عائد خصباك - "إنهم يقتلون الكتّاب"

لذكرى وفاة يوسف ادريس "19/5/1927- 1/8/ 1991 " ، الكاتب والروائي وهو واحد من أفضل من كتب القصة القصيرة في عصره، أعيد نشر بعض ما كتبته في كتابي المنشور قبل سنتين" مائة ليلة وليلة/ أيام العراقي في قاهرة نجيب محفوظ "وذلك الموقف الاقتحامي، أرى أن أذكّر به.



كنّا معا في شقتي التي في " ساحة المساحة في الدقي" عندما قال الشاعر أمل دنقل موجها كلامه لسعيد الكفراوي: أتذكر يا سعيد يوم وصل يوسف إدريس إلى مقهى "ريش" ورآنا جميعا في أبأس حال؟ قال سعيد: وفي أبأس حال ليه كفى الله الشر؟
قال أمل: نسيت يوم اغتيال غسان كنفاني في بيروت بمنطقة الحازمية من قبل الموساد الاسرائيلي يوم 9 يوليو 1972؟
قال سعيد: وهل ينسى يوم كهذا! عندما وصل يوسف إدريس "ريش" ما أعجبه حال من جلس هناك، قال يبل أن يجلس: مالكو؟ فكان الجواب: غسان كنفاني اغتاله الموساد الإسرائيلي يا دكتور وتريدنا أن نكون في حال غير حالنا هذا!
قال: ولمّا الموساد اغتالت غسان كنفاني، أنتو تفضلوا قاعدين كده ليه، قوم يا كفراوي هات لنا ما يكفي من القماش لعمل لافتات نكتب فيها ما يدين جريمة الاغتيال هذه، مش معقول اللي أنتو فيه!. قام سعيد الكفراوي، ربع ساعة ورجع ،معه قماش لعمل اللافتات.
من كان في مقهى ريش ذلك اليوم قلّة: سليمان فياض، إبراهيم منصور، إبراهيم عبد العاطي، عبده جبير، محمود الورداني، أمل دنقل، يحيى الطاهر عبد الله، نجيب سرور، جميل عطية إبراهيم وآخرون. قال يوسف إدريس وهو يحصي عدد الحاضرين بعينيه: قم يا سعيد الكفراوي، اتصرّف، هات البقية. خرج سعيد من ريش وما رجع الا ومعه عبد الحكيم قاسم ودكتور عبد المحسن طه بدر وغيرهما. وعندما رجع الكفراوي كان سليمان فياض الروائي انتهى من خط لافتتين الاولى كتب عليها: "إنهم يقتلون الكتّاب، أليس كذلك؟!" والثانية: "الموت لأمريكا وإسرائيل". وربما هي جملة أخرى قريبة الشبه من هذه.
خرجت المسيرة من "ريش"، أول مسيرة هزّت الشارع في تاريخ مصر بعد 23 يوليو 1952، "هذا إذا أزحنا جانبًا مظاهرات الطلبة التي حصلت قبل سنوات"، وانزلقت المسيرة من رصيف "ريش" إلى شارع سليمان باشا وإلى شوارع أخرى.
ربما اشترك فيها بحدود سبعين شخصًا بينهم الصحفية الإنجليزية إيريني، وفيها أيضًا ديزموند ستيوارت، الذي ترجم الكثير من الاعمال الروائية والقصصية المصرية إلى الانجليزية وكان يسير بجانبه نجيب سرور، ونجيب فاته موضوع المسيرة وأخذ يرفع صوته بداية للدخول مع ستيوارت في نقاش فالتفت إليه يوسف إدريس الذي كان في المقدمة بل ومتقدم خطوة أكثر، التفت إليه وقال: مش وقته يا نجيب. وكانت هذه كافية له.
كان الجو حارًّا وشبابيك الشقة مفتوحة على مصراعيها، قال أمل دنقل لمحمد البساطي: لكنك ما شاركت في المسيرة، لا أنت ولا إبراهيم أصلان، عفيفي مطر ما شارك في المسيرة لكن له عذر فقد كان في البلد مع أهله وذويه.
قال البساطي: ما شاركت آ، لأني أعرف أن المسيرة ستدين إسرائيل فقط ولا تدين بعض الدول العربية التي هي أصلا خططت لهذا الاغتيال.
قال إبراهيم أصلان: آآ، أنا معك، الدول دي هي اللي اغتالت غسان كنفاني، لكن التنفيذ كان إسرائيلي، تعرف ليه؟ مش علشان تلك الدول ما تقدرش تنفذ، لا، علشان إسرائيل تحمي الدول دي ومتخليهاش في المواجهة، اتفاق بينهم يعني.
قال أمل: لا تبرر، إحنا خرجنا في المسيرة، وأعلناها صريحة، واليافطة المرفوعة قالت "إنهم يقتلون الكتاب "، انتبه إلى "إنهم" فهي لا تعني اسرائيل فقط.
قال الكفراوي: سؤالي هو: ايه اللي تغير بعد المسيرة لحد دلوقتي؟
قال يحيى الطاهر: لن يتغير شيء للأفضل، للأسوأ نعم، وخليني أقول لك حاجة: إحنا الآن بانتظار اغتيال غسان كنفاني جديد، ليخرج الكتّاب في مسيرة تدين الحدث.
أعلى