إضاءات نقدية لى حول رواية "أنا خير منه" للكاتب الكبير معالى المستشار بهاء المري غدا باتحاد الكتاب ... كونوا معنا
_________________________
من خلال لغة شفيفة تتماس مع تخوم الشعر ، وبناء قصصى رصين ومحكم ومتماسك وإسلوب سهل وسلس يحفر عميقا فى سراديب الروح ، ورؤية تستلهم الماضى وتشتبك مع الواقع وتستشرف أفاق المستقبل جاءت رواية " أنا خير منه " للكاتب الكبير المستشار بهاء المرى وكأنها مكتوبة بحبر القلب ولقد صدرت الرواية عن مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر فى مائتين وإثنتين وعشرين صفحة موزعة على ستة وثلاثين فصلا نجح خلالهم الكاتب فى تضفير الشخصى مع العام ومزج الواقعى بالمتخيل مرتكزا على قاعدة أساسية جاء منها عنوان الرواية " أنا خير منه " فالأنانية والنرجسية والزعم بإمتلاك ناصية الحقيقة المطلقة أمور من شأنها الصعود بمعتنقيها إلى الهاوية مستعرضا تاريخا تراثيا ودينيا لفكرة الأنانية كان مأل أصحابه السقوط فى براثن الضياع كمفتتح للرواية - رغم أن الرواية كفن لايلزمها هذه المقدمة التفسيرية - ولقد دارت أحداث الرواية فى بدايتها بريف أسيوط حيث التعصب والقبلية وذيوع فكرة الثأر وثم إنتقلت الأحداث إلى مدينة الأسكندرية تلك المدينة التى كانت فيما مضى مدينة كوزمو بوليتانية تستوعب أجناسا شتى ومللا متنوعة وأفكارا مختلفة ولكن يبدو أن غياب التنمية والتحديث فى الجنوب دفع أهله إلى الهجرة شمالا لينتقلوا بأفكارهم البالية وموروثهم الثقافى ليعكروا صفو المدينة ويكون الإرهاب بديلا للثأر والجهاد صنوا للعنصرية ، فالأسكندرية للأسف كانت الحاضنة الأولى لتلك التيارات المتأسلمة والأرض الخصبة لغرس شتلات الوهابية التى جاءت محمولة فى رؤوس من سافروا إلى السعودية وعادوا منها ... والقارئ للرواية يدرك منذ البداية أن الكاتب لديه وعى مدهش بالبناء الإجتماعى للقرية المصرية وألياته وميكانيزماته وقوى الضغط ومراكز التأثير التى تؤثر سلبا وإيجابا فى الواقع المعيش لهؤلاء البسطاء بتفكيرهم السطحى وثقافتهم الضحلة يقول فى صفحة ٢٧ على لسان العم فى معرض حديثه مع بنت أخيه
" هل نأخذ بثأر أبيك أم نتركه حتى يكبر حمزة ؟ فترد زينب " أى ثأر ؟ الأهالى قتلوا قاتل أبى !
فيرد قائلا " الأهالى أخذوا بثأر عمدة قريتهم أما ثأرنا نحن نأخذه بأيدينا !!! كذلك أشار الكاتب إلى دور القضاء العرفى فى فض النزاعات بين الأهالى فى ظل غياب تام للأجهزة الأمنية والشرطية ...
أيضا أظهر الكاتب فهما واسعا لطرق ومداخل تيارات الإسلام السياسي فى إستهداف الشباب وتجنيدهم للعمل لصالحهم بدعوى الجهاد فى سبيل الله من خلال الأسر الجامعية والرحلات والمعسكرات التى تسعى نحو هدف وحيد وهو تزييف وعى الشباب بأفكار مغلوطة ودفعهم لإعتناق أفكار غريبة تدعو لتكفير المجتمع والخروج على الحاكم تعتمد العنف وسيلة والترويع أداة أيضا أشار الكاتب فى أكثر من موضع عن التناقض المريع بين مايتقول به المتأسلمون وبين مايفعلون فهم حريصون كل الحرص على إرتداء الجلباب الأبيض القصير وحف الشارب وإعفاء اللحية وترديد أحاديث مشكوك فى صحتها فيما يمارسون أفظع الموبقات كلما إختلوا بأنفسهم على أرض الواقع ولنا فى علاقة اللبان والعاملة التى تعمل لديه خير مثالا ... فاللبان هذا رغم لحيته الكثة ولسانه الذى يلهج دوما بالأحاديث والأيات لايتورع عن مواعدة الشابة الصغيرة ليطارحها الغرام فى إحدى حدائق الأسكندرية !!!
أيضا نجح الكاتب فى رسم شخوص الرواية بدقة متناهية حتى يخيل لك أنهم أناسا من لحم ودم يتحركون ويتقافزون على صفحات الرواية يقول فى صفحة ٥٥ " ورثت زينب من أمها إستدارة الوجه وسعة العينين وشده سوادهما وبياضهما ، تميل إلى الطول بجسد مستو متناسق ، خفيفة الظل فى غير إبتذال .. وأعتقد أن دقة الوصف هذه ملمح عام يسم أبطال الرواية وأماكن حياتهم بل يشمل الحدائق والمحلات والشوارع والمتنزهات والحقول وهذا يؤكد على مقدرة الكاتب وتمكنه من الإحاطة بناصية اللغة وإمتلاكه لأدواته وتطويعها بما يقدم بانوراما دقيقة لمسرح الأحداث تخلق نوعا من التفاعل الإيجابى الممتع بين القارئ وبين الحدث الدرامى للرواية ... كذلك نجح الكاتب فى صنع إحالات فنية مدهشة تدعو القارئ للتفكير والتمعن وتضعه فى أتون الدهشة ... يقول الكاتب فى صفحة ٥٣ فى معرض حديثه عن تجهيز مكان لصلاة العيد فى الخلاء " كانت رائحة المجارى تنبعث من بالوعة صرف صحى قاموا بتسليكها حتى يتسنى لهم إحكام غطائها ... فرغم كل شئ ورغم كل التجهيزات للصلاة كانت رائحة المجارى هى الغالبة على الجو العام وهذا ملمح مهم يشى بقدرة الكاتب على تمرير مايريد قوله بالإحالة والرمزية والإسقاطات المبهمة ... وكان الإتكاء على التاريخ بعدا مهما تجلى فى زيارة زينب وحمزة للقاهرة حيث شرحت له تاريخا وبينت له وقائع وسرد له أحداثا من الماضى وكأن الكاتب قد أراد أن يوصل لنا رسالة ضمنية مفادها عليكم بالإهتمام بالقراءة وعليكم الإحاطة بالتاريخ وعليكم التحصن بالمعرفة فى مواجهة أقوام أحاديى البعد لايعلمون شيئا إلا من مرشديهم وماعليهم إلا السمع والطاعة ... ومع التصاعد الدرامى للأحداث قتل حمزة كما قتل أبيه بدون أى ذنب وكان الثأر والإرهاب صنوان نهلا من معين واحد وترعرعا فى نفس التربة وكان هدفهما واحد وسلاحهما واحد ... فالثأر والإرهاب أبناء الجهل ... كذلك أشار الكاتب فى بضع مواضع بالرواية إلى وحدة عنصرى الأمة مسلمين وأقباط فأخر من رأه حمزة قبل إستشهادة على أرض سيناء - ربما اختار الكاتب هذا المكان عامدا - هو زميله القبطى مينا ... وكأن الكاتب أراد أن يرش ملحا أجاج فوق جراح الذات ووطننا العربى الكبير ويشير بطرف خفى إلى وحدة هدف المتأسلمين وأعداء الوطن من الصهاينة واليهود سيما وأن التفجير الأخير الذى أودى بحياة الجندى المصرى حمزة قد وقع على أرض سيناء هذه البقعة التى كانت ولازالت محل صراعنا مع اليهود ...والرواية فى مجملها تعد بمثابة دراسة حالة لواقع المجتمع المصرى فى سنواته الأخيرة خاصة بعد الغزو الوهابى نجح الكاتب من خلال الفن الروائى و بمهارة ودربة فى تحديد أسباب ماوصلنا إليه مشيرا إلى ضرورة البحث عن حلول ناجحة لمواجهة ظاهرة التأسلم السياسي لما لها من أخطار على الفرد والجماعة والمجتمع وبرغم وجود بعض الهنات الصغيرة بالرواية مثل إعتماد اللغة العربية الفصحى كلغة للحوار بين شخوص الرواية بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية والمعرفية والعمدية والقصدية فى التحكم فى صيرورة حياة شخوص الرواية ووجود خطأ إملائى فى صفحة صفحة ١٧فى كلمة الشجون وصحتها الأشجان ... إلا أن الكاتب قد قدم عملا روائيا متماسك بنائيا وقوى لغويا يشير إلى إنتماء متجذر ووطنية مدهشة ويؤكد أن لدى الكاتب مشروعا للكتابة يخصه وحده ...
_________________________
من خلال لغة شفيفة تتماس مع تخوم الشعر ، وبناء قصصى رصين ومحكم ومتماسك وإسلوب سهل وسلس يحفر عميقا فى سراديب الروح ، ورؤية تستلهم الماضى وتشتبك مع الواقع وتستشرف أفاق المستقبل جاءت رواية " أنا خير منه " للكاتب الكبير المستشار بهاء المرى وكأنها مكتوبة بحبر القلب ولقد صدرت الرواية عن مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر فى مائتين وإثنتين وعشرين صفحة موزعة على ستة وثلاثين فصلا نجح خلالهم الكاتب فى تضفير الشخصى مع العام ومزج الواقعى بالمتخيل مرتكزا على قاعدة أساسية جاء منها عنوان الرواية " أنا خير منه " فالأنانية والنرجسية والزعم بإمتلاك ناصية الحقيقة المطلقة أمور من شأنها الصعود بمعتنقيها إلى الهاوية مستعرضا تاريخا تراثيا ودينيا لفكرة الأنانية كان مأل أصحابه السقوط فى براثن الضياع كمفتتح للرواية - رغم أن الرواية كفن لايلزمها هذه المقدمة التفسيرية - ولقد دارت أحداث الرواية فى بدايتها بريف أسيوط حيث التعصب والقبلية وذيوع فكرة الثأر وثم إنتقلت الأحداث إلى مدينة الأسكندرية تلك المدينة التى كانت فيما مضى مدينة كوزمو بوليتانية تستوعب أجناسا شتى ومللا متنوعة وأفكارا مختلفة ولكن يبدو أن غياب التنمية والتحديث فى الجنوب دفع أهله إلى الهجرة شمالا لينتقلوا بأفكارهم البالية وموروثهم الثقافى ليعكروا صفو المدينة ويكون الإرهاب بديلا للثأر والجهاد صنوا للعنصرية ، فالأسكندرية للأسف كانت الحاضنة الأولى لتلك التيارات المتأسلمة والأرض الخصبة لغرس شتلات الوهابية التى جاءت محمولة فى رؤوس من سافروا إلى السعودية وعادوا منها ... والقارئ للرواية يدرك منذ البداية أن الكاتب لديه وعى مدهش بالبناء الإجتماعى للقرية المصرية وألياته وميكانيزماته وقوى الضغط ومراكز التأثير التى تؤثر سلبا وإيجابا فى الواقع المعيش لهؤلاء البسطاء بتفكيرهم السطحى وثقافتهم الضحلة يقول فى صفحة ٢٧ على لسان العم فى معرض حديثه مع بنت أخيه
" هل نأخذ بثأر أبيك أم نتركه حتى يكبر حمزة ؟ فترد زينب " أى ثأر ؟ الأهالى قتلوا قاتل أبى !
فيرد قائلا " الأهالى أخذوا بثأر عمدة قريتهم أما ثأرنا نحن نأخذه بأيدينا !!! كذلك أشار الكاتب إلى دور القضاء العرفى فى فض النزاعات بين الأهالى فى ظل غياب تام للأجهزة الأمنية والشرطية ...
أيضا أظهر الكاتب فهما واسعا لطرق ومداخل تيارات الإسلام السياسي فى إستهداف الشباب وتجنيدهم للعمل لصالحهم بدعوى الجهاد فى سبيل الله من خلال الأسر الجامعية والرحلات والمعسكرات التى تسعى نحو هدف وحيد وهو تزييف وعى الشباب بأفكار مغلوطة ودفعهم لإعتناق أفكار غريبة تدعو لتكفير المجتمع والخروج على الحاكم تعتمد العنف وسيلة والترويع أداة أيضا أشار الكاتب فى أكثر من موضع عن التناقض المريع بين مايتقول به المتأسلمون وبين مايفعلون فهم حريصون كل الحرص على إرتداء الجلباب الأبيض القصير وحف الشارب وإعفاء اللحية وترديد أحاديث مشكوك فى صحتها فيما يمارسون أفظع الموبقات كلما إختلوا بأنفسهم على أرض الواقع ولنا فى علاقة اللبان والعاملة التى تعمل لديه خير مثالا ... فاللبان هذا رغم لحيته الكثة ولسانه الذى يلهج دوما بالأحاديث والأيات لايتورع عن مواعدة الشابة الصغيرة ليطارحها الغرام فى إحدى حدائق الأسكندرية !!!
أيضا نجح الكاتب فى رسم شخوص الرواية بدقة متناهية حتى يخيل لك أنهم أناسا من لحم ودم يتحركون ويتقافزون على صفحات الرواية يقول فى صفحة ٥٥ " ورثت زينب من أمها إستدارة الوجه وسعة العينين وشده سوادهما وبياضهما ، تميل إلى الطول بجسد مستو متناسق ، خفيفة الظل فى غير إبتذال .. وأعتقد أن دقة الوصف هذه ملمح عام يسم أبطال الرواية وأماكن حياتهم بل يشمل الحدائق والمحلات والشوارع والمتنزهات والحقول وهذا يؤكد على مقدرة الكاتب وتمكنه من الإحاطة بناصية اللغة وإمتلاكه لأدواته وتطويعها بما يقدم بانوراما دقيقة لمسرح الأحداث تخلق نوعا من التفاعل الإيجابى الممتع بين القارئ وبين الحدث الدرامى للرواية ... كذلك نجح الكاتب فى صنع إحالات فنية مدهشة تدعو القارئ للتفكير والتمعن وتضعه فى أتون الدهشة ... يقول الكاتب فى صفحة ٥٣ فى معرض حديثه عن تجهيز مكان لصلاة العيد فى الخلاء " كانت رائحة المجارى تنبعث من بالوعة صرف صحى قاموا بتسليكها حتى يتسنى لهم إحكام غطائها ... فرغم كل شئ ورغم كل التجهيزات للصلاة كانت رائحة المجارى هى الغالبة على الجو العام وهذا ملمح مهم يشى بقدرة الكاتب على تمرير مايريد قوله بالإحالة والرمزية والإسقاطات المبهمة ... وكان الإتكاء على التاريخ بعدا مهما تجلى فى زيارة زينب وحمزة للقاهرة حيث شرحت له تاريخا وبينت له وقائع وسرد له أحداثا من الماضى وكأن الكاتب قد أراد أن يوصل لنا رسالة ضمنية مفادها عليكم بالإهتمام بالقراءة وعليكم الإحاطة بالتاريخ وعليكم التحصن بالمعرفة فى مواجهة أقوام أحاديى البعد لايعلمون شيئا إلا من مرشديهم وماعليهم إلا السمع والطاعة ... ومع التصاعد الدرامى للأحداث قتل حمزة كما قتل أبيه بدون أى ذنب وكان الثأر والإرهاب صنوان نهلا من معين واحد وترعرعا فى نفس التربة وكان هدفهما واحد وسلاحهما واحد ... فالثأر والإرهاب أبناء الجهل ... كذلك أشار الكاتب فى بضع مواضع بالرواية إلى وحدة عنصرى الأمة مسلمين وأقباط فأخر من رأه حمزة قبل إستشهادة على أرض سيناء - ربما اختار الكاتب هذا المكان عامدا - هو زميله القبطى مينا ... وكأن الكاتب أراد أن يرش ملحا أجاج فوق جراح الذات ووطننا العربى الكبير ويشير بطرف خفى إلى وحدة هدف المتأسلمين وأعداء الوطن من الصهاينة واليهود سيما وأن التفجير الأخير الذى أودى بحياة الجندى المصرى حمزة قد وقع على أرض سيناء هذه البقعة التى كانت ولازالت محل صراعنا مع اليهود ...والرواية فى مجملها تعد بمثابة دراسة حالة لواقع المجتمع المصرى فى سنواته الأخيرة خاصة بعد الغزو الوهابى نجح الكاتب من خلال الفن الروائى و بمهارة ودربة فى تحديد أسباب ماوصلنا إليه مشيرا إلى ضرورة البحث عن حلول ناجحة لمواجهة ظاهرة التأسلم السياسي لما لها من أخطار على الفرد والجماعة والمجتمع وبرغم وجود بعض الهنات الصغيرة بالرواية مثل إعتماد اللغة العربية الفصحى كلغة للحوار بين شخوص الرواية بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية والمعرفية والعمدية والقصدية فى التحكم فى صيرورة حياة شخوص الرواية ووجود خطأ إملائى فى صفحة صفحة ١٧فى كلمة الشجون وصحتها الأشجان ... إلا أن الكاتب قد قدم عملا روائيا متماسك بنائيا وقوى لغويا يشير إلى إنتماء متجذر ووطنية مدهشة ويؤكد أن لدى الكاتب مشروعا للكتابة يخصه وحده ...