أ. د. لطفي منصور - الشُّعَراءُ الرَّقّاشِيُّونَ

هُمْ جاهِلِيّونَ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ بَكْرِ وائِل. سُمُّوا بِالرَّقّاشِيِّينَ لِأَنَّ في أَشْعارِهِمْ نَمْنَمَةً وَزَخْرَفَةً لَفْظِيَّةً جَميلَةً. وَهُمْ لَيْسُوا الْمُرَقِّشَ الْأَكْبَرَ وَلا الْأَصْغَرَ، وَقَذْ سُمِّيَ الْأَكْبَرُ بِبَيْتٍ قالَهُ: منَ السّرِيعِ
الدّارُ قَفْرٌ وَالرُّسُومُ كَما
رَقَّشَ في ظَهْر الْأَدِيمِ قَلَمْ
(الرُّسُومُ: الْأَطْلال، الْأَديمُ: جِلْدٌ يُدْبَغُ فَيُكْتَبُ عَلَيْهِ. التّرْقِيشُ: التَّزْيِينُ وَالْكِتابَةُ}.
سَأَتَحَدَّثُ عنْ شاعِرٍ واحِدٍ مُنْ هَؤُلاءِ هوَ الْحارِثُ بنُ وَعْلَةَ الرَّقاشِيُّ وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ الْحَماسَةِ، كانَ رَئِيسًا في بَكْرِ بنِ وائِلٍ ، وَسِبْطُهُ (ابْنُ ابْنَتِهِ) هُوَ الْحُضَيْنُ بنُ الْمُنْذِرِ الرُّقاشِيُّ صاحِبُ رايَةِ عَلِيٍّ في صَفِّينَ.
أمّا الْحارِثُ الشّاعِرُ فَهُوَ الَّذِي قَصَدَهُ الْأَعْشَى الْكَبيرُ أَبُو بَصِيرٍ فَلَمْ يُكْرِمْهُ فَهَجاهُ الْأَعْشَى: مِنَ الطَّوِيلِ
- أَتَيْتُ حُرَيْثًا زائِرًا عَنْ جَنابَةَ
فَكانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطائِيَ جامِدُ
(حُرَيْثٌ صَغَُرَهُ لِلتَّحْقُيرِ، عَنْ جَنابَةٍ: عَنْ بُعْدٍ وَ غُرْبَةٍ، وَجاءَ في الْقُرْآنِ الْكَريمِ: الْجارُ الْجُنُبُ، أَيْ الْبَعِيد)
- إذا ما رَأَى ذا حاجَةٍ كَأَنَّما
رَأَى أَسَدًا في بَيْتِهِ أَوْ أَساوِدا
- لَعَمْرُكَ ما أَشْبَهْتَ وَعْلَةَ في النَّدَى
شَمائِلَهُ وَلا أّباهُ مُجالِدَا
(هَجاهُ وَمَدَحَ أَباهُ وَجَدَّهُ)
وَقَدْ اخْتَرْتُ لَكُمْ قَصيدَةً لِلْحارِثِ يَتَحَدَّثُ عَنْ قَوْمِهِ، وَهِيَ مِنْ مُخْتاراتِ أبي تَمّامٍ اِخْتارَها مِثالًا لِلْحِلْمِ. يَقُولُ مِنَ الْكامِل
- قَوْمُي هُمُ قَتَلُوا أُمّيْمَ أَخِي
فَإِذا رَمَيْتُ يُصِيبُنِي سَهْمِي
(يُخاطِبُ أُمَيْمَةَ وَقَدْ رَخَّمَ اسْمَها)
- فَلَئِنْ عَفَوْتُ فَلَأَعْفُوَنْ جَلَلًا
وَلَئِنْ سَطَوْتُ لَأُوهِنَنْ عَظْمِي
(الْجَلَلْ: الْأَمْرُ الْعَظِيمُ. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مِنَ الأضْدادِ. قالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: مِنَ الْمُتَقارَبَ
بِقَتْلِ بَنِي أَسَدٍ رَبَّهُمْ. أَلا كُلُّ شَيْءٍ سِواهْ جَلَلْ
أيْ هَيِّنٌ.
- لا تَأْمَنَنْ قَوْمًا ظَلَمْتَهُمُ
وَبَدَأْتَهُمْ بِالشَّتْمِ وَالظُّلْمِ
- أَنْ يَأْبِرُوا نَخْلًا لِغَيْرِهِمُ
وَالشَّيْيءَ تَحْقِرُهُ وَقَدْ يَنْمِي
(يَأْبِروا نَخْلا: يُلَقِّحُوهُ. أيْ لا تَأْمَِنْهُمْ حَتَّى عَلى أَمْرٍ بسيطٍ كَهَذا، الشَّطْرُ الثّاني مَثَلٌ، الشَّيْءَ مَنْصُوبٌ عَلى الُاشْتِغالِ)
- وَزَعَمْتُمُ أنْ لا حُلومَ لَنا
إنَّ الْعَصا قُرِعَتْ لِذِي الْحِلْمِ
(الْعَجُزُ مَثَلٌ مَعْروفُ، يُنظَرْ في مَجْمَعِ الْأَمْثالِ لَلْمَيْداني، بِاخْتِصارٍ أَحَدُ حُكَماءِ الْعَرَبِ كانَ إذا أَخْطَأَ قَرَعَتْ لَهُ ابنَتُهُ الْحَكِيمَةُ بِالْعَصا لِيَنْتَبِهَ)
- وَوَطِئْتَنا وَطْئًا عَلى حَنَقٍ
وَطْءَ الْمُقَيَّدِ نابِتَ الْهَرْمَ
(عَلَى حَنَقٍ عَلى غَيظٍ شَديدٍ، وَطْئًا: مفعولٌ مُطْلَقٌ، وَشِبْهُ الْجُمْلَةِ في مَحَلِّ نَصْبٍ حال، المُقَيَّد: الدّابَةُ الْمَرْبُوطَةُ في الْمَرْعَىً، الْهَرْمُ نوْعٌ مِنَ الْحَمْضِ ترعاهُ الدَّوابُّ)
- وَتَرَكْتَنا لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ
لَوْ كُنْتَ تَسْتَبْقِي مِنَ اللَّحْمِ
(الْوَضَمْ:خَشَبَةٌ يَضَعُ عليها اللَّحامَ اللَّحْمَ. الشّاعِرُ لَمْ يَصْنَعْ بِقَوْمِهِ ما يَزْعُمون)
كانَ الْمُبَرِّدْ يَسْتَحْسِنُ هذهِ الْأَبْياتَ وَيُكْثِرُ من إنْشادِها.
أهَمُّ الْمَصادِرِ لِلْأَبْياتِ غَيْرِ الْحَماسَةِ:
نَشْوَةُ الطَّرَب في تاريخِ جاهليَّةِ الْعَرَبِ ٢: ٦٣٦- ٦٣٩.?

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى