محمد الدويمي - مقتطف من رواية "مينورْ شَرْبونْ"

تمر أيام العمل بمنجم الفحم متشابهة...
يصعد العمال ويهبطون خلال رحلتهم اليومية المعتادة...
رحلة "الداخَلْ ميتْ والخارَجْ حيّْ".
تمتزج آهاتهم مع صخب آلات المنجم...
يكفنهم الظلام والغبار وتلاحقهم أوامر المسؤولين التي لا تنتهي...
ها أنا أسير في مسارب هذا العالم الباطني المظلم..
يلفني الغبار من كل جانب..
أستنشق الغبار..
ألتمس طريقي في المسارات الضيقة المغبرة..
يرشدني المصباح الذي يفقد توهجه مع مرور الوقت...
أقطع الفحم معتمدا على ساعدي والمطرقة...
كل يوم يترك المنجم جرحا غائرا في نفسي، فيصبح عقلي مثل رحى تطحن الهواجس والتوجسات والمخاوف فتذبل أحلامي...
رغم ذلك أحاول أن أنسى تعبي وانكساراتي...
أتجاهل الأحداث المأساوية اليومية التي تفصّل مقاساتها في كل شبر من الباطن...
موت..
جروح..
عاهات..
أمراض...
أحداث مؤلمة تقتات عليها جرادة صباح مساء...
تلوكها الألسنة في المقاهي والدكاكين وقرب المساجد وفي الأسواق وخلال المناسبات...
لقد راكمت ذاكرتي العديد من أسماء الموتى الذين قضوا بطريقة أو بأخرى خلال عملهم بالمنجم، فأصبحتْ مثل مستودع للأموات تغص بالعشرات من أسماء الهلكى وألقابهم وأسباب وفاتهم.
نعم.. إن رحى الموت لا تتوقف عن الدوران بالمنجم.
تستمر دون كلل أو ملل في طرق أبواب بيوت العمال المهترئة الشاحبة فتخلّف البكاء والعويل...
يكتفي الناس بإلقاء نظرة أخيرة على الجثامين التي تمر أمام أعينهم محمولة على الأكتاف.
يوّدعونها وهي في طريقها إلى مثواها الأخير، ثم يستأنفون عملهم في اليوم نفسه.


محمد الدويمي، ورواية "مينورْ شَرْبونْ"


1661033448084.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى