شيِّق وشائق
يخطئ بعض الناس في التمييز بين كلمتين متشابهتين هما: شيِّق وشائق. يقولون مثلا: هذا كتاب شيِّق.. والصواب أن يقال: هذا كتاب شائق، لأن كلمة شيِّق معناها مشتاق.
تقول لغتنا الجميلة: شاقني الشيء شوقا، واشتقت إليه فأنا مشتاق وشيِّق.
ويقول الشاعر الطائي:
من مبلغٌ قومَنا النائين إذ شحطوا = أن الفؤاد إليهم شيِّق ولعُ
ويقصد الشاعر بقومنا النائين أى البعيدين، وبقوله: شحطوا أي رحلوا وأبعدوا، وشيِّق في هذا البيت بمعنى مشتاق.
ويقول المتنبي:
ما لاح برقٌ أو ترنمَ طائرٌ = إلا انثنيت ولي فؤاد شيِّق
ويقول شوقي في قصيدته عن النيل:
ألقت إليك بنفسها ونفيسها = وأتتك شيِّقة حواها شيِّقُ
أما الشائق فهو بمعنى الجذاب المحبب
تقول لغتنا الجميلة :
شاقني الشيء يشوقني، فهو شائق وأنا مشوق.
ويقول العماد الأصفهاني في وصف إحدى القصائد المشهورة: هي أبيات شائقة.
ويقول أبوالحسن الخزرجي عن أحد الشعراء: وأشعاره كثيرة رائعة، ومعانيه بديعة شائقة.
إذن فكلمة شيِّق: معناها مشتاق
وكلمة شائق: معناها جذاب ومحبب
***
"الباء التي شغلت الناس"
الأفعال الدالة على الاستبدال - في لغتنا الجميلة
- هى: بَدَلَ، بَدَّل، تَبَدَّلَ، أَبْدَلَ، استبدل.
وهذه الأفعال وما تصرف منها تحتاج دوما إلى شيئين: مستبدل ومستبدل منه، أي إلى مأخوذ ومتروك أو مثبت ومحذوف، وفي أحدهما باء الجر. في مثل قوله تعالى:
آتوا اليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب .
من يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل .
قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير .
ويلاحظ المتأملون في أسرار لغتنا الجميلة أن هذه الباء ليست لازمة دوما، وليس ضروريا أن تأتي في جميع حالات التعبير عن معنى الاستبدال، فقد جاء في القرآن الكريم تسع وثلاثون آية من آيات الاستبدال وليس فيها هذه الباء، من ذلك قوله تعالى:
ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا .
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها .
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم .
والإجماع منعقد على أن هذه "الباء" متى وجدت فإنها لا تدخل إلا على المتروك أو المحذوف وإلا كان استعمالها خاطئا، ويقولون إن كثيرا من البلغاء والفصحاء لم يسلم من الوقوع في هذا الخطأ وإن من بينهم "شوقي" حين قال:
أنا من بدل بالكتب الصحابا = لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
فقد انقلب المعنى الذي يقصده الشاعر - أي ترك الأصحاب وتفضيل الكتب عليهم - إلى ضده لأنه أدخل الباء على الكتب وليس على الصحاب.
ويقولون إن النقد الذي وجه إلى شوقي هو الذي دفعه إلى إعادة النظر في هذا البيت وتغييره إلى:
ملت للكتب وودعت الصحابا = لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
فاستقام المعنى وصح التعبير.
والطريف أن أحد علماء لغتنا الجميلة المعاصرين - هو المرحوم الأستاذ عباس حسن، عالم النحو، ومؤلف كتاب "النحو الوافي" وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة - كان له رأي مغاير لهذا الإجماع - في دخول الباء على المحذوف والمتروك - ناقشته لجنة الأصول بالمجمع.
يقول الأستاذ عباس حسن في شرح وجهة نظره والتماس الشواهد لها والبراهين:
من معاني باء الجر أن تكون بمعنى كلمة بدل بحيث يصح إحلال هذه الكلمة محل الباء، كقوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى .
وقولهم: ما يرضيني بعملي عمل آخر.
وتدخل الباء على الشيء المتروك كما في المثالين السابقين، ويصح دخولها على المأخوذ، فقد جاء في "المصباح المنير" - مادة بدل - ما نصه:
أبدلته بكذا إبدالا، أي نحيت الأول وجعلت الثاني مكانه.
وفي "مختار الصحاح" ما نصه في مادة بدل: الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد منهم أبدل الله مكانه بآخر.
وجاء في تاج العروس مادة "بدل" ما نصه: قال ثعلب: يقال أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه. وبدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته وسويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما.
ومثال آخر لدخول الباء على المأخوذ قول "طفيل" لما أسلم:
وبدل طالعي نحسي بسعد.
***
لكن مؤتمر مجمع اللغة العربية لم يأخذ بوجهة نظر الأستاذ عباس حسن، من أن الباء تدخل على المتروك والمأخوذ معا، ورأى أنها تتعارض مع الضبط الذي يراد للغتنا الجميلة، والدقة التي يجب أن تتسم بها قواعدها وقوانينها العامة، وإلا أصبح الأمر فوضى، ولم نعد نعرف المحذوف من المتروك في أى كلام يتضمن معنى الاستبدال.
ويبقى الإجماع في هذه المسألة هو الصواب، متمثلا في أن الباء لا تدخل إلا على المتروك والمحذوف، فإن قلت مثلا بدلت السهر بالنوم.. فالنوم هو المتروك أو المحذوف والسهر هو المأخوذ الذي أثبتته العبارة.
يخطئ بعض الناس في التمييز بين كلمتين متشابهتين هما: شيِّق وشائق. يقولون مثلا: هذا كتاب شيِّق.. والصواب أن يقال: هذا كتاب شائق، لأن كلمة شيِّق معناها مشتاق.
تقول لغتنا الجميلة: شاقني الشيء شوقا، واشتقت إليه فأنا مشتاق وشيِّق.
ويقول الشاعر الطائي:
من مبلغٌ قومَنا النائين إذ شحطوا = أن الفؤاد إليهم شيِّق ولعُ
ويقصد الشاعر بقومنا النائين أى البعيدين، وبقوله: شحطوا أي رحلوا وأبعدوا، وشيِّق في هذا البيت بمعنى مشتاق.
ويقول المتنبي:
ما لاح برقٌ أو ترنمَ طائرٌ = إلا انثنيت ولي فؤاد شيِّق
ويقول شوقي في قصيدته عن النيل:
ألقت إليك بنفسها ونفيسها = وأتتك شيِّقة حواها شيِّقُ
أما الشائق فهو بمعنى الجذاب المحبب
تقول لغتنا الجميلة :
شاقني الشيء يشوقني، فهو شائق وأنا مشوق.
ويقول العماد الأصفهاني في وصف إحدى القصائد المشهورة: هي أبيات شائقة.
ويقول أبوالحسن الخزرجي عن أحد الشعراء: وأشعاره كثيرة رائعة، ومعانيه بديعة شائقة.
إذن فكلمة شيِّق: معناها مشتاق
وكلمة شائق: معناها جذاب ومحبب
***
"الباء التي شغلت الناس"
الأفعال الدالة على الاستبدال - في لغتنا الجميلة
- هى: بَدَلَ، بَدَّل، تَبَدَّلَ، أَبْدَلَ، استبدل.
وهذه الأفعال وما تصرف منها تحتاج دوما إلى شيئين: مستبدل ومستبدل منه، أي إلى مأخوذ ومتروك أو مثبت ومحذوف، وفي أحدهما باء الجر. في مثل قوله تعالى:
آتوا اليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب .
من يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل .
قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير .
ويلاحظ المتأملون في أسرار لغتنا الجميلة أن هذه الباء ليست لازمة دوما، وليس ضروريا أن تأتي في جميع حالات التعبير عن معنى الاستبدال، فقد جاء في القرآن الكريم تسع وثلاثون آية من آيات الاستبدال وليس فيها هذه الباء، من ذلك قوله تعالى:
ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا .
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها .
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم .
والإجماع منعقد على أن هذه "الباء" متى وجدت فإنها لا تدخل إلا على المتروك أو المحذوف وإلا كان استعمالها خاطئا، ويقولون إن كثيرا من البلغاء والفصحاء لم يسلم من الوقوع في هذا الخطأ وإن من بينهم "شوقي" حين قال:
أنا من بدل بالكتب الصحابا = لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
فقد انقلب المعنى الذي يقصده الشاعر - أي ترك الأصحاب وتفضيل الكتب عليهم - إلى ضده لأنه أدخل الباء على الكتب وليس على الصحاب.
ويقولون إن النقد الذي وجه إلى شوقي هو الذي دفعه إلى إعادة النظر في هذا البيت وتغييره إلى:
ملت للكتب وودعت الصحابا = لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
فاستقام المعنى وصح التعبير.
والطريف أن أحد علماء لغتنا الجميلة المعاصرين - هو المرحوم الأستاذ عباس حسن، عالم النحو، ومؤلف كتاب "النحو الوافي" وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة - كان له رأي مغاير لهذا الإجماع - في دخول الباء على المحذوف والمتروك - ناقشته لجنة الأصول بالمجمع.
يقول الأستاذ عباس حسن في شرح وجهة نظره والتماس الشواهد لها والبراهين:
من معاني باء الجر أن تكون بمعنى كلمة بدل بحيث يصح إحلال هذه الكلمة محل الباء، كقوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى .
وقولهم: ما يرضيني بعملي عمل آخر.
وتدخل الباء على الشيء المتروك كما في المثالين السابقين، ويصح دخولها على المأخوذ، فقد جاء في "المصباح المنير" - مادة بدل - ما نصه:
أبدلته بكذا إبدالا، أي نحيت الأول وجعلت الثاني مكانه.
وفي "مختار الصحاح" ما نصه في مادة بدل: الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد منهم أبدل الله مكانه بآخر.
وجاء في تاج العروس مادة "بدل" ما نصه: قال ثعلب: يقال أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه. وبدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته وسويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما.
ومثال آخر لدخول الباء على المأخوذ قول "طفيل" لما أسلم:
وبدل طالعي نحسي بسعد.
***
لكن مؤتمر مجمع اللغة العربية لم يأخذ بوجهة نظر الأستاذ عباس حسن، من أن الباء تدخل على المتروك والمأخوذ معا، ورأى أنها تتعارض مع الضبط الذي يراد للغتنا الجميلة، والدقة التي يجب أن تتسم بها قواعدها وقوانينها العامة، وإلا أصبح الأمر فوضى، ولم نعد نعرف المحذوف من المتروك في أى كلام يتضمن معنى الاستبدال.
ويبقى الإجماع في هذه المسألة هو الصواب، متمثلا في أن الباء لا تدخل إلا على المتروك والمحذوف، فإن قلت مثلا بدلت السهر بالنوم.. فالنوم هو المتروك أو المحذوف والسهر هو المأخوذ الذي أثبتته العبارة.