ـ 1 ـ
في واحة نخيل تقع في الصحراء، تبعد عن مدينة أكادير بمسافة 260 كيلومترا، عبر الطريق المؤدية لمركز فم الحصن، أو فم الحسن، كما يطلق عليه العامة، واسمه بالشلحة، (إيمي أوكادير) وأكادير هو الجدار أو الحصن، هذه الواحة الصغيرة، تسمى آيت وابلي، قريبة من مركز أقا، تبعد عن مدينة طاطا بمسافة 100 كليومتر.
في هذه القرية فتح الزغبي المنحوس عينيه لأول مرة في منزل جده، والد أمه، وقد كان شيخا وزعيما لهذه القرية الصغيرة المحصنـة ببرج عال منه يتم مراقبة كل الداخل للقرية القادم من فم الحصن أو أقا وتيزونين، وزاوية سيدي عبد الله أمبارك. أو الدواوير المجاورة لها، تيزكي إيريغ، آيت همان، أو من جهة تاداكوست أو تمزرار.
لهذه القرية الواحة الصغيرة، قصص وحكايات في حروب السيبة أو في حرب القبائل ضد الجيش الفرنسي في بداية استعماره للمغرب. ومن المعلوم أن فرنسا لم تستطع إخضاع الجنوب المغربي، في الذي سمته حرب التهدئة، إلا في سنة 1930، أي بعد ثمانية عشرة سنة أو أكثر، من توقيع معاهدة الحماية.
والزغبي المنحوس وهو لا زال طفلا صغيرا كان يسمع من جده، الذي كان شيخ القبيلة وزعيمها، بعض مما جرى قبل وصول الجيش الفرنسي لأقا ومن تم بسط سيطرته على الطريق المؤدية لمدينة تيندوف. فقد كانت هناك داخل القرية ومع القرى المجاورة لها، حرب زعامات وتصفية حسابات فردية وجماعية، تكون فيها الغلبة للأقوى مالا وجاها. وكمثال على هذا أن عائلة جده قد صفي أغلبها غيلة قصد إنتزاع الزعامة منها، ولم يفلت من بين الذكور في هذه العائلة، (عائلة إزنكاض)، سوى جده الشيخ امحمد أزنكض، الذي آلت إليه زعامة القرية بقوة السلاح وبتحالف مع عائلات أخرى وبعض القرى المجاورة.
نعم قرية صغيرة، غير أن ما عرفته من أحداث ووقائع كبير جدا.
لما جاء الاستعمار، تغلب التناقض الأساسي على كل التناقضات الثانوية الأخرى فتجند الكل لمواجهة الجيش الاستعماري وقطع طريق وصوله لمركز أقا قادما من مدينة بوإيزكارن وفم الحصن، وقد استبسلت هذه القرية في مواجهة جيش الاستعمار الفرنسي بأسلحتها التقليدية لذلك الوقت، (ساسبو، بوشفر.. الخ) ووقفت سدا منيعا أمام جيش متفوق عددا وعتادا، يملك أحدث الأسلحة وأفتكها. وقد تحالف جد الزغبي المنحوس مع زعماء من تافيلالت ومع حركة الهيبة ماء العين في الساقية الحمراء، في مواجهة قياد وزعماء قبائل فتحوا الطريق للجيش الاستعماري وتحالفوا معه، كالقائد بلعيد في مركز أقا. ولم يستطع الجيش الفرنسي فتح هذه الطريق والوصول لأقا إلا بعد أن استعمل الطائرات التي كانت ترمي القنابل على سكان، وقد سمع الزغبي من الذين عايشوا تلك الفترة، أن الناس كانوا ينظرون للطائرات وهي ترميهم بالقنابل باستغراب ولا يأبهون لها، إلى أن شاهدوا الناس تتساقط أمواتا فبدأوا يهربون ويحتمون ببرج الحراسة أو بأشجار النخيل.
بعد سيطرة الجيش الفرنسي على طريق فم الحصن أقا، قام باعتقال زعيم وقائد المقاومة في آيت وابلي، الشيخ امحمد أزنكض، الذي هو جد الزغبي المنحوس والد أمه، أعتقل هو وعائلته وتم نفيه لمكان بعيد عن آيت وابلي، ولم يتم إطلاق سراحه والسماح له بالعودة لمنزله وأهله، إلا بعد أن تمكنوا من بسط سيطرتهم على منطقة واد نون كلها، واضطروا لأن يعيدوا له مكانته كشيخ للقبيلة ولكن بدون سلطة، فقد تركزت كل السلطات في يد المراقب المدني الذي كان يفصل في كل النزاعات والخصومات، وغالبا ما يكون حضور جده شكليا فقط، يبقى داخل منزله ولا ينتقل لمركز أقا مقر القائد والمراقب إلا ناذرا جدا.
وسكان هذه الواحة خليط من ذوي البشرة البيضاء ويسمون، آنذاك، إيمازيغن، وأغلبية من ذوي البشرة السوداء، ويسمون في ذلك الوقت، إيسوقيين، وهم المنتجون العاملون الذين يغرسون أشتال أشجار النخيل ويسقونه ويذكرونه أي يلقحونه، وتتمة هذه العملية في شهر مارس، يأخذون من ذكر النخيل ويلقحون أنثاه، تم يجنون التمر وقت نضجه، ومقابل هذه العملية يأخذون قسطا من الانتاج نسيت مقداره. وقد لوحظ أن من يسمون إيمازيغين، لا يقومون بأي عمل عضلي كيف ما كان نوعه، إلا القليل منهم الذين لا يملكون أي مصدر للعيش.
كان سكان القرية يعتمدون، آنذاك، على إنتاج التمر بشكل أساسي، ثم بعض الزراعات البسيطة، كالخضر والحناء للاستهلاك العائلي. فلا توجد مساحة صالحة لزراعة الحبوب كالشعير والقمح في القرية. وللقيام بهذه العملية، أي زراعة الحبوب، ينتقلون لمكان يسمى المعدر، فم العشاير، قريبا من مدينة تيندوف التي اعتبرت دائما مدينة مغربية، والزغبي المنحوس، كان وهو بعد طفلا صغيرا، يسمع أن الناس يأتون من تيندوف لآيت وابلي وفم الحصن وبوإيزاكارن ليبادلوا الملحة الحية وهو ملح حجري، بالتمر.
للمعدر كان سكان آيت وابلي والدواوير الأخرى المجاورة له ومنطقة أقا، يذهبون حين ينزل المطر ويفيض واد درعة، والمعدر أرض مساحتها غير محدودة طولا وليست ملكية فردية لجماعة أو فرد أو قبيلة هي متاحة لكل القبائل القريبة منها، محددة في عرضها ولكن في الطول، أنت وجهدك، طبعا لا تصبح صالحة للزراعة، إلا عندما يفيض واد درعة.
من هذه القرية الوديعة الناعسة بين أشجار النخيل والتي تطل على مساحة شاسعة من أرض لا تنبت سوى الشوك وبعض الأعشاب الصحراوية التي تعيش في بيئة جافة وغير ممطرة، هذه الأرض رغم شحة أمطارها، كان يعيش بها قطيع من الغزلان وأودادن بشكل أساسي، والذئاب.. والزواحف السامة وغير السامة، كالأفاعي، والضب، (أكَجيم) كما يسمى في لهجة أهل المنطقة. من هذه القرية انطلق الزغبي المنحوس لهذا العالم المضطرب.
والده وجده جاءا مطرودان من زاوية تمكيلجت، طردهم شيخ الزاوية آنذاك، ويحكى أنه كان متجبرا مستندا على موالاته لسلطات الاستعمار، وكان لا يتردد في تصفية أي منتم للزاوية يشم فيه رائحة معارضة أفعاله الظالمة للناس، نفى، شيخ الزاوية، عائلة والد الزغبي المنحوس وإخوانه من زاوية تمكيلجت فانتقلوا لمنطقة قريبة منها إسمها (تنرارت) ومن تنرارت، وسعيا وراء الرزق والعيش بكرامة، إنتقل والد الزغبي المنحوس إلى قرية تسمى (تمزرار) قريبة من آيت وابلي، وبما أن الناس في هذه القرية يعظمون ويكرمون من ينتسب لأية زاوية باعتباره، في نظرهم، من الشرفاء، فقد رحبوا به وأكرموا وفادته ولم يجد صعوبة في التأقلم والإنصهار وسطهم، فتزوج ووهبوه بعض أشجار النخيل ليعيش من إنتاجها، وكما سمع الزغبي المنحوس، فقد كان والد والده، في وقت ما، يتاجر في العملة، حيث يقوم بمقايضة العملات الجديدة بالعملات القديمة، أي ما كنا نسمع به من حسني وغيرها من العملات، وقد كان عمله هذا يفرض عليه الانتقال بين القرى المجاورة على متن ذابته، حاملا معه العملة التي كان يتاجر بها، وفي أحد الأيام، إعترض طريقه أحدهم فقتله وأخذ ماله، وترك زوجة وثلاثة أولاد وبنتان لا من يعيلهم ولم تجد أمهم بدا من أن تشمر عن ساعديها وتخرج للعمل لتوفر لأبنائها لقمة يقتاتون بها، وحين كبر الأولاد شمروا عن سواعدهم هم أيضا فهاجروا للغرب كما يسمونه، وكانت وجهتهم الرباط. عمل والد الزغبي المنحوس، واسمه لحسن بن أحمد، لفترة بالرباط، اشتغل معاون صاحب دكان لبيع المواد الغذائية وحين اكتسب بعض الخبرة في الميدان وتمكن من جمع قدر من المال إنتقل لمكان آخر قريبا من الرباط قضى فيه ردحا من الزمن قبل أن يجمع قسطا لا بأس به من المال فقررأن يستقل بتجارته في المواد الغذائية والتبغ، في مكان يبعد عن الرباط ب 100 كليومتر قريبا من سوق الزحيليكة بمنطقة زعير.
في الوقت الذي انتقل فيه والد الزغبي المنحوس للعمل خارج البلد (تمزرار) واستطاع تكوين رأسمال رمزي ومادي، في هذا الوقت فكر في الزواج، ولم يجد غير عائلة إزنكاض المشهورة بحسبها ونسبها ووضعها الاعتباري والرمزي في البلد، فتقدم لطلب يد ابنت الشيخ امحمد أزنكض، خليجة أزنكض، فتم الزواج وكان من أول ثمرته مجيء الزغبي المنحوس الذي اختاروا له اسم محمد.
كانت والدته ترفض الانتقال مع والده لمكان عمله في زعير، لأنها كانت متخوفة من فراق والديها والبيئة التي تربت فيها، والعيش في بيئة غريبة عنها في كل شيء. ولما ولد الزغبي المنحوس أصبح هو نقطة ضعفها، فهددها والده ووضعها بين اختيارين أحلاهما مر، إما أن تنتقل معه أو يأخذ منها الزغبي المنحوس، فلم تجد بدا من الرضوخ والقبول بالأمر الواقع.
وهكذا انتقل الزغبي المنحوس من منطقة واد نون إلى منطقة زعير التي تختلف في كل شيء عن البيئة التي ولد فيها شكلا ومضمونا، من منطقة صحراوية جافة قليلا ما تعرف الأمطار، إلى منطقة زراعية معروفة بكثرة تساقط الأمطاروزراعة الحبوب، من شعير وقمح رطب وصلب وعدس وحمص وفول وبتربية المواشى وشساعة أراضيها الزراعية وقربها من غابة كروفلا ومولاي بوعزة وقبائل زمور وزيان.
حين انتقل الزغبي المنحوس لزعير وهو بعد في بداية طفولته، كان المعمرون الفرنسيون هم الذين يستحوذون على مساحات كبيرة من الأراضي، يزرعونها ويربون فيها المواشي وقطعان الخنزير وأغلب السكان الذين أنتزعت منهم أراضيهم إما بالقوة أو التحايل، تحولوا إلى أجراء لدى هؤلاء.. والقلة من السكان الذين احتفظوا بأراضيهم ولم تنزع منهم، يثقلون كواهلهم بأنواع كثيرة من الضرائب لها مسميات مختلفة، كضريبة الأذن مثلا، لا أعرف معناها كل ما أذكره أنها ضريبة عن الأفراد، وضريبة الترتيب، وأتذكر أنه عندما يبدأ نبات الزرع في النمو، يأتي المقدم أو مبعوث من السلطة، ويقيس المساحة المزروعة بقدميه، وتؤدى الضريبة عن عدد المساحة المزروعة، يسمون وحدة القياس هذه "الخدام" وهي عبارة عن مجموع عدد من أقدام رجل الشخص لم أعد أتذكر عددها.
في البيئة التي انتقلت منها والدة الزغبي المنحوس كانت الشعائر الدينية من صلاة وصوم مقدسة ولا يمكن انتهاكها، أما في البيئة التي انتقلت إليها لا يعطون أي اعتبار لهذه الشعائر، هي عندهم زايد ناقص، إذا جاء رمضان وقت الحصاد، يأكلونه بشكل علني دون حرج، والعلاقة مع المرأة مفتوحة ولا حدود لها، فالمرأة لها شخصيتها المستقلة وتملك حرية التصرف في حياتها، باستثناء أقلية، الزغبي المنحوس، يتكلم هنا عن الزمن الماضي، نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي وليس عن الزمن الحالي.
في أولاد عمران بزعير في مكان قريب من الزحيليكة والرماني وبعيدا عن الرباط بمسافة 100 كليومتر، عاش الزغبي المنحوس جزءا من طفولته، تعلم الكتابة وحفظ القرءان على حفاظ أو طلبة يستأجرهم والده لهذا الغرض، طريقة الاستئجار تسمى الشرط، يُتفق على مقداره نقودا وحبوبا مع التكفل بأكله وشربه.
على يد هؤلاء وأغلبهم، إن لم يكن كلهم، يرددون ما حفظوه كالببغاوات دون أن يهتموا بفهم معناه، وبعض هؤلاء يتميزون بنوع من السادية ينفسون عن ما يعانوه من نقص في الفهم وضعف الشخصية، في الضرب الشديد بدعوى الحرص على حفظ اللوحة وعرض ما حفظته بدون تلكؤ، ويتذكر الزغبي المنحوس أنه عانى الأمرين من سادية بعض هؤلاء ضربا وجرحا وتعذيبا دون أي حسيب أو رقيب، لأن والده يعمل بمقولة، أنت اذبح وأنا نسلخ، وهذا ما جعل الزغبي المنحوس يفكر في كل مرة بالهروب من الجحيم الذي يعيش فيه. وهو ما قام به في أحد المرات ولما عاد للمنزل خوفا على والدته المسكينة، وانزوى في ركن بالبيت يفكر في وسيلة تخلصه من الجحيم الذي يعيشه، دخل والده عليه وقد ظن المسكين أنه سيتناقش معه عن حل لمعاناته، فإذا به يخرج من جلبابه مسويطة من الكاوتشو ويبدأ في ضربه أين ماي اتفق، ولما انتهى من الضرب أتى بقيد حديدي من النوع الذي يقيدون به البغال الحرونة، وقيد به رجليه واحتفظ بمفتاحه لديه، من تلك الساعة كره الزغبي المنحوس كلمة فقيه وحفظ القرءان وكل ما له علاقة بهذا الأمر. وللعلم فقد حفظ القرءان كله وأعاده إثنتى عشرة مرة وبدأ في قراءته بالقراءات السبع.
الزغبي المنحوس، كان طموحه أن يذهب لتلقي العلم بجامعة الأزهر بمصر، فقد سمع بها وهو صغير جدا وكان يحب مصر لأن فيها جمال عبد الناصر، ومن قبله كان يسمع بسعد زغلول وأحمد عرابي وقناة السويس.
الزغبي المنحوس ابتلي بالسياسة وهو طفل صغير، أول جريدة وقعت عليه عينه هي جريدة الشعب التي كانت يصدرها المكي الناصري الذي كان يترأس حزبا في الشمال يسمى حزب الوحدة والاستقلال، ثم بعد ذلك حين هرب من جحيم الطُّلبة وذهب عند جده الشيخ امحمد أزنكض في آيت وابلي قاطعا مسافة 900 كيلومتر الفاصلة بين الزحيلكة وآيت وابلي، ويذكر الزغبي المنحوس قصة هذا الهروب الذي لازال يتذكر بعض تفاصيلها كأنها وقعت البارحة.. فهو قد سبق أن أشار أن طموحه لم يكن حفظ القرءان وكتابة الأحجبة للنساء والتداوي بالقرءان، كان طموحه أكبر من هذا ولكن للأسف وجد أمامه الأبواب موصدة، فوالده الذي يملك ما يتيح له أن يعلمه في أحسن المدارس والجامعات، كان أقصى طموحه أن يراه فقيها حسب فهمه لابسا جلباب التقوى المزيف. والزغبي المنحوس وعي منذ صغره أنه لم يخلق لهذا وليس أهلا له.
قصة هروب الزغبي المنحوس الأول من زعير تستحق أن تروى بعض تفاصيلها.
في أحد الأيام قال لنفسه لا بد أن أبدل هذه الحياة التي أنا فيها وكان تفكيره أبعد من بلد مسقط رأسه آيت وابلي، كان ينظر في كيفية السفر للقاهرة مشيا على الأقدام إنطلاقا من الجزائر، كان يسمع الطُّلبة يتحدثون عن ترحيب الجزائريين بالمغاربة السوسيين الحافظين للقرءان ولهم دراية بكتابة الأحجبة وصراع الجن ومداواة المرضى بالقرءان، فوضع مع نفسه خطة للسفر للجزائر عن طريق وجدة وفي الجزائر يستطيع أن يعمل معلما للقراءان وفي نفس الوقت كتابة الأحجبة وصراع الجن وإخراجه من النساء؛ ولكن كيف له هذا وهو لم يتجاوز السنة العاشرة من عمره، وهل سيصدقونه إذا قال لهم إن باستطاعته طرد الجن من أجساد سكنتها وإخراجها، والأكثر من هذا كيف يصل مدينة وجدة ومن ثم الوصول للجزائر، وبعد أخذ ورد بينه وبين نفسه توصل إلى أن هذه مغامرة لن تحمد عقباها، فحسم أمره أن يكتفي في الوقت الحالي بالتوجه لأيت وابلي مسقط رأسه وهذا ما فعل، حيث استغل يوم الخميس وهو موعد التئام السوق الأسبوعي للزحيليكة، فتسلل لخزانة والده فوجده نسي فيها بعض الأوراق النقدية فأخذ منها ورقة من فئة خمسة آلاف فرنك، أي خمسون درهما بالعملة الحالية، ومقر سكنى عائلته تقع جنب الطريق الوطنية الرئيسية التي تربط الرباط بوادي زم واثنين بني خيران، وبما أن اليوم يوم خميس موعد السوق الأسبوعي، هناك عدد من حافلات الركاب تربط الزحيليكة بالرباط مما جعل أمر هروبه سهلا ، وقف جنب الطريق وبعد مدة قصيرة جاءت حافلة قادمة من الزحيليكة في اتجاه الرباط أشار إليها بيديه فتوقفت واستقلها متجها للرباط وفي باب الأحد التي كانت فيها محطة حافلات المسافرين نزل واستقل الحافلة المتجهة للدار البيضاء التي لا يعرف عنها شيئا، كل ما في ذهنه أنه سينزل في محطة الدار البيضاء ويسأل عن الحافلة المتجهة لتزنيت كي يستقلها، ومن تزنيت يتجه لأيت وابلي.
الزغبي المنحوس
يتبع
© مسيرة الزغبي المنحوس ـ 1 ـالرفيق محمد فكري - مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي
المصدر: مسيرة الزغبي المنحوس ـ 1 ـالرفيق محمد فكري
في واحة نخيل تقع في الصحراء، تبعد عن مدينة أكادير بمسافة 260 كيلومترا، عبر الطريق المؤدية لمركز فم الحصن، أو فم الحسن، كما يطلق عليه العامة، واسمه بالشلحة، (إيمي أوكادير) وأكادير هو الجدار أو الحصن، هذه الواحة الصغيرة، تسمى آيت وابلي، قريبة من مركز أقا، تبعد عن مدينة طاطا بمسافة 100 كليومتر.
في هذه القرية فتح الزغبي المنحوس عينيه لأول مرة في منزل جده، والد أمه، وقد كان شيخا وزعيما لهذه القرية الصغيرة المحصنـة ببرج عال منه يتم مراقبة كل الداخل للقرية القادم من فم الحصن أو أقا وتيزونين، وزاوية سيدي عبد الله أمبارك. أو الدواوير المجاورة لها، تيزكي إيريغ، آيت همان، أو من جهة تاداكوست أو تمزرار.
لهذه القرية الواحة الصغيرة، قصص وحكايات في حروب السيبة أو في حرب القبائل ضد الجيش الفرنسي في بداية استعماره للمغرب. ومن المعلوم أن فرنسا لم تستطع إخضاع الجنوب المغربي، في الذي سمته حرب التهدئة، إلا في سنة 1930، أي بعد ثمانية عشرة سنة أو أكثر، من توقيع معاهدة الحماية.
والزغبي المنحوس وهو لا زال طفلا صغيرا كان يسمع من جده، الذي كان شيخ القبيلة وزعيمها، بعض مما جرى قبل وصول الجيش الفرنسي لأقا ومن تم بسط سيطرته على الطريق المؤدية لمدينة تيندوف. فقد كانت هناك داخل القرية ومع القرى المجاورة لها، حرب زعامات وتصفية حسابات فردية وجماعية، تكون فيها الغلبة للأقوى مالا وجاها. وكمثال على هذا أن عائلة جده قد صفي أغلبها غيلة قصد إنتزاع الزعامة منها، ولم يفلت من بين الذكور في هذه العائلة، (عائلة إزنكاض)، سوى جده الشيخ امحمد أزنكض، الذي آلت إليه زعامة القرية بقوة السلاح وبتحالف مع عائلات أخرى وبعض القرى المجاورة.
نعم قرية صغيرة، غير أن ما عرفته من أحداث ووقائع كبير جدا.
لما جاء الاستعمار، تغلب التناقض الأساسي على كل التناقضات الثانوية الأخرى فتجند الكل لمواجهة الجيش الاستعماري وقطع طريق وصوله لمركز أقا قادما من مدينة بوإيزكارن وفم الحصن، وقد استبسلت هذه القرية في مواجهة جيش الاستعمار الفرنسي بأسلحتها التقليدية لذلك الوقت، (ساسبو، بوشفر.. الخ) ووقفت سدا منيعا أمام جيش متفوق عددا وعتادا، يملك أحدث الأسلحة وأفتكها. وقد تحالف جد الزغبي المنحوس مع زعماء من تافيلالت ومع حركة الهيبة ماء العين في الساقية الحمراء، في مواجهة قياد وزعماء قبائل فتحوا الطريق للجيش الاستعماري وتحالفوا معه، كالقائد بلعيد في مركز أقا. ولم يستطع الجيش الفرنسي فتح هذه الطريق والوصول لأقا إلا بعد أن استعمل الطائرات التي كانت ترمي القنابل على سكان، وقد سمع الزغبي من الذين عايشوا تلك الفترة، أن الناس كانوا ينظرون للطائرات وهي ترميهم بالقنابل باستغراب ولا يأبهون لها، إلى أن شاهدوا الناس تتساقط أمواتا فبدأوا يهربون ويحتمون ببرج الحراسة أو بأشجار النخيل.
بعد سيطرة الجيش الفرنسي على طريق فم الحصن أقا، قام باعتقال زعيم وقائد المقاومة في آيت وابلي، الشيخ امحمد أزنكض، الذي هو جد الزغبي المنحوس والد أمه، أعتقل هو وعائلته وتم نفيه لمكان بعيد عن آيت وابلي، ولم يتم إطلاق سراحه والسماح له بالعودة لمنزله وأهله، إلا بعد أن تمكنوا من بسط سيطرتهم على منطقة واد نون كلها، واضطروا لأن يعيدوا له مكانته كشيخ للقبيلة ولكن بدون سلطة، فقد تركزت كل السلطات في يد المراقب المدني الذي كان يفصل في كل النزاعات والخصومات، وغالبا ما يكون حضور جده شكليا فقط، يبقى داخل منزله ولا ينتقل لمركز أقا مقر القائد والمراقب إلا ناذرا جدا.
وسكان هذه الواحة خليط من ذوي البشرة البيضاء ويسمون، آنذاك، إيمازيغن، وأغلبية من ذوي البشرة السوداء، ويسمون في ذلك الوقت، إيسوقيين، وهم المنتجون العاملون الذين يغرسون أشتال أشجار النخيل ويسقونه ويذكرونه أي يلقحونه، وتتمة هذه العملية في شهر مارس، يأخذون من ذكر النخيل ويلقحون أنثاه، تم يجنون التمر وقت نضجه، ومقابل هذه العملية يأخذون قسطا من الانتاج نسيت مقداره. وقد لوحظ أن من يسمون إيمازيغين، لا يقومون بأي عمل عضلي كيف ما كان نوعه، إلا القليل منهم الذين لا يملكون أي مصدر للعيش.
كان سكان القرية يعتمدون، آنذاك، على إنتاج التمر بشكل أساسي، ثم بعض الزراعات البسيطة، كالخضر والحناء للاستهلاك العائلي. فلا توجد مساحة صالحة لزراعة الحبوب كالشعير والقمح في القرية. وللقيام بهذه العملية، أي زراعة الحبوب، ينتقلون لمكان يسمى المعدر، فم العشاير، قريبا من مدينة تيندوف التي اعتبرت دائما مدينة مغربية، والزغبي المنحوس، كان وهو بعد طفلا صغيرا، يسمع أن الناس يأتون من تيندوف لآيت وابلي وفم الحصن وبوإيزاكارن ليبادلوا الملحة الحية وهو ملح حجري، بالتمر.
للمعدر كان سكان آيت وابلي والدواوير الأخرى المجاورة له ومنطقة أقا، يذهبون حين ينزل المطر ويفيض واد درعة، والمعدر أرض مساحتها غير محدودة طولا وليست ملكية فردية لجماعة أو فرد أو قبيلة هي متاحة لكل القبائل القريبة منها، محددة في عرضها ولكن في الطول، أنت وجهدك، طبعا لا تصبح صالحة للزراعة، إلا عندما يفيض واد درعة.
من هذه القرية الوديعة الناعسة بين أشجار النخيل والتي تطل على مساحة شاسعة من أرض لا تنبت سوى الشوك وبعض الأعشاب الصحراوية التي تعيش في بيئة جافة وغير ممطرة، هذه الأرض رغم شحة أمطارها، كان يعيش بها قطيع من الغزلان وأودادن بشكل أساسي، والذئاب.. والزواحف السامة وغير السامة، كالأفاعي، والضب، (أكَجيم) كما يسمى في لهجة أهل المنطقة. من هذه القرية انطلق الزغبي المنحوس لهذا العالم المضطرب.
والده وجده جاءا مطرودان من زاوية تمكيلجت، طردهم شيخ الزاوية آنذاك، ويحكى أنه كان متجبرا مستندا على موالاته لسلطات الاستعمار، وكان لا يتردد في تصفية أي منتم للزاوية يشم فيه رائحة معارضة أفعاله الظالمة للناس، نفى، شيخ الزاوية، عائلة والد الزغبي المنحوس وإخوانه من زاوية تمكيلجت فانتقلوا لمنطقة قريبة منها إسمها (تنرارت) ومن تنرارت، وسعيا وراء الرزق والعيش بكرامة، إنتقل والد الزغبي المنحوس إلى قرية تسمى (تمزرار) قريبة من آيت وابلي، وبما أن الناس في هذه القرية يعظمون ويكرمون من ينتسب لأية زاوية باعتباره، في نظرهم، من الشرفاء، فقد رحبوا به وأكرموا وفادته ولم يجد صعوبة في التأقلم والإنصهار وسطهم، فتزوج ووهبوه بعض أشجار النخيل ليعيش من إنتاجها، وكما سمع الزغبي المنحوس، فقد كان والد والده، في وقت ما، يتاجر في العملة، حيث يقوم بمقايضة العملات الجديدة بالعملات القديمة، أي ما كنا نسمع به من حسني وغيرها من العملات، وقد كان عمله هذا يفرض عليه الانتقال بين القرى المجاورة على متن ذابته، حاملا معه العملة التي كان يتاجر بها، وفي أحد الأيام، إعترض طريقه أحدهم فقتله وأخذ ماله، وترك زوجة وثلاثة أولاد وبنتان لا من يعيلهم ولم تجد أمهم بدا من أن تشمر عن ساعديها وتخرج للعمل لتوفر لأبنائها لقمة يقتاتون بها، وحين كبر الأولاد شمروا عن سواعدهم هم أيضا فهاجروا للغرب كما يسمونه، وكانت وجهتهم الرباط. عمل والد الزغبي المنحوس، واسمه لحسن بن أحمد، لفترة بالرباط، اشتغل معاون صاحب دكان لبيع المواد الغذائية وحين اكتسب بعض الخبرة في الميدان وتمكن من جمع قدر من المال إنتقل لمكان آخر قريبا من الرباط قضى فيه ردحا من الزمن قبل أن يجمع قسطا لا بأس به من المال فقررأن يستقل بتجارته في المواد الغذائية والتبغ، في مكان يبعد عن الرباط ب 100 كليومتر قريبا من سوق الزحيليكة بمنطقة زعير.
في الوقت الذي انتقل فيه والد الزغبي المنحوس للعمل خارج البلد (تمزرار) واستطاع تكوين رأسمال رمزي ومادي، في هذا الوقت فكر في الزواج، ولم يجد غير عائلة إزنكاض المشهورة بحسبها ونسبها ووضعها الاعتباري والرمزي في البلد، فتقدم لطلب يد ابنت الشيخ امحمد أزنكض، خليجة أزنكض، فتم الزواج وكان من أول ثمرته مجيء الزغبي المنحوس الذي اختاروا له اسم محمد.
كانت والدته ترفض الانتقال مع والده لمكان عمله في زعير، لأنها كانت متخوفة من فراق والديها والبيئة التي تربت فيها، والعيش في بيئة غريبة عنها في كل شيء. ولما ولد الزغبي المنحوس أصبح هو نقطة ضعفها، فهددها والده ووضعها بين اختيارين أحلاهما مر، إما أن تنتقل معه أو يأخذ منها الزغبي المنحوس، فلم تجد بدا من الرضوخ والقبول بالأمر الواقع.
وهكذا انتقل الزغبي المنحوس من منطقة واد نون إلى منطقة زعير التي تختلف في كل شيء عن البيئة التي ولد فيها شكلا ومضمونا، من منطقة صحراوية جافة قليلا ما تعرف الأمطار، إلى منطقة زراعية معروفة بكثرة تساقط الأمطاروزراعة الحبوب، من شعير وقمح رطب وصلب وعدس وحمص وفول وبتربية المواشى وشساعة أراضيها الزراعية وقربها من غابة كروفلا ومولاي بوعزة وقبائل زمور وزيان.
حين انتقل الزغبي المنحوس لزعير وهو بعد في بداية طفولته، كان المعمرون الفرنسيون هم الذين يستحوذون على مساحات كبيرة من الأراضي، يزرعونها ويربون فيها المواشي وقطعان الخنزير وأغلب السكان الذين أنتزعت منهم أراضيهم إما بالقوة أو التحايل، تحولوا إلى أجراء لدى هؤلاء.. والقلة من السكان الذين احتفظوا بأراضيهم ولم تنزع منهم، يثقلون كواهلهم بأنواع كثيرة من الضرائب لها مسميات مختلفة، كضريبة الأذن مثلا، لا أعرف معناها كل ما أذكره أنها ضريبة عن الأفراد، وضريبة الترتيب، وأتذكر أنه عندما يبدأ نبات الزرع في النمو، يأتي المقدم أو مبعوث من السلطة، ويقيس المساحة المزروعة بقدميه، وتؤدى الضريبة عن عدد المساحة المزروعة، يسمون وحدة القياس هذه "الخدام" وهي عبارة عن مجموع عدد من أقدام رجل الشخص لم أعد أتذكر عددها.
في البيئة التي انتقلت منها والدة الزغبي المنحوس كانت الشعائر الدينية من صلاة وصوم مقدسة ولا يمكن انتهاكها، أما في البيئة التي انتقلت إليها لا يعطون أي اعتبار لهذه الشعائر، هي عندهم زايد ناقص، إذا جاء رمضان وقت الحصاد، يأكلونه بشكل علني دون حرج، والعلاقة مع المرأة مفتوحة ولا حدود لها، فالمرأة لها شخصيتها المستقلة وتملك حرية التصرف في حياتها، باستثناء أقلية، الزغبي المنحوس، يتكلم هنا عن الزمن الماضي، نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي وليس عن الزمن الحالي.
في أولاد عمران بزعير في مكان قريب من الزحيليكة والرماني وبعيدا عن الرباط بمسافة 100 كليومتر، عاش الزغبي المنحوس جزءا من طفولته، تعلم الكتابة وحفظ القرءان على حفاظ أو طلبة يستأجرهم والده لهذا الغرض، طريقة الاستئجار تسمى الشرط، يُتفق على مقداره نقودا وحبوبا مع التكفل بأكله وشربه.
على يد هؤلاء وأغلبهم، إن لم يكن كلهم، يرددون ما حفظوه كالببغاوات دون أن يهتموا بفهم معناه، وبعض هؤلاء يتميزون بنوع من السادية ينفسون عن ما يعانوه من نقص في الفهم وضعف الشخصية، في الضرب الشديد بدعوى الحرص على حفظ اللوحة وعرض ما حفظته بدون تلكؤ، ويتذكر الزغبي المنحوس أنه عانى الأمرين من سادية بعض هؤلاء ضربا وجرحا وتعذيبا دون أي حسيب أو رقيب، لأن والده يعمل بمقولة، أنت اذبح وأنا نسلخ، وهذا ما جعل الزغبي المنحوس يفكر في كل مرة بالهروب من الجحيم الذي يعيش فيه. وهو ما قام به في أحد المرات ولما عاد للمنزل خوفا على والدته المسكينة، وانزوى في ركن بالبيت يفكر في وسيلة تخلصه من الجحيم الذي يعيشه، دخل والده عليه وقد ظن المسكين أنه سيتناقش معه عن حل لمعاناته، فإذا به يخرج من جلبابه مسويطة من الكاوتشو ويبدأ في ضربه أين ماي اتفق، ولما انتهى من الضرب أتى بقيد حديدي من النوع الذي يقيدون به البغال الحرونة، وقيد به رجليه واحتفظ بمفتاحه لديه، من تلك الساعة كره الزغبي المنحوس كلمة فقيه وحفظ القرءان وكل ما له علاقة بهذا الأمر. وللعلم فقد حفظ القرءان كله وأعاده إثنتى عشرة مرة وبدأ في قراءته بالقراءات السبع.
الزغبي المنحوس، كان طموحه أن يذهب لتلقي العلم بجامعة الأزهر بمصر، فقد سمع بها وهو صغير جدا وكان يحب مصر لأن فيها جمال عبد الناصر، ومن قبله كان يسمع بسعد زغلول وأحمد عرابي وقناة السويس.
الزغبي المنحوس ابتلي بالسياسة وهو طفل صغير، أول جريدة وقعت عليه عينه هي جريدة الشعب التي كانت يصدرها المكي الناصري الذي كان يترأس حزبا في الشمال يسمى حزب الوحدة والاستقلال، ثم بعد ذلك حين هرب من جحيم الطُّلبة وذهب عند جده الشيخ امحمد أزنكض في آيت وابلي قاطعا مسافة 900 كيلومتر الفاصلة بين الزحيلكة وآيت وابلي، ويذكر الزغبي المنحوس قصة هذا الهروب الذي لازال يتذكر بعض تفاصيلها كأنها وقعت البارحة.. فهو قد سبق أن أشار أن طموحه لم يكن حفظ القرءان وكتابة الأحجبة للنساء والتداوي بالقرءان، كان طموحه أكبر من هذا ولكن للأسف وجد أمامه الأبواب موصدة، فوالده الذي يملك ما يتيح له أن يعلمه في أحسن المدارس والجامعات، كان أقصى طموحه أن يراه فقيها حسب فهمه لابسا جلباب التقوى المزيف. والزغبي المنحوس وعي منذ صغره أنه لم يخلق لهذا وليس أهلا له.
قصة هروب الزغبي المنحوس الأول من زعير تستحق أن تروى بعض تفاصيلها.
في أحد الأيام قال لنفسه لا بد أن أبدل هذه الحياة التي أنا فيها وكان تفكيره أبعد من بلد مسقط رأسه آيت وابلي، كان ينظر في كيفية السفر للقاهرة مشيا على الأقدام إنطلاقا من الجزائر، كان يسمع الطُّلبة يتحدثون عن ترحيب الجزائريين بالمغاربة السوسيين الحافظين للقرءان ولهم دراية بكتابة الأحجبة وصراع الجن ومداواة المرضى بالقرءان، فوضع مع نفسه خطة للسفر للجزائر عن طريق وجدة وفي الجزائر يستطيع أن يعمل معلما للقراءان وفي نفس الوقت كتابة الأحجبة وصراع الجن وإخراجه من النساء؛ ولكن كيف له هذا وهو لم يتجاوز السنة العاشرة من عمره، وهل سيصدقونه إذا قال لهم إن باستطاعته طرد الجن من أجساد سكنتها وإخراجها، والأكثر من هذا كيف يصل مدينة وجدة ومن ثم الوصول للجزائر، وبعد أخذ ورد بينه وبين نفسه توصل إلى أن هذه مغامرة لن تحمد عقباها، فحسم أمره أن يكتفي في الوقت الحالي بالتوجه لأيت وابلي مسقط رأسه وهذا ما فعل، حيث استغل يوم الخميس وهو موعد التئام السوق الأسبوعي للزحيليكة، فتسلل لخزانة والده فوجده نسي فيها بعض الأوراق النقدية فأخذ منها ورقة من فئة خمسة آلاف فرنك، أي خمسون درهما بالعملة الحالية، ومقر سكنى عائلته تقع جنب الطريق الوطنية الرئيسية التي تربط الرباط بوادي زم واثنين بني خيران، وبما أن اليوم يوم خميس موعد السوق الأسبوعي، هناك عدد من حافلات الركاب تربط الزحيليكة بالرباط مما جعل أمر هروبه سهلا ، وقف جنب الطريق وبعد مدة قصيرة جاءت حافلة قادمة من الزحيليكة في اتجاه الرباط أشار إليها بيديه فتوقفت واستقلها متجها للرباط وفي باب الأحد التي كانت فيها محطة حافلات المسافرين نزل واستقل الحافلة المتجهة للدار البيضاء التي لا يعرف عنها شيئا، كل ما في ذهنه أنه سينزل في محطة الدار البيضاء ويسأل عن الحافلة المتجهة لتزنيت كي يستقلها، ومن تزنيت يتجه لأيت وابلي.
الزغبي المنحوس
يتبع
© مسيرة الزغبي المنحوس ـ 1 ـالرفيق محمد فكري - مدونة نور الدين رياضي للعمل السياسي والنقابي والحقوقي
المصدر: مسيرة الزغبي المنحوس ـ 1 ـالرفيق محمد فكري