محمد السلاموني - الإستعارة فى اللغة والأشياء

اللغة كلية بطبيعتها ، فحين نسمى شيئا ، تقتصر اللغة على (فكرة الشئ لا الشئ نفسه) ، فكلمة (إنسان أو باب أوشجرة ... إلخ) ، لا تعنى أنا أو أنت أو هو ، أوهذا الباب أو ذاك أو تلك الشجره ... وإنما الفكرة المجردة فقط ... لذا تظل اللغة (رغم كليتها وتجريديتها) أحادية الجانب ...
الإستعارة - التى تحدثت عنها كثيرا فى هذه الحلقات - هى (التمثيل) ، هذا والتمثيل هو أداتنا فى التعبير عن أفكارنا ..
تكمن المشكلة ، و(مشكلة الفكر هى مشكلة اللغة) ، فى أن الإستعارة ترتكز فى بنائها على علاقة التشابه بين طرفيها ، بما هى المعنى ، فحين أقول : (خد وردى) ، فهذا يعنى أننى أتحدث عن (خد بلون الورد) ؛ أى أننى أستعير من الورد لونه وأصف به الخد ..
علم البيان - البلاغى (المختص بدراسة الصور البيانية) ، أحد فروع علم اللغة ، لذا فهو لا يتجاوز اللغة فى كل ما يقول ، والمشكلة تكمن تحديدا فى أن كل حديث عن الإستعارة ، بخصوص المجسدات والمجسمات والمرئيات أو البصريات عامة ، إتخذ من الإستعارة اللغوية نموذجا له - فعادة ما نقرأ عن الإستعارة المسرحية أو التشكيلية أو السينمائية ... باعتبارها علاقة أحادية (تنبنى على إستعارة الصفة أو الخاصية المميزة للمستعار منه وإلحاقها بالمستعار له) ، هكذا على طول الخط ..
تناسى اللغويون والنقاد أن للغة بنيتها النحوية الخاصة ، وإن ما من كلمة إلا وتحتل موقعا محددا فى بناء الجملة ، أما الأشياء الواقعية فليست كذلك ... ولا تتكشف علاقاتنا بها إلا عند تحويلها من نظام الإشياء إلى نظام اللغة ..
تلك الإشكالية ، مفصلية فى الحقيقة ، فحين نشاهد عرضا مسرحيا ، ونرى إنسانا فى صورة أسد أوشبح أوجن أوشجرة ، عادة ما نستنبط المعنى (عفويا) وفقا للطرق الإستنباطية المتعلقة بالمعنى ، تلك التى اعتدنا عليها (لغويا) ... بينما ما نراه مجسدا أمامنا يقول أننا أمام إزدواج إستعارى لا لبس فيه ، فكما أن الإنسان تحول إلى أسد أو شبح ... كذلك الأسد والشبح تحولا إلى إنسان ..
أعرف أن نظرية كتلك التى أقول بها ، لو أخذت على محمل الجد فسوف تدمر طرق إستنباط المعنى ، المتعلقة بالمرئيات خاصة ، ومن ثم فسوف ينسحب هذا على طرق بناء المعنى أيضا ...
ما علاقة هذا بالإستعارة الروائية ؟ ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى