لعل من أخطر ما يواجه المسيرة المهنية والأدبية للناقد الأدبي هو عدم خضوع ٱرائه النقدية للموضوعية العلمية المعتمدة علىٰ أسانيد علمية دقيقة ، فضلاً عن تردده وتذبذب تلك الآراء بين القطعي والظنّي بما يجعل الركون إلى سلامة وصحة تلك الآراء في موضع الشك وعدم قدرتها على المساهمة في صياغة جهد نقدي يؤثر إيجابياً على تطور المنجز الإبداعي ويسهم في إضافة نوعية على مستوىٰ التنظير أو تجاوز المستهلك والمالوف والمكرر على مستوىٰ الاشتغال الممنهج ، وإذا ماتفحصنا الدراسات والمقالات النقدية التي تضجُّ بها الصحف والمجلات الثقافية العراقية إضافة إلى ما يطرح من ٱراء على صفحات التواصل الاجتماعي فإننا سنقف مذهولين وبخيبة كبيرة إزاء اللامسؤلية في استخدام المصطلح النقدي والاجتراحات المجانية والعشوائية التي لا تمت بصلة إلى علم النقد ومسؤوليته الأدبية والأخلاقية الكبيرة في الغالب مما يطرح في الوسائط الٱنفة الذكر من دراسات ومقالات نقدية ، ويزداد الأمر أكثر خطورة حين تصدر تلك الأحكام والٱراء النقدية من اقلام أكاديمية معروفة في الوسط الجامعي والثقافي وتمثل نقاد معروفين في المشهد النقدي العراقي ، واختار نموذجا واحدا من هذه الأقلام التي نأت عن الدقّة الموضوعية في اجتراحها لرأي نقدي قَصُرَ عن توفير غطاءٍ فكري ونقدي ليطرحهُ كمسلّمة نقدية ، واعني بهذا القلم هو الناقد د.جاسم حسين الخالدي في مقالته الموسومة ( جنس أدبي جديد / محمد خضير ...براعة الابتكار ) والمنشورة على الصفحة الثقافية لجريدة الصباح ليوم الاحد 12/6/2022، والمقالة مقاربة نقدية لمجموعة القاص العراقي محمد خضير ( حدائق الوجوه ) اصدار دار المدى / سوريا 2008 وقد بشّرَ في عنوانها بظهور (جنس أدبي جديد ) وكما خلص في نهاية المقاربة الىٰ ( واخيرا يمكن القول إن محمد خضير على الرغم من علو كعبه في كتابة القصة ، لكنه في هذا الكتاب اجترح جنسياً أدبياً جديداً مكّنهُ من كتابة سيرته مستعيناً بكمٍّ هاىلٍ من المصادر والأفكار والعلوم الفلسفية والاجتماعية ) من دون أن يضع اسماً لهذا الجنس (الجديد) الذي بشّرَ به ومن دون وضع المنظومة المعرفية وقوانين هذا الجنس الداخلية واشتراطاته التكوينية كما في الأجناس الأدبية التي تواضع علىٰ منظوماتها الداخلية وافتراقاتها عن الأجناس الأخرى ، كل ذلك - وهو كما نراه -- ضرورة معرفية وتنظيرية مهمة ليمتلك هذا (التبشير) سلامته وصدقه المغاير ، سيما وأن الناقد اكاديمي ويعرف جيدا اصول البحث وتاريخ الأجناس الأدبية والانواع المتفرعة عنها ، وسأناقش فيما يلي الآراء التي أوردها الخالدي في متن مقاربته والتي وجدتها بعيدة كل البعد عن نيته الإجرائية لتأكيد اجتراح الجنس (الجديد)ولعل التمهيد الذي وضعه الدكتور جاسم فيما يخص طبيعة الكتابة السردية عند القاص محمد خضير هو الذي قاده الىٰ أن القاص بصدد اجتراح (جنس جديد) فيشير في تمهيده الذي ابتناه على حوار أجراه الروائي محمد الاحمد مع القاص محمد خضير والذي يذهب فيه إلى أن القصة عند محمد خضير ( لم تعد لديه عبارة عن كتابة سردية بمعناها الفني ، بل تحولت إلى قطع سردية ممتعة متقنة التفاصيل ) وازاء ذلك يرى الدكتور جاسم وفق التصريح الأنف ( وهو ما جعل عملية تجنيس كتاباته في غاية الصعوبة ، وكانت صفة الكتابة السردية هي أقرب توصيف فني لما يكتب ) تُرىٰ هل توصيف (الكتابة السردية) منفصلة بنائياً عن جنس السرد ؟ وهل تدّعي هذه الكتابة منظومة بناية تُخرجها من مملكة السرد؟ وهل هذه (الكتابة السردية) تمثّلُ جنساً جديداً ؟ لا أظن الإجابة بالايجاب لكل هذه الأسئلة المطروحة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار مايلي :--1/ أن التفكير غير الواضح غالباً ماينتجُ تعبيراً مرتبكاً وغير واضح ، وتوصيف (الكتابة السردية) الذي اقترحه الدكتور جاسم هو توصيف مرتبك ولاينفي انتماء هذه (الكتابة) الىُ (السرد) بعدّه جنساً متفرعاً غادرته انواعٌ ورفدتهُ انواعٌ جديدة عبر صيرورة الحياة وظهور الحاجة إلى أنواع سردية تتطلبها الصيرورات المتعاقبة للحياة وترحيل هذه الصيرورة إلى جنس (السرد) .
2/ ووفق ماذُكرَ أعلاه فإن بنائية السرد ستجد تمثلاتها في أغلب الأنواع السردية وبنسب مختلفة ، أعني توافر اركان السرد من زمان ومكان وأحداث وشخصيات ، ولايبتعد توصيف (الكتابة السردية) عن منظومة بنائية السرد .
3/ بما أن مدار تشكّل الأجناس الأدبية هو اللغة ، فإن جزئها الإيحائي قد توزع منذ أرسطو على جنسين الأول نثر والثاني شعر ، وتفرعت من هذين الجنسين كافة الأشكال الأدبية ، وقسم من هذه الفروع اتخذت وضع الجنس حين تفرعت منها انواع ، كالمسرحية والرواية وحتى الشعر فهو في الأصل وسيبقى جنساً إلّا أن أنواعاً كثيرة تفرعت منه ، وازاء ذلك فإن (السرد) هو نوع نثري اتخذ صفة الجنس حين تفرعت منه أنواع عديدة ، لذا فإن توصيف الدكتور (الكتابة السردية) هو توصيف محايد ويعلن بخجل انتماءه لجنس (السرد) ، لذا فإن السرد الذي كتبه القاص محمد خضير ينتمي ويعلن عن جزىيته ضمن جنس السرد ، والمحال ولا وجود لمبرّر موضوعي عدّ (الكتابة السردية ) جنساً جديدا .
4/ لقد حاول ويحاول نقاد مابعد الحداثة تقويض نظرية الأجناس الأدبية استجابة لتوصيف جاك دريدا باكذوبة الأجناس الأدبية وظهرت دعوات لكتابة النص (اللاتجنيسي) إلا أن هذا النص الذي اقترحه جيرار جنيت في كتابه المعروف (جامع النص) لم يُنجز بعد والاعتراف جينيت نفسه بذلك ، وكل ماتحقق هو التداخل الأجناسي داخل النوع أو الجنس وهو أمر مشروع تستلزمه صيرورة الحياة وصيرورة الكتابة .
5/ كيف غاب عن ذهن الدكتور جاسم -- وهو الاكاديمي والباحث المتخصص بالنقد الحديث -- أن الجنس الأدبي هو مجموعة من الأعمال الأدبية لأكثر من مؤلف و والتي توحدها خصائص مشتركة أمّا تبعا لشكل خارجي ( البنية ، الطول) أو داخلي ( المضمون ، الأسلوب ) شرط توفر القصدية والتكرار والتجاوز ، ولا أظن بأن (حدائق الوجوه) قد توافرت على الشروط أعلاه ، ولايمكن الاحتكام بأنها جنس أدبي جديد كما ادّعى .
6/ ليس هنالك نص (عابر للأجناس) سوىٰ قصيدة النثر التي جمعت جنسي النثر والشعر ، وفيما عدا ذلك هو تداخل إجناسي يشهد هيمنة جنس أو نوع على بقية الأجناس المتداخلة ، وازاء ذلك فإن النظرية الأدبية لم تشهد أجناس جديدة سوى النثر والشعر وقصيدة النثر ، وكل ما يظهر من صيرورة شكلية جديدة تستدعيها صيرورة الحياة إنما هي نوع جديد داخل هذا الجنس أو ذاك ، لذا فإن ماكتبه القاص محمد خضير الذي عُرف بتجريبيته السردية التي تأثرت بها اجيال سردية عراقية وربما عربية منذ ثمانينيات القرن الماضي ولحد الٱن في مجموعته(حدائق الوجوه) التي من الممكن عدها متوالية قصصية، إنما هي تنويع سردي على القصة القصيرة بعدها نوعا سرديا ينتمي لجنس النثر ، وجذور تجربته في مجموعته هذه وقبلها من الكتب السردية التي أصدرها هي مستمدة ومتأثرة إلى حد كبير بالاتجاه الذي حاول فيه كتاب أمريكا اللاتينية وأبرزهم بورخس من تقديم إضافة إلى الرواية العالمية والقصة صوب معرفية النص الروائي والقصصي وجعل النص ممتداً الىٰ مصادر معرفية أخرى من العلوم الإنسانية فضلاً عن تجربة وسيرة الكاتب نفسه ، وهكذا كانت رؤيته للمكان في (باصورا) واستثمار ثقافته التشكيلية في (كراسة كانون) والشخصيات التاريخية التي تأثر بها في (حدائق الوجوه) التي لم تكن (جنسا جديدا) كما بشّر الدكتور جاسم الخالدي وانما كانت تنويعات تختص بتهجين الجنس الجمعي للنص وهو نوع القصة القصيرة بخطابات ولغات واشكال متناغمة ، . وكان الأجدى بالدكتور جاسم أن يهتم ويبرز مابين النصوص الأجناسية من علاقات وتنابذات وتجاذبات وبمعنى ٱخر الاهتمام بما يجعل النص في تعالق جلي أو خفي مع النصوص الأخرى المتداخلة ، دون الوقوع في شرك التجنيس الذي لم يتمكن من الخروج منه سالماً ، فاتجهَ صوب الأحكام المتعجّلة والسريعة .
2/ ووفق ماذُكرَ أعلاه فإن بنائية السرد ستجد تمثلاتها في أغلب الأنواع السردية وبنسب مختلفة ، أعني توافر اركان السرد من زمان ومكان وأحداث وشخصيات ، ولايبتعد توصيف (الكتابة السردية) عن منظومة بنائية السرد .
3/ بما أن مدار تشكّل الأجناس الأدبية هو اللغة ، فإن جزئها الإيحائي قد توزع منذ أرسطو على جنسين الأول نثر والثاني شعر ، وتفرعت من هذين الجنسين كافة الأشكال الأدبية ، وقسم من هذه الفروع اتخذت وضع الجنس حين تفرعت منها انواع ، كالمسرحية والرواية وحتى الشعر فهو في الأصل وسيبقى جنساً إلّا أن أنواعاً كثيرة تفرعت منه ، وازاء ذلك فإن (السرد) هو نوع نثري اتخذ صفة الجنس حين تفرعت منه أنواع عديدة ، لذا فإن توصيف الدكتور (الكتابة السردية) هو توصيف محايد ويعلن بخجل انتماءه لجنس (السرد) ، لذا فإن السرد الذي كتبه القاص محمد خضير ينتمي ويعلن عن جزىيته ضمن جنس السرد ، والمحال ولا وجود لمبرّر موضوعي عدّ (الكتابة السردية ) جنساً جديدا .
4/ لقد حاول ويحاول نقاد مابعد الحداثة تقويض نظرية الأجناس الأدبية استجابة لتوصيف جاك دريدا باكذوبة الأجناس الأدبية وظهرت دعوات لكتابة النص (اللاتجنيسي) إلا أن هذا النص الذي اقترحه جيرار جنيت في كتابه المعروف (جامع النص) لم يُنجز بعد والاعتراف جينيت نفسه بذلك ، وكل ماتحقق هو التداخل الأجناسي داخل النوع أو الجنس وهو أمر مشروع تستلزمه صيرورة الحياة وصيرورة الكتابة .
5/ كيف غاب عن ذهن الدكتور جاسم -- وهو الاكاديمي والباحث المتخصص بالنقد الحديث -- أن الجنس الأدبي هو مجموعة من الأعمال الأدبية لأكثر من مؤلف و والتي توحدها خصائص مشتركة أمّا تبعا لشكل خارجي ( البنية ، الطول) أو داخلي ( المضمون ، الأسلوب ) شرط توفر القصدية والتكرار والتجاوز ، ولا أظن بأن (حدائق الوجوه) قد توافرت على الشروط أعلاه ، ولايمكن الاحتكام بأنها جنس أدبي جديد كما ادّعى .
6/ ليس هنالك نص (عابر للأجناس) سوىٰ قصيدة النثر التي جمعت جنسي النثر والشعر ، وفيما عدا ذلك هو تداخل إجناسي يشهد هيمنة جنس أو نوع على بقية الأجناس المتداخلة ، وازاء ذلك فإن النظرية الأدبية لم تشهد أجناس جديدة سوى النثر والشعر وقصيدة النثر ، وكل ما يظهر من صيرورة شكلية جديدة تستدعيها صيرورة الحياة إنما هي نوع جديد داخل هذا الجنس أو ذاك ، لذا فإن ماكتبه القاص محمد خضير الذي عُرف بتجريبيته السردية التي تأثرت بها اجيال سردية عراقية وربما عربية منذ ثمانينيات القرن الماضي ولحد الٱن في مجموعته(حدائق الوجوه) التي من الممكن عدها متوالية قصصية، إنما هي تنويع سردي على القصة القصيرة بعدها نوعا سرديا ينتمي لجنس النثر ، وجذور تجربته في مجموعته هذه وقبلها من الكتب السردية التي أصدرها هي مستمدة ومتأثرة إلى حد كبير بالاتجاه الذي حاول فيه كتاب أمريكا اللاتينية وأبرزهم بورخس من تقديم إضافة إلى الرواية العالمية والقصة صوب معرفية النص الروائي والقصصي وجعل النص ممتداً الىٰ مصادر معرفية أخرى من العلوم الإنسانية فضلاً عن تجربة وسيرة الكاتب نفسه ، وهكذا كانت رؤيته للمكان في (باصورا) واستثمار ثقافته التشكيلية في (كراسة كانون) والشخصيات التاريخية التي تأثر بها في (حدائق الوجوه) التي لم تكن (جنسا جديدا) كما بشّر الدكتور جاسم الخالدي وانما كانت تنويعات تختص بتهجين الجنس الجمعي للنص وهو نوع القصة القصيرة بخطابات ولغات واشكال متناغمة ، . وكان الأجدى بالدكتور جاسم أن يهتم ويبرز مابين النصوص الأجناسية من علاقات وتنابذات وتجاذبات وبمعنى ٱخر الاهتمام بما يجعل النص في تعالق جلي أو خفي مع النصوص الأخرى المتداخلة ، دون الوقوع في شرك التجنيس الذي لم يتمكن من الخروج منه سالماً ، فاتجهَ صوب الأحكام المتعجّلة والسريعة .