.. في محطة بني سويف ، كنت قد بلغت آخر ما يمكن أن يبلغه مسافر من الصبر على ما حوله من ضجيج وأكل متواصل ، وحكايات لا رأس لها ولا ذَنَب ، فنزلت إلى الرصيف فاشتريت ثلاث بسكوتات صغيرات وكان معي من محطة سوهاج زجاجات ماء وعصائر ، تحرك القطار والبائع يعطيني الباقي ، فهرولت مسرعا وقفزت في باب العربية ففوجئت بما لم أتوقع قط : كان ذلك الرجل الطيب بعل السيدة الأكول قد سبقني واشترى أكداسا جديدة من مطاعم شتى ومقرقشات شتى !
أويت إلى مقعدي وكان أول ما فعلت أن نظرتُ إلى تلك السيدة الفضلى فوجدتها تقزقز لبًّا أو تقرش فولاً .. ووضع البعل ما اشتراه بين يديها ، فوضعته أسفل منها وواصلت قزقزتها للب أو قرشها للفول في حدود نصف ساعة ..وهي تهمس لبعلها بين الحين والحين فيقوم من مكانه ليطلب لها شايا من بائع الشاي .
لما وجدتها قد أوغلت في قرقشة الفول ، أعرضت عنها ، وأرخيت أذنيَّ لذلك العجوز المناضل الذي تابع تاريخ الحروب المصرية ( من الراديو ) كان يضحك بقسوة وهو يحكي لضحيته المستسلم له بجواره عن آرائه الشخصية في المرأة من خلال رحلة عمره الطويلة ، فكان مما قال : إن النساء في مصر ثلاثة أصناف لا رابع لهن ، أول صنف منهن أولئك النسوة الرغايات اللواتي يتحدثن كثيرا فيسرفن في الحديث حتى لا يجد أزواجهن مهربا إلا النزوع إلى المقاهي ولعب النرد مع الأصدقاء حتى مطلع الفجر ، والصنف الثاني أولئك النسوة الصامتات الحزينات اللواتي لا يتكلمن أبدا مهما يكن الزوج ودودا لطيفا مجاملا كريما ، فلا يجد أولئك الأزواج المهجورون مهربا إلا النزوع إلى المقاهي ولعب النرد مع الأصدقاء حتى مطلع الفجر ، والصنف الثالث لم أتبينه من حديثه ، فقد جاء موكب الكمسارية والمفتشون فأوسعونا تفتيشا وحديثا ..
وغادر الكمسارية والمفتشون بعد أداء عملهم ، وأرخيت أذني أتابع بقية أنواع الحريم ، ففوجئت بأن الرجل قد قام من مكانه ولعله راح يقضي حاجته ـ أو يشعل سيجارته ، أو يحادث زوجته . فاستسلمت راغما مرغما للسيدة التي خلفي وكانت تقول لمن تحادثه : " ....أنا قلت له مستحيييييل أوافق على كده ، ده تهريج ، روح اشتكي للي يعجبك : القسيس أو القمص أو حتى روح للبابا نفسه " ثم ضحكت ضحكة بشعة فيها تشفٍّ عنيف ، تخالف كل ضحكاتها الرقيقات السابقات اللواتي جذبن قلبي إليها قبل أن أرى سحنتها ..
لم يكن أمامي مفر من العودة لمتابعة السيدة الفضلى التي كانت قد انتهت من قزقزتها للب أو قرشها للفول ، وفتحت الكيس الذي اشتراه بعلها من محطة بني سويف فاستخرجت منه مغلفات غريبة لا عهد لي بها ، كانت تستخرج من تلك المغلفات ما يشبه الفطير فتقضم منه بشراسة وشراهة من لم يذق طعما منذ ربع قرن ، مع أنها – ويشهد الله – لم تتوقف عن القضم والهضم والرضم [ لا أحد يسألني عن معنى " الرضم " هذه ] منذ رأيتها في محطة طحطا حتى الآن ..
كنت أفكر بجدية أن أسأل السيدة التي خلفي عما فعل ذلك المذنب الذي نصحته بأن يشكوها – إن أراد- إلى قداسة البابا شخصيا .. وبالفعل نظرت إليها وهي غارقة في مكالمتها فرأيت في ملامحها ما كبحني وأخرسني ..
..... ونستكمل لاحقا
أويت إلى مقعدي وكان أول ما فعلت أن نظرتُ إلى تلك السيدة الفضلى فوجدتها تقزقز لبًّا أو تقرش فولاً .. ووضع البعل ما اشتراه بين يديها ، فوضعته أسفل منها وواصلت قزقزتها للب أو قرشها للفول في حدود نصف ساعة ..وهي تهمس لبعلها بين الحين والحين فيقوم من مكانه ليطلب لها شايا من بائع الشاي .
لما وجدتها قد أوغلت في قرقشة الفول ، أعرضت عنها ، وأرخيت أذنيَّ لذلك العجوز المناضل الذي تابع تاريخ الحروب المصرية ( من الراديو ) كان يضحك بقسوة وهو يحكي لضحيته المستسلم له بجواره عن آرائه الشخصية في المرأة من خلال رحلة عمره الطويلة ، فكان مما قال : إن النساء في مصر ثلاثة أصناف لا رابع لهن ، أول صنف منهن أولئك النسوة الرغايات اللواتي يتحدثن كثيرا فيسرفن في الحديث حتى لا يجد أزواجهن مهربا إلا النزوع إلى المقاهي ولعب النرد مع الأصدقاء حتى مطلع الفجر ، والصنف الثاني أولئك النسوة الصامتات الحزينات اللواتي لا يتكلمن أبدا مهما يكن الزوج ودودا لطيفا مجاملا كريما ، فلا يجد أولئك الأزواج المهجورون مهربا إلا النزوع إلى المقاهي ولعب النرد مع الأصدقاء حتى مطلع الفجر ، والصنف الثالث لم أتبينه من حديثه ، فقد جاء موكب الكمسارية والمفتشون فأوسعونا تفتيشا وحديثا ..
وغادر الكمسارية والمفتشون بعد أداء عملهم ، وأرخيت أذني أتابع بقية أنواع الحريم ، ففوجئت بأن الرجل قد قام من مكانه ولعله راح يقضي حاجته ـ أو يشعل سيجارته ، أو يحادث زوجته . فاستسلمت راغما مرغما للسيدة التي خلفي وكانت تقول لمن تحادثه : " ....أنا قلت له مستحيييييل أوافق على كده ، ده تهريج ، روح اشتكي للي يعجبك : القسيس أو القمص أو حتى روح للبابا نفسه " ثم ضحكت ضحكة بشعة فيها تشفٍّ عنيف ، تخالف كل ضحكاتها الرقيقات السابقات اللواتي جذبن قلبي إليها قبل أن أرى سحنتها ..
لم يكن أمامي مفر من العودة لمتابعة السيدة الفضلى التي كانت قد انتهت من قزقزتها للب أو قرشها للفول ، وفتحت الكيس الذي اشتراه بعلها من محطة بني سويف فاستخرجت منه مغلفات غريبة لا عهد لي بها ، كانت تستخرج من تلك المغلفات ما يشبه الفطير فتقضم منه بشراسة وشراهة من لم يذق طعما منذ ربع قرن ، مع أنها – ويشهد الله – لم تتوقف عن القضم والهضم والرضم [ لا أحد يسألني عن معنى " الرضم " هذه ] منذ رأيتها في محطة طحطا حتى الآن ..
كنت أفكر بجدية أن أسأل السيدة التي خلفي عما فعل ذلك المذنب الذي نصحته بأن يشكوها – إن أراد- إلى قداسة البابا شخصيا .. وبالفعل نظرت إليها وهي غارقة في مكالمتها فرأيت في ملامحها ما كبحني وأخرسني ..
..... ونستكمل لاحقا