بول أوستر - صلاة لأجل سلمان رشدي.. الدفتر الأحمر - ترجمة: ريم غنايم

وأنا أجلسُ هذا الصّباح لأكتبَ، أوّل ما فعلته أنّي فكّرتُ في سلمان رشدي. فعلتُ ذلك كلّ صباحٍ لمدّة تقارب أربعة أعوام ونصف العام، وحتّى الآن يشكّل الأمر جزءًا أساسيًا من روتيني اليوميّ. أرفع قلمي، وقبل أن أشرع في الكتابة، أفكر في زميلي الروائيّ الموجود في الجانب الآخر من العالَم. أصلّي بأن يبقى على قيد الحياة لأربع وعشرين ساعة أخرى. أصلّي بأن يبقيه حُماتُه الإنجليز محجوبًا عن الأشخاص الّذين يريدون قتله- هم هم نفس الأشخاص الذين سبق وَأن قَتَلوا أحد مُترجميه وأصابوا آخر. فوق من هذا وذاك، أصلّي كي يَحين الوقت الذي لا تعود فيه هذه الصلوات لازمة، وقت يملك فيه سلمان رشدي حرية المشي في شوارع العالم مثلي.
أصلّي لأجل الرّجل كلّ صباحٍ، لكن في قرارة نفسي، أدرك أنّي أصلّي أيضًا لأجل نَفسي. حياته مهدّدة بالخطر لأنّه ألّف كتابًا. تأليف الكتب صنعتي أنا أيضًا، وأدرك أنّه لولا منعطف التاريخ والحظّ الأعمى الصّرف، لكُنت مكانه. إن لم يكن اليوم، فربّما غدًا. إننا ننتمي إلى نفس الرابطة: الأخوّة السريّة في حالات العزلة، الانقطاع، التقلّب، نقضي، رجالا ونساء، أفضل أوقاتنا حبيسَين في حجراتٍ صغيرة نكابدُ كي نضَع الكلمات على صفحة واحدة. إنّها طريقة غريبة ليعيش المرء حياته، ووحده المرء الذي لم يكن مخيّرًا في ذلك سيختارها حِرفةً. إنّها مضنية للغاية، بخسة للغاية، طافحة بالخيبات لا تناسبَ أيّ شخصٍ آخر. المواهب تتنوّع، الطموحات تتنوّع، لكنّ كلّ كاتب جدير سيقول لك الأمر ذاته: كي يكتب المرء عملاً قصصيًا، عليه أن يكون حرًا ليقول ما يريدُ أن يقول. لقد فعلتُ ذلك مع كلّ كلمة كتبتها- كذلك فعل سلمان رشدي. هذا ما يجعلنا شقيقَين، وهذا ما يجعل مأزقه مأزقي أنا أيضًا.
لا أدري كيف يمكنني أن أتصرّف مكانه، لكن يمكنني أن أتصور ذلك- أو على الأقل أحاول أن تصوّر. بصراحة، لست على يقين إن كنت مؤهلا للشجاعة التي أبداها هو. لقد طال الدّمار حياة الرجل، ورغم ذلك واصل فعل الشيء الذي خُلق من أجله. منقولاً من بيتٍ آمن إلى آخر، مفصولاً عن نجله، مطوّقًا بقوات الأمن، ظلّ يذهب إلى مكتبه يوميًا ويكتب. مع إدراكي صعوبة القيام بذلك حتى في أفضل الظروف، في وسعي فقط أن أقف وقفة إجلالٍ لما أنجزه- رواية؛ رواية أخرى قيد الانجاز؛ عددًا من المقالات والخطابات الاستثنائيّة في الدفاع عن حق الإنسان الأساسيّ في التعبير. كلّ هذا جدير بالملاحظة بما يكفي، لكن ما يدهشني حقيقةً، أنّه فضلاً عن عمله الماهويّ، تولّى أمر مراجعة كتب لأشخاص آخرين- حتّى أنّه في بعض الحالات كتبَ تظهيرات للترويج لكُتب تعودُ لكتّاب مغمورين. هل يعقل أن يفكّر رجلٌ في مثل حالته، في أحدٍ غير نفسه؟ نعم، يبدو ذلك. لكنّي أتساءل كم شخصًا بينَنا يمكنه أن يفعل ما فعله هو فيما ظهورنا تقابل الحائط ذاته.
يناضل سلمان رشدي من أجل حياته. تواصل النّضال قرابة نصف عقد من الزمن، ولم نقترب من حلّ منذ إعلان الفتوى. مثل آخرين عديدين، أتمنّى لو كان هناك شيء في مقدوري فعله لأساعد. الإحباط يتراكم، اليأس يثبت، لكن، وحيث أنّي لا أملك القوة ولا النفوذ للتأثير على قرارات الحكومات الأجنبية، فإنّ أقصى ما في وسعي فعله هو أن أصلّي لأجله. إنّه يحمل عبئنا جميعًا، ولم يعد في مقدوري التفكير في ما أقوم به دون أن أفكّر فيه. لقد ركّزت محنته تركيزي، جعلتني أراجع معتقداتي، علّمتني ألاّ أتعامل مع الحريّة التي أتمتّع بها كمسألة بديهيّة. إنّني أدعم سلمان رشدي في نضاله كي يظفر بحياته، لكن الحقيقة أنّه هو أيضًا دعمني. أريد أن أشكره على ذلك. في كلّ مرّة أرفع فيها قلمي، أريد أن أشكره.
وأنا أجلسُ هذا الصّباح لأكتبَ، أوّل ما فعلته أنّي فكّرتُ في سلمان رشدي. فعلتُ ذلك كلّ صباحٍ لمدّة تقارب أربعة أعوام ونصف العام، وحتّى الآن يشكّل الأمر جزءًا أساسيًا من روتيني اليوميّ. أرفع قلمي، وقبل أن أشرع في الكتابة، أفكر في زميلي الروائيّ الموجود في الجانب الآخر من العالَم. أصلّي بأن يبقى على قيد الحياة لأربع وعشرين ساعة أخرى. أصلّي بأن يبقيه حُماتُه الإنجليز محجوبًا عن الأشخاص الّذين يريدون قتله- هم هم نفس الأشخاص الذين سبق وَأن قَتَلوا أحد مُترجميه وأصابوا آخر. فوق من هذا وذاك، أصلّي كي يَحين الوقت الذي لا تعود فيه هذه الصلوات لازمة، وقت يملك فيه سلمان رشدي حرية المشي في شوارع العالم مثلي.
أصلّي لأجل الرّجل كلّ صباحٍ، لكن في قرارة نفسي، أدرك أنّي أصلّي أيضًا لأجل نَفسي. حياته مهدّدة بالخطر لأنّه ألّف كتابًا. تأليف الكتب صنعتي أنا أيضًا، وأدرك أنّه لولا منعطف التاريخ والحظّ الأعمى الصّرف، لكُنت مكانه. إن لم يكن اليوم، فربّما غدًا. إننا ننتمي إلى نفس الرابطة: الأخوّة السريّة في حالات العزلة، الانقطاع، التقلّب، نقضي، رجالا ونساء، أفضل أوقاتنا حبيسَين في حجراتٍ صغيرة نكابدُ كي نضَع الكلمات على صفحة واحدة. إنّها طريقة غريبة ليعيش المرء حياته، ووحده المرء الذي لم يكن مخيّرًا في ذلك سيختارها حِرفةً. إنّها مضنية للغاية، بخسة للغاية، طافحة بالخيبات لا تناسبَ أيّ شخصٍ آخر. المواهب تتنوّع، الطموحات تتنوّع، لكنّ كلّ كاتب جدير سيقول لك الأمر ذاته: كي يكتب المرء عملاً قصصيًا، عليه أن يكون حرًا ليقول ما يريدُ أن يقول. لقد فعلتُ ذلك مع كلّ كلمة كتبتها- كذلك فعل سلمان رشدي. هذا ما يجعلنا شقيقَين، وهذا ما يجعل مأزقه مأزقي أنا أيضًا.
لا أدري كيف يمكنني أن أتصرّف مكانه، لكن يمكنني أن أتصور ذلك- أو على الأقل أحاول أن تصوّر. بصراحة، لست على يقين إن كنت مؤهلا للشجاعة التي أبداها هو. لقد طال الدّمار حياة الرجل، ورغم ذلك واصل فعل الشيء الذي خُلق من أجله. منقولاً من بيتٍ آمن إلى آخر، مفصولاً عن نجله، مطوّقًا بقوات الأمن، ظلّ يذهب إلى مكتبه يوميًا ويكتب. مع إدراكي صعوبة القيام بذلك حتى في أفضل الظروف، في وسعي فقط أن أقف وقفة إجلالٍ لما أنجزه- رواية؛ رواية أخرى قيد الانجاز؛ عددًا من المقالات والخطابات الاستثنائيّة في الدفاع عن حق الإنسان الأساسيّ في التعبير. كلّ هذا جدير بالملاحظة بما يكفي، لكن ما يدهشني حقيقةً، أنّه فضلاً عن عمله الماهويّ، تولّى أمر مراجعة كتب لأشخاص آخرين- حتّى أنّه في بعض الحالات كتبَ تظهيرات للترويج لكُتب تعودُ لكتّاب مغمورين. هل يعقل أن يفكّر رجلٌ في مثل حالته، في أحدٍ غير نفسه؟ نعم، يبدو ذلك. لكنّي أتساءل كم شخصًا بينَنا يمكنه أن يفعل ما فعله هو فيما ظهورنا تقابل الحائط ذاته.
يناضل سلمان رشدي من أجل حياته. تواصل النّضال قرابة نصف عقد من الزمن، ولم نقترب من حلّ منذ إعلان الفتوى. مثل آخرين عديدين، أتمنّى لو كان هناك شيء في مقدوري فعله لأساعد. الإحباط يتراكم، اليأس يثبت، لكن، وحيث أنّي لا أملك القوة ولا النفوذ للتأثير على قرارات الحكومات الأجنبية، فإنّ أقصى ما في وسعي فعله هو أن أصلّي لأجله. إنّه يحمل عبئنا جميعًا، ولم يعد في مقدوري التفكير في ما أقوم به دون أن أفكّر فيه. لقد ركّزت محنته تركيزي، جعلتني أراجع معتقداتي، علّمتني ألاّ أتعامل مع الحريّة التي أتمتّع بها كمسألة بديهيّة. إنّني أدعم سلمان رشدي في نضاله كي يظفر بحياته، لكن الحقيقة أنّه هو أيضًا دعمني. أريد أن أشكره على ذلك. في كلّ مرّة أرفع فيها قلمي، أريد أن أشكره.

بول اوستر
أعلى