رايفين فرجاني - ماهية الفلسفة

ما الفلسفة؟

حقيقة الفلسفة,ببساطة,هي كونها تبحث عن الحقيقة,وفي أحوال أخرى تبحث عن الوسيلة. إما نحن نبحث عن المعرفة,أو نبحث عن وسيلة للعيش أو تحقيق الغرض. ولما نقول (نحن) فالمقصود بالفعل هو نحن. لكل فلسفته. فالفلسفة هي (البحث عن المعرفة) أو (البحث عن الشيء). وهذا الشيء متمثلا في الحقيقة / المعرفة أو الوسيلة / الغاية. وتعريف الفلسفة يحمل في طياته إشارات جنائزية ترثي حال كل من نادى وادعى بموت الفلسفة,ماتوا هم وأكلت الفلسفة وشربت على قبورهم. بدليل أن الفلسفة نشاط لازال قائما حتى يومنا هذا, بكافة صوره المعيشية والمهنية والمعرفية. فهي مرتبطة وثيق الصلة مع الإنسان,وباقية طالما هو باق. وللتبسيط أكثر,نجد أن كل إنسان يحمل معه,فلسفته الخاصة. بمعنى رؤيته الخاصة. فالفلسفة هنا,تقدم بصفته نشاط عقلي يمارس في كل عقل مفكر.

وإذا توسعنا أكثر,وتعمقنا فيها إذ بها هي طريقة أساسية للوصول إلى المعرفة,إلى الفكر,إلى جانب العلم. العلم وسيلة تقنية أكثر,أي هو أداة. بينما الفلسفة وسيلة رؤيوية أكثر,تميل إلى اختزال كل المعارف في رؤية واحدة أكثر من تفريعها إلى تخصصات مختلفة كما في العلوم. لهذا نجد كبار العلماء قد صاروا فلاسفة,بعد أن بلغوا في علومهم مبلغا جعلهم يكونون رؤية كبيرة للعالم والواقع والوجود. ولهذا أيضا نجد كبار الفنانين / الأدباء / النقاد مالوا إلى كونهم فلاسفة كلما تعمقوا أكثر في اشتغالاتهم الأدبية. فالفلسفة هنا,هي الفكر. كل المعارف تنبع منها,وتصب إليها.

"يمتاز التفكير الفلسفي بأشياء ليست موجودة في أضرب التفكير الأخرى. وما يهمنا هو أنه فكر ارتدادي: أي، تفكير يرتد إلى نفسه. فإذا كانت الفيزياء تدرس الظواهر المادية كالضوء والإلكترونات ونحوها، فإنها لا تدرس نفسَها. فعندما يسأل العالِم: “ما علم الفيزياء؟” فإنه يتحول فوراً إلى فيلسوف علم؛ لماذا؟ لسببٍ بسيط وهو أن “علم الفيزياء كعلم” ليس من الظواهر المادية التي أشرنا إليها أعلاه، ولا يمكن تطبيق المنهج التجريبي عليها، وسيكون من الغريب حقاً، بل والمستحيل، أن نضع علم الفيزياء تحت المجهر! فما يوضع تحت المجهر هو (الأشياء المادية).

وقُل مثل ذلك في علم الكيمياء الذي يدرس العناصر،والبيولوجيا الذي يدرس الخلايا والجينات .. كل هذه العلوم ذات موضوعات محددة ولا يمكن تجاوزها، ولا يمكن لها أن تدرس نفسها.

العلم الوحيد الذي يستطيع أن يجعل كل شيء موضوعاً له هو الفلسفة؛ بل إن الفلسفة تستطيع طرح أسئلة على نفسها فتسأل: ما الفلسفة؟ والأبعد من ذلك أنها تستطيع أن تشكك في نفسها. فقد يقول الفيلسوف “لقد ماتت الفلسفة” ويظل مع ذلك فيلسوفاً." [عبارات فلسفية رائجة 1 / شايع الوقيان].

أما إذا ضاق بنا الأمر,فهمنا ذلك الهجوم العلمي للفلسفة الوضعية مقصودا بها الفلسفة الميتافيزيقية,وليس الفلسفة ككل,حتى وإن نفوا رواد هذا المذهب (الوضعية) ذلك عن أنفسهم بتهجمهم على الفلسفة كمطلق. فهم غير قادرين على التنصل من مذهبهم الفلسفي الذي أسسوه على أنقاض الميتافيزيقا.

ولقد قرأت العديد من الكتب,المدخلية,والمرجعية,المبسطة,والعميقة,التي تطرح في عنوانها تساؤلها عن (ماهية الفلسفة). عربية كانت أو غربية. وتكاد تكون الإجابة,بسيطة,بالنسبة لي أنا على الأقل,لدرجة لا تستدعي استهلاك سبعمائة كلمة (كما جرت العادة معي في أقل مقالاتي حظا من الكلمات) في محاولة تعريف الغني عن التعريف,أي التفكير الفلسفي. وجرت العادة,وكما يفعل البحاثة,ان نمر -مرور الكرام- على عدة كتب في معرض الحديث عن ماهية الفلسفة,لولا أنني فضلت,وكما يفعل شايع الوقيان,الإكتفاء بأبرز الكتب في تلك المسألة

-ما هي الفلسفة؟

للفيلسوف الفرنسي الكبير جيل دولوز بالتعاون مع مواطنه الفيلسوف فيليكس غوتاري.

يطرح أحد الباحثين تساؤل حول جدوى التساؤل عن ماهية الفلسفة؟ فهذا السؤال طرحه أرسطو وأجاب عنه من قبل,وقبله فعل أفلاطون. أي أن أي حديث عن ماهية الفلسفة لم يعد ضروريا. ولكن نفس الباحث يشير إلى أن نضع في الإعتبار التغييرات الجمة التي أصابت كبد الفلسفة منذ فجرها اليوناني وما قبل الفلسفة الغربية,إلى الفلسفة الغربية الحديثة. مما يحتم علينا أن نعيد طرح السؤال في محاولة لتجريد الفلسفة عن ثوبها الجديد.

يتجاوز جيل دولوز أي إعتبارات نفعية أو تطبيقية للفلسفة,معرفا إياها بأنها تجديد مستمر للفكر,صياغة دائمة له,هدم وإعادة بناء,أو هدم دون بناء. إنه بحث دئوب عن أدوات جديدة لتحصيل المعرفة قبل ما أن يكون بحثا عن المعرفة.

"يرى جيل دولوز أنه يتعين على الفلسفة، باستمرار، إبداع أنماط جديدة من التفكير، أو وضع تصور جديد للفكر، أو بالأحرى تصور لما نعنيه بـ «التفكير» ملائماً ومنصتاً لما يجري في العالم. لذلك لا يمكن للفلسفة سوى أن تكون «نقداً» (Une Critique). لكننا نجد أنفسنا أمام نهجين في النقد: إما أن ننقد «التطبيقات الخاطئة»، بما فيها نقد الأخلاق المزيفة، والمعارف الباطلة، والأديان «الكاذبة»، وهو التصور الذي بنى عليه كانط عمله النقدي؛ وإما أن ننتبه إلى عائلة أخرى من الفلاسفة الذين اختاروا خلخلة ما يراه الآخرون «حقّاً» أو «حقيقياً»، وانخرطوا في معمعة تفكيك الأخلاق «الحقة»، والإيمان «الحق»، والمعرفة المثالية قصد بلورة صورة جديدة للفكر، لأننا ما دمنا نكتفي بنقد ما يبدو «باطلاً» فإننا لا نلحق ضرراً بأحد (فالنقد الحق هو نقد الأشكال وعدم الاكتفاء بالمضامين). هذه العائلة من الفلاسفة يمثلها لوكريس (Lucrèce)، سبينوزا، نيتشه… ويعتبر، جيل دولوز، أن هذه السلالة استثنائية في الفلسفة لأنها تمثل «اتجاهاً مكسَّراً، انفجارياً، وبركانياً تماماً».

تبحث الفلسفة، حسب دولوز، عن صورة جديدة لفعل التفكير، ولنمط اشتغاله. فنحن كثيراً ما نعيش على صورة ما للفكر. قد نملك قبل التفكير فكرة غامضة عما يعنيه فعل التفكير، أو ما يمكن أن يحمله من وسائل وأهداف. ويمثل المفهوم في الفلسفة ما يمثله الصوت بالنسبة إلى الموسيقى، واللون عند الرسام. يبدع الفيلسوف المفاهيم، يموضعها داخل «مسار مفهومي» كما يضع الموسيقي لحنه داخل «مسار موسيقي».

وتظهر الغاية من ذلك في محاولة تشكيل مفاهيم تتفاعل وتتشابك وتتمفصل فيما بينها بشكل رفيع ومتمايز للانفلات من المفاهيم الثنائية، وإبراز «الوظائف المبدعة» في الفكر. ومن ثم فالفيلسوف الكبير «هو الذي يبدع مفاهيم جديدة بحيث تقوم هذه المفاهيم بتجاوز ثنائيات الفكر العادي، وتعطي للأشياء حقيقة جديدة، توزيعاً جديداً، وتقطيعاً هائلاً».

نجد من يعتبر أن للفلسفة دوراً لا جدال فيه لسببين اثنين: الأول، يتمثل بكون التراث الفلسفي العالمي يزخر بأدوات فكرية لا حصر لها من شأنها أن تسعفنا على فهم التحولات الجارية أمامنا؛ وثانياً، لا يتعلق الأمر بمطالبة الفلاسفة، في الماضي والحاضر، بتقديم أجوبة جاهزة بقدر ما يتعين الرجوع إلى ذلك الخزان الهائل من الأفكار والمفاهيم الذي تقدمه الأنساق والمذاهب الفلسفية. فهي تقترح علينا عناصر وأدوات لإعادة صوغ القضايا الراهنة بطرق جديدة." [الذاتية والوعي الفلسفي بالوجود في نظرات ناصيف نصار / محمد نور الدين أفاية / آفاق فلسفية].

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى