انشغلت في الأيام الأخيرة بموصوعين يفضي أحدهما إلى الآخر ، الأول هو التحقق من نسبة مقطع إلى جبران خليل جبران و محمود درويش ونصه :
" ستنتهي الحرب ويتصافح القادة ، وتبقى تلك العجوز تنتظر ابنها الشهيد ، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب ، واولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل " ، وقد أدرجته على صفحتي ناشدا المهتمين الإدلاء بدلوهم.
كان نبيل طنوس من المغار ترجم المقطع إلى العبرية ونسبه إلى درويش وطلب مني أن أتيقن من الأمر ، فقد كتب أحد قرائه أنه ينسب الى جبران.
وليست هذه هي المرة الأولى التي ينسب فيها قول إلى درويش دون التأكد منه . توقف أمام الظاهرة صقر أبو فخر وكتب فيها " عن فبركة القصائد والوثائق والنصوص " ( أنظر الأيام الفلسطينية ١٨ / ١٢ / ٢٠١٢ ) وهذا دفعني إلى كتابة مقال " فبركة القصائد " أتيت فيه على قصيدة " لهفي على القدس الشريف " التي نسبت إلى درويش وقصيدة " كفرت بإسرائيل التي نسبت إلى مظفر النواب" ( الأيام الفلسطينية ٧ / ٤ / ٢٠١٣).
قبل أشهر سألني زياد خداش عن مقطع أدرج في وسائل التواصل الاجتماعي ونسب إلى درويش :
" كنت سأشتري لك البنفسج هذا الصباح
لكن الرفاق كانوا جياعا
فاشتريت لهم الخبز
وكتبت لك قصيدة حب "
وأنا أبحث عثرت على مقال كتبه درويش عنوانه " ناظم حكمت : النشيد الخالد " يرد فيه المقطع وقد اقتبسه درويش من ناظم ( محمد خليل ، محمود درويش : مقالات وحوارات ١٩٦٠ - ١٩٧٠ ، ٢٠٠١ ص ١٠٢).
وحتى اللحظة لم أتأكد من صاحب النص الأول " ستنتهي الحرب .. " على الرغم من أنني عثرت على معنى قريب منه ورد في مقال لدرويش " ذاهبان إلى البحر " ورد في كتابه " وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلم "(١٩٧٤) واقتبس فيه مقاطع من كتابه " يوميات الحزن العادي "(١٩٧٣) ومن كتاب لكتاب إسرائيليين " التقصير " ومن رسالة فدائي فلسطيني إلى أمه وهو ذاهب إلى المعركة.
فيما أورده درويش من اقتباسات من الكتاب الإسرائيليين كتابة عن الجنود الإسرائيليين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لبناء وطن وعن قادتهم وجنرالاتهم الذين قبضوا الثمن فازداد رأسمالهم وكبرت مشاريعهم ، وتكرار دال الوطن في كتابات درويش الشعرية والنثرية وفي المقطع الذي نسب إليه أحد أسبابه هو تكرار هذا الدال في الكتابات العبرية ، ولا ينفي هذا تكراره في الأدبيات الفلسطينية قبل ١٩٤٨ ، بخاصة في أشعار إبراهيم طوقان .
الكتابة عن العجوز التي انتظرت ابنها والزوجة التي انتظرت زوجها يذكر أيضا بكلمات أغنية مارسيل خليفة " أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهدا فبكت دمعتين ووردا ولم تنزو في ثياب الحداد " وهذا كله يذكر برواية السوري أديب نحوي " عرس فلسطيني "(١٩٧٠) وعززه في الأيام العشرة الأخيرة استشهاد إبراهيم النابلسي وزغاريد أمه في وداعه والجدل الذي ثار حول ذلك .
توقف شمعون بلاص في كتابه " الأدب العربي في ظل الحرب " ( الترجمة العربية ١٩٨٤) مطولا أمام " عرس فلسطيني " التي تأتي على عرس الشهيد الفدائي وكتب عن احتفال الأب بعرس ابنه الذي استشهد ليلة عرسه ، فقد عاد من عملية فدائية مستشهدا .
في يوم الأرض في ٣٠ آذار ١٩٧٦ استشهد ستة فلسطينيين فكتب سميح القاسم فيهم شعرا وردت فيه الزغرودة " يا أم الشهيد وزغردي كل الشهداء ولادك " ، وصار الفلسطينيون مع الأيام يحتفلون بنبأ استشهاد ابنهم بالزغاريد ، وصار هذا الاستقبال موضع جدل وكتابة ، وقد أثير الجدل مؤخرا يوم استشهاد إبراهيم النابلسي في نابلس ، بخاصة حين كتبت فلسطينية تقيم في السويد هي نور هيثم عن ردود أفعال الصحافة الغربية التي أتت على موقف بعض الغربيين من موقف أم إبراهيم .
في قراءاتي لكتابات درويش حول الموقف من الاستشهاد قراءة تعاقبية لاحظت الآتي :
في " ذاهبان إلى البحر " من " وداعا أيتها الحرب .." يكتب عن اختلاف إقدام الجندي الإسرائيلي والفدائي الفلسطيني على القتال وما يعقب ذلك من نتائج " لقد مات شيء كثير في القلب الإسرائيلي الشاب.. مات شيء كثير .. " رأيت شبابا يموتون ، ولا أحد منهم يصرخ قبل أن يسقط " ما أجمل الموت في سبيل الوطن " أو " يعيش السلام والأمن " .لقد بكوا كالأطفال ، دون أن يعرفوا إذا ما حققوا السلام والأمن " . لقد وقع الخلاف بينهم وبين " الوطن " الذي سرقوه من شعب آخر ، وحين يموت المرء ، دون أن يعرف لماذا يموت ، أو حين يعرف انه يموت من أجل سرقة ، فإن موته يكون بلا مجد وبلا شهية . هذا ما مات فيهم ، وهذا ما ازدهر في نفسية الشاب الفلسطيني العربي الذي يذهب إلى الموت كما يذهب إلى الزفاف ، وهذا هو الفارق بين موتين "(١٢٠) .
هل ظل الشاعر الذي اقتبس فقرة من رسالة فدائي قبل استشهاده يرد فيها " ما أجمل طعم الموت عندما يمنزج بالأرض ..
.. إنني أشعر بثقل المخيمات ينزاح عن صدري ، ووحول الأزقة تتحول إلى طرق واسعة معبدة في وجه ااشمس " هل طل الشاعر يرى ما رأى ؟
لا شك في أن هناك شبابا مقاومين كثرا ما زالوا يقبلون على الشهادة مثل هذا الفدائي صاحب الرسالة ، وأن هناك أمهات عديدات يستقبلن نبأ استشهاد الابن بالزغاريد ، ولكن الشاعر صار ينظر إلى حسرة الآباء ، فترك الشهيد نفسه يتكلم . لنقرا ما كتبه في " حالة حصار " على لسان الشهيد : " لا تصدق زغاريدهن ، وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا " . وكان والد إبراهيم حزينا ومثله كان والد محمد الشحام الذي اغتيل في بيته قبل أيام .
الكتابة تطول وتستحق النقاش والجدل .
الاثنين - السبت
١٥ إلى ٢٠ / ٨ / ٢٠٢٢ .
( مقال الأحد ٢١ /٨ / ٢٠٢٢ في جريدة الأيام الفلسطينية ) .
" ستنتهي الحرب ويتصافح القادة ، وتبقى تلك العجوز تنتظر ابنها الشهيد ، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب ، واولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل " ، وقد أدرجته على صفحتي ناشدا المهتمين الإدلاء بدلوهم.
كان نبيل طنوس من المغار ترجم المقطع إلى العبرية ونسبه إلى درويش وطلب مني أن أتيقن من الأمر ، فقد كتب أحد قرائه أنه ينسب الى جبران.
وليست هذه هي المرة الأولى التي ينسب فيها قول إلى درويش دون التأكد منه . توقف أمام الظاهرة صقر أبو فخر وكتب فيها " عن فبركة القصائد والوثائق والنصوص " ( أنظر الأيام الفلسطينية ١٨ / ١٢ / ٢٠١٢ ) وهذا دفعني إلى كتابة مقال " فبركة القصائد " أتيت فيه على قصيدة " لهفي على القدس الشريف " التي نسبت إلى درويش وقصيدة " كفرت بإسرائيل التي نسبت إلى مظفر النواب" ( الأيام الفلسطينية ٧ / ٤ / ٢٠١٣).
قبل أشهر سألني زياد خداش عن مقطع أدرج في وسائل التواصل الاجتماعي ونسب إلى درويش :
" كنت سأشتري لك البنفسج هذا الصباح
لكن الرفاق كانوا جياعا
فاشتريت لهم الخبز
وكتبت لك قصيدة حب "
وأنا أبحث عثرت على مقال كتبه درويش عنوانه " ناظم حكمت : النشيد الخالد " يرد فيه المقطع وقد اقتبسه درويش من ناظم ( محمد خليل ، محمود درويش : مقالات وحوارات ١٩٦٠ - ١٩٧٠ ، ٢٠٠١ ص ١٠٢).
وحتى اللحظة لم أتأكد من صاحب النص الأول " ستنتهي الحرب .. " على الرغم من أنني عثرت على معنى قريب منه ورد في مقال لدرويش " ذاهبان إلى البحر " ورد في كتابه " وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلم "(١٩٧٤) واقتبس فيه مقاطع من كتابه " يوميات الحزن العادي "(١٩٧٣) ومن كتاب لكتاب إسرائيليين " التقصير " ومن رسالة فدائي فلسطيني إلى أمه وهو ذاهب إلى المعركة.
فيما أورده درويش من اقتباسات من الكتاب الإسرائيليين كتابة عن الجنود الإسرائيليين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لبناء وطن وعن قادتهم وجنرالاتهم الذين قبضوا الثمن فازداد رأسمالهم وكبرت مشاريعهم ، وتكرار دال الوطن في كتابات درويش الشعرية والنثرية وفي المقطع الذي نسب إليه أحد أسبابه هو تكرار هذا الدال في الكتابات العبرية ، ولا ينفي هذا تكراره في الأدبيات الفلسطينية قبل ١٩٤٨ ، بخاصة في أشعار إبراهيم طوقان .
الكتابة عن العجوز التي انتظرت ابنها والزوجة التي انتظرت زوجها يذكر أيضا بكلمات أغنية مارسيل خليفة " أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهدا فبكت دمعتين ووردا ولم تنزو في ثياب الحداد " وهذا كله يذكر برواية السوري أديب نحوي " عرس فلسطيني "(١٩٧٠) وعززه في الأيام العشرة الأخيرة استشهاد إبراهيم النابلسي وزغاريد أمه في وداعه والجدل الذي ثار حول ذلك .
توقف شمعون بلاص في كتابه " الأدب العربي في ظل الحرب " ( الترجمة العربية ١٩٨٤) مطولا أمام " عرس فلسطيني " التي تأتي على عرس الشهيد الفدائي وكتب عن احتفال الأب بعرس ابنه الذي استشهد ليلة عرسه ، فقد عاد من عملية فدائية مستشهدا .
في يوم الأرض في ٣٠ آذار ١٩٧٦ استشهد ستة فلسطينيين فكتب سميح القاسم فيهم شعرا وردت فيه الزغرودة " يا أم الشهيد وزغردي كل الشهداء ولادك " ، وصار الفلسطينيون مع الأيام يحتفلون بنبأ استشهاد ابنهم بالزغاريد ، وصار هذا الاستقبال موضع جدل وكتابة ، وقد أثير الجدل مؤخرا يوم استشهاد إبراهيم النابلسي في نابلس ، بخاصة حين كتبت فلسطينية تقيم في السويد هي نور هيثم عن ردود أفعال الصحافة الغربية التي أتت على موقف بعض الغربيين من موقف أم إبراهيم .
في قراءاتي لكتابات درويش حول الموقف من الاستشهاد قراءة تعاقبية لاحظت الآتي :
في " ذاهبان إلى البحر " من " وداعا أيتها الحرب .." يكتب عن اختلاف إقدام الجندي الإسرائيلي والفدائي الفلسطيني على القتال وما يعقب ذلك من نتائج " لقد مات شيء كثير في القلب الإسرائيلي الشاب.. مات شيء كثير .. " رأيت شبابا يموتون ، ولا أحد منهم يصرخ قبل أن يسقط " ما أجمل الموت في سبيل الوطن " أو " يعيش السلام والأمن " .لقد بكوا كالأطفال ، دون أن يعرفوا إذا ما حققوا السلام والأمن " . لقد وقع الخلاف بينهم وبين " الوطن " الذي سرقوه من شعب آخر ، وحين يموت المرء ، دون أن يعرف لماذا يموت ، أو حين يعرف انه يموت من أجل سرقة ، فإن موته يكون بلا مجد وبلا شهية . هذا ما مات فيهم ، وهذا ما ازدهر في نفسية الشاب الفلسطيني العربي الذي يذهب إلى الموت كما يذهب إلى الزفاف ، وهذا هو الفارق بين موتين "(١٢٠) .
هل ظل الشاعر الذي اقتبس فقرة من رسالة فدائي قبل استشهاده يرد فيها " ما أجمل طعم الموت عندما يمنزج بالأرض ..
.. إنني أشعر بثقل المخيمات ينزاح عن صدري ، ووحول الأزقة تتحول إلى طرق واسعة معبدة في وجه ااشمس " هل طل الشاعر يرى ما رأى ؟
لا شك في أن هناك شبابا مقاومين كثرا ما زالوا يقبلون على الشهادة مثل هذا الفدائي صاحب الرسالة ، وأن هناك أمهات عديدات يستقبلن نبأ استشهاد الابن بالزغاريد ، ولكن الشاعر صار ينظر إلى حسرة الآباء ، فترك الشهيد نفسه يتكلم . لنقرا ما كتبه في " حالة حصار " على لسان الشهيد : " لا تصدق زغاريدهن ، وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا " . وكان والد إبراهيم حزينا ومثله كان والد محمد الشحام الذي اغتيل في بيته قبل أيام .
الكتابة تطول وتستحق النقاش والجدل .
الاثنين - السبت
١٥ إلى ٢٠ / ٨ / ٢٠٢٢ .
( مقال الأحد ٢١ /٨ / ٢٠٢٢ في جريدة الأيام الفلسطينية ) .