(بدون معرفة اللغات تشعر كما لو أنه ليس لديك جواز سفر). انطوان تشيخوف.
لمّا كانتِ اللهجةُ تمثّلُ لغةَ القومِ فإنّها جواز سفرهم، وهذا ما تلمّستُه وأنا مسافرة في القطار المجازيّ لـ(كتاب الدارمي) من محطّة الى اخرى، أعبرُ نحو المحطّة الصحيحة حينا وأنزلُ في المحطّة الخاطئة حينا آخر فأبحث عن المعنى الصحيح للمفردة وأحملُ حقائبها ثم أعود بها إلى قطار القراءة لأكمل رحلتي نحو عالَم اللهجة الشعبية أو المحكيّة، العالَمُ الذي رسمهُ لقارئ كتابهِ الباحثُ (هاشم العقابي).
يا للعراقياتِ ، صانعات القلوب، وددتُ لو سمعتُ ما قرأتُه بحناجرهنّ المجروحة، سيّدات الحزن النبيل، ومالكات ينابيع الدمع الصادقة، ياله من حطام مقدّسٍ أكيدٍ أن تكون المرأةُ عراقية!
لقد قرأتُ تعاطف (العقابي) مع العراقيات اللواتي أوردَ دارميّاتهن، وكنتُ أرى الكاتب وأراهنّ في لوحة مؤطّرة بالليل ومزخرفة بدمع متحجّر ، جاريتُ بعضهنّ في مشاكسة منّي لأوكّد لهنّ وصول رسائلهنّ إلى قلب فتاة من العصر الحالي، فأنا لا أكتب الشِعر الشعبي -لستُ غنيّة بالمفردات الشعبية- وإن كنتُ أقرأهُ بشكل صحيح (وكأنني صاحبتُه) وأستمتعُ بهِ جدا متى ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا ، وربّما كان وراء ذلك ما أتذكّر عن تكوّن مفرداتي الأُوَل في حادثة طريفة حين عاتبني والدي مرّةً وأنا صغيرة، جالسين الى الغداء، وقلتُ باللهجة العراقية: (خاشوگة)، فقال:(بل ملعقة)، ذاته والدي الذي يكتب الشِعر الشعبي ولكنه كان مولَعا بتعلّمي الفصحى، وكنتُ أسعى لنيل اعجابه بحديثي الفصيح طوال الوقت، وما زلتُ أفعلها حتى الان أحيانا (الحديثُ بيننا).
أعودُ الى كتاب (غزل العراقيات- دراسة في أصل الدارمي) الصادر عن دار (نابو)، فقد ابتدأ (العقابي) قصّته صبيّا صغيراً وفضوليا ونابشاً لحقيقة (الدارمي) مع جارتيه الاثنتين ، جارتاه اللتان كانتا تعتبرانه أخًا صغيرا لهما مارّا بحديثه عن احداهما التي أسماها (حميدة) ، الفتاة التي كانت تهوى فتى من قريتها بكلّ سرّية وكانت تقول فيه (الدارمي) في كل مناسبة وبدونها بشفرة بينها وبين صاحباتها، ولأنها كانت تعرف القراءة دون الكتابة، فقد أخذت جارتها (فاتن) تدوّن (الدارميات) التي تقولُها "صويحبتها" في دفترٍ أسموهُ (الدفتر) ، هكذا دون اضافات، كان (الدفتر) الوحيد الذي يعني، والذي يستحق (ال) التعريف، ولكنّ (حميدة) اُجبرتْ على الزواج وحكمتِ العائلة بزواجها من خاطبٍ ما، بعد أن عرِف شقيق (حميدة) أنها تكتب (الغزل) ، فما كان منها إلّا اخفاء (الدفتر) خوفا عليه عند (فاتن) حتى وصل آخر الامر إلى يد (العقابي) وهو صغير يأسرُه الفضول لموسيقى هذا الفن ويدفعهُ شغف السرّية لقبول هدية (حميدة) له، مدوَّنةٌ لحزنِ فتاة من الريف ، مدوَّنةٌ تُسمّى بـ(الدفتر).
لا أخفيكم أنني بكيتُ لأجلها، مربّتةً على كتفي أنّ مَن لاتهزّه مظلومية انسان فهو ليس بانسان، فكيف بي وهي فتاة عاشقة حُكِمَ عليها بالنفي مع مَن لا تحبّ، وقلبها ليس بيديها. لن أتحدّث عن قصّتها أكثر حتى لا أقتل متعة القراءة لمَن يهتمّ بشِعر العراقيات المحكيّ ودوافعه وطرق ايصاله وسرّيتها.
لقد قسّم (العقابي) كتابه مارّا بـ(المرونة والأغراض والوزن والبناء والقِصَرِ والسرّانية) ثم عن العوامل التي جاءت بالدارمي وغيرها من التفاصيل ، آخذاً إيّانا في رحلة لمعرفة جذر الدارمي وتسميته وأصله وغيرها من الموضوعات والأبعاد اللغوية والثقافية ، وكان ممّا أثار اتفاقي أنّهُ كتبَ عن (النظرة الاستعلائية) التي قد يُنظر بها للشِعر الشعبي، من كتّاب أو شعراء أو قرّاء، وأخذتُ أفكّر كيف أنهم يحرمون أنفسهم من جمال كثير وأحزنني ذلك ، كما أحزنُ لأجل الذين يمايزون بين الشِعر الفصيح العمودي والنثري، وكيف يفوتُ الفريقين جمالٌ كثير في اللونين، وكنتُ وأنا أقرأُ أتذكرُ شِعرَ نساء (البشتون) وكتاب (الشِعر الشعبي لنساء البشتون) أو (مختارات اللانداي) الذي حرّره (سعيد بهو الدين مجروح) وترجمه (جميل صلاح)، متذكّرةً كيف أعجبني أنّ مؤلفي هذا (الأدب) كما يذكر الكتابُ قد صانوه (من أي مؤثرات خارجية) وغلّفوا أدبهم بحصانة الذاكرة والرمز بما يسمح لكَ أن (تتعرف على شعب من خلاله) خاصةً وأن البشتونيات كما يقول الكتاب المذكور عانينَ ما عانينَ لاجل المحبوب لأنها "قضية شرف" أن تُحِبَّ أو تُحَبَّ هناك، مما جعل وسيلتهن الوحيدة للتخفّف أو الصراخ هي عن طريق الشِعر الذي وصلنا خاصّا وفريدا ومتشابها الى حدّ بعيد بمجتمعاتنا القبلية ومظلومية المرأة فيها، فكنَّ يصرّحن بالشِعر بجرأة وشجاعة مثل تلك التي تقول: (أعطني يدك يا حبيبي، لنذهب معا الى الحقول، لنحبَّ بعضنا أو نسقط معاً تحت نصل السكين)! مثلما استخدمتِ النساءُ العراقيات تماما الشِعر والدارمي لبثّ لوعاتهنّ أو ارسال الرسائل السرّية للمحبّوب وهذا ما أتبنّى صدقه في كلّ لغة ولهجة ، وأستشهد بـ(الرومي) حين قال: ليس التفاهم باللغات، بل بالأحاسيس.
هذا التشابه الذي لا أدري كيف لم أدقّق فيه من قَبل وأدركتُه عاجلاً الان ؛ جعلني أقرأُ كتاب (العقابي) كأنني أعرفُ ما سيجيء ، وأعني فصله السادس وهو ما أطلتُ البقاء فيه مُعيدةً ما تقولهُ جدّاتي العراقيات حيناً ومُجيبةً في أحايينَ اخرى.
كان ممّا لفت انتباهي ايضا محاولته الجادة عند الحديث
عن الدارمي و(ابداعات بنات العراق) في (الملتقى العربي الثقافي) بمدينة كارديف البريطانية ، ١٩٩٠ (كما يتذكّر)، أن يكتبَ "دارمياً" بالانكليزية لتقريب الصورة والتعريف بنوع القطع فقال:
Go but never go back
With this little cat !
هذه الطرافة لقيتْ ترحيبا كما يذكر العقابي ودفعتْ بعض الحاضرين للكتابة بذات الطريقة ودفعتني للضحك أيضا.
وبالعودة الى النماذج التي ذكرها في فصله السادس ؛ فقد قسّم (العقابي) فصله حسب شعور الشاعرات وحوادثهنّ بما سمحَ لي أن أتناهى معهنّ عاشقةً ومحزونةً ، حنونةً وقاسيةً، ذاكرةً وناسيةً.
أشارككم عاشقةً منها على المنحى الايروتيكي :
كون الحبيب يصير مگلد وألبسه
وبين النهد والثوب سنتين أحبسه
فأجابتْ أخرى:
كون الحبيب يصير دشداشة اليّة
والگمتْ والگعديت راشج عليّــــة
فتحرّشتُ بهنّ على طريقتهنّ وقلتُ:
كون الحبيب يصيـر ثوب عْلى جسمي
ومْن أسبح؛ أسبح بيه موش أذب هدمي
وفي مشاعرَ أخرى قالت محزونةٌ:
يا روحي نصّ الليل ها شو گعدتي
حگّچ ملوم عْليــچ يمكن ذِكرتـي
فصحوتُ قربها وقلتُ لها:
زوهِرتْ تالي الليل روحـــي الوحيــده
مدري الـ تريد أنساه ، مدري الـ تريده
وقالت يائسةٌ في موضع آخر:
صادوني ونـحلّيت ما بعد أوالــف
يا عشرتي وي هْواي طلعتْ سوالف
ولأنّني أردتُ رفع منسوب الحزن أجبتُها:
متعجبة وي هْواچ طلعت سوالف؟
يا كل وعـــد ويّاي ياذيني حالـــف
وقالت مطعونةٌ زُفّتْ من جوار حبيبها الذي بقي صامتا وبندقيته بيده:
زفّوني منّ احذاه وام عشرة بيده
لا بعد اگول هْواي لا بعــــد أريده
وكي أواسيها بأنها ليستْ وحيدةً في خيبة أملها؛ أجبتُها:
لو أدري تسع سنين ينساها ولفي
چا ما گلتله بيوم: نام عْلى چتفي
لقد أمتعتني هذه الدراسة في أصل الدارمي، وسرّني أن أسافر مع الباحث للبحث عن أصل الاسم ودافع المعنى من ورائه، إنّها سيرة نساء تحملُ العديد من القصص واللوعات والتفرّد في تكثيفٍ قلنَه وخلاصةٍ تشبههنّ تماما، إنّها نحنُ بشكلٍ أو بآخر، رحلة قصيرة عبر الزمن لكنّها رحلة داخل النفس البشرية التي تدركُ كنهَ صاحبها وتدغدغ مشاعره مرّةً بعد مرّة، ربّما كانتِ النفسُ تلك حزينةً أو باسمةً، لكنّها في كل الاحوال كانت تتفاعلُ معهنّ، سواء كانت صريحةً متعاطفةً مع مصابهنّ أو شجاعةً باكيةً بصمتٍ متأثرة لاجلهنّ، هذه الموضوعات تفتحُ أبوابا للذاكرة الجمعية وتفتح جرحا على المستوى الشخصي ما زالَ ممتدّا من بعض المناطق او المحافظات في العراق حتى قلبي، قلبي الذي هوّ عندهنّ أينما كنَّ.
لمّا كانتِ اللهجةُ تمثّلُ لغةَ القومِ فإنّها جواز سفرهم، وهذا ما تلمّستُه وأنا مسافرة في القطار المجازيّ لـ(كتاب الدارمي) من محطّة الى اخرى، أعبرُ نحو المحطّة الصحيحة حينا وأنزلُ في المحطّة الخاطئة حينا آخر فأبحث عن المعنى الصحيح للمفردة وأحملُ حقائبها ثم أعود بها إلى قطار القراءة لأكمل رحلتي نحو عالَم اللهجة الشعبية أو المحكيّة، العالَمُ الذي رسمهُ لقارئ كتابهِ الباحثُ (هاشم العقابي).
يا للعراقياتِ ، صانعات القلوب، وددتُ لو سمعتُ ما قرأتُه بحناجرهنّ المجروحة، سيّدات الحزن النبيل، ومالكات ينابيع الدمع الصادقة، ياله من حطام مقدّسٍ أكيدٍ أن تكون المرأةُ عراقية!
لقد قرأتُ تعاطف (العقابي) مع العراقيات اللواتي أوردَ دارميّاتهن، وكنتُ أرى الكاتب وأراهنّ في لوحة مؤطّرة بالليل ومزخرفة بدمع متحجّر ، جاريتُ بعضهنّ في مشاكسة منّي لأوكّد لهنّ وصول رسائلهنّ إلى قلب فتاة من العصر الحالي، فأنا لا أكتب الشِعر الشعبي -لستُ غنيّة بالمفردات الشعبية- وإن كنتُ أقرأهُ بشكل صحيح (وكأنني صاحبتُه) وأستمتعُ بهِ جدا متى ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا ، وربّما كان وراء ذلك ما أتذكّر عن تكوّن مفرداتي الأُوَل في حادثة طريفة حين عاتبني والدي مرّةً وأنا صغيرة، جالسين الى الغداء، وقلتُ باللهجة العراقية: (خاشوگة)، فقال:(بل ملعقة)، ذاته والدي الذي يكتب الشِعر الشعبي ولكنه كان مولَعا بتعلّمي الفصحى، وكنتُ أسعى لنيل اعجابه بحديثي الفصيح طوال الوقت، وما زلتُ أفعلها حتى الان أحيانا (الحديثُ بيننا).
أعودُ الى كتاب (غزل العراقيات- دراسة في أصل الدارمي) الصادر عن دار (نابو)، فقد ابتدأ (العقابي) قصّته صبيّا صغيراً وفضوليا ونابشاً لحقيقة (الدارمي) مع جارتيه الاثنتين ، جارتاه اللتان كانتا تعتبرانه أخًا صغيرا لهما مارّا بحديثه عن احداهما التي أسماها (حميدة) ، الفتاة التي كانت تهوى فتى من قريتها بكلّ سرّية وكانت تقول فيه (الدارمي) في كل مناسبة وبدونها بشفرة بينها وبين صاحباتها، ولأنها كانت تعرف القراءة دون الكتابة، فقد أخذت جارتها (فاتن) تدوّن (الدارميات) التي تقولُها "صويحبتها" في دفترٍ أسموهُ (الدفتر) ، هكذا دون اضافات، كان (الدفتر) الوحيد الذي يعني، والذي يستحق (ال) التعريف، ولكنّ (حميدة) اُجبرتْ على الزواج وحكمتِ العائلة بزواجها من خاطبٍ ما، بعد أن عرِف شقيق (حميدة) أنها تكتب (الغزل) ، فما كان منها إلّا اخفاء (الدفتر) خوفا عليه عند (فاتن) حتى وصل آخر الامر إلى يد (العقابي) وهو صغير يأسرُه الفضول لموسيقى هذا الفن ويدفعهُ شغف السرّية لقبول هدية (حميدة) له، مدوَّنةٌ لحزنِ فتاة من الريف ، مدوَّنةٌ تُسمّى بـ(الدفتر).
لا أخفيكم أنني بكيتُ لأجلها، مربّتةً على كتفي أنّ مَن لاتهزّه مظلومية انسان فهو ليس بانسان، فكيف بي وهي فتاة عاشقة حُكِمَ عليها بالنفي مع مَن لا تحبّ، وقلبها ليس بيديها. لن أتحدّث عن قصّتها أكثر حتى لا أقتل متعة القراءة لمَن يهتمّ بشِعر العراقيات المحكيّ ودوافعه وطرق ايصاله وسرّيتها.
لقد قسّم (العقابي) كتابه مارّا بـ(المرونة والأغراض والوزن والبناء والقِصَرِ والسرّانية) ثم عن العوامل التي جاءت بالدارمي وغيرها من التفاصيل ، آخذاً إيّانا في رحلة لمعرفة جذر الدارمي وتسميته وأصله وغيرها من الموضوعات والأبعاد اللغوية والثقافية ، وكان ممّا أثار اتفاقي أنّهُ كتبَ عن (النظرة الاستعلائية) التي قد يُنظر بها للشِعر الشعبي، من كتّاب أو شعراء أو قرّاء، وأخذتُ أفكّر كيف أنهم يحرمون أنفسهم من جمال كثير وأحزنني ذلك ، كما أحزنُ لأجل الذين يمايزون بين الشِعر الفصيح العمودي والنثري، وكيف يفوتُ الفريقين جمالٌ كثير في اللونين، وكنتُ وأنا أقرأُ أتذكرُ شِعرَ نساء (البشتون) وكتاب (الشِعر الشعبي لنساء البشتون) أو (مختارات اللانداي) الذي حرّره (سعيد بهو الدين مجروح) وترجمه (جميل صلاح)، متذكّرةً كيف أعجبني أنّ مؤلفي هذا (الأدب) كما يذكر الكتابُ قد صانوه (من أي مؤثرات خارجية) وغلّفوا أدبهم بحصانة الذاكرة والرمز بما يسمح لكَ أن (تتعرف على شعب من خلاله) خاصةً وأن البشتونيات كما يقول الكتاب المذكور عانينَ ما عانينَ لاجل المحبوب لأنها "قضية شرف" أن تُحِبَّ أو تُحَبَّ هناك، مما جعل وسيلتهن الوحيدة للتخفّف أو الصراخ هي عن طريق الشِعر الذي وصلنا خاصّا وفريدا ومتشابها الى حدّ بعيد بمجتمعاتنا القبلية ومظلومية المرأة فيها، فكنَّ يصرّحن بالشِعر بجرأة وشجاعة مثل تلك التي تقول: (أعطني يدك يا حبيبي، لنذهب معا الى الحقول، لنحبَّ بعضنا أو نسقط معاً تحت نصل السكين)! مثلما استخدمتِ النساءُ العراقيات تماما الشِعر والدارمي لبثّ لوعاتهنّ أو ارسال الرسائل السرّية للمحبّوب وهذا ما أتبنّى صدقه في كلّ لغة ولهجة ، وأستشهد بـ(الرومي) حين قال: ليس التفاهم باللغات، بل بالأحاسيس.
هذا التشابه الذي لا أدري كيف لم أدقّق فيه من قَبل وأدركتُه عاجلاً الان ؛ جعلني أقرأُ كتاب (العقابي) كأنني أعرفُ ما سيجيء ، وأعني فصله السادس وهو ما أطلتُ البقاء فيه مُعيدةً ما تقولهُ جدّاتي العراقيات حيناً ومُجيبةً في أحايينَ اخرى.
كان ممّا لفت انتباهي ايضا محاولته الجادة عند الحديث
عن الدارمي و(ابداعات بنات العراق) في (الملتقى العربي الثقافي) بمدينة كارديف البريطانية ، ١٩٩٠ (كما يتذكّر)، أن يكتبَ "دارمياً" بالانكليزية لتقريب الصورة والتعريف بنوع القطع فقال:
Go but never go back
With this little cat !
هذه الطرافة لقيتْ ترحيبا كما يذكر العقابي ودفعتْ بعض الحاضرين للكتابة بذات الطريقة ودفعتني للضحك أيضا.
وبالعودة الى النماذج التي ذكرها في فصله السادس ؛ فقد قسّم (العقابي) فصله حسب شعور الشاعرات وحوادثهنّ بما سمحَ لي أن أتناهى معهنّ عاشقةً ومحزونةً ، حنونةً وقاسيةً، ذاكرةً وناسيةً.
أشارككم عاشقةً منها على المنحى الايروتيكي :
كون الحبيب يصير مگلد وألبسه
وبين النهد والثوب سنتين أحبسه
فأجابتْ أخرى:
كون الحبيب يصير دشداشة اليّة
والگمتْ والگعديت راشج عليّــــة
فتحرّشتُ بهنّ على طريقتهنّ وقلتُ:
كون الحبيب يصيـر ثوب عْلى جسمي
ومْن أسبح؛ أسبح بيه موش أذب هدمي
وفي مشاعرَ أخرى قالت محزونةٌ:
يا روحي نصّ الليل ها شو گعدتي
حگّچ ملوم عْليــچ يمكن ذِكرتـي
فصحوتُ قربها وقلتُ لها:
زوهِرتْ تالي الليل روحـــي الوحيــده
مدري الـ تريد أنساه ، مدري الـ تريده
وقالت يائسةٌ في موضع آخر:
صادوني ونـحلّيت ما بعد أوالــف
يا عشرتي وي هْواي طلعتْ سوالف
ولأنّني أردتُ رفع منسوب الحزن أجبتُها:
متعجبة وي هْواچ طلعت سوالف؟
يا كل وعـــد ويّاي ياذيني حالـــف
وقالت مطعونةٌ زُفّتْ من جوار حبيبها الذي بقي صامتا وبندقيته بيده:
زفّوني منّ احذاه وام عشرة بيده
لا بعد اگول هْواي لا بعــــد أريده
وكي أواسيها بأنها ليستْ وحيدةً في خيبة أملها؛ أجبتُها:
لو أدري تسع سنين ينساها ولفي
چا ما گلتله بيوم: نام عْلى چتفي
لقد أمتعتني هذه الدراسة في أصل الدارمي، وسرّني أن أسافر مع الباحث للبحث عن أصل الاسم ودافع المعنى من ورائه، إنّها سيرة نساء تحملُ العديد من القصص واللوعات والتفرّد في تكثيفٍ قلنَه وخلاصةٍ تشبههنّ تماما، إنّها نحنُ بشكلٍ أو بآخر، رحلة قصيرة عبر الزمن لكنّها رحلة داخل النفس البشرية التي تدركُ كنهَ صاحبها وتدغدغ مشاعره مرّةً بعد مرّة، ربّما كانتِ النفسُ تلك حزينةً أو باسمةً، لكنّها في كل الاحوال كانت تتفاعلُ معهنّ، سواء كانت صريحةً متعاطفةً مع مصابهنّ أو شجاعةً باكيةً بصمتٍ متأثرة لاجلهنّ، هذه الموضوعات تفتحُ أبوابا للذاكرة الجمعية وتفتح جرحا على المستوى الشخصي ما زالَ ممتدّا من بعض المناطق او المحافظات في العراق حتى قلبي، قلبي الذي هوّ عندهنّ أينما كنَّ.