لم يكن أحد من العقلاء يتوقع قبل عقد من الزمن، أن الإنسان سيصل إلى درجة من الاندحار النفسي والأخلاقي تجعله يعتنق التفاهة دينا إلى درجة أنه لا يستبيح خصوصياته أمام الآخر.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي معرضا لصور شخصية وجلسات حميمية لا علاقة لها بالشأن العام حتى يجعلها أصحابها حدثا مهما من الواجب تصديره بكل سذاجة، إذ سيطر مفهوم مصطلح - الجديد نسبيا - ( Mediocracy) والذي يعني النظام الاجتماعي الذي يكون المسيطر فيه هم التافهون بتلوينات تحيل على الابتذال والسخافة وضعف المستوى. لقد أصبح الكثيرون يقلصون النجاح والسعادة ويختزلونهما في صور على شاطئ بحر أو مائدة مطعم أو في حضن زوج أو زوجة، في تسويق لحياة مصطنعة تنقلهم من الواقع إلى الوهم، لعله مرض نفسي جديد محبِط، فحياة الإنسان الخاصة له، وليست للناس، ولعل لذلك ارتباط باختلال منظومة القيم المجتمعية، فالفرد يعمل على تفريغ توتره الداخلي وإثبات وجوده المفقود في دواخله، والرضا الناجم عن إشباع حاجة مزيفة، فتصير أنذاك شاشة الحاسوب أو شاشة الهاتف مسرحا لمزاد عليني تُبَاع فيه أخص الخصوصيات بأبخس الأثمان.
إن الأمر لا يعدو أن يكون استلابا للشخصية لما تُكبَّل بالاجتهاد المستمر في حصد إعجاب الآخر، ناهيك عن إهدار الوقت في ما لا طائل من ورائه، فكم من الوقت يقضي هؤلاء في اختيار الصور وانتقائها، بل وتعديلها أحيانا لحصد الإعجاب الوهم؟ . إن الهدف صار بحثا عن (اللايكات) والمديح، وهو في أغلبه مديح مصطنع تتهاوى على جنباته الحقائق التي تضمن للإنسان أن يمارس إنسانيته بكل أبعادها في الواقع لا في الافتراض، لذلك غاب التواصل لما طغى الاتصال، لقد مررنا للأسف من الأول للثاني، كما يقول أحد أساتذة علم الاجتماع بالمغرب (De la communication à la connexion) بما يحمله هذا التحول من خيبات أمل، فأن تكون أنت أنت أرقى وأنظف من أن تجتهد في جعل العالم الافتراضي يطرح شخصية غير التي أنت عليها، ومن المعلوم أن الفرق شاسع بين الأصل والتقليد. ناهيك عن (ظاهرة السيلفي) التي صارت إدمانا يُفقد الإنسان الشعور باللحظة، في سعي إلى تأبيدها في العوالم الافتراضية، وتبرير ذلك ما قاله الدكتور سعيد بن كراد في تقديمه لترجمة كتاب الفرنسية ( Elsa Godart) المعنون بـ: ( je selfie donc je suis) حيث يقول: " ويتم تداولها داخل فضاء أفقي تَخَلَّص من أبعاد العُمق ليصبح حاضنا لكل أشكال الوهم والتيه والتضليل والقليل من حقائق العلم والحياة...وتلك إحدى خصائص الصور المزيفة، أو هي الشكل الوحيد الذي يمكن أن تحضر من خلاله المحاكاة الساخرة أو المضللة للواقع، فنحن نمسك من خلالها بأشباه أشياء أو كائنات ".
لا شك أن العالم اليوم يعيش ترديا خطيرا في علاقته بالواقع، وهو ترد تغذى على إدمان التقاسم السافر للصور الشخصية، حتى أصبحت الجدران بدون قيمة، بل ارتضى البعض أن يصيروا سلعا تسوق نفسها مقابل (اللايكات) وتعليقات المكياج التي تكرس تدنيا في المشاعر وحتى في الأخلاق، أليس من العيب والتصابي تصوير مائدتك أو سيارتك أو غرفة نومك، أليس من غير اللائق إخبار العالم عن مكان تواجدك عبر خرائط تتيحها تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك، ما الرسائل المراد إبلاغها ؟، وما الفائدة التي سيجنيها الناس من الاطلاع على حركاتك وسكناتك ووجباتك وسيارتك أو بالأحرى فضائحك؟. إنه نوع جديد من العُري لا يدع أممنا مجالا للشك لنجزم بأننا نعيش فقرا روحيا بكل المقاييس.
لما ظهر السمارت فون ظهرت إبدالات جديدة، فعدنا ننظر للعالم ولأنفسنا من خلال الشاشة، ربما كان قصد المصنعين شيئا مفيدا، فأحلناه شيئا تافها لما تم استعماله في غايات ما كان لها أن تكون. لقد صار من الإشكالات لدى الكثيرين تساؤلهم عن موقع " أنَاهُم " في العالم الافتراضي، في هوس مرَضي يشعرهم داخليا بأنهم مهمون وكبار في نظر الآخر الذي يشاهد حضورهم الغائب، إذ أصبحت الشاشة مُكمِّلا للذات، حتى نقول أن الأمر يتعلق بإنسان، إننا بصدد الحديث عن إنسان ناقص إذا ما غابت عنه الشاشة التي يثبت من خلالها وجوده ويقول للعالم هأنذا، إنه نوع من التسويق، لكنه تسويق ذاتي، وتقول Elsa Godart بهذا الخصوص:" تصبح الأنا ماركة (علامة تجارية)، منتجا موضوعا للتداول في السوق " أصبح الفرد مخرجا ومصورا وموزعا لحياته وممثلا في فيلمه، هناك رغبة جامحة لديه ليصير نجما وحديث الألسن.
إن ظاهرة نشر الحياة الخاصة لتصير ملكا مشاعا بين الناس هي اختيال واغتيال، لما صار المرء مختالا متبخترا باللاشيء، ولما توَشَّح التفاهة وبحَث عن الشموخ خارج واقعه، كما صار قاتلا لشرف خصوصياته لما أخرجها من خدرها إلى ناصية الطريق ليستبيحها الجميع...عذرا السمار تفون...ما لهذا وُجِدت.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي معرضا لصور شخصية وجلسات حميمية لا علاقة لها بالشأن العام حتى يجعلها أصحابها حدثا مهما من الواجب تصديره بكل سذاجة، إذ سيطر مفهوم مصطلح - الجديد نسبيا - ( Mediocracy) والذي يعني النظام الاجتماعي الذي يكون المسيطر فيه هم التافهون بتلوينات تحيل على الابتذال والسخافة وضعف المستوى. لقد أصبح الكثيرون يقلصون النجاح والسعادة ويختزلونهما في صور على شاطئ بحر أو مائدة مطعم أو في حضن زوج أو زوجة، في تسويق لحياة مصطنعة تنقلهم من الواقع إلى الوهم، لعله مرض نفسي جديد محبِط، فحياة الإنسان الخاصة له، وليست للناس، ولعل لذلك ارتباط باختلال منظومة القيم المجتمعية، فالفرد يعمل على تفريغ توتره الداخلي وإثبات وجوده المفقود في دواخله، والرضا الناجم عن إشباع حاجة مزيفة، فتصير أنذاك شاشة الحاسوب أو شاشة الهاتف مسرحا لمزاد عليني تُبَاع فيه أخص الخصوصيات بأبخس الأثمان.
إن الأمر لا يعدو أن يكون استلابا للشخصية لما تُكبَّل بالاجتهاد المستمر في حصد إعجاب الآخر، ناهيك عن إهدار الوقت في ما لا طائل من ورائه، فكم من الوقت يقضي هؤلاء في اختيار الصور وانتقائها، بل وتعديلها أحيانا لحصد الإعجاب الوهم؟ . إن الهدف صار بحثا عن (اللايكات) والمديح، وهو في أغلبه مديح مصطنع تتهاوى على جنباته الحقائق التي تضمن للإنسان أن يمارس إنسانيته بكل أبعادها في الواقع لا في الافتراض، لذلك غاب التواصل لما طغى الاتصال، لقد مررنا للأسف من الأول للثاني، كما يقول أحد أساتذة علم الاجتماع بالمغرب (De la communication à la connexion) بما يحمله هذا التحول من خيبات أمل، فأن تكون أنت أنت أرقى وأنظف من أن تجتهد في جعل العالم الافتراضي يطرح شخصية غير التي أنت عليها، ومن المعلوم أن الفرق شاسع بين الأصل والتقليد. ناهيك عن (ظاهرة السيلفي) التي صارت إدمانا يُفقد الإنسان الشعور باللحظة، في سعي إلى تأبيدها في العوالم الافتراضية، وتبرير ذلك ما قاله الدكتور سعيد بن كراد في تقديمه لترجمة كتاب الفرنسية ( Elsa Godart) المعنون بـ: ( je selfie donc je suis) حيث يقول: " ويتم تداولها داخل فضاء أفقي تَخَلَّص من أبعاد العُمق ليصبح حاضنا لكل أشكال الوهم والتيه والتضليل والقليل من حقائق العلم والحياة...وتلك إحدى خصائص الصور المزيفة، أو هي الشكل الوحيد الذي يمكن أن تحضر من خلاله المحاكاة الساخرة أو المضللة للواقع، فنحن نمسك من خلالها بأشباه أشياء أو كائنات ".
لا شك أن العالم اليوم يعيش ترديا خطيرا في علاقته بالواقع، وهو ترد تغذى على إدمان التقاسم السافر للصور الشخصية، حتى أصبحت الجدران بدون قيمة، بل ارتضى البعض أن يصيروا سلعا تسوق نفسها مقابل (اللايكات) وتعليقات المكياج التي تكرس تدنيا في المشاعر وحتى في الأخلاق، أليس من العيب والتصابي تصوير مائدتك أو سيارتك أو غرفة نومك، أليس من غير اللائق إخبار العالم عن مكان تواجدك عبر خرائط تتيحها تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك، ما الرسائل المراد إبلاغها ؟، وما الفائدة التي سيجنيها الناس من الاطلاع على حركاتك وسكناتك ووجباتك وسيارتك أو بالأحرى فضائحك؟. إنه نوع جديد من العُري لا يدع أممنا مجالا للشك لنجزم بأننا نعيش فقرا روحيا بكل المقاييس.
لما ظهر السمارت فون ظهرت إبدالات جديدة، فعدنا ننظر للعالم ولأنفسنا من خلال الشاشة، ربما كان قصد المصنعين شيئا مفيدا، فأحلناه شيئا تافها لما تم استعماله في غايات ما كان لها أن تكون. لقد صار من الإشكالات لدى الكثيرين تساؤلهم عن موقع " أنَاهُم " في العالم الافتراضي، في هوس مرَضي يشعرهم داخليا بأنهم مهمون وكبار في نظر الآخر الذي يشاهد حضورهم الغائب، إذ أصبحت الشاشة مُكمِّلا للذات، حتى نقول أن الأمر يتعلق بإنسان، إننا بصدد الحديث عن إنسان ناقص إذا ما غابت عنه الشاشة التي يثبت من خلالها وجوده ويقول للعالم هأنذا، إنه نوع من التسويق، لكنه تسويق ذاتي، وتقول Elsa Godart بهذا الخصوص:" تصبح الأنا ماركة (علامة تجارية)، منتجا موضوعا للتداول في السوق " أصبح الفرد مخرجا ومصورا وموزعا لحياته وممثلا في فيلمه، هناك رغبة جامحة لديه ليصير نجما وحديث الألسن.
إن ظاهرة نشر الحياة الخاصة لتصير ملكا مشاعا بين الناس هي اختيال واغتيال، لما صار المرء مختالا متبخترا باللاشيء، ولما توَشَّح التفاهة وبحَث عن الشموخ خارج واقعه، كما صار قاتلا لشرف خصوصياته لما أخرجها من خدرها إلى ناصية الطريق ليستبيحها الجميع...عذرا السمار تفون...ما لهذا وُجِدت.