محمد السلاموني - الأديان والعقل التأملى القديم

لا يوجد دليل تاريخى على وجود أيَّاً من الأنبياء والرَّسَل...
وهو ما يعنى أن بعضهم كانوا مجرد ملوك قدامى "كأنبياء بنى إسرائيل"، وبعضهم مجرد أسلاف تم تعظيمهم من قِبَل قبائلهم، وبعضهم الآخر شخصيات منحدرة من أساطير قديمة، أو من وقائع تاريخية موغلة فى القِدَم... إلخ.
وبالفعل هناك نظرية فى "علم الأديان المقارن" تقول بأنهم مجرد "رموز" تكوَّنت عبر أزمان طويلة...
بالعودة إلى التراث الإنسانى، سنجد هناك أصداء لا حصر لها بين تراثات الشعوب، فملحمة جلجامش- على سبيل المثال- تعد هى المصدر الرئيسى للكتب السماوية... وكذلك العقيدة المصرية القديمة، والزراديشتية وغيرهم كثير...
وهناك أبحاث حديثة- متعلقة بالأصول التى انحدرت منها المواد الدينية "قصص، رموز، تعاليم، طقوس..."- تَنِد عن الحصر، تتعلق باللغات والعقائد والمرويات والطقوس... كلها تشير إلى تعدد المصادر التى انحدرت منها الأديان السماوية...
كل هذا معروف، وموثَّق...
أضف إلى ما سبق، أن "العقل" الحاكم لبنية الرؤى الدينية، تم تجاوزه الآن؛ بعد الإشتغال الجينيالوجى والأركيولوجى والتفكيكى عليه- حتى أنه لم يتبق منه شئ يمكن للعقل الحديث
الركون إليه...
ما الذى يعنيه هذا؟
هو يعنى أن الأديان فى حقيقتها لا تزيد عن "تجميعات" لمواد معرفية عديدة، قديمة، ألحت بها سياقات تاريخية معَيَّنة، تحقيقا لأغراض ما...
فعلى سبيل المثال- "الشرعة الإسلامية"، من حيث المبادئ، لا يوجد بها شئ واحد جديد، أى أنها قديمة جدا... أما الأحكام، ففضلا عن الإختلاف الفقهى حولها، فهى لا تصمد أمام العقل الحديث، نظرا لإفتقارها إلى المبررات الواقعية... وهو ما يعنى أن مصدر قوتها يعود إلى "الإعتقاد الإيمانى- لا العقلى" بأنها أحكام إلهية...
وحقيقة لا أعرف كيف يمكن لأحكام إلهية حقا أن تفتقر إلى ما يبررها؟.
أريد أن أقول- بأن "المعرفة التأملية والخيالية- الأدبية"، هى ما تتأسس عليه الأديان، وإذا كانت "الفلسفة" هى الأخرى تنتمى للمعرفة التأملية، فالإيمان بها لا يحَتِّمه أحد، ولك أن تعتقد بها أو لا تعتقد... بل وبإمكانك أن تتفلسف أنت أيضا، دون أن ينكر عليك أحد هذا الفعل.
وهو ما يدعو للدهشة من المتدَيِّنين...
نحن نحيا الآن فى عصر "المعرفة التجريبية- العلمية"، ونرى الكيفية التى تحوَّل بها العالم جرَّاء تلك المعرفة الجديدة؛ حتى الفلسفة نفسها تحولت من خلال "الأبستمولوجيا" إلى "نظرية المعرفة العلمية"...
"العقل الفلسفى، التأملى" مر بمراحل عديدة، وهو نراه بوضوح من خلال تطور الفكر الفلسفى عبر التاريخ، لماذا إذن لا يتطور "العقل الدينى- التأملى" ؟.
بل ما نراه هو محاولة العقل الدينى "التأملى" الإلتفاف على "منجزات العقل التجريبى"، والإدعاء باحتواء الدين عليها ؟!!!!.
// العقل الدينى مجرد عقل خرافى، جمالى "بالمفهوم القديم لما هو جمالى"، لذا لا يسعنا الآن التعامل معه سوى باعتباره نوعا من "الأدب القديم" .
وفى الحقيقة، يقاس تقدم الشعوب فقط بمقدار ما تَحَصَّلت عليه من "عقل"...
لذا، فالـ "لا عقل"، السائد لدينا، هو شارة التخلف الحضارى، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
كلمة أخيرة:
الآن عاد "الإخوان- أو بعض فصائلهم" لإصدار البيانات المُحَرِّضة على الثورة، فى محاولة لإستغلال الظرف الإجتماعى والإقتصادى الذى تمر به مصر الآن...
ما يجب قوله هو أن الفكر الدينى الذى يعتنقه هؤلاء، هو "السبب المباشر فى تخلفنا"، بل هو البنية المؤسِّسة لتخلفنا عن اللحاق بركب السباق الحضارى العالمى، لذا فمن يرفض التخلف، ومن يرفض الإنحدار الحضارى، والحضيض الإنسانى، عليه أن يحَوِّل كل ما يدعو إليه هؤلاء إلى "نِكات" ويضحك ملء شدقيه...
نعم، هم مهرجون تاريخيون، وأعتقد أننا شَبِعنا من العبث غير العقلانى بحياتنا...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى