نَجِدُ فِي سَرْدِيَّاتِ القَاصَّةِ (ليْلى الْمَرَّانِي) في الْقِصَّةِ القَصِيرَةِ تَمَيُّزًا وَخُصُوصِيَّةً تَتَّسِمُ بِذَوْقٍ أَدَبِيٍّ رَاقٍ، وَإحْسَاسٍ مُرْهفٍ فِي مُعَايَشَةٍ وَاعِيَةٍ لِلْوَاقِعِ، تَكْتُبُ بِلُغَةٍ سَلِسَةٍ وَسَلِيْمَةٍ، لَا تَخْلُو مِنْ عُمْقٍ فِي المَنْظُورِ السَّرْدِيِّ؛ سَوَاءٌ فِي بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ وَجَوْهَرِهَا الدَّاخِلِيِّ وصِرَاعِهَا مَعَ الوَاقِعِ، أَوْ فِي بنْيَةِ القِصَّةِ وَخِطَابِهَا وَدَلَالَاتِهَا، وَمَقَاطِعِ الحِوَار الَّتِي تَتَخَلَّلُ المَشْهَدَ فِي بَعْضٍ مِنْ عَمَلِيَّاتِ السَّرْدِ، وَهَذَا مَا أَرَدْنَا الْوُقُوفَ عِنْدَهُ أَوِ الإِشَارَةَ إِلَيْهِ فِي اخْتِيَارِنَا لِبَعْضِ القَصَصِ المختارة ..
١- قِصَّةُ (هَلْوَسَة):
جَاءَتِ العَنْوَنَةُ مُفْرَدَةً نَكِرَةً، لَهَا مَدْلُولٌ سَايكُولُوجيٌّ خَاصٌّ بِالشَّخْصِيَّةِ المحْوَرِيَّةِ (الرَّئِيسِيَّةِ) لِلقِصَّةِ، وَمَدْلُولٌ عَامٌّ يُعْطