د. أيمن دراوشة - البعد التشكيلي الهندسي في النص الأدبي

تنتج الصورة الفنية خاصة في الشعر الحديث نتيجة للتفاعلات اللغوية مما يؤدي إلى صناعة تراكيب لغوية هي من صناعة الكاتب نفسه، بحيث يمتلك بصمة مميزة من خلال القيم البلاغية القديمة، ومن خلال القيم البلاغية الحديثة، وبذلك يتحقق الإبداع لديه مستندًا إلى تراث عريق من جهة ومعبِّرًا عن شخصيته الجديدة من جهة أخرى.

وهنا تتحقق معادلة الإبداع فلا اجتثاث للماضي، ولا السير قَدمًا بدون جذور أو ارتماء في التراث القديم دون حلم المعاصرة والحداثة اللتين نحن بصددهما.

وعندما نقول أسلوب تقليدي فهذا يعني الإغراق في التراث أو القديم دون روح المعاصرة، وتتمثل المعاصرة التي نقصدها الإضافة الخاصة التي تعبر عن حساسية التعامل مع اللغة وتطويعها كيفما شئنا لا أن تطوعنا هي، وبذلك تتولد الصورة من خضم معاناة حركية ورؤية ثاقبة وملامح من تجربة.

إنَّ استخدام الكاتب أو الشاعر لمفردة ما مفصولة عن النص تمتلك القدرة على الإيحاء متعدد الزوايا.

يقول الشاعر المصري عزت الطيري

وكأني المطرب

في بلد الصم

كلمة المطرب مفردة تعطي أكثر من معنى، وهي تمثل صورة جزئية، ووسط الصم فهي تقلل من قيمتها فهي لا فائدة ترجى منها، والملاحظ استخدام الشاعر لأل التعريف في كلمتي المطرب والصم، فيوحد بينهما كأجزاء من الواقع من جهة، والسخرية من جهة أخرى فيمتزج الداخل بالخارج في خضم الصورة الكلية، وهذا تشكيل بسيط من تشكيلات الشاعر التي ألمحها في نتاجه الشعري وغيره أيضًا من نتاجات الشعراء والقاصين.

تتعدد التشكيلات لدى الكتاب والشعراء بطرق مختلفة لا نستطيع حصرها بمقالة واحدة، لكننا نذكر بعضًا منها حتى لا نطيل.

أحيانًا تفقد الكلمة معناها القاموسي لدى الشاعر من خلال صور تفاعلية تهدم قوانين التراكيب اللغوية التقليدية، وهي صور تأخذ جذورها الأولى من الواقعين النفسي والخارجي فيمنحها دلالات أكثر شمولية وأكثر عمقًا.

فعندما نقول ارتكبنا الحسنات، فكلمة يرتكب هنا تفقد معناها التقليدي، وتصبح طقسا من طقوس المجازفة.

لاحظوا معي هذا المقطع من ومضة شعرية لإحدى الشعراء:

فعل ناقص

ومرتادو التواصل الاجتماعي

يستبسلون

فعل ناقص وحدها تعني لنا كان وأخواتها المعروفة، لكنها مع النص تعني شيئا آخر فهو مصطلح لا قيمة له بحيث لا يستحق استبسال مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي لقضية ما.

ومن التشكيلات المعاصرة للنصوص الحديثة استخدام الحروف الممدودة التي تشعرنا بالامتداد والارتياح إذا وقعت نهاية الشطر الشعري وهي مستخدمة بكثرة من لدن الشعراء وحتى القاصين.

وعلى الرغم من مناوشة الشاعر للبنيان النحوي التقليدي في قواعده الراسخة إلا أنه استفاد من روح القوانين الأساسية للنحو العربي في الشكيل البنائي لتجربته.

ومن تلك التشكيلات انتهاء الشطر الشعري بكلمة مسكونة الآخر، والمعروف أن التسكين في العربية يمتلك فلسفة الشمولية، فهو أصل الحركات جميعها، فالتسكين يأخذ طبيعة التأمل العميق وعودة للذاكرة البعيدة.

ومن تشكيلات النصوص التكرار لهدف ومغزى، وليس تعمدًا، فمن الممكن أن نلمح تكرارًا لمفردة ما، فيزيدها هذا التكرار الكثير من الدلالة بحيث تبدو لنا الكلمة المكررة تنحرف عن معناها الأول؛ لتؤدي دورًا جديدًا يخدم المضمون الذي يريد الشاعر توصيله للمتلقي، وللتكرار أهداف ومرام كثيرة سنتناولها بمقال آخر إن شاء الله.

كما يشترك الفراغ في بناء النص مساهمًا في المعنى أو الحالة التي يعاني منها الشاعر وتكبل عطاءه، فيكون الفراغ بمثابة توضيح وتعميق للمعنى الذي يقصده الشاعر أو الكاتب.

كنت............................ وحيدًا

وما زلت ....................... وحيدًا

ولدينا الكثير من التشكيلات الهندسية الأخرى التي برع الشعراء والقاصون بها، ومن ذلك التشكيل تناثر الألفاظ، والتلاعب بالحروف، والهرم الزائد والناقص، والقيم البصرية، وإضافة البعدين الزماني والمكاني وغيرها من التشكيلات التي تضيف للنص وتعيد خلقه من جديد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى