طريق النخيل هي المجموعة القصصية الثانية للكاتب شريف محيي الدين، وتحوي أربع عشرة قصة قصيرة ،تسع منها يخاطب فيها المتلقي في صيغة المخاطب، وفي الأخريات يختلف الراوى من قصة إلى أخرى.
ونوشك في الحالين أن نستشف أن الكاتب تتمثل فيه ذات بصيرة، تجاوز في قدرتها على التأمل النظرة الفردية الضيقة إلى المضمون الفلسفي الشامل الذي يسبر أغوار الحياة في معناها العام، وما يمكن أن يكون لها من معان خاصة، وكأنه يحاول أن يأخذ بيد الإنسان وعقله إلى ما ينبغي أن يكون على مستوى المثال والواقع.
في هذه المجموعة القصصية المتفردة يتبين لنا أن الموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة، على اختلاف معارف الأفراد وثقافاتهم، ومن ثم جعل كاتبنا الموت مصباحا يمكن لنا أن نستشف عبره مدى ظلمة الحياة، ونستجلي ما غيب عنا من حقائق الأشياء، مما يمكن لنا أن نغير من رؤيتنا للحياة ونتصورها في أكثر من منظور يقارب ما ينبغي أن يكون.
فليس ثمة غرابة في أن نجد لفظة الموت ومشتقاتها قد تواترت في قصص المجموعة ستا وثلاثين مرة، على اختلاف توظيفها وعلى النحو الذي تبلغ الكاتب غايته، وكأنما الموت في واقع الحال هو أنشودة طريق النخيل.
في الموت سر الخلود، فالأفراد يموتون ولكن يبقى الجنس البشري إلى يوم الدين، وكأنماالموت هو السبيل إلى بلوغ هذه الغاية النهائية التي توشك ألا تختلف من دين إلى دين سماوي أو وضعي.
ولنا أن نمثل بقصة أشياء باقية...
فالكاتب هو الراوى، يتفاعل مع وقائع القصة تفاعلا مؤثرا.
فعندما يأس من شفاء المرأة التي أحبها وعجز أن يضع حدا لألامها، وكأنه لا يستطيع أن يشاركها حياتها اختار أن يشاركها الحياة الأبدية ،فأطلق عليها الرصاص ثم على نفسه، ولكن المقادير تشاء أن تموت هي ويبقى هو!!
بطل القصة يذكرنا بالشاعر (مايكوفيسكي) الذي قرر أن يقتل نفسه عندما فقد حبيبته، على سبيل الخلاص من ربقة الحياة وكأن الموت الإرادي هو خلاص يؤدي في نهاية المطاف إلى خلود الشهداء.، ولكن مايكوفيسكي تحققت رغبته في الموت بينما بطل قصتنا أفاق ليجد نفسه نزيلا في أحد المستشفيات، ثم انتهى به الحال أن يصبح نزيلا في السجن، وكأنه عوقب بالحكم عليه بالحياة على غير إرادة منه،
ليتساءل :
هل بقيت من أجلي أنا أم من أجلها هي؟!
ثم تتداخل معاني الوجود والعدم على نحو فلسفي يعطي متظورا مختلفا لمفهوم الحياة والموت، مؤكدا أن لا خلود دون موت.
وعندما يطلق سراح بطل القصة ويعود إلى سابق حياته، تفرض الحرية عليه مقوماتها شيئا فشيئا فيري أن الأمور تنتهج نفس النهج الذي كانت عليه قبل أن يسجن، وأن وجه الحياة لم يتغير بفقدان حبيبته.
يقول الكاتب على لسان البطل :
أكل، أشرب، أضحك، حتى الضحك بدونها لم يعد مستحيلا، كل شئ أفعله الآن قد فعلته من قبل عشرات المرات، ولكن بعد طول الزمن يبدو الأمر وكأنه يحدث لأول مرة.
وننستشف من هذه العبارة الموفية على الغاية في أداء المعنى، أن الكاتب استطاع أن يبين مدى الضعف البشري إزاء الحياة، و إزاء الموت.
إن أنشودة الموت لم تقف عند حدود هذه القصة وإنما نلمس واقعها في أعمال أخرى من هذه المجموعة، فالموت محور أساسي في هذا العمل برمته، ويقينا استطاع الكاتب من خلاله أن يسبر أغوار كثيرة من مقومات الوجود التي لا نستطيع إدراك كنهها إلا من خلال تأملنا لمفهوم الموت.
وتتجلي هذه الحقيقة في قصة مصباح التي تتناغم مع مفهوم الموت وارتباط ذلك بمفهوم البقاء.
القصة بها تزاوج فني بين الواقع والخيال
ذلك التزاوج الذي يضفي على الخيال المحلق واقعية فنية تكاد تشده إلى أرض الواقع الذي ندركه.
الكاتب في هذا العمل يجري مواجهة بين حي يتمثل في المعلم جعفر وميت يتمثل في الشيخ مصباح من خلال وساطة فنية يقوم بها المعلم مصطفى.
جعفر ومصطفى من رواد المقهى الذي يبدأ فيه الحوار، حين أنكر جعفر على مصطفى قوله له : اتق الله.
تحدي مصطفى المعلم جعفر بقوله : الناس بتقول إن المخلوق الوحيد الذي غلبك في الشر هو الشيخ مصباح، قاهر الجن والشياطين، وهو اللي بتخاف منه.
و في نهاية الحوار يقبل جعفر تحدي مصطفى له بأن يذهب إلى قبر الشيخ مصباح ويأتي برأسه، وفي حال نجاحه في ذلك فإن المعلم مصطفى سوف يترك له البر كله.
ويتخذ جعفر سبيله إلى المقابر متظاهرا بالثبات،، وقد برع الكاتب في تصوير ما يعتمل داخل جعفر من مشاعر وأخيلة تظهر له فيها شخوص من ظلمهم وقتلهم، وكل واحد منهم يقف فوق قبره، وكأنما الواقع والخيال يمتزجان ليتمثل فيهما صحيفة كاملة لسوابق جعفر وما أقترفه من مظالم.
يصور لنا الكاتب في براعة هول المشاعر التي انتابت جعفر عندما دخل مقبرة مصباح وشرع في نزع جمجمته، وعند ذلك يستشعر نيرانا تلفح ظهره، وأن هناك من يطارده، وكأن يد مصباح تمتد إلى عنقه وتوشك أن تخنقه.
يحاول جعفر أن يفر من المقبرة ويغلق بابها الحديدي من ورائه، ولكن ذلك الباب يطبق على طرف كوفيته الطويلة، بقبضة من حديد، فكلما حاول المضي قدما، كلما أطبقت الكوفية على عنقه، إلى أن يموت هلعا.
ويرقد معه في قبر واحد.
وبذلك يتحقق ما كان يعلنه مصباح في حياته من أنه وجعفر سوف يجمعهما مصير واحد.
أجاد الكاتب في اختياره للمقبرة كمسرح تدور فيه معظم أحداث القصة ويبلغ فيه من الخيال الدرامي ذروته، وقد وفق الكاتب أيما توفيق في اختيار عنوان القصة (مصباح)
دلالة ذلك الميت الذي تدور من حوله الأحداث وكأنما الموت مصباحا يلقى كثير من الأضواء على واقع الحياة.
تلقى أنشودة الموت بتراتيلها على أكثر من قصة في هذه المجموعة، منها قصة المواجهة...
التي تدور أحداثها بين أميرة وصعلوك أحبها والتى يموت الحلم فيها على نحو معنوي.
فالموت في أنشودة الموت حقيقي حينا، ومعنوي في حين آخر.
وفي قصة الوجع..
يدرك بطلها قدسية الحياة أثناء مرضه فتغرب عنه فكرة الثأر.
ولنا أن نقرر في النهاية أن الكاتب شريف محيي الدين إبراهيم يتسم بموهبة خاصة في القص، تخرج به عن مجرد معالجة الأحداث معالجة سردية إلى منحي درامي يبرز القيم الفنية والمعنوية للعمل الأدبي، وهو على ذلك يتسم بمعالجة تشد القارئ إليه، أو تشده إلى القارئ، وتعقد بينه وبين المتلقي ألفة فريدة برغم عمق الفكر الذي تعكسه أعماله.
دراسة نقدية إعداد الكاتبة الكبيرة : عزة رشاد
ونوشك في الحالين أن نستشف أن الكاتب تتمثل فيه ذات بصيرة، تجاوز في قدرتها على التأمل النظرة الفردية الضيقة إلى المضمون الفلسفي الشامل الذي يسبر أغوار الحياة في معناها العام، وما يمكن أن يكون لها من معان خاصة، وكأنه يحاول أن يأخذ بيد الإنسان وعقله إلى ما ينبغي أن يكون على مستوى المثال والواقع.
في هذه المجموعة القصصية المتفردة يتبين لنا أن الموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة، على اختلاف معارف الأفراد وثقافاتهم، ومن ثم جعل كاتبنا الموت مصباحا يمكن لنا أن نستشف عبره مدى ظلمة الحياة، ونستجلي ما غيب عنا من حقائق الأشياء، مما يمكن لنا أن نغير من رؤيتنا للحياة ونتصورها في أكثر من منظور يقارب ما ينبغي أن يكون.
فليس ثمة غرابة في أن نجد لفظة الموت ومشتقاتها قد تواترت في قصص المجموعة ستا وثلاثين مرة، على اختلاف توظيفها وعلى النحو الذي تبلغ الكاتب غايته، وكأنما الموت في واقع الحال هو أنشودة طريق النخيل.
في الموت سر الخلود، فالأفراد يموتون ولكن يبقى الجنس البشري إلى يوم الدين، وكأنماالموت هو السبيل إلى بلوغ هذه الغاية النهائية التي توشك ألا تختلف من دين إلى دين سماوي أو وضعي.
ولنا أن نمثل بقصة أشياء باقية...
فالكاتب هو الراوى، يتفاعل مع وقائع القصة تفاعلا مؤثرا.
فعندما يأس من شفاء المرأة التي أحبها وعجز أن يضع حدا لألامها، وكأنه لا يستطيع أن يشاركها حياتها اختار أن يشاركها الحياة الأبدية ،فأطلق عليها الرصاص ثم على نفسه، ولكن المقادير تشاء أن تموت هي ويبقى هو!!
بطل القصة يذكرنا بالشاعر (مايكوفيسكي) الذي قرر أن يقتل نفسه عندما فقد حبيبته، على سبيل الخلاص من ربقة الحياة وكأن الموت الإرادي هو خلاص يؤدي في نهاية المطاف إلى خلود الشهداء.، ولكن مايكوفيسكي تحققت رغبته في الموت بينما بطل قصتنا أفاق ليجد نفسه نزيلا في أحد المستشفيات، ثم انتهى به الحال أن يصبح نزيلا في السجن، وكأنه عوقب بالحكم عليه بالحياة على غير إرادة منه،
ليتساءل :
هل بقيت من أجلي أنا أم من أجلها هي؟!
ثم تتداخل معاني الوجود والعدم على نحو فلسفي يعطي متظورا مختلفا لمفهوم الحياة والموت، مؤكدا أن لا خلود دون موت.
وعندما يطلق سراح بطل القصة ويعود إلى سابق حياته، تفرض الحرية عليه مقوماتها شيئا فشيئا فيري أن الأمور تنتهج نفس النهج الذي كانت عليه قبل أن يسجن، وأن وجه الحياة لم يتغير بفقدان حبيبته.
يقول الكاتب على لسان البطل :
أكل، أشرب، أضحك، حتى الضحك بدونها لم يعد مستحيلا، كل شئ أفعله الآن قد فعلته من قبل عشرات المرات، ولكن بعد طول الزمن يبدو الأمر وكأنه يحدث لأول مرة.
وننستشف من هذه العبارة الموفية على الغاية في أداء المعنى، أن الكاتب استطاع أن يبين مدى الضعف البشري إزاء الحياة، و إزاء الموت.
إن أنشودة الموت لم تقف عند حدود هذه القصة وإنما نلمس واقعها في أعمال أخرى من هذه المجموعة، فالموت محور أساسي في هذا العمل برمته، ويقينا استطاع الكاتب من خلاله أن يسبر أغوار كثيرة من مقومات الوجود التي لا نستطيع إدراك كنهها إلا من خلال تأملنا لمفهوم الموت.
وتتجلي هذه الحقيقة في قصة مصباح التي تتناغم مع مفهوم الموت وارتباط ذلك بمفهوم البقاء.
القصة بها تزاوج فني بين الواقع والخيال
ذلك التزاوج الذي يضفي على الخيال المحلق واقعية فنية تكاد تشده إلى أرض الواقع الذي ندركه.
الكاتب في هذا العمل يجري مواجهة بين حي يتمثل في المعلم جعفر وميت يتمثل في الشيخ مصباح من خلال وساطة فنية يقوم بها المعلم مصطفى.
جعفر ومصطفى من رواد المقهى الذي يبدأ فيه الحوار، حين أنكر جعفر على مصطفى قوله له : اتق الله.
تحدي مصطفى المعلم جعفر بقوله : الناس بتقول إن المخلوق الوحيد الذي غلبك في الشر هو الشيخ مصباح، قاهر الجن والشياطين، وهو اللي بتخاف منه.
و في نهاية الحوار يقبل جعفر تحدي مصطفى له بأن يذهب إلى قبر الشيخ مصباح ويأتي برأسه، وفي حال نجاحه في ذلك فإن المعلم مصطفى سوف يترك له البر كله.
ويتخذ جعفر سبيله إلى المقابر متظاهرا بالثبات،، وقد برع الكاتب في تصوير ما يعتمل داخل جعفر من مشاعر وأخيلة تظهر له فيها شخوص من ظلمهم وقتلهم، وكل واحد منهم يقف فوق قبره، وكأنما الواقع والخيال يمتزجان ليتمثل فيهما صحيفة كاملة لسوابق جعفر وما أقترفه من مظالم.
يصور لنا الكاتب في براعة هول المشاعر التي انتابت جعفر عندما دخل مقبرة مصباح وشرع في نزع جمجمته، وعند ذلك يستشعر نيرانا تلفح ظهره، وأن هناك من يطارده، وكأن يد مصباح تمتد إلى عنقه وتوشك أن تخنقه.
يحاول جعفر أن يفر من المقبرة ويغلق بابها الحديدي من ورائه، ولكن ذلك الباب يطبق على طرف كوفيته الطويلة، بقبضة من حديد، فكلما حاول المضي قدما، كلما أطبقت الكوفية على عنقه، إلى أن يموت هلعا.
ويرقد معه في قبر واحد.
وبذلك يتحقق ما كان يعلنه مصباح في حياته من أنه وجعفر سوف يجمعهما مصير واحد.
أجاد الكاتب في اختياره للمقبرة كمسرح تدور فيه معظم أحداث القصة ويبلغ فيه من الخيال الدرامي ذروته، وقد وفق الكاتب أيما توفيق في اختيار عنوان القصة (مصباح)
دلالة ذلك الميت الذي تدور من حوله الأحداث وكأنما الموت مصباحا يلقى كثير من الأضواء على واقع الحياة.
تلقى أنشودة الموت بتراتيلها على أكثر من قصة في هذه المجموعة، منها قصة المواجهة...
التي تدور أحداثها بين أميرة وصعلوك أحبها والتى يموت الحلم فيها على نحو معنوي.
فالموت في أنشودة الموت حقيقي حينا، ومعنوي في حين آخر.
وفي قصة الوجع..
يدرك بطلها قدسية الحياة أثناء مرضه فتغرب عنه فكرة الثأر.
ولنا أن نقرر في النهاية أن الكاتب شريف محيي الدين إبراهيم يتسم بموهبة خاصة في القص، تخرج به عن مجرد معالجة الأحداث معالجة سردية إلى منحي درامي يبرز القيم الفنية والمعنوية للعمل الأدبي، وهو على ذلك يتسم بمعالجة تشد القارئ إليه، أو تشده إلى القارئ، وتعقد بينه وبين المتلقي ألفة فريدة برغم عمق الفكر الذي تعكسه أعماله.
دراسة نقدية إعداد الكاتبة الكبيرة : عزة رشاد