عندما نريد أن نفحص القصص الشعبي، ونفرز الحكاية الشعبية عن الحكاية الخرافية، نجد انه ليس بالشكل والغاية نستطيع أن نحدد أية حكاية من هذه الحكايات هي من هذا النوع، وأيهما من النوع الآخر. فهناك أيضا العالم الذي تتحرك فيه شخوص تلك الحكايات... ذلك اننا نرى في الحكايات الخرافية عالماً مغايراً لما نراه في الحكايات الشعبية... وليس من السهل التعرف على ذلك ببساطة القراءة الأولى لحكاية أو حكايتين، ذلك لأن هذين العالمين متشابهان إلى درجة ان أحدهما يتداخل مع الآخر ويأخذ منه الشيء الكثير إن كان ذلك على صعيد المكان أو كان على صعيد الزمان.
صحيح ان عالم الحكاية الخرافية عالم مليء بالظواهر السحرية، والخوارق، وكل ما هو خرافي بحت. وان عالم الحكاية الشعبية عالم واقعي، أو شبه واقعي، إلّا أن التمييز بين العالمين صعب جداً. حيث اننا كثيراً ما نجد الحكايات الشعبية مشبعة بما في عالم الحكايات الخرافية من سحر وخيال جامح للوصول إلى الغاية التي تصبو اليها.
وقد استطاعت الدكتورة نبيلة ابراهيم أن تقدم لنا صورة لكل عالم من هذين العالمين.. حيث تقول: ((ان العالم المجهول لا يبعد كثيراً عن العالم المعلوم في الحكاية الخرافية، بل هو قريب منه كل القرب. فإذا رحل البطل اليه فكأنما انتقل من مكان لآخر، لا لأن هذا المكان المجهول قريب منه، وانه يستطيع الانتقال اليه في خفة ورشاقة حسب، بل لأن هذا العالم ليس مجهولاً بالنسبة اليه))(1).
واذا كان الروائي الانكليزي من أصل هندي سليمان رشدي قد قسم عوالم روايته (سنتان وثمانية شهور وثمان وعشرون ليلة)(2)، الى عالم علوي وهو عالم الجن، وعالم سفلي هو عالم الأنس، فان القصص الشعبي يجعل الأمر مقلوبا، ولا وجود للعالم العلوي وانما هناك عالم معلوم، وهو العالم الذي يمكن ان نسميه بالعالم الأرضي، والعالم المجهول الذي يمكن ان نسميه بالعالم السفلي وهو ذو تأثيرات اسطورية.
وعالم القصص الشعبي ينقسم إلى قسمين، هما:
- العالم المعلوم:
ونعني به العالم المرئي، والواقعي، والمعاش، الذي تتحرك فيه شخصيات الحكاية.
وفي بعض الحكايات الخرافية، نجد هذا العالم مليء بما تمتلئ به الحكاية الخرافية من سحر، وخوارق، ولامعقول.
- العالم المجهول:
ونقصد به العالم غير المرئي، وغير الواقعي، ويكون دائما تحت الأرض، إذ نصل اليه بدخولنا في بئر ما. أو فتحة في الأرض. أو تحت النهر. ولا فرق بين البئر، أو فتحة في الأرض، وماء النهر، فكلاهما يؤديان إلى ذلك العالم.
ومن المفيد ان نذكر ان العالم المجهول دائما يقع في الأسفل ولا يكون في الأعلى، في السماء، إذ لا نجد تأثيرا للفكر الديني على هذا العالم إلا تأثير الأساطير التي تتحدث عن العالم الأخر، مثل اسطورة تموزي السومرية.
ان الوصول إلى عالم الحكاية الخرافية – المجهول منه – يتم بسهولة، ويسر. وأيضاً فإنه معروف لدى بطل الحكاية لأنه يتحرك فيه كما لو انه يتحرك في عالمه المعلوم. وان الوسائل التي يستعملها البطل في الوصول إلى ذلك العالم هي وسائل قد استمكنت شرعيتها إن كان ذلك لدى البطل أو في فكر المستمع للحكايات من هذا النوع. وأيضاً فإنها بالضرورة ستكون غير قابلة للنقاش، خاصة بالنسبة للبطل الذي يستعملها، ان كان في السحر أو في الواقع.
وبالنسبة إلى العالم المجهول هذا، والذي يتحرك فيه بطل الحكاية الشعبية، أو تتحرك ضمنه مجموعة الأحداث التي تكّون لحمة الحكاية ذاتها... هذا العالم يستكمل خصائصه ومقوماته المغايرة لما هو موجود في الواقع – واقع البطل نفسه – وواقع الشخوص التي تتحرك فيه. ذلك بوجود بُعد – طال أم قصر – بين عالم البطل الآني/الواقعي، المعلوم، وعالمه الآخر/ المجهول(3)، وأيضاً ((العالم المجهول بالنسبة لحياتنا الواقعية ينفصل عن عالمنا الزمني. وليس معنى هذا ان هذا العالم المجهول لا أثر له في حياتنا، بل انه على العكس مهم في حياتنا وفي سلوكنا النفسي كما هو ليس بعيداً عنا. فهو يؤثر في حياتنا اليومية، والاتصال به يولد في الانسان أملاً من نوع خاص. انه يجذبنا اليه ولكنه يردّنا عنه مرة أخرى. وان الانسان يشعر، ولاشك في ذلك، بعلاقة قهرية بينه وبين هذا العالم، فهو يثير خوفه منه وشوقه اليه في الوقت نفسه))(4).
وحتى الغاية التي تقف من وراء تحرك البطل لخوض غمار المغامرة والوصول به إلى العالم المجهول تختلف بإختلاف نوع الحكاية. فبينما نجد بطل الحكاية الخرافية يدخل عالم المجهول بحثا عن فتاته، نجد في الوقت نفسه ان بطل الحكاية الشعبية عند دخوله ذلك العالم فإنه يدخله ليكشف عن معمياته.
ومن مواصفات العالم المجهول:
- ليس بعيدا عن العالم المعلوم، ولهذا فهو غير منفصل عنه.
- يؤثر في الشخصيات.
- مؤثث بما في العالم المعلوم، حيث لا تشعر الشخصية التي دخلته بأي فرق بينه وبين العالم المعلوم.
- فيه شخصيات خرافية تمتلك طاقة وامكانيات فوق طبيعية.
***
اننا ننتقل بسهولة ويسر إلى العالم المجهول، مثل حكاية "شكر وخلف الراعي" (وذهاب خلف مع شكر داخل النهر). وكذلك في حكاية "الملك وأولاه الثلاثة" حيث ينزل الابن الصغير "محمد" داخل البئر ليرى قصرا كبيرا.
***
الهوامش:
(*) فصل من كتابي "تقشير البيضة – تشريح القصة الشعبية" المخطوط.
1 – قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية – د. نبيلة ابراهيم – ص 121.
2 – سنتان وثمانية شهور وثمان وعشرون ليلة – سليمان رشدي – خالد الجبيلي - دار الجمل – ط1 - 2017.
3 - تحدثت الدكتورة نبيلة ابراهيم عن هذين العالمين بصورة مفصلة في كتابها الانف الذكر وايضا في مقالتها " المرأة في الحكايات الخرافية والشعبية " المنشور في مجلة الفنون الشعبية المصرية – العدد 3 – 1965.
4 – المصدر السابق.
صحيح ان عالم الحكاية الخرافية عالم مليء بالظواهر السحرية، والخوارق، وكل ما هو خرافي بحت. وان عالم الحكاية الشعبية عالم واقعي، أو شبه واقعي، إلّا أن التمييز بين العالمين صعب جداً. حيث اننا كثيراً ما نجد الحكايات الشعبية مشبعة بما في عالم الحكايات الخرافية من سحر وخيال جامح للوصول إلى الغاية التي تصبو اليها.
وقد استطاعت الدكتورة نبيلة ابراهيم أن تقدم لنا صورة لكل عالم من هذين العالمين.. حيث تقول: ((ان العالم المجهول لا يبعد كثيراً عن العالم المعلوم في الحكاية الخرافية، بل هو قريب منه كل القرب. فإذا رحل البطل اليه فكأنما انتقل من مكان لآخر، لا لأن هذا المكان المجهول قريب منه، وانه يستطيع الانتقال اليه في خفة ورشاقة حسب، بل لأن هذا العالم ليس مجهولاً بالنسبة اليه))(1).
واذا كان الروائي الانكليزي من أصل هندي سليمان رشدي قد قسم عوالم روايته (سنتان وثمانية شهور وثمان وعشرون ليلة)(2)، الى عالم علوي وهو عالم الجن، وعالم سفلي هو عالم الأنس، فان القصص الشعبي يجعل الأمر مقلوبا، ولا وجود للعالم العلوي وانما هناك عالم معلوم، وهو العالم الذي يمكن ان نسميه بالعالم الأرضي، والعالم المجهول الذي يمكن ان نسميه بالعالم السفلي وهو ذو تأثيرات اسطورية.
وعالم القصص الشعبي ينقسم إلى قسمين، هما:
- العالم المعلوم:
ونعني به العالم المرئي، والواقعي، والمعاش، الذي تتحرك فيه شخصيات الحكاية.
