[HEADING=3]نحن نعرف جميل صدقي الزهاوي شاعراً وفيلسوفاً وعالِماً، ولكن قلما نعرفه ظريفاً منكِّتاً. دعاه يوماً رئيس الوزراء، نوري السعيد، للالتقاء به. فسأله: أين؟ أجابه: في مقهى أمين. التقيا هناك. لم يكن في المقهى من متاع الدنيا غير بضعة تخوت وكراسي قديمة وفونوغراف قديم. ومع ذلك، أعجب الزهاوي به فاتخذه مقاماً له سرعان ما سُمِّي باسمه حتى يومنا هذا: (مقهى الزهاوي).[/HEADING]
وسرعان ما تحوَّل إلى ملتقى للأدباء. كان بينهم معروف الرصافي الذي انطلق في إنشاد قصيدة طويلة. تضايق الزهاوي منها ومن صاحبها. وكان بينهما ما صَنَع الحداد. جلس الزهاوي يتربص لفكرة يعمل بها مقلباً لصاحبه، أو بالأحرى غريمه الرصافي، حتى ظهر صبي يبيع الفستق. فقاطع الزهاوي زميله متوجهاً إلى البياع: (يا ولد عندك قميص شبابي على مقاسي) استغرق الحاضرون بالضحك، وضاعت القصيدة على الرصافي؛ فخرج غاضباً. وعندئذ تربّع الزهاوي في جلسته، ونَصَّب من نفسه أميراً على المقهى وتخلص من غريمه.
ذهب الرصافي، وإذا بمحله يأخذه محمد مهدي الجواهري، الشاعر الشاب عندذاك. انطلق هذا يتلو شيئاً من شعره هو الآخر حتى قاطعه الفيلسوف الكبير. (أفندم تتراهن (استغرب الجواهري الشاب من السؤال. أعاد الكرّة. )نتراهن على أي شيء أستاذ) (على أن أقطع نفسي وأنت تقطع نفسك! دعنا نشوف من فينا يخلص نفسه بالأول؟!.(
كانت لعبة مما يلهو به الأطفال. ولكن الجواهري لم يشأ أن يعترض على سيده في السبعين من عمره؛ فأمسك بأنفه وقطع نفسه… وفعل مثله الزهاوي. بعد برهة من الوقت استسلم الجواهري: يا أستاذنا كفاية فكسب الزهاوي الرهان وحق على الجواهري أن يدفع عنه أجرة المقهى، (أربعة فلوس). أيام خير! والفلوس كانت فلوساً.
يقول المثل الشائع: (ديكين على مزبلة واحدة ما يعيشون». كان الأفضل لصاحب المثل أن يقول: (شاعران في مقهى واحد لا يعيشان).
بيد أن الزهاوي لم يكن بخيلاً في الواقع، أو حريصاً على أجرة المقهى وقدح الشاي… بل كان المعتاد له عندما يهم بالانصراف أن ينادي على النادل ويدفع عن الجالسين ممن يحبهم، ولكن يستثني من لا يحبهم أو من أغضبوه في الجلسة أو قاطعوه في الكلام.
هكذا كان مقهى الزهاوي في شارع الرشيد ، واحةً من واحات الفكر ارتبط بأسماء مشاهير تلك العقود. انضمّ إليهم يوماً عبد القادر المميز صاحب جريدة «أبو حمد» فاستقبله الزهاوي بهذين البيتين:
قد جاءنا أبو حمد
يمشي كمِشيةِ الأسد
قد طابت القهوة لي
صبّ يا ولد… صب يا ولد
وهناك كان ينفث أفكاره الفلسفية في شتى العلوم، لا سيما عن نظريته في الجاذبية التي نشر فيها كتاباً صغيراً. وكتب الكثير عن نظرية التطور والداروينية وأصل الإنسان ونحوها. وفيما كان يوماً محلِّقاً بأفكاره، اقتحم المقهى رجل غاضب توجه إليه فوراً: أتنكر خلقة الخالق وتقول الإنسان أصله قرد! يعني أبويا كان قرد! فأمسك الزهاوي بذقنه وأجابه: (لا ابني! أنا ما قلت أبوك كان قرد. لكن أنا أبويا كان قرد(!
https://www.azzaman.com/%d9%85%d9%82%d9%87%d9%8a-%d8%a7
وسرعان ما تحوَّل إلى ملتقى للأدباء. كان بينهم معروف الرصافي الذي انطلق في إنشاد قصيدة طويلة. تضايق الزهاوي منها ومن صاحبها. وكان بينهما ما صَنَع الحداد. جلس الزهاوي يتربص لفكرة يعمل بها مقلباً لصاحبه، أو بالأحرى غريمه الرصافي، حتى ظهر صبي يبيع الفستق. فقاطع الزهاوي زميله متوجهاً إلى البياع: (يا ولد عندك قميص شبابي على مقاسي) استغرق الحاضرون بالضحك، وضاعت القصيدة على الرصافي؛ فخرج غاضباً. وعندئذ تربّع الزهاوي في جلسته، ونَصَّب من نفسه أميراً على المقهى وتخلص من غريمه.
ذهب الرصافي، وإذا بمحله يأخذه محمد مهدي الجواهري، الشاعر الشاب عندذاك. انطلق هذا يتلو شيئاً من شعره هو الآخر حتى قاطعه الفيلسوف الكبير. (أفندم تتراهن (استغرب الجواهري الشاب من السؤال. أعاد الكرّة. )نتراهن على أي شيء أستاذ) (على أن أقطع نفسي وأنت تقطع نفسك! دعنا نشوف من فينا يخلص نفسه بالأول؟!.(
كانت لعبة مما يلهو به الأطفال. ولكن الجواهري لم يشأ أن يعترض على سيده في السبعين من عمره؛ فأمسك بأنفه وقطع نفسه… وفعل مثله الزهاوي. بعد برهة من الوقت استسلم الجواهري: يا أستاذنا كفاية فكسب الزهاوي الرهان وحق على الجواهري أن يدفع عنه أجرة المقهى، (أربعة فلوس). أيام خير! والفلوس كانت فلوساً.
يقول المثل الشائع: (ديكين على مزبلة واحدة ما يعيشون». كان الأفضل لصاحب المثل أن يقول: (شاعران في مقهى واحد لا يعيشان).
بيد أن الزهاوي لم يكن بخيلاً في الواقع، أو حريصاً على أجرة المقهى وقدح الشاي… بل كان المعتاد له عندما يهم بالانصراف أن ينادي على النادل ويدفع عن الجالسين ممن يحبهم، ولكن يستثني من لا يحبهم أو من أغضبوه في الجلسة أو قاطعوه في الكلام.
هكذا كان مقهى الزهاوي في شارع الرشيد ، واحةً من واحات الفكر ارتبط بأسماء مشاهير تلك العقود. انضمّ إليهم يوماً عبد القادر المميز صاحب جريدة «أبو حمد» فاستقبله الزهاوي بهذين البيتين:
قد جاءنا أبو حمد
يمشي كمِشيةِ الأسد
قد طابت القهوة لي
صبّ يا ولد… صب يا ولد
وهناك كان ينفث أفكاره الفلسفية في شتى العلوم، لا سيما عن نظريته في الجاذبية التي نشر فيها كتاباً صغيراً. وكتب الكثير عن نظرية التطور والداروينية وأصل الإنسان ونحوها. وفيما كان يوماً محلِّقاً بأفكاره، اقتحم المقهى رجل غاضب توجه إليه فوراً: أتنكر خلقة الخالق وتقول الإنسان أصله قرد! يعني أبويا كان قرد! فأمسك الزهاوي بذقنه وأجابه: (لا ابني! أنا ما قلت أبوك كان قرد. لكن أنا أبويا كان قرد(!
https://www.azzaman.com/%d9%85%d9%82%d9%87%d9%8a-%d8%a7