هل يمكن تفكيك التداخل بين ذات الكاتبة وذات بطلة النص؟ وهل يمكن فك شفرة الخيانة؟
قراءة سيكلوجية نقدية في رواية "نقوش على جسد ناعم"
الكاتبة الشابة ميرفت البربري المولودة في منطقة الحلمية الجديدة وهي بقعة تقع بين السيدة زينب وسيدنا الحسين، منطقة شديدة الزخم بالميراث الانساني والتاريخي والروحي الخاطف للابصار والقلوب، خاصة عندما يكون الشخص برهافة حس وقلب وروح طفلة صغيرة تمتعت بذكاء عقلي مبكر مقارنة بأقرانها، ورؤية وبصيرة نافذة مكنتها من القاء اسئلة عن الواقع والغيب ربما سبقت ابناء جيلها. الكاتبة ميرفت البربري تبدو في حالة انسجام وتصالح مع ذاتها. ان نشأتها وانصهارها داخل تلك الأماكن الموغلة في القدم، وتفوح من جنباتها روائح الماضي البعيد وذكرياته التي وثقها التاريخ ويحتفي بها الواقع قد ضمخها بوجدان مشاعري متفرد ساهم بقوة في تشكيل شخصيتها الانسانية والابداعية، تقول " كانت نشأتي بين آثار مصر الفاطمية وهذه المنطقة وما تحمله من فن له كبير الأثر في نشأتي الوجدانية، كنت أسير بين جدران هذا الحي الساحر أتخيل ما وراء هذه الجدر من حياة سابقة وأرى شخوصها بزيهم القديم وأحادثهم. واراهم في منامي". الكاتبة هنا تكشف عند مصادر الألهام والابداع لديها في منهى البساطة. عرفت كيف تعبر عن ذاتها المتفردة عن اقرانها بالشعر في العاشرة من عمرها حينما ولجت أبواب المراهقة والرغبة المحمومة في تأكيد الذات، ولاحقا ولوجها عالم القصة القصيرة في المرحلة الاعدادية قبل ان تتوقف نسبيا للتفرغ للدراسة والانشغال بهموم العمل في التدريس، ثم الزواج والانجاب وتربية الأولاد ثم العودة التلقائية الى الانشطة الابداعية بعد ان استطالت قامات الأبناء. نحن بصدد شخصية تعرف ما الذي تريده، كما ان لديها قدرة هائلة على المثابرة ومتابعة هدفها رغم المشاق، انها بكل تأكيد مثابرة المبدع الذي لايترك هدفه دون تحقيقه مهما طال الزمن وتعقدت الظروف والتحديات. بمجرد عودتها التلقائية للقلم والكتابة مرة أخرى انشغلت بكتابة رواية " على لهيب شمعة" التي بدأت في كتابتها عام 2016 ونشرت عام 2019 وفازت بجائزة احسان عبد القدوس، ثم اعقبها اصدار رواية خبز الملائكة، أيضا اصدرت المجموعة القصصية " قصص تائهة" عام 2018، وتعتبر باكورة اصداراتها الابداعية المنشورة، تلاها في نفس العام ديوان شعري بعنوان "همس المشاعر" الذي كشفت خلاله عن مجموعة من الخواطر والومضات والأراء في مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية والعاطفية، والفكرية. وتدفقت منتجاتها الابداعية لاحقا في صورة مجموعة قصصية "ري السراب" عام 2021 . ثم أخيرا رواية نقوش على جسد ناعم موضوع المناقشة والتحليل.
الرواية من مطبوعات شركة M.M.E.A.D للطبع والنشر والتوزيع، مطبوعات محمد دحروج صدرت عام 2021، تشتمل على عدد 193 صفحة من القطع المتوسط، متضمنة في ثمانية عناوين لفصول الرواية بالاضافة لصفحة الغلاف وصفحتي التصدير والفهرس. ودائما يكون عنوان النص المفتاح الرئيسي لفك شفرته أو كما يحلوا للنقاد اعتباره عتبة النص التي نصعد من خلالها لاستكشاف دروبه وفك الغازه ورموزه. لكن لدينا في هذا السياق عتبتين للنص يفتحان لنا أفق فهم النص وكاتبته. العتبة الأولى تتعلق بالعنوان مثل العادة، والعتبة الثانية تتعلق بالحضور المتدفق والسخي لمولانا جلال الدين الرومي الصوفي والشاعر الصوفي الأشهر في تاريخ الثقافة الانسانية قاطبة.
فيما يخص العنوان عتبة النص الأولى " نقوش على جسد ناعم"، حتى لو جاء العنوان عفويا تلقائيا من قبل المؤلف أو الناشر بغرض جذب القراء للرواية. فان المحتوى الكلي للنص الروائي يكشف بجلاء عن سطوة العقل اللاواعي لدى الكاتبة في استخراج خلاصة خلاصة ما دعاها وما ارادت ان تقوله خلال رحلتها في كتابة هذا النص، كأنها ارادت ان تكشف لنا عن النقوش أو العلامات التي لازمت التحديات والمطبات والمصاعب والصدمات التي تركت ندوبا أو علامات أو نقوشا على جسدها الأبيض الناعم أو بالأحرى تلك الشخصية الرقيقة مرهفة الشعور والانسانية والتي لم يخضب ثوبها بالتلوث بعد!. ان هذه النقوش أو العلامات مجرد آثار رحلة "سهر" أو الكاتبة خلال رحلتها مع واقع صعب كاشف، وصرخة هادئة تتسق وشخصية الكاتبة لما تعانيه ملايين النساء من ضغوط ذكورية تملكية غير عادلة أثناء الحياة اليومية، واذا كان النقش يمثل علامة، والجسد الناعم يمثل الجنس الأنوي الجميل الناعم في حياتنا فان العنوان وفق هذا المنطلق يصبح فاضح لما ارادت الكاتبة ان تحكيه وتحاكيه عن رحلتها في النص الروائي. وجدير بالذكر ان النقوش لايجب اعتبارها علامات سلبية في المطلق بل يجب التنبيه ان النقوش يمكن ان تكون علامات ايجابية لتأثير وتغيرات الواقع والاحتفاء به مثل تلك النقوش التي تستخدمها النساء وكذلك لرجال في صورة وشم للتزين استعراضا للانوثة أو الذكورة في الوقت الحالي، وقد عاينا ذلك داخل النص الروائي وخلال رحلة بطلته سهر ومعاناتها. وفيما يخص عتبة النص التالية فتتمثل في الحضور المتدفق السخي لمولانا جلال الدين الرومي (1207-12073) ميلادية. المولود في مدينة بلخ بافغانستان، لكنه امضى حياته متنقلا في الكثير من البلدان قبل ان يستقر به المقام في مدينة قونية التركية في عهد السلاجقة الاتراك، وبعد رحلة مع تدريس الفقه والعلوم الاسلامية لجأ الى التصوف والرياضة وسماع الموسيقى ونظم الاشعار وانشادها، اشعاره ومؤلفاته الصوفيه تعد ميراث انساني عظيم لما تتسم به من الحكمة والتسامح والحب، ترجمت اعماله الى الكثير من اللغات، وصفته اذاعة البي بي سي بانه أكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية. كان يستعمل الموسيقى والشعر كسبيل للوصول الى الله. لذلك فليس من المستغرب ان تتماهى شخصية الكاتبة أو البطلة وفق تحليلنا السابق مع رمز انساني بقوة حضور جلال الدين الرومي المتصوف الأعظم والعاشق للانسانية وللحياة وللحب بكافة تجلياته. ان هذا الأمر كاشف بجلاء عن شخصية كاتبة النص مثلما يكشف عن النص ذاته وتفاعل بطلة النص ودورانها الزجزاجي داخله، وهذا ما سنوضحة لاحقا في رحلتنا لفك شفرات ماهو ذاتوي وما هو موضوعي داخل النص.
وعروجا الى سائر عناصر النص الروائي الذي يمثل حالة انسانية فريدة لبطلته "سهر" نلك الشخصية التي توحدت بها الكاتبة وصدرتها للمشهد الروائي وتخفت هي ورائها، نرصد عدة علاقات انسانية تتمثل في مثلثات للشخصيات التي ساهمت في البناء الدرامي والتركيبة الخاصة بابطال النص واحداثه .
المثلث الأول:(سهر/وليد1 وليد2/الأبناء سيف وسهى) . سهر الرواية العليمة وبطلة النص التي توحدت معها شخصية الكاتبة أو ان شخصية الكاتبة توحدت معها، نسعى لحل اللغز وفك الشفرة، فتاة جميلة، جذابة انثويا، رقيقة، خجولة، انطوائية نوعا ما، واعتمادية جدا أيضا، فنانة تهوى الرسم والموسيقى، تعيش حياة هادئة وسط اسرة هادئة ومستقرة وميسورة الحال، تعلقت بشاب يماثلها الخصال (وليد1)، امتلك كيانها وامتلك أيضا ارادتها، اعتماديتها المفرطة اختبأت داخل تلافيف اللاشعور داخلها. تجلى هذا الأمر حينما فاجأها حبيبها ذات يوم باضطراره الى التخلي عنها والارتباط بقريبته بحسب رغبة والديه وانه لن يستطيع ان يقف ضد رغبتهما. اختفى الحبيب الخارجي، لكن حبيب الداخل (وليد1) ظل قابعا داخلها في انتظار الفرصة، نجحت في قمع كافة المشاعر السلبية المسموح لها بالظهور علنا، لكن لم تنجح في كبح جماح وليد الداخل، المنتظر فرصة للخروج الى عقلها الواعي. في العمل اجتذب جمالها وهدوءها وثرائها نظر زميلها الأقدم سامي، تزوجا برغم تباين المستوى الاقتصادي بين الطرفين ، حسبت انها تخلصت من وليد1 حبيبها السابق، لكن الذي حدث ان وليد الداخل تنمر، لايريدها ان تخرج عن سيطرته. استغل الصدمة القوية التي واجهتها في علاقتها بزوجها، (مشاعر عميقة تتعلق بالتجاهل والنكران وعدم الوفاء بالعهود وشكوك قوية متعلقة بخيانته لها). صدمة لم تحتملها تلك المرأة الرقيقة التي تعيش حلم طويل. وليد الداخل المتنمر استغل الفرصة، ارسلها في غيبوبة طويلة لتبتعد عن وعيها، ويتمكن هو من الاستفراد بها خلال هذه الفترة المؤلمة لجميع من حولها وخاصة سامي زوجها الذي ارسل ولديه سيف وسهى للاقامة عند والدته سليطة اللسان!. ان الغيبوبة التي دهمت سهر مجرد ميكانزم دفاعي استدعاه عقلها الباطن للهروب من واقعها البائس حيث لم يعد جهازها العصبي قادر على احتماله. كما انها فرصة لاستدعاء حبيبها السابق "الخائن أيضا والائتناس به. رغم رغبة الذات العاشقة الخاصة بسهر في انكار هذا الأمر. وكأن الكاتبة اختلط علها الأمر فنسجت سيرة شبه ذاتيه عن نفسها في بدايات النص الروائي، ثم سبحت في بحر الخيال والتخييل، وفلت منها الزمن ، الذي بدا استخدامه على مدار النص متأرجحا بين ما هو زجزاجي، وما هو مستقيم، لذلك اضطرت كثيرا الى الرجوع الى الخلف (الفلاش باك) لتستعيد زمام الحدث والأحداث.
ان سيف الزوج يمثل نموذج تقليدي للرجل الذي يستجيب للتغيرات من حوله بسهولة، ولايملك مرجعية اخلاقية ثابتة أو مبادئ ملزمة له تحكم منظومة سلوكياته وأفكاره في استجاباته وعلاقاته مع الآخرين. لايختلف كثيرا عن وليد حبيب سهر السابق الذي هرب الى الزواج بأخرى رغم وعوده لها وادراكه بشدة تعلقها به. متقلب الأحوال، ادرك في نهاية المطاف انه تسبب في منح سهر أذى عميق لكنه ناضل من اجل ان يستعيدها ثانية، مثلما ناضلت من أجل تغيير حياتها وان تبدأ من جديد، لكن على طريقة الأفلام العربية، وحتمية النهايات السعيدة، اضطرت سهر الى الرضوخ لواقع الثقافة المحلية وما تتضمنه من عادات وتقاليد وأعراف مقيدة، واحتواء الأبناء الذين اظهرهم النص في صورة ضبابية غير مشبعة أو مؤثرة سوى في النهايات، وكنت اتوقع تسليط الضوء الدرامي أكثر على مسألة الأبناء. وكأن ذات الكاتبة نفسها هي من ارادت تلك النهاية وليس مخيلتها، وليس سهر تلك المرأة المدهشة التي غيرت حياتها بفعل قوة الارادة والأصرار ومساعدة العلاج النفسي والدكتور وليد2 المعادل الموضوعي للشخصية الجادة والملتزمة لوليد1 الخارجي والداخلي المتخاذل والخائن. ان السعي الى تفكيك الذات الموضوعية للكاتبة والذات المتخيلة لها في صورة سهر يشبه الرسم على الماء. ويبدو ان نتيجة التصارع بين الموضوعي والذاتوي المتخيل واحدة على أي حال. ثم يأتي الدكتور وليد2 الذي التقى سهر في بداية الأزمة أثناء الغيبوبة وتعلق بها كثيرا، واختلاقه طريقة للاستمرار بجانبها خاصة بعد رحيل الطبيب الأصلي الدكتور أمجد بالسفر لحضور مؤتمر. واستخدامه لأساليب العلاج النفسي السلوكي والمعرفي التحليلي من أجل تطوير شخصية ومهارات سهر، بالاضافة لمحاولته سبر غور داخلها بطريقة احترافية مميزة، الأمر الذي مكنه من مساعدتها في نهاية المطاف. ان المدهش في النص ان هذا الطبيب ظل محافظا على الشعرة الدقيقة في علاقته بمريضته التي تملك هواها قلبه، لم يستسلم لما يمكن ان نسميه عملية الطرح المضاد Transference Counter الخاص بتعلق الطبيب بمريضته، مقابل عملية الطرح الخاصة بتعلق المريضة بطبيبها المعالج Transference. الكاتبة كانت تدرك هذا الأمر بذكاء، حينما أشارت الى ان فضفضت الدكتور وليد بمشاعره الايجابية تجاه مريضته تمت فقط خلال قصائده الشعرية المكتوبة على الدفتر الخاص بالوصفات الطبية، ويخفيها في عيادته ولاتدري عنها مريضته شيئا حتى عثرت عليها بالصدفة. ثم قدرة هذا الطبيب النبيل على التماسك وضبط النفس حيال مشاعره الايجابية نحو حبيبته سهر، ومنحها كامل الحرية في ان تتخذ قرارها فيما يخص علاقتها به من دون ادني تدخل أو ابتزاز. ان الدكتور وليد شخصية نبيلة بامتياز، ورغم ذلك انتحت سهر نحو الاتجاه المعاكس في نهاية المطاف.
ان الحديث عن الخيانة ذو شجون، الكاتبة خلال النص تطرح عدة مستويات من الخيانة، مثل خيانة المشاعر، سهر تتهم نفسها بخيانة سامي لمجرد ان وليد الحبيب السابق لايزال حاضرا داخلها ومستحوذ على عقلها الباطن بقوة. يتملكها شعور مزعج بالذنب حيال هذه المسألة ناتج عن الاكتئاب الذي يغلف شخصيتها ويرسل موجاته بين الحين والآخر لتنشيط واقعها وحيويتها، ثم تجيئ خيانة سامي لسهر جسديا مع نهاد زميلته في العمل. والمدهش ان النص حاول تبرير خيانة الزوج بالتركيز على المطارده الرهيبة من قبل نهاد لسامي واصرارها على الزواج منه بأية طريقة لانها تحبه بجنون، ثم تلك الحالة المرضية طويلة الأمد المعوقة لسهر من التفاعل الايجابي جسديا مع سامي، الأمر الذي اضطره الى الانتكاس والتفاعل مع نهاد والزواج منها بورقة عرفي. ثم مستوى آخر من خيانة سامي السابقة على دخول سهر مرحلة الغيبوبة والاختفاء من الواقع الحقيقي، هذا المستوى يتعلق بخيانته للعهد الذي أخذه على نفسه معها ومع والدها بانه سوف يبذل كل ما يستطيع من اجل اسعادها، لكن تمر الأيام وينسى عهده والتزامه، ويدخلها واولاده في دائرة التجاهل والنسيان لحساب سهراته بالخارج مع اصدقائه. ثم خيانة ثالثة لعهده معها بعد استيقاظها من الغيبوبة وتعهده بالالتزام وعدم تكرار ممارساته السابقة، لكنه سرعان ما نكث عهوده وانتكس ورجعت ريمة لعادتها القديمة. ان هذه المستويات من الخيانة كما ترويها سهر أو تكشفها الكاتبة تظهر اضطرابا وتشوشا يمكن ملاحظته بسهولة في النص من خلال الأداء اللغوي. الأمر الذي يشي بوجود تداخل بين الذات الخاصة بالكاتبة وبين الذات الخاصة بسهر البطلة التي تحمل الكثير من الملامح والتركيبة الشخصية لذات الكاتبة الحقيقية. وفي قراءتنا للنص حاولنا تفكيك هذا التداخل، مثلما حاولنا فك شفرات تلك الرسائل التي ارادت الكاتبة ان ترسلها لنا سواء أثناء غيبوبتها أو مرحلة ما بعد الغيبوبة. أيضا تبدو الخيانة في مستواها المباشر القاسي خلال مثلث العلاقات بين منى صديقة سهر الوحيدة والمقربة جدا منها، بل وتحمل تقريبا نفس ملاح وتركيبة شخصيتها، ومدحت زوج مني المخادع الذي اعتاد خيانة زوجته منى مع الكثير من النساء، لكنها صابرة وترفض باصرار أي موقف يهدد بخراب بيتها، وأروى أخت مني الباحثة عن أي زوج حتى لو كان زوج اختها. اطراف مثلث تلك العلاقة يدورون في دائرة مفرغة، يصرون على الاحتفاظ بمواقعهم داخلها بعد ان تلاشت كافة الحدود القيمية الأخلاقية، ولم يعد هناك ضمير يكبح جماح هذا الانفلات القميمي، لا تلقي منى بالا بوجهة نظر سهر التي استعادت شخصيتها وتعافت تقريبا من حالة الهزيمة والانكسار والاعتمادية، واصبحت كائن حر، مستقل، يستطيع اتخاذ القرارات والسيطرة على حياته، واصبحت فنانة بامتياز. طالبتها سهر بالطلاق، وقررت منى تقبل خيانة الزوج وغدر الأخت من أجل ان تظل في البيت مع الأولاد ولاينفرط عقد الأسرة. وجهة نظر سوف تكلفها غالي في المستقبل، وسوف تكلف المجتمع البائس الذي ينتصر دائما لذكورية الرجل المنفلت، ويسحق المرأة الكثير من البؤس والمرارة والتردي. ربما كانت هذه هي الندوب أو الوشم أو النقوش التي ارادت الكاتبة أو سهر بعد ان تعافت وحصلت على حريتها ان تبلغنا بها قبل ان تقرر ان تسير على نفس الدرب الذي سارت عليه مني صديقتها الانتيم وتنتكس وتدور مع دوران عجلة التردي والقهر والظلم من جديد.
قراءة سيكلوجية نقدية في رواية "نقوش على جسد ناعم"
الكاتبة الشابة ميرفت البربري المولودة في منطقة الحلمية الجديدة وهي بقعة تقع بين السيدة زينب وسيدنا الحسين، منطقة شديدة الزخم بالميراث الانساني والتاريخي والروحي الخاطف للابصار والقلوب، خاصة عندما يكون الشخص برهافة حس وقلب وروح طفلة صغيرة تمتعت بذكاء عقلي مبكر مقارنة بأقرانها، ورؤية وبصيرة نافذة مكنتها من القاء اسئلة عن الواقع والغيب ربما سبقت ابناء جيلها. الكاتبة ميرفت البربري تبدو في حالة انسجام وتصالح مع ذاتها. ان نشأتها وانصهارها داخل تلك الأماكن الموغلة في القدم، وتفوح من جنباتها روائح الماضي البعيد وذكرياته التي وثقها التاريخ ويحتفي بها الواقع قد ضمخها بوجدان مشاعري متفرد ساهم بقوة في تشكيل شخصيتها الانسانية والابداعية، تقول " كانت نشأتي بين آثار مصر الفاطمية وهذه المنطقة وما تحمله من فن له كبير الأثر في نشأتي الوجدانية، كنت أسير بين جدران هذا الحي الساحر أتخيل ما وراء هذه الجدر من حياة سابقة وأرى شخوصها بزيهم القديم وأحادثهم. واراهم في منامي". الكاتبة هنا تكشف عند مصادر الألهام والابداع لديها في منهى البساطة. عرفت كيف تعبر عن ذاتها المتفردة عن اقرانها بالشعر في العاشرة من عمرها حينما ولجت أبواب المراهقة والرغبة المحمومة في تأكيد الذات، ولاحقا ولوجها عالم القصة القصيرة في المرحلة الاعدادية قبل ان تتوقف نسبيا للتفرغ للدراسة والانشغال بهموم العمل في التدريس، ثم الزواج والانجاب وتربية الأولاد ثم العودة التلقائية الى الانشطة الابداعية بعد ان استطالت قامات الأبناء. نحن بصدد شخصية تعرف ما الذي تريده، كما ان لديها قدرة هائلة على المثابرة ومتابعة هدفها رغم المشاق، انها بكل تأكيد مثابرة المبدع الذي لايترك هدفه دون تحقيقه مهما طال الزمن وتعقدت الظروف والتحديات. بمجرد عودتها التلقائية للقلم والكتابة مرة أخرى انشغلت بكتابة رواية " على لهيب شمعة" التي بدأت في كتابتها عام 2016 ونشرت عام 2019 وفازت بجائزة احسان عبد القدوس، ثم اعقبها اصدار رواية خبز الملائكة، أيضا اصدرت المجموعة القصصية " قصص تائهة" عام 2018، وتعتبر باكورة اصداراتها الابداعية المنشورة، تلاها في نفس العام ديوان شعري بعنوان "همس المشاعر" الذي كشفت خلاله عن مجموعة من الخواطر والومضات والأراء في مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية والعاطفية، والفكرية. وتدفقت منتجاتها الابداعية لاحقا في صورة مجموعة قصصية "ري السراب" عام 2021 . ثم أخيرا رواية نقوش على جسد ناعم موضوع المناقشة والتحليل.
الرواية من مطبوعات شركة M.M.E.A.D للطبع والنشر والتوزيع، مطبوعات محمد دحروج صدرت عام 2021، تشتمل على عدد 193 صفحة من القطع المتوسط، متضمنة في ثمانية عناوين لفصول الرواية بالاضافة لصفحة الغلاف وصفحتي التصدير والفهرس. ودائما يكون عنوان النص المفتاح الرئيسي لفك شفرته أو كما يحلوا للنقاد اعتباره عتبة النص التي نصعد من خلالها لاستكشاف دروبه وفك الغازه ورموزه. لكن لدينا في هذا السياق عتبتين للنص يفتحان لنا أفق فهم النص وكاتبته. العتبة الأولى تتعلق بالعنوان مثل العادة، والعتبة الثانية تتعلق بالحضور المتدفق والسخي لمولانا جلال الدين الرومي الصوفي والشاعر الصوفي الأشهر في تاريخ الثقافة الانسانية قاطبة.
فيما يخص العنوان عتبة النص الأولى " نقوش على جسد ناعم"، حتى لو جاء العنوان عفويا تلقائيا من قبل المؤلف أو الناشر بغرض جذب القراء للرواية. فان المحتوى الكلي للنص الروائي يكشف بجلاء عن سطوة العقل اللاواعي لدى الكاتبة في استخراج خلاصة خلاصة ما دعاها وما ارادت ان تقوله خلال رحلتها في كتابة هذا النص، كأنها ارادت ان تكشف لنا عن النقوش أو العلامات التي لازمت التحديات والمطبات والمصاعب والصدمات التي تركت ندوبا أو علامات أو نقوشا على جسدها الأبيض الناعم أو بالأحرى تلك الشخصية الرقيقة مرهفة الشعور والانسانية والتي لم يخضب ثوبها بالتلوث بعد!. ان هذه النقوش أو العلامات مجرد آثار رحلة "سهر" أو الكاتبة خلال رحلتها مع واقع صعب كاشف، وصرخة هادئة تتسق وشخصية الكاتبة لما تعانيه ملايين النساء من ضغوط ذكورية تملكية غير عادلة أثناء الحياة اليومية، واذا كان النقش يمثل علامة، والجسد الناعم يمثل الجنس الأنوي الجميل الناعم في حياتنا فان العنوان وفق هذا المنطلق يصبح فاضح لما ارادت الكاتبة ان تحكيه وتحاكيه عن رحلتها في النص الروائي. وجدير بالذكر ان النقوش لايجب اعتبارها علامات سلبية في المطلق بل يجب التنبيه ان النقوش يمكن ان تكون علامات ايجابية لتأثير وتغيرات الواقع والاحتفاء به مثل تلك النقوش التي تستخدمها النساء وكذلك لرجال في صورة وشم للتزين استعراضا للانوثة أو الذكورة في الوقت الحالي، وقد عاينا ذلك داخل النص الروائي وخلال رحلة بطلته سهر ومعاناتها. وفيما يخص عتبة النص التالية فتتمثل في الحضور المتدفق السخي لمولانا جلال الدين الرومي (1207-12073) ميلادية. المولود في مدينة بلخ بافغانستان، لكنه امضى حياته متنقلا في الكثير من البلدان قبل ان يستقر به المقام في مدينة قونية التركية في عهد السلاجقة الاتراك، وبعد رحلة مع تدريس الفقه والعلوم الاسلامية لجأ الى التصوف والرياضة وسماع الموسيقى ونظم الاشعار وانشادها، اشعاره ومؤلفاته الصوفيه تعد ميراث انساني عظيم لما تتسم به من الحكمة والتسامح والحب، ترجمت اعماله الى الكثير من اللغات، وصفته اذاعة البي بي سي بانه أكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية. كان يستعمل الموسيقى والشعر كسبيل للوصول الى الله. لذلك فليس من المستغرب ان تتماهى شخصية الكاتبة أو البطلة وفق تحليلنا السابق مع رمز انساني بقوة حضور جلال الدين الرومي المتصوف الأعظم والعاشق للانسانية وللحياة وللحب بكافة تجلياته. ان هذا الأمر كاشف بجلاء عن شخصية كاتبة النص مثلما يكشف عن النص ذاته وتفاعل بطلة النص ودورانها الزجزاجي داخله، وهذا ما سنوضحة لاحقا في رحلتنا لفك شفرات ماهو ذاتوي وما هو موضوعي داخل النص.
وعروجا الى سائر عناصر النص الروائي الذي يمثل حالة انسانية فريدة لبطلته "سهر" نلك الشخصية التي توحدت بها الكاتبة وصدرتها للمشهد الروائي وتخفت هي ورائها، نرصد عدة علاقات انسانية تتمثل في مثلثات للشخصيات التي ساهمت في البناء الدرامي والتركيبة الخاصة بابطال النص واحداثه .
المثلث الأول:(سهر/وليد1 وليد2/الأبناء سيف وسهى) . سهر الرواية العليمة وبطلة النص التي توحدت معها شخصية الكاتبة أو ان شخصية الكاتبة توحدت معها، نسعى لحل اللغز وفك الشفرة، فتاة جميلة، جذابة انثويا، رقيقة، خجولة، انطوائية نوعا ما، واعتمادية جدا أيضا، فنانة تهوى الرسم والموسيقى، تعيش حياة هادئة وسط اسرة هادئة ومستقرة وميسورة الحال، تعلقت بشاب يماثلها الخصال (وليد1)، امتلك كيانها وامتلك أيضا ارادتها، اعتماديتها المفرطة اختبأت داخل تلافيف اللاشعور داخلها. تجلى هذا الأمر حينما فاجأها حبيبها ذات يوم باضطراره الى التخلي عنها والارتباط بقريبته بحسب رغبة والديه وانه لن يستطيع ان يقف ضد رغبتهما. اختفى الحبيب الخارجي، لكن حبيب الداخل (وليد1) ظل قابعا داخلها في انتظار الفرصة، نجحت في قمع كافة المشاعر السلبية المسموح لها بالظهور علنا، لكن لم تنجح في كبح جماح وليد الداخل، المنتظر فرصة للخروج الى عقلها الواعي. في العمل اجتذب جمالها وهدوءها وثرائها نظر زميلها الأقدم سامي، تزوجا برغم تباين المستوى الاقتصادي بين الطرفين ، حسبت انها تخلصت من وليد1 حبيبها السابق، لكن الذي حدث ان وليد الداخل تنمر، لايريدها ان تخرج عن سيطرته. استغل الصدمة القوية التي واجهتها في علاقتها بزوجها، (مشاعر عميقة تتعلق بالتجاهل والنكران وعدم الوفاء بالعهود وشكوك قوية متعلقة بخيانته لها). صدمة لم تحتملها تلك المرأة الرقيقة التي تعيش حلم طويل. وليد الداخل المتنمر استغل الفرصة، ارسلها في غيبوبة طويلة لتبتعد عن وعيها، ويتمكن هو من الاستفراد بها خلال هذه الفترة المؤلمة لجميع من حولها وخاصة سامي زوجها الذي ارسل ولديه سيف وسهى للاقامة عند والدته سليطة اللسان!. ان الغيبوبة التي دهمت سهر مجرد ميكانزم دفاعي استدعاه عقلها الباطن للهروب من واقعها البائس حيث لم يعد جهازها العصبي قادر على احتماله. كما انها فرصة لاستدعاء حبيبها السابق "الخائن أيضا والائتناس به. رغم رغبة الذات العاشقة الخاصة بسهر في انكار هذا الأمر. وكأن الكاتبة اختلط علها الأمر فنسجت سيرة شبه ذاتيه عن نفسها في بدايات النص الروائي، ثم سبحت في بحر الخيال والتخييل، وفلت منها الزمن ، الذي بدا استخدامه على مدار النص متأرجحا بين ما هو زجزاجي، وما هو مستقيم، لذلك اضطرت كثيرا الى الرجوع الى الخلف (الفلاش باك) لتستعيد زمام الحدث والأحداث.
ان سيف الزوج يمثل نموذج تقليدي للرجل الذي يستجيب للتغيرات من حوله بسهولة، ولايملك مرجعية اخلاقية ثابتة أو مبادئ ملزمة له تحكم منظومة سلوكياته وأفكاره في استجاباته وعلاقاته مع الآخرين. لايختلف كثيرا عن وليد حبيب سهر السابق الذي هرب الى الزواج بأخرى رغم وعوده لها وادراكه بشدة تعلقها به. متقلب الأحوال، ادرك في نهاية المطاف انه تسبب في منح سهر أذى عميق لكنه ناضل من اجل ان يستعيدها ثانية، مثلما ناضلت من أجل تغيير حياتها وان تبدأ من جديد، لكن على طريقة الأفلام العربية، وحتمية النهايات السعيدة، اضطرت سهر الى الرضوخ لواقع الثقافة المحلية وما تتضمنه من عادات وتقاليد وأعراف مقيدة، واحتواء الأبناء الذين اظهرهم النص في صورة ضبابية غير مشبعة أو مؤثرة سوى في النهايات، وكنت اتوقع تسليط الضوء الدرامي أكثر على مسألة الأبناء. وكأن ذات الكاتبة نفسها هي من ارادت تلك النهاية وليس مخيلتها، وليس سهر تلك المرأة المدهشة التي غيرت حياتها بفعل قوة الارادة والأصرار ومساعدة العلاج النفسي والدكتور وليد2 المعادل الموضوعي للشخصية الجادة والملتزمة لوليد1 الخارجي والداخلي المتخاذل والخائن. ان السعي الى تفكيك الذات الموضوعية للكاتبة والذات المتخيلة لها في صورة سهر يشبه الرسم على الماء. ويبدو ان نتيجة التصارع بين الموضوعي والذاتوي المتخيل واحدة على أي حال. ثم يأتي الدكتور وليد2 الذي التقى سهر في بداية الأزمة أثناء الغيبوبة وتعلق بها كثيرا، واختلاقه طريقة للاستمرار بجانبها خاصة بعد رحيل الطبيب الأصلي الدكتور أمجد بالسفر لحضور مؤتمر. واستخدامه لأساليب العلاج النفسي السلوكي والمعرفي التحليلي من أجل تطوير شخصية ومهارات سهر، بالاضافة لمحاولته سبر غور داخلها بطريقة احترافية مميزة، الأمر الذي مكنه من مساعدتها في نهاية المطاف. ان المدهش في النص ان هذا الطبيب ظل محافظا على الشعرة الدقيقة في علاقته بمريضته التي تملك هواها قلبه، لم يستسلم لما يمكن ان نسميه عملية الطرح المضاد Transference Counter الخاص بتعلق الطبيب بمريضته، مقابل عملية الطرح الخاصة بتعلق المريضة بطبيبها المعالج Transference. الكاتبة كانت تدرك هذا الأمر بذكاء، حينما أشارت الى ان فضفضت الدكتور وليد بمشاعره الايجابية تجاه مريضته تمت فقط خلال قصائده الشعرية المكتوبة على الدفتر الخاص بالوصفات الطبية، ويخفيها في عيادته ولاتدري عنها مريضته شيئا حتى عثرت عليها بالصدفة. ثم قدرة هذا الطبيب النبيل على التماسك وضبط النفس حيال مشاعره الايجابية نحو حبيبته سهر، ومنحها كامل الحرية في ان تتخذ قرارها فيما يخص علاقتها به من دون ادني تدخل أو ابتزاز. ان الدكتور وليد شخصية نبيلة بامتياز، ورغم ذلك انتحت سهر نحو الاتجاه المعاكس في نهاية المطاف.
ان الحديث عن الخيانة ذو شجون، الكاتبة خلال النص تطرح عدة مستويات من الخيانة، مثل خيانة المشاعر، سهر تتهم نفسها بخيانة سامي لمجرد ان وليد الحبيب السابق لايزال حاضرا داخلها ومستحوذ على عقلها الباطن بقوة. يتملكها شعور مزعج بالذنب حيال هذه المسألة ناتج عن الاكتئاب الذي يغلف شخصيتها ويرسل موجاته بين الحين والآخر لتنشيط واقعها وحيويتها، ثم تجيئ خيانة سامي لسهر جسديا مع نهاد زميلته في العمل. والمدهش ان النص حاول تبرير خيانة الزوج بالتركيز على المطارده الرهيبة من قبل نهاد لسامي واصرارها على الزواج منه بأية طريقة لانها تحبه بجنون، ثم تلك الحالة المرضية طويلة الأمد المعوقة لسهر من التفاعل الايجابي جسديا مع سامي، الأمر الذي اضطره الى الانتكاس والتفاعل مع نهاد والزواج منها بورقة عرفي. ثم مستوى آخر من خيانة سامي السابقة على دخول سهر مرحلة الغيبوبة والاختفاء من الواقع الحقيقي، هذا المستوى يتعلق بخيانته للعهد الذي أخذه على نفسه معها ومع والدها بانه سوف يبذل كل ما يستطيع من اجل اسعادها، لكن تمر الأيام وينسى عهده والتزامه، ويدخلها واولاده في دائرة التجاهل والنسيان لحساب سهراته بالخارج مع اصدقائه. ثم خيانة ثالثة لعهده معها بعد استيقاظها من الغيبوبة وتعهده بالالتزام وعدم تكرار ممارساته السابقة، لكنه سرعان ما نكث عهوده وانتكس ورجعت ريمة لعادتها القديمة. ان هذه المستويات من الخيانة كما ترويها سهر أو تكشفها الكاتبة تظهر اضطرابا وتشوشا يمكن ملاحظته بسهولة في النص من خلال الأداء اللغوي. الأمر الذي يشي بوجود تداخل بين الذات الخاصة بالكاتبة وبين الذات الخاصة بسهر البطلة التي تحمل الكثير من الملامح والتركيبة الشخصية لذات الكاتبة الحقيقية. وفي قراءتنا للنص حاولنا تفكيك هذا التداخل، مثلما حاولنا فك شفرات تلك الرسائل التي ارادت الكاتبة ان ترسلها لنا سواء أثناء غيبوبتها أو مرحلة ما بعد الغيبوبة. أيضا تبدو الخيانة في مستواها المباشر القاسي خلال مثلث العلاقات بين منى صديقة سهر الوحيدة والمقربة جدا منها، بل وتحمل تقريبا نفس ملاح وتركيبة شخصيتها، ومدحت زوج مني المخادع الذي اعتاد خيانة زوجته منى مع الكثير من النساء، لكنها صابرة وترفض باصرار أي موقف يهدد بخراب بيتها، وأروى أخت مني الباحثة عن أي زوج حتى لو كان زوج اختها. اطراف مثلث تلك العلاقة يدورون في دائرة مفرغة، يصرون على الاحتفاظ بمواقعهم داخلها بعد ان تلاشت كافة الحدود القيمية الأخلاقية، ولم يعد هناك ضمير يكبح جماح هذا الانفلات القميمي، لا تلقي منى بالا بوجهة نظر سهر التي استعادت شخصيتها وتعافت تقريبا من حالة الهزيمة والانكسار والاعتمادية، واصبحت كائن حر، مستقل، يستطيع اتخاذ القرارات والسيطرة على حياته، واصبحت فنانة بامتياز. طالبتها سهر بالطلاق، وقررت منى تقبل خيانة الزوج وغدر الأخت من أجل ان تظل في البيت مع الأولاد ولاينفرط عقد الأسرة. وجهة نظر سوف تكلفها غالي في المستقبل، وسوف تكلف المجتمع البائس الذي ينتصر دائما لذكورية الرجل المنفلت، ويسحق المرأة الكثير من البؤس والمرارة والتردي. ربما كانت هذه هي الندوب أو الوشم أو النقوش التي ارادت الكاتبة أو سهر بعد ان تعافت وحصلت على حريتها ان تبلغنا بها قبل ان تقرر ان تسير على نفس الدرب الذي سارت عليه مني صديقتها الانتيم وتنتكس وتدور مع دوران عجلة التردي والقهر والظلم من جديد.