وفي بعض الحكايات الخرافية، نجد هذا العالم مليء بما تمتلئ به الحكاية الخرافية من سحر، وخوارق، ولامعقول.
- العالم المجهول:
ونقصد به العالم غير المرئي، وغير الواقعي، ويكون دائما تحت الأرض، إذ نصل اليه بدخولنا في بئر ما. أو فتحة في الأرض. أو تحت النهر. ولا فرق بين البئر، أو فتحة في الأرض، وماء النهر، فكلاهما يؤديان إلى ذلك العالم.
ومن المفيد ان نذكر ان العالم المجهول دائما يقع في الأسفل ولا يكون في الأعلى، في السماء، إذ لا نجد تأثيرا للفكر الديني على هذا العالم إلا تأثير الأساطير التي تتحدث عن العالم الأخر، مثل اسطورة تموزي السومرية.
ان الوصول إلى عالم الحكاية الخرافية – المجهول منه – يتم بسهولة، ويسر. وأيضاً فإنه معروف لدى بطل الحكاية لأنه يتحرك فيه كما لو انه يتحرك في عالمه المعلوم. وان الوسائل التي يستعملها البطل في الوصول إلى ذلك العالم هي وسائل قد استمكنت شرعيتها إن كان ذلك لدى البطل أو في فكر المستمع للحكايات من هذا النوع. وأيضاً فإنها بالضرورة ستكون غير قابلة للنقاش، خاصة بالنسبة للبطل الذي يستعملها، ان كان في السحر أو في الواقع.
وبالنسبة إلى العالم المجهول هذا، والذي يتحرك فيه بطل الحكاية الشعبية، أو تتحرك ضمنه مجموعة الأحداث التي تكّون لحمة الحكاية ذاتها... هذا العالم يستكمل خصائصه ومقوماته المغايرة لما هو موجود في الواقع – واقع البطل نفسه – وواقع الشخوص التي تتحرك فيه. ذلك بوجود بُعد – طال أم قصر – بين عالم البطل الآني/الواقعي، المعلوم، وعالمه الآخر/ المجهول(3)، وأيضاً ((العالم المجهول بالنسبة لحياتنا الواقعية ينفصل عن عالمنا الزمني. وليس معنى هذا ان هذا العالم المجهول لا أثر له في حياتنا، بل انه على العكس مهم في حياتنا وفي سلوكنا النفسي كما هو ليس بعيداً عنا. فهو يؤثر في حياتنا اليومية، والاتصال به يولد في الانسان أملاً من نوع خاص. انه يجذبنا اليه ولكنه يردّنا عنه مرة أخرى. وان الانسان يشعر، ولاشك في ذلك، بعلاقة قهرية بينه وبين هذا العالم، فهو يثير خوفه منه وشوقه اليه في الوقت نفسه))(4).
وحتى الغاية التي تقف من وراء تحرك البطل لخوض غمار المغامرة والوصول به إلى العالم المجهول تختلف بإختلاف نوع الحكاية. فبينما نجد بطل الحكاية الخرافية يدخل عالم المجهول بحثا عن فتاته، نجد في الوقت نفسه ان بطل الحكاية الشعبية عند دخوله ذلك العالم فإنه يدخله ليكشف عن معمياته.
ومن مواصفات العالم المجهول:
- ليس بعيدا عن العالم المعلوم، ولهذا فهو غير منفصل عنه.
- يؤثر في الشخصيات.
- مؤثث بما في العالم المعلوم، حيث لا تشعر الشخصية التي دخلته بأي فرق بينه وبين العالم المعلوم.
- فيه شخصيات خرافية تمتلك طاقة وامكانيات فوق طبيعية.
***
اننا ننتقل بسهولة ويسر إلى العالم المجهول، مثل حكاية "شكر وخلف الراعي" (وذهاب خلف مع شكر داخل النهر). وكذلك في حكاية "الملك وأولاه الثلاثة" حيث ينزل الابن الصغير "محمد" داخل البئر ليرى قصرا كبيرا.
***
الهوامش:
(*) فصل من كتابي "تقشير البيضة – تشريح القصة الشعبية" المخطوط.
1 – قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية – د. نبيلة ابراهيم – ص 121.
2 – سنتان وثمانية شهور وثمان وعشرون ليلة – سليمان رشدي – خالد الجبيلي - دار الجمل – ط1 - 2017.
3 - تحدثت الدكتورة نبيلة ابراهيم عن هذين العالمين بصورة مفصلة في كتابها الانف الذكر وايضا في مقالتها " المرأة في الحكايات الخرافية والشعبية " المنشور في مجلة الفنون الشعبية المصرية – العدد 3 – 1965.
4 – المصدر السابق.