في العدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2008، قُتل 1285 فلسطينياً، وجرح نحو 4850.
وفي حرب 2012، قُتل 152 فلسطينياً وجُرح 970. وفي حرب 2014 قُتل 2147 فلسطينياً، وجُرح نحو 10870.
وفي حرب 2021، قُتل 232 فلسطينياً، وجُرح 1900. ما مجموعه 3816 شهيداً، وقرابة 19 ألف جريح.
أما خسائر إسرائيل في تلك الحروب الأربع، فبلغت على التوالي: 14، 2، 70، 12، ما مجموعه 98 قتيلاً. أي أن النسبة 1: 38. وإذا أضفنا عدد شهداء مسيرات العودة على حدود القطاع الشرقية وعددهم 326 شهيداً، وشهداء العدوان الأخير تصبح النسبة 1: 40. (في انتفاضة الأقصى كانت النسبة 1: 4).
ولا مقارنة تـُذكر في حجم الأضرار والخسائر في الممتلكات والبنية التحتية.
ألا تستحق تلك المعطيات مراجعة جادة؟ أم أن الدم الفلسطيني رخيص؟
صحيح، كما يقول البعض، أن هذا العدد بسيط لشعبٍ يريد التحرر والاستقلال، ولكنَّ هؤلاء أولاً ليسوا مجرد أرقام، وثانياً: لو كانت تلك التضحيات في سياق إستراتيجية مقاومة ناضجة، ومدروسة، ومتفق عليها وطنياً، وتبني تراكمات ستؤدي إلى تحقيق نتائج في المدى البعيد.. ستكون تضحيات مقبولة.. المشكلة ليست في عدد الشهداء (رغم أن دم كل شهيد أغلى من الدنيا كلها) المشكلة أن هذه الطريقة في إدارة الصراع ليست مجدية، ولا تبني تراكمات، بل إنها تستنزف طاقة الشعب، بدلاً من استنزاف قدرات العدو.
في هذا العدوان الجديد والغاشم، يبدو حتى اللحظة أن "حماس" لم تنجرّ لما تريده إسرائيل، أي إلى مربع المواجهة العسكرية المباشرة، حيث تمتلك إسرائيل من القوة ما يجعلها مهيمنة وقادرة على فرض شروطها، والخروج دون خسائر تُذكر، بل وتجريب أسلحتها الجديدة، بعدما حولت غزة إلى حقل تجارب، وصار المتنافسون في انتخاباتها الداخلية يتعاملون مع غزة وكأنها كيس ملاكمة، وليكسب قادتها أصوات الناخبين على حساب الدم الفلسطيني. ومع تبرير وتسويق عدوانها إعلامياً.. كما فعلت في كل حروبها السابقة.
وهذا الموقف الجديد لـ"حماس" يخالف شعاراتها عن المقاومة، ويبدو أنها استفادت من التجارب السابقة، فأرادت أن تجنّب القطاع حرباً مدمرة، ومزيداً من الدماء والخراب.. أو أنها أرادت الحفاظ على حكمها.. لا فرق، المهم النتيجة.
والأهم أن تدرك أن شعاراتها وسياساتها أرهقت شعبنا، وجعلته يتحمل فوق طاقته، بل وأضعفته، وأساءت له ولقضيته الوطنية، وكانت في كل مرة تقدم المبررات للاحتلال لشن عدوانه.
والأهم أيضاً أن تراجع "حماس" خطابها وتصوبه، وأن يتوقف ناطقوها الإعلاميون عن الحديث عن تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء، خاصة عندما يعلقون على عمليات اغتيال، فحياة أي قائد ليست أهم من حياة أي طفل. أو عند التعقيب على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.. فإسرائيل لم تتوقف يوماً عن تجاوز تلك الخطوط منذ النكبة، وبتشريدها ملايين اللاجئين، واحتلالها للأرض، وتدنيس مستوطنيها للقدس يومياً، وبأعمال القتل والاعتقال وهدم البيوت ومصادرة الأرض، وشن الحروب.
لذا، يجب أن يتغير مفهومنا للمقاومة بوصفه رداً على اعتداءات إسرائيل، أو رداً على اغتيال قائد.. يجب أن تتحول المقاومة إلى فعل يومي ومستمر، ضمن استراتيجية واضحة ومدروسة، توازن بين التضحيات والإمكانيات، بحيث يمكن استثمار تلك التضحيات سياسياً، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المقاومة الشعبية طويلة الأمد، باعتبارها الحل الأمثل ضمن معطيات الظرف الحالي.
كفاحنا الوطني ليس انتقاماً، ولا هو فزعة تنظيمات انتصاراً لقادتها، وليس صراعاً عشائرياً ولا طائفياً.. ومن الخطأ أيضاً إظهاره إعلامياً وكأنه حرب جيوش نظامية، وكأنّ الفلسطينيين يمتلكون صواريخ باليستية.. نحن ضحايا عدوان إسرائيلي إمبريالي غاشم، وتواطؤ دولي.. ولكننا شعب متحضر، وثائر، وصامد فوق أرضه، وبوسعنا رفض كل مشاريع التصفية، ومواصلة النضال حتى تحقيق أهدافنا الوطنية.. ولكن، علينا دوماً تصويب مسيرتنا النضالية.
في كل الحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع كانت هي البادئة، وهي التي تنهيها بعد أن تحقق أغراضها منها.. وفي كل مرة تتراجع مطالبنا، وتصبح العودة إلى الوضع الذي كنا عليه قبل العدوان!
هذه الحقيقة المرة، وما عدا ذلك مجرد رغبات وأوهام.. الحديث عن تثبيت معادلات جديدة، وتوازن الرعب، والردع المتبادل، وترسيخ قواعد جديدة للصراع، وزلزلة الأرض تحت أقدام الاحتلال.. هذه كلها موجودة في إطار التمنيات والوعود، وليست موجودة في القاموس الإسرائيلي.
والأهم من كل ذلك، أو يوازيه بالأهمية، أن تتصرف حماس بوصفها حركة وطنية فلسطينية، وليست فرعاً للإخوان المسلمين، وأن تنخرط حركة الجهاد الإسلامي في النظام السياسي الفلسطيني، وتدخل إلى ميدان السياسة، ولكن ليس بوصفها مؤيدة لإيران، وغيرها، هذا فقط ما يقطع الطريق على الاحتلال لكي لا يوغل في دمائنا أكثر. وهذا ما يُخرج فلسطين من لعبة المحاور الإقليمية.
وقف هذا العدوان، والتخلص من الشعارات الرنانة، والحسابات الحزبية، وإجراء مصالحة وطنية وإنهاء الانقسام، هو فقط ما ينتشل أهلنا في غزة، وهو الرد الصحيح والحقيقي على الاحتلال.
سأنقل لكم بعض ما كتبه أبناء غزة الأوفياء، المناضل أمين عابد: "غزة ليست صخرة لا تُكسر، وليست مدينة عِزة وكرامة كما كانت سابقاً، وليست فرعاً للاتحاد السوفييتي.. غزة، ضعفنا وانكسارنا وهزيمتنا وسجننا الكبير، غزة وجعنا وألمنا وقهرنا وموتنا المجاني، غزة مدينة الخوف من كل شيء.. سكان غزة بشر كغيرهم، لكنهم دائماً يدفعون الثمن الباهظ".
أما الأخ عزيز المصري فكتب: "حياتنا حروب؛ حرب الكهرباء، حرب المعابر، حرب الحصار، حرب الغلاء، حرب البطالة وضيق الحال والمعيشة، حرب الضرائب الباهظة، حروبنا الداخلية والتجاذبات الحزبية، وقمع المعارضة، حرب إعادة الإعمار وتداعيات الدمار والقتل والخراب.. ولولا الخجل من الدم لقلت إن التصعيد العسكري أهون من تلك الحروب اليومية".
أما الناشطة الحقوقية فاطمة عاشور، فكتبت: "غزة ليست فقيرة ولا متخلفة، غزة تم حصارها وسرقتها وإفقارها وتجهيلها وضربها بآلاف الأطنان من المتفجرات.. الجميع مسؤول عما حدث لغزة: الاحتلال الإسرائيلي، والمجتمع الدولي، وكل من تخلى عنها، حماس بممارساتها تجاه أهل غزة من كبت للحريات العامه وتكميم للأفواه، واعتقال وتعذيب وضرائب وقطع الكهرباء وتهجير الناس، ودفعهم للهروب في محاولة بائسة للبحث عن حياة كريمة، أو انتحار البعض للخلاص من واقع فاق الاحتمال.. في حقيقة الأمر غزة جميلة وشجاعة وحرة ومليئة بالطاقات والمواهب والإبداع رغم كل ما تمر به".
سلام على غزة، وأهلها الصامدين.. والخزي والعار للقتلة المعتدين.
عبد الغني سلامة
2022-08-08
الأيام
وفي حرب 2012، قُتل 152 فلسطينياً وجُرح 970. وفي حرب 2014 قُتل 2147 فلسطينياً، وجُرح نحو 10870.
وفي حرب 2021، قُتل 232 فلسطينياً، وجُرح 1900. ما مجموعه 3816 شهيداً، وقرابة 19 ألف جريح.
أما خسائر إسرائيل في تلك الحروب الأربع، فبلغت على التوالي: 14، 2، 70، 12، ما مجموعه 98 قتيلاً. أي أن النسبة 1: 38. وإذا أضفنا عدد شهداء مسيرات العودة على حدود القطاع الشرقية وعددهم 326 شهيداً، وشهداء العدوان الأخير تصبح النسبة 1: 40. (في انتفاضة الأقصى كانت النسبة 1: 4).
ولا مقارنة تـُذكر في حجم الأضرار والخسائر في الممتلكات والبنية التحتية.
ألا تستحق تلك المعطيات مراجعة جادة؟ أم أن الدم الفلسطيني رخيص؟
صحيح، كما يقول البعض، أن هذا العدد بسيط لشعبٍ يريد التحرر والاستقلال، ولكنَّ هؤلاء أولاً ليسوا مجرد أرقام، وثانياً: لو كانت تلك التضحيات في سياق إستراتيجية مقاومة ناضجة، ومدروسة، ومتفق عليها وطنياً، وتبني تراكمات ستؤدي إلى تحقيق نتائج في المدى البعيد.. ستكون تضحيات مقبولة.. المشكلة ليست في عدد الشهداء (رغم أن دم كل شهيد أغلى من الدنيا كلها) المشكلة أن هذه الطريقة في إدارة الصراع ليست مجدية، ولا تبني تراكمات، بل إنها تستنزف طاقة الشعب، بدلاً من استنزاف قدرات العدو.
في هذا العدوان الجديد والغاشم، يبدو حتى اللحظة أن "حماس" لم تنجرّ لما تريده إسرائيل، أي إلى مربع المواجهة العسكرية المباشرة، حيث تمتلك إسرائيل من القوة ما يجعلها مهيمنة وقادرة على فرض شروطها، والخروج دون خسائر تُذكر، بل وتجريب أسلحتها الجديدة، بعدما حولت غزة إلى حقل تجارب، وصار المتنافسون في انتخاباتها الداخلية يتعاملون مع غزة وكأنها كيس ملاكمة، وليكسب قادتها أصوات الناخبين على حساب الدم الفلسطيني. ومع تبرير وتسويق عدوانها إعلامياً.. كما فعلت في كل حروبها السابقة.
وهذا الموقف الجديد لـ"حماس" يخالف شعاراتها عن المقاومة، ويبدو أنها استفادت من التجارب السابقة، فأرادت أن تجنّب القطاع حرباً مدمرة، ومزيداً من الدماء والخراب.. أو أنها أرادت الحفاظ على حكمها.. لا فرق، المهم النتيجة.
والأهم أن تدرك أن شعاراتها وسياساتها أرهقت شعبنا، وجعلته يتحمل فوق طاقته، بل وأضعفته، وأساءت له ولقضيته الوطنية، وكانت في كل مرة تقدم المبررات للاحتلال لشن عدوانه.
والأهم أيضاً أن تراجع "حماس" خطابها وتصوبه، وأن يتوقف ناطقوها الإعلاميون عن الحديث عن تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء، خاصة عندما يعلقون على عمليات اغتيال، فحياة أي قائد ليست أهم من حياة أي طفل. أو عند التعقيب على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.. فإسرائيل لم تتوقف يوماً عن تجاوز تلك الخطوط منذ النكبة، وبتشريدها ملايين اللاجئين، واحتلالها للأرض، وتدنيس مستوطنيها للقدس يومياً، وبأعمال القتل والاعتقال وهدم البيوت ومصادرة الأرض، وشن الحروب.
لذا، يجب أن يتغير مفهومنا للمقاومة بوصفه رداً على اعتداءات إسرائيل، أو رداً على اغتيال قائد.. يجب أن تتحول المقاومة إلى فعل يومي ومستمر، ضمن استراتيجية واضحة ومدروسة، توازن بين التضحيات والإمكانيات، بحيث يمكن استثمار تلك التضحيات سياسياً، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المقاومة الشعبية طويلة الأمد، باعتبارها الحل الأمثل ضمن معطيات الظرف الحالي.
كفاحنا الوطني ليس انتقاماً، ولا هو فزعة تنظيمات انتصاراً لقادتها، وليس صراعاً عشائرياً ولا طائفياً.. ومن الخطأ أيضاً إظهاره إعلامياً وكأنه حرب جيوش نظامية، وكأنّ الفلسطينيين يمتلكون صواريخ باليستية.. نحن ضحايا عدوان إسرائيلي إمبريالي غاشم، وتواطؤ دولي.. ولكننا شعب متحضر، وثائر، وصامد فوق أرضه، وبوسعنا رفض كل مشاريع التصفية، ومواصلة النضال حتى تحقيق أهدافنا الوطنية.. ولكن، علينا دوماً تصويب مسيرتنا النضالية.
في كل الحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع كانت هي البادئة، وهي التي تنهيها بعد أن تحقق أغراضها منها.. وفي كل مرة تتراجع مطالبنا، وتصبح العودة إلى الوضع الذي كنا عليه قبل العدوان!
هذه الحقيقة المرة، وما عدا ذلك مجرد رغبات وأوهام.. الحديث عن تثبيت معادلات جديدة، وتوازن الرعب، والردع المتبادل، وترسيخ قواعد جديدة للصراع، وزلزلة الأرض تحت أقدام الاحتلال.. هذه كلها موجودة في إطار التمنيات والوعود، وليست موجودة في القاموس الإسرائيلي.
والأهم من كل ذلك، أو يوازيه بالأهمية، أن تتصرف حماس بوصفها حركة وطنية فلسطينية، وليست فرعاً للإخوان المسلمين، وأن تنخرط حركة الجهاد الإسلامي في النظام السياسي الفلسطيني، وتدخل إلى ميدان السياسة، ولكن ليس بوصفها مؤيدة لإيران، وغيرها، هذا فقط ما يقطع الطريق على الاحتلال لكي لا يوغل في دمائنا أكثر. وهذا ما يُخرج فلسطين من لعبة المحاور الإقليمية.
وقف هذا العدوان، والتخلص من الشعارات الرنانة، والحسابات الحزبية، وإجراء مصالحة وطنية وإنهاء الانقسام، هو فقط ما ينتشل أهلنا في غزة، وهو الرد الصحيح والحقيقي على الاحتلال.
سأنقل لكم بعض ما كتبه أبناء غزة الأوفياء، المناضل أمين عابد: "غزة ليست صخرة لا تُكسر، وليست مدينة عِزة وكرامة كما كانت سابقاً، وليست فرعاً للاتحاد السوفييتي.. غزة، ضعفنا وانكسارنا وهزيمتنا وسجننا الكبير، غزة وجعنا وألمنا وقهرنا وموتنا المجاني، غزة مدينة الخوف من كل شيء.. سكان غزة بشر كغيرهم، لكنهم دائماً يدفعون الثمن الباهظ".
أما الأخ عزيز المصري فكتب: "حياتنا حروب؛ حرب الكهرباء، حرب المعابر، حرب الحصار، حرب الغلاء، حرب البطالة وضيق الحال والمعيشة، حرب الضرائب الباهظة، حروبنا الداخلية والتجاذبات الحزبية، وقمع المعارضة، حرب إعادة الإعمار وتداعيات الدمار والقتل والخراب.. ولولا الخجل من الدم لقلت إن التصعيد العسكري أهون من تلك الحروب اليومية".
أما الناشطة الحقوقية فاطمة عاشور، فكتبت: "غزة ليست فقيرة ولا متخلفة، غزة تم حصارها وسرقتها وإفقارها وتجهيلها وضربها بآلاف الأطنان من المتفجرات.. الجميع مسؤول عما حدث لغزة: الاحتلال الإسرائيلي، والمجتمع الدولي، وكل من تخلى عنها، حماس بممارساتها تجاه أهل غزة من كبت للحريات العامه وتكميم للأفواه، واعتقال وتعذيب وضرائب وقطع الكهرباء وتهجير الناس، ودفعهم للهروب في محاولة بائسة للبحث عن حياة كريمة، أو انتحار البعض للخلاص من واقع فاق الاحتمال.. في حقيقة الأمر غزة جميلة وشجاعة وحرة ومليئة بالطاقات والمواهب والإبداع رغم كل ما تمر به".
سلام على غزة، وأهلها الصامدين.. والخزي والعار للقتلة المعتدين.
عبد الغني سلامة
2022-08-08
الأيام