د. سيد شعبان - الوعي والسرد!

ثمة علاقة جدلية بين الفن والحياة؛ لاينفك أحدهما عن الآخر؛ وتأتي براعة السرد في قدرته على التعبير عن هذه العلاقة؛ كما تكون ريشة الفنان أو أي شكل من أنماط التعبير الإبداعي!
هذه العلاقة تحكمها قوانين وقواعد؛ غير أن براعة السارد في تجاوزه تلك الأطر فيما يدفع به نحو العجائبية؛ لا أكتمك أيها القاريء الكريم سرا أنني مولع بتلك الغرائب في سردي؛ أحاول أن أتملح بها فيما أقدم من نصوص غير أنني بطبيعة الحال أتوقف عنها حين ألج عالم النقد؛ فذا يحتاج معيارا توزن به الأعمال الإبداعية؛ لاأزال أتذكر كلمة أستاذي المناقش حين اتهمني بأن سردي يطغى على منجزي في الرسالة العليا؛ يومها انتابتني رعدة؛ فتلك تهمة لا أتنكر لها؛ ففي إهابي يكمن سارد؛ تسربت إلي جنايته من حكي أبي ومن كثرة قراءاتي في عالم تحكمه المفردة وتكمن في ثناياه شخصيات من عالم الخيال!
حين أمسك بالقلم أكون حريصا على البلاغة؛ وهل النص إلا صورة صاحبه ودليل ثقافته وحسن تأتيه في التعبير؟
اتهمني كثيرون بالإغراب في اللغة والحرص على مستوى منها يتعالى!
يرى الدرعمية عيبا؛ فأناديه أن يتمهل قليلا؛ فما الفن إلا إطار من الجمال وإلا تبعثرت ذواتنا في دروب التفاهة!
هل اتهم أحد العقاد بسمو لغته وقدرته على التجويد؟
وإليكم الرافعي في أيات قلمه وحيا؛ غلبت على الناس في زمننا العجمة فصاروا مصابين بالدهش من كتابات الأبيناء؛ يبغونها ملقاة على الطريق!
استمعت لأحد الناطقين بغير العربية فرأيت لغة تخلو من الحياة كأنها من أفواه الموتى تتحدر!
لايعرف البلاغة في العربية إلا من عكف على كتاب الله تلاوة وتدبرا ودراسة يؤتاها من مقاعد الدرس.
لذلك كان الأعمال المترجمة باهتة تخلو من الدهشة لولا قلم المترجم يبدع في معالجة النص دون خيانة لما يرمي إليه الكاتب؛ تستطيع أن تقول إن الٱعمال العظيمة تلك التي وجدت مترجما مبدعا لا راصف نصوص في عالم الكتابة!
يحتاج الفن قدرا من الوعي؛ وإلا كان ضربا من تهاويم تتخللها حالات من الجنون؛ لا أحبذ مقولة "الفنون جنون" إلا أن تكون على سبيل المدح بما يشبه الذم.
جماليات السرد في حسن سبك النص؛ وهذا ما يعجز عنه الذين نضب معين معجمهم؛ يحسبون الإبداع نزهة أو نزوة وتلك لوثة التقنية المعاصرة أن جرأتهم على الكتابة ثم النشر.
يأتي هذا حين يتوافق عنصرا السرد أيي المبنى والمعنى في جديلة تدهش!
أحسب أن الجمال في عصرنا توافر في كتابات نجيب محفوظ والطيب صالح؛ انطلقا من عالم يسكناه فأبدعا سردا وصل بالعربية آفاق العالمية؛ إنهما كاتبان منتميان لطائفة "الصنيعية" يحرصان على التميز غير أنني أظل مشدوها بالطيب صالح وكيفية تعبيره عن شخصياته لقد أجاد في عرس الزين وياللأسف طغت رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال" في معرفة القاريء به!
وتلك جناية العمل على إخوته كما فعل إخوة يوسف!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى