أيام الجامعة و رغم التخصص العلمي الصرف، كنت مهووسا بالتاريخ وكتب التصوف، أشارك بعض الطلبة من أهل الاختصاص بعض كتبهم، أستعير كتبت من مكتبة الحي الجامعي، التي صادقت أحد موظفيها، أخرج بالكتب فتظل عندي أياما، أدون ما أعجبني من أفكار و مقولات، أقتفي شخصيات الموسوعة الصوفية، متصوفة بغداد، الملل و النحل... لأستجمع نصوصا أكتبها كمسودات، خاصة في العطلة البينية...
من المقالات التي دونتها في أوراق، حتى بات متاحا نشرها على المنتديات و المدونات، فوضعتها بما تحمل من أخطاء، مقالة عن التصوف الفلسفي، المتأثر بالفكر الغنوصي..كنت نشرتها 2009، ووجدتها في الأرشيف لأعيد نشرها اليوم كما هي، مع استدراكات بسيطة:
انتعش التصوف الفلسفي إبان العصر العباسي في منتصف القرن الثالث الهجري مع انتشار الفكر الفلسفي، والاحتكاك بثقافات الشعوب المجاورة ، وترجمة الفكر اليونانية من قبل علماء بيت الحكمة الذي أسسه المأمون في بغداد لنقل تراث الفكر الهيليني وفكر المدرسة الإسكندرية إلى اللغة العربية. وبطبيعة الحال، سيتأثر التصوف الإسلامي بعوامل ذاتية و أخرى خارجية كما أسلفنا، نجد ذلك واضحا لدى الحلاج صاحب نظرية الحلول، والبسطامي صاحب نظرية الفناء، وابن عربي صاحب فكرة وحدة الوجود، ناهيك عن شطحات غريبة في تصوف ابن الفارض( الحب الالهي) والشريف الرضي وجلال الدين الرومي ونور الدين العطار والشبلي وذي النون المصري والسهروردي( الفلسفة الاشراقية).
لقد حاول بعض المتصوفة فك لغز الوجود ( كيف خلق العالم و حوادثه و من خلقه و مماذا خلق و لماذا خلق و …طرحت لذلك مجموعة من الفرضيات ... منها فكرة وحدة الوجود التي استند مؤسسها على مصادر ذاتية ( داخل نطاق الفكر و التراث الاسلامي من خلال تفسير و تاويل لاحاديث نبوية …) وعلى مصادر نابعة من ثقافات و تيارات فلسفية خارج المنظومة الاسلامية ( الاغريقية، الهيلينية/ الغنوصية)
يرى زكي مبارك أن القائلين بوحدة الوجود فريقان:
فريق يرى الله روحا و يرى العالم جسما لهذا الروح،و فريق يرى أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله فالكل شيء هو الله و لاضفاء الشرعية على هذه الفكرة يستندون الى الحديث المأثور رأيت ربي على صورة شاب أمرد…، ويصفهم ابن تيمية بقوله ..يدعون التحقيق و العرفان و يجعلون وجود الخالق هو عين وجود المخلوقات، فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن و قبح و مدح و ذم إنما المتصف به عندهم عين الخالق…….
ممن تطرق لفكرة وحدة الوجود مجموعة من المتصوفة نورد ذكرهم استنادا على موسوعة عبد المنعم حنفي في التصوف.
ابن مسرة :
يتناول ابن مسرة فكرة وحدة الوجود بصيغة فلسفية تتجسد في قضية الخلاص: خلاص النفس من عالمها المادي يكون بعودتها الى العالم الروحاني الذي فاضت منه، علاقة ثنائية بين الكل( العالم الروحاني) و بين الجزء ( النفس) هي تجسيد للمبدأ الغنوصي السابق ( معرفة النفس لأصلها الإلهي كي تعود الى الملأ الاعلى ).
كما يطابق هذا التجسيد بعض المعتقدات البابلية ( البابليون يرون أن النفس تهبط من السماء العليا عبر سبع دوائر فلكية فتتلقى في كل منها استعددات خاصة ، بعد الموت تصعد النفس عبر نفس الدوائر تاركة في كل دائرة ما سبق أن أخذته) خلاص النفس عند ابن مسرة يكون بالمحاسبة اليومية لتتطهر و بالتالي تترقى نحو العالم الروحاني و تمام التطهير يكون بمعرفة الذات التي هي في الأصل الحصول على الذات ، هذه المعرفة لا تتم بالعقل لأنه قاصر عن الاحاطة بالوحدة الذاتية للاشياء.
ابن عفيف التلمساني :
يرى ابن عفيف التلمساني أن وجود المحدثات هو عين وجود الخالق فما ثم غير سوى و لا سوى، فالعبد إنما يشهد السوى مادام محجوبا ( عاميا ) فإذا انكشف حجابه رأى أنه ما ثم غير( نوع من الاتحاد) لذالك فالامور عنده في هذه الحالة سواء و كل المحرمات في أصلها عنده حلال لأنه بلغ درجة ما فوق أحكام الشرع التي هي للعامة ( و العياذ بالله)، هو بذالك ينفي مقاصد الشرع و أصلها و يستبدل الغياية ( عبادة الله………) بالحصول على السوى ( الاتحاد مع الذات نفسها) و العياذ بالله.
ابن عفيف يجعل من الحلال و الحرام ثنائية نسبية تتعلق بالفعل الانساني، و لكن كيف للانسان و هو المعروف بشهوانيته أن يهتدي الى ذاته دون رسالة أو وحي…….كيف له أن يحد مما يعوقه كي يصل الى غايته ، الانسان مسرح لصراع قوتين ( العقل * النفس) فالعقل يهدف الى التفسخ من عالم المادة و التوجه الى العقل المتعالي ( العالم الروحاني حسب الهرمسية ) و النفس جزء من المادة الحادثة ( مصنوع ديتيموغورس)
هذا التفسير الهرمسي الذي يجعل الانسان خليطا من المادة و شيء من الصفات المتعالية و قد يكون هذا الخليط صفة مشتركة تتغير بتغير المتصف و هذا م يراه ابن عربي في وضع أسس وحدة الوجود لديه.
ابن عربي:
هنا لابد من التفريق بين ابن العربي الفقيه العالم و بين ابن عربي المتصوف الذي سنحاول طرح بعض افكاره حول وحدة الوجود و علاقتها بالفكر الهرمسي.
بنى ابن عربي الوجود كله على ما يسمى بالحقيقة الكلية التي هي للحق و للعالم لا تتصف بالوجود و لا بالعدم و لا بالحدوث و لا بالقدم، ان هي في القديم إذا وصفت بها قديمة و المحدث إذا وصف بها حادث ( محدث= مخلوق )
الحقيقة الكلية هي صفة يتصف بها الخالق و المخلوق معا زو تحمل صفات المتصف بها فهي تارة قديمة و تارة محدثة………..وز هي أصل العالم ( يسميها أيضا الحقيقة المحمدية) و أنها غير قابلة للتجزيء و هي واحدة في جوهرها و ذاتها و لا تتعدد الا في التعيينات و النسب و الاضافات و يعطي ابن عربي أيضا هذه لالصورة المكملة لاستدلاله ” و من هذه الحقيقة وجد العالم بواسطة الحق العالي…………و لخم تكن موجودة فيكون الحق قد أوجدنا من وجود قديم يثبت لنا بالقدم و كذالك لنعلم أيضا أن هذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم عن العالم و لا بالتأخر عنه و لكنها أصل الموجودات عموما و هي أصل الجوهر………و إن قلت هي العالم صدقت أو أنها ليست صدقت….و تتنزه بتنزيه الحق”.
ابن عربي جعل من الحقيقة الكلية التي هي كما يعتبرها قبة الوجود و عاءا للتعيينات و الصفات التي يتصف بها الخالق و المخلوق كما رأى هو.
و في كلامه عن الانسان و محاولة لتفسيره لمبدأ القدرة و الإرادة يرى ابن عربي أن الانسان انما هو الاه حقير لأنه خليفة الله في العالم و العالم سخر له مألأوه له كما أن الانسان مألوه للخالق…..وهو بذالك أي الانسان حر في اختيار أفعاله ( لأنه الاه كما ادعى) و هو مسير و مقيد بالجبر ( لأنه مه ذالك الاه حقير).
هذه بعض أفكار ابن عربي التي يتضح فيها التأثير الغنوصي و كأن ابن عربي كلام هرمس عن الوجود و كيفية الخلق و هذا ما بينه وو ضحه المفكر الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه نقد العقل العربي الجزء3 وإنما ذكرنا الإسماعيلية هنا لأنه عنهم كان ابن العربي يأخذ مواد عرفانيته، ومن نفس النبع الذي غرفوا منه كان يستسقي الهرمسية”.( الدكتور عابد الجابري: بنية العقل العربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة 1، 1986م، ص:311..)
من المقالات التي دونتها في أوراق، حتى بات متاحا نشرها على المنتديات و المدونات، فوضعتها بما تحمل من أخطاء، مقالة عن التصوف الفلسفي، المتأثر بالفكر الغنوصي..كنت نشرتها 2009، ووجدتها في الأرشيف لأعيد نشرها اليوم كما هي، مع استدراكات بسيطة:
انتعش التصوف الفلسفي إبان العصر العباسي في منتصف القرن الثالث الهجري مع انتشار الفكر الفلسفي، والاحتكاك بثقافات الشعوب المجاورة ، وترجمة الفكر اليونانية من قبل علماء بيت الحكمة الذي أسسه المأمون في بغداد لنقل تراث الفكر الهيليني وفكر المدرسة الإسكندرية إلى اللغة العربية. وبطبيعة الحال، سيتأثر التصوف الإسلامي بعوامل ذاتية و أخرى خارجية كما أسلفنا، نجد ذلك واضحا لدى الحلاج صاحب نظرية الحلول، والبسطامي صاحب نظرية الفناء، وابن عربي صاحب فكرة وحدة الوجود، ناهيك عن شطحات غريبة في تصوف ابن الفارض( الحب الالهي) والشريف الرضي وجلال الدين الرومي ونور الدين العطار والشبلي وذي النون المصري والسهروردي( الفلسفة الاشراقية).
لقد حاول بعض المتصوفة فك لغز الوجود ( كيف خلق العالم و حوادثه و من خلقه و مماذا خلق و لماذا خلق و …طرحت لذلك مجموعة من الفرضيات ... منها فكرة وحدة الوجود التي استند مؤسسها على مصادر ذاتية ( داخل نطاق الفكر و التراث الاسلامي من خلال تفسير و تاويل لاحاديث نبوية …) وعلى مصادر نابعة من ثقافات و تيارات فلسفية خارج المنظومة الاسلامية ( الاغريقية، الهيلينية/ الغنوصية)
يرى زكي مبارك أن القائلين بوحدة الوجود فريقان:
فريق يرى الله روحا و يرى العالم جسما لهذا الروح،و فريق يرى أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله فالكل شيء هو الله و لاضفاء الشرعية على هذه الفكرة يستندون الى الحديث المأثور رأيت ربي على صورة شاب أمرد…، ويصفهم ابن تيمية بقوله ..يدعون التحقيق و العرفان و يجعلون وجود الخالق هو عين وجود المخلوقات، فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن و قبح و مدح و ذم إنما المتصف به عندهم عين الخالق…….
ممن تطرق لفكرة وحدة الوجود مجموعة من المتصوفة نورد ذكرهم استنادا على موسوعة عبد المنعم حنفي في التصوف.
ابن مسرة :
يتناول ابن مسرة فكرة وحدة الوجود بصيغة فلسفية تتجسد في قضية الخلاص: خلاص النفس من عالمها المادي يكون بعودتها الى العالم الروحاني الذي فاضت منه، علاقة ثنائية بين الكل( العالم الروحاني) و بين الجزء ( النفس) هي تجسيد للمبدأ الغنوصي السابق ( معرفة النفس لأصلها الإلهي كي تعود الى الملأ الاعلى ).
كما يطابق هذا التجسيد بعض المعتقدات البابلية ( البابليون يرون أن النفس تهبط من السماء العليا عبر سبع دوائر فلكية فتتلقى في كل منها استعددات خاصة ، بعد الموت تصعد النفس عبر نفس الدوائر تاركة في كل دائرة ما سبق أن أخذته) خلاص النفس عند ابن مسرة يكون بالمحاسبة اليومية لتتطهر و بالتالي تترقى نحو العالم الروحاني و تمام التطهير يكون بمعرفة الذات التي هي في الأصل الحصول على الذات ، هذه المعرفة لا تتم بالعقل لأنه قاصر عن الاحاطة بالوحدة الذاتية للاشياء.
ابن عفيف التلمساني :
يرى ابن عفيف التلمساني أن وجود المحدثات هو عين وجود الخالق فما ثم غير سوى و لا سوى، فالعبد إنما يشهد السوى مادام محجوبا ( عاميا ) فإذا انكشف حجابه رأى أنه ما ثم غير( نوع من الاتحاد) لذالك فالامور عنده في هذه الحالة سواء و كل المحرمات في أصلها عنده حلال لأنه بلغ درجة ما فوق أحكام الشرع التي هي للعامة ( و العياذ بالله)، هو بذالك ينفي مقاصد الشرع و أصلها و يستبدل الغياية ( عبادة الله………) بالحصول على السوى ( الاتحاد مع الذات نفسها) و العياذ بالله.
ابن عفيف يجعل من الحلال و الحرام ثنائية نسبية تتعلق بالفعل الانساني، و لكن كيف للانسان و هو المعروف بشهوانيته أن يهتدي الى ذاته دون رسالة أو وحي…….كيف له أن يحد مما يعوقه كي يصل الى غايته ، الانسان مسرح لصراع قوتين ( العقل * النفس) فالعقل يهدف الى التفسخ من عالم المادة و التوجه الى العقل المتعالي ( العالم الروحاني حسب الهرمسية ) و النفس جزء من المادة الحادثة ( مصنوع ديتيموغورس)
هذا التفسير الهرمسي الذي يجعل الانسان خليطا من المادة و شيء من الصفات المتعالية و قد يكون هذا الخليط صفة مشتركة تتغير بتغير المتصف و هذا م يراه ابن عربي في وضع أسس وحدة الوجود لديه.
ابن عربي:
هنا لابد من التفريق بين ابن العربي الفقيه العالم و بين ابن عربي المتصوف الذي سنحاول طرح بعض افكاره حول وحدة الوجود و علاقتها بالفكر الهرمسي.
بنى ابن عربي الوجود كله على ما يسمى بالحقيقة الكلية التي هي للحق و للعالم لا تتصف بالوجود و لا بالعدم و لا بالحدوث و لا بالقدم، ان هي في القديم إذا وصفت بها قديمة و المحدث إذا وصف بها حادث ( محدث= مخلوق )
الحقيقة الكلية هي صفة يتصف بها الخالق و المخلوق معا زو تحمل صفات المتصف بها فهي تارة قديمة و تارة محدثة………..وز هي أصل العالم ( يسميها أيضا الحقيقة المحمدية) و أنها غير قابلة للتجزيء و هي واحدة في جوهرها و ذاتها و لا تتعدد الا في التعيينات و النسب و الاضافات و يعطي ابن عربي أيضا هذه لالصورة المكملة لاستدلاله ” و من هذه الحقيقة وجد العالم بواسطة الحق العالي…………و لخم تكن موجودة فيكون الحق قد أوجدنا من وجود قديم يثبت لنا بالقدم و كذالك لنعلم أيضا أن هذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم عن العالم و لا بالتأخر عنه و لكنها أصل الموجودات عموما و هي أصل الجوهر………و إن قلت هي العالم صدقت أو أنها ليست صدقت….و تتنزه بتنزيه الحق”.
ابن عربي جعل من الحقيقة الكلية التي هي كما يعتبرها قبة الوجود و عاءا للتعيينات و الصفات التي يتصف بها الخالق و المخلوق كما رأى هو.
و في كلامه عن الانسان و محاولة لتفسيره لمبدأ القدرة و الإرادة يرى ابن عربي أن الانسان انما هو الاه حقير لأنه خليفة الله في العالم و العالم سخر له مألأوه له كما أن الانسان مألوه للخالق…..وهو بذالك أي الانسان حر في اختيار أفعاله ( لأنه الاه كما ادعى) و هو مسير و مقيد بالجبر ( لأنه مه ذالك الاه حقير).
هذه بعض أفكار ابن عربي التي يتضح فيها التأثير الغنوصي و كأن ابن عربي كلام هرمس عن الوجود و كيفية الخلق و هذا ما بينه وو ضحه المفكر الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه نقد العقل العربي الجزء3 وإنما ذكرنا الإسماعيلية هنا لأنه عنهم كان ابن العربي يأخذ مواد عرفانيته، ومن نفس النبع الذي غرفوا منه كان يستسقي الهرمسية”.( الدكتور عابد الجابري: بنية العقل العربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة 1، 1986م، ص:311..)