سعيد كنيش - حول الامبريالية

لست مهتما بإقناع من اختار خندقه في الصراع المحتدم حاليا، إلى التحالف الغربي الذي تقوده usa للإبقاء على هيمنتها على شعوب العالم؛ والحرب على قوى ترفض هذه الهيمنة وتناضل من أجل سيادة شعوبها على ثرواتها وتحررها الوطني والقومي من الاستعمار والاستيطان والتبعية. لأن هؤلاء الخانعين للغرب الامبريالي يفكرون فقط من داخل الإطارات والقواعد التي رسختها الامبريالية الغربية لأزيد من 500 سنة من الثقل التاريخي للهيمنة الثقافية والسياسية على العالم. فصاروا عبيدا لهذا النظام. أعني من يشكلون يسار الناتو الحالي من الترو تسكي والشيوعيين الذين استوعبتهم التقليعات الليبرالية كاكتشاف جديد للخروج من بؤسهم وهامشيتهم بعد انهيار urss. فصاروا يرددون مقولاته في الحداثة والديمقراطية ويتخذون التصور الغربي الممركز للتاريخ بوصفه مسارًا خطيًا يتجه حتمًا نحو الرأسمالية باعتبارها الوجهة النهائية لأي مجتمع بشري.
هذا التلويث الفكري والسياسي الذي أصاب الكثير من الشيوعيين الحاليين ومنهم العرب طبعا، يقترح له توضيحا ثاقبا ومركزا ، المفكر الفلسطيني العروبي الدكتور عادل سمارة فيقول:
» كانت إحدى إشكالات الحركة الشيوعية العالمية بعد لينين وستالين وماو في ارتباط معظم هذه الأحزاب بمركز يرعاها بمختلف الأساليب سواء إيديولوجيا، تحليلياً، ماليا وحتى الاستئناس العاطفي من قاصرين. وكانت موسكو كعبة معظم التيار السوفييتي في الحركة الشيوعية، وما أن انهار الاتحاد السوفييتي حتى تفكك هؤلاء ووصلوا إلى تغيير اسماء الأحزاب. أما في الوطن العربي فسبقوا قوى الدين السياسي إلى المساجد. صحيح أن بعضهم أدرك لاحقاً بأن الماركسية لا تزال حية وتعود بقوة فكرية نظرية تحليلية لأن الواقع يؤكد دقتها، لكنهم مع ذلك واصلوا تهالكهم طالما لا يوجد سيد حاضن لهم ولأنهم لا يقرؤون بل بقوا مجرد مُقرئين"... تم يضيف، "صحيح أن كثيرا من التيارات الماوية لم تغير اسمها وبقيت تستخدم الجملة الثورية، ولكن مع تغير النظام في الصين إلى خليط رأسمالي/اشتراكي سارع كثير من هذه التيارات إلى اعتبار الصين وروسيا إمبرياليتين وصبوا حربهم ضدهما أكثر مما هي ضد الإمبريالية الحقيقية في الغرب. وهذا يُرد إلى الشعور باليُتم أو الموقف الثأري الأعمى.وحده التيار التروتسكي الذي بقي على موقفه ضد روسيا والصين والعروبة وفلسطين وحركات التحرر الوطني رغم استخدامه جملا ملغومة. وذلك لسبب واحد لأن مركزه الإمبريالي بقي قائما وحتى قويا. وعليه، فإن التيارين السوفييتي والماوي قد أُصيبا بملوثات تروتسكية».
اهتمامي منصب في هذه المساهمةللمناضلين الماركسيين المرتبطين بحركات التحرر العربي ومركزيتها القضية الفلسطينية، على إبراز جوهر نظرية لينين حول الامبريالية والإغناء المضاف لها من طرف المفكرين الماركسيين المرتبطين بنضال شعوب الجنوب التحرري من الهيمنة الامبريالية الغربية، الذي سيفتح الطريق للبناء الاشتراكي. إذ البلدان المتحررة والقوية هي من تخلق شروط التحول الاشتراكي وليس العكس؛ مع اقتراح مفاتيح مركزة لفهم الامبريالية كنزعة مستمرة ومرتبطة بالتوسع الرأسمالي المعولم. على نقيض ما يروج من طرف يسار الناتو من مفاهيم مغلوطة حول الامبريالية في الحرب الجارية اليوم على الجبهة الاعلامية. بإلصاق تهمة الامبريالية التي صارت سبة وسخة بروسيا والصين، بهدف خبيت يروج له الغرب وسط شعوب الجنوب مفاده: انظروا إنهم مثلنا قوى امبريالية، يريدون أيضا نهب ثرواتكم.
معاينة ودراسة الوقائع التاريخية الملموسة للتطور الفعلي لتاريخ الرأسمالية كنمط انتاج ظهر منذ أزيد من 500 سنة وأصبح مهيمنا إلى اليوم؛ تؤكد هده الوقائع على أهمية دور الثروات المنهوبة المادية والبشرية من دول الجنوب (أمريكا الوسطى والجنوبية والكاريبي وفي أفريقيا وآسيا وشرق أوربا ) في نمو و صعود الرأسمالية في المراكز التاريخية للثالوث الامبريالي( أوربا الغربية أمريكا الشمالية واليابان). الاعتماد على الاستعمار والغزو العسكري المباشر والتبادل غير المتكافئ، والاحتكار والحصار الاقتصادي بدل المنافسة في التجارة العالمية، وحجز التنمية في بلدان الجنوب وإدامة تخلفها.
إن الثورة الصناعية الاولى مثلا في أوربا الغربية التي دفعتها نحو التفوق كانت بسبب هذا الغزو والنهب للمستعمرات، فلم تصعد أوربا الغربية مثلا من تلقاء نفسها بالاعتماد على قواها الذاتية ولم يكن بإمكانها أن تفعل ذلك أبدا. فقد شكّلت ولادة الصناعة في الغرب الاوربي مذبحة كبيرة للشعوب. القول بغير ذلك هو تشويه للتاريخ وحقائقه.
مادا نتج عن هدا االتطور التاريخي؟ وهو ما يقود إلى اقتراح هذه المفاتيح:
 المفتاح الأول: هيمنة شبه مطلقة للثالوث الامبريالي الغربي على "شعوب وبلدان الجنوب"، وتطور هده الهيمنة من الاستعمار العسكري والاحتلال والاستيطان إلى الاستعمار الجديد الذي يستند على طبقات كمبرادورية حاكمة وعميلة وذيلية في بلدان المحيط مرتبطة المصالح بالاحتكارات العالمية في المركز، الأمر الدي قاد إلى قيام "تحالف طبقي عالمي" معاد لتحرر وسيادة شعوب الجنوب على ثرواتها وتنمية بلدانها.
 المفتاح الثاني: يري لينين أن الرأسمالية حتى بدون مرحلة الإمبريالية فهي توسعية وبالتالي ذات نزعة عدوانية بالضرورة. ويشرح هدا الأمر الدكتور عادل سمارة ويقول : "الرأسمالية سواء التجارية أو الصناعية أي حتى قبيل مرحلة الإمبريالية هي استعمارية اي عدوانية مدفوعة بوجوب تصريف فيض الإنتاج عبر التوسع الجغرافي اي البحث عن اسواق ثم الاقتتال على السوق وهو اقتتال أخذ الطابع المسلح طبعا. ولكن الاقتتال الاقتصادي البيني حتى في البلد الرأسمالي الواحد أي التنافس، ينتهى إلى الاحتكار"، تم إلى الاحتكار المعمم في الوقت الراهن كما يقول المفكر الراحل سمير أمين. لقد تمكنت رأسماليات المركز من تحويل الكوكب إلى قطاع عام رأسمالي معولم، تتحكم به في الأعلى رأسماليات المركز ممثلة بالشركات متعددة القومية وفي الأدنى رأسماليات المحيط المكتفية بحصة اقتصاد التساقط."أي فتات الموائد.
 المفتاح الثالث: الاحتكار مرتبط بالتراكم الرأسمالي وتطوره، ويشكل الشرايين الذي يغدي نمو الرأسمالية وتوسعها واستمرارها. فالرأسمالية لم تكن منافسة ولا تعتمد المنافسة بين الرأسماليين. فالرأسماليون هم بمثابة الوحوش الضارية فيما بينهم وع غيرهم، لأن الاحتكار هو الذي يحقق الأرباح الكبيرة والمضمونة للرأسماليين وحكوماتهم في الغرب، وهو معادي للمنافسة والشفافية في الأسواق، فهو «اللا- سوق». فالرأسمالية ليست مجرد أسواق بغض النظر عن الطبيعة الخاصة للأنشطة المالية أو التجارية أو الصناعية أو الزراعية التي تُمارس فيها. فالأسواق والتجارة والمنافسة وجدت في العالم قبل ظهور الرأسمالية.
 المفتاح الرابع: هو طبيعة الدولة في المراكز الامبريالية الغربية. كانت طبقة الرأسمالية دومًا، بحكم ميولها الاحتكارية، مناهضة لاقتصاد سوق تنافسي. كما أنها وهذا هو الأهم، كي تنتصر، عليها أن تتطابق مع الدولة؛ أن تكون هي الدولة. أي أن الرأسمالية لا تنتصر إلا حين تتحول الدولة إلى الأداة التي يتمتع بها الرأسماليون لتحقيق الأمن الداخلي ومحاباة الرأسماليين والقيام بالعسكرة و الحروب التوسعية والنهب والاحتلال والاستيطان؛ ودلك من أجل بناء ثرواتهم ومراكمتها، بحيث تعتبر مصالحهم والمصالح القومية الشيء نفسه. فالذي مهّد طريق أوروبا الغربية و أمريكا الشمالية واليابان ( الثالوث الامبريالي ) نحو الهيمنة الرأسمالية التاريخية هو تحالف الحكام مع الرأسماليين . لم تمر أوروبا إلى الرأسمالية الصناعية عبر هياكل السوق والأنشطة التجارية التنافسية، ولا حتى من خلال علاقات رأس المال والعمل وحدها، بل عبر تماهي واندماج رأس المال مع السلطة؛ وهو المزيج الذي مكّن ودفع الدول الأوروبية نحو الغزو والاستعباد والحروب اللامتناهية منذ القرن الخامس عشر فصاعدًا.
وعلى سبيل المقارنة لم يتمكن تجار الصين القديمة من التحكم بالدولة أو السيطرة عليها لتحقيق أهدافهم الخاصة، فالصين القديمة المزدهرة لم تعتمد على دعم التجار الأغنياء لتثبيت قوتها وأمنها المالي والسياسي، بل كثيرًا ما عملت الإمبراطورية الصينية كـ«منافس مزعج» في السوق أكثر من كونها أداةً مفيدة لتعزيز مصالحهم. رغم أن التجار الصينيين حققوا أرباح طائلة خلال جزء كبير من الماضي الإمبراطوري في الصين، إلا أن «الدولة» في الغالب، لم تمنحهم حقوق احتكار ولم توجه الضرائب لخدمة احتياجاتهم، بل ظلّت تسيطر بشدة على قطاعات معينة من الاقتصاد، حيث كثيرًا ما فرضت احتكارات على السلع الأكثر ربحًا، كالملح والمشروبات الكحولية والبخور والشاي والحرير، كما حدث في عهد أسرة سونغ. وربما هذا هو ما يفسر كيف أن الصين كانت قوة اقتصادية وتجارية ومالية ، أو بتعبير أدم سميت بالوعة الشرق المالية حتى نهاية القرن الثامن عشر، ولم تكن امبراطورية استعمارية.

سعيد كنيش في تمارة بتاريخ 2022/08/02

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى