعمل يده وغرسه وزرعه ومن بعده الطيبة وارثته رحمة الله عليهما!


1653814648023.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
الأمهات والآباء والأهل في الأدب
المشاهدات
805
آخر تحديث
أعلى