محمد السلاموني - الإسلام وتقنيات الهيمنة الدينية :

الأديان عامة، وثنية وسماوية، تعتمد "التلاوة"، ليس كركن من أركانها فقط ، بل باعتبارها عمود الدين كله...
"التلاوة" هى الجانب الصوتى المسموع من الممارسة الطقسية التَّعَبُّدِيَّة...
وبطبيعة الحال، عادة ما يكون هناك اهتماما فائقا بكيفية الأداء الصوتى التِّلاوى؛ فشروط تلاوة النصوص الدينية؛ حلاوة الصوت وطلاوته، إجادة القراءة، التنغيم... إلخ، لضمان حسن التأثير فى المستمعين، تعد أحد مرتكزات الممارسة الطقسية المقدسة .
المركزية الصوتية وحضور الذات:
ما يمكن أن نفهمه من نظرية المُثُل الأفلاطونية هو أن "العالم المحسوس محاكاة للعالم المعقول"؛ وهو ما يعنى أن "الدوال- أو الأشياء" مشتقة من "المدلولات- أى الأفكار" .
تعود تلك النظرية إلى أن "إنفعالات النفس تعَبِّر بشكل طبيعى عن الأشياء؛ إنها تمثل نوعا من اللغة الكونية التى ما أن تتشكَّل حتى تنمحى بذاتها". وهى ما يطلقون عليه "مرحلة الشفافية".
يقول دريدا: [وسواء اتبعنا الطريقة الأرسطية، أو طريقة لاهوت العصور الوسطى التى تحدد كل شئ بحسبانه قد خُلِق إنطلاقا من صورته eides ومن معناه المُفَكَّر فيه فى اللوغوس أو فى العقل اللانهائى لله.] فإن كل دال، وفى الصدارة الدال المكتوب، هو دال مُشتَق، ويظل دائما دالا تقنيا وتمثيليا. وليس له أى معنى أساسى .
هذا الإشتقاق هو بمثابة الأصل لفكرة "الدال" .
الفكرة هنا تتمحور حول وجود تقارب مطلق بين الصوت البشرى والوجود، وبين الصوت ومعنى الوجود، والصوت ومثالية المعنى.
وقد بَيَّن هيجل الإمتياز الغريب للصوت فى إضفاء المثالية وإنتاج المفهوم و[حضور الذات أمام ذاتها] .
ما يمكن لنا الإنتهاء إليه مما سبق، هو أننا حين نتكلم، ومن خلال الصوت، يقع لنا حدث فريد، إذ تتحد من خلاله "الأنا المُتَكَلِّمة بالمعنى وبالعالم"، فنشعر بأننا نحضر أمام ذواتنا وأمام الكون ككل .
حضور الذات الكونية فى الممارسة الطقسية الدينية :
فى "التلاوة الدينية"، ومن خلال الصوت، وبينما نرَتِّل الآيات، نتماهى، نندمج، نتَّحِد بالكون- هذه الوحدة المطلقة، هى الأساس الذى يقيم عليه الدين، كل دين، وجوده كله .
نعم، الدين يعيدنا إلى الكون... هذا الحضور؛ الإنسانى فى الكونى والكونى فى الإنسانى، عبر "الصوت- اللغة"، قديم، قِدَم الإنسان نفسه- فمن خلاله [تصبح داخلية الموضوع هى داخلية الذات نفسها]؛ يقول دريدا: [فالأذن... دون أن تتوَجَّه عمليا تجاه الموضوعات، تُدرِك نتيجة الإهتزاز الداخلى للجسد الرنان "من خلال الروح"... وتظهر مثالية أولى نابعة من النَّفْس وليس شكلا ماديا.]، ويضيف دريدا: [... وبفضل استماع الذات لكلامها، بوصفه نظاما لا ينفصل عنها- تنفعل الذات بذاتها وتتواصل مع ذاتها من خلال عنصر المثالية. ].
الإسلام ومشكلة الذات - اللغة :
فضلا عمَّا سبق، أشير فقط إلى ما سبق أن عرضت له فى مقالات عديدة سابقة، وأعنى به "نظام الإشتقاق- الحاكم للغة العربية"، وكيف أنه يمثِّل جدارا حمائيا "للغة العربية ذاتها وللعقيدة الإسلامية المرتبطة بها" .
نظام الإشتقاق، اللغوى الخاص باللغة العربية، يعمل على محو "الذات الفردية"، فور تفعيله فى تسمِيَة الأشياء... فنظام اللغة، هنا، هو الذى يفكِّر داخل الذوات... أى أنه هو الذى يتملَّكها تماما، مما يجعلها تخضع له وتحضر من خلاله فقط .
أوووووووه ، أى حصار هذا ؟!.
آمُل أن أكون قد كشفت ولو بدرجة ما عن مدى فعالية بعض العناصر "التقنية" المتعلقة بـ "الصوت ونظام الإشتقاق" فى استحواذ وهيمنة الدين الإسلامى على "الإنسان العربى المسلم".
وختاما :
الإسلام، وبما هو خاتم الأديان السماوية، كما حوى بداخله الأديان الأخرى؛ إذ اكتملت به "كما يقولون"، فقد حوى أيضا الخبرات الناتجة عن الممارسات الطقسية الدينية السابقة عليه. وإذا أضفنا إلى هذا أنه هو الذى أوجد ما نعرفه الآن باسم "اللغة العربية"، يمكن لنا أن ندرك أنه جاء مُسَلَّحا بجميع الخبرات الممكنة المتعلقة بالممارسات الدينية.
لا أعنى بهذا أن الإسلام دين قصدى، ناتج عن مؤامرة أو ما شابه، كل ما فى الأمر هو أننى أشير فقط - كما أعتقد- إلى أحد أهم عوامل استمراريته إلى الآن ومدى تجَذُّره فى نفوس المؤمنين به.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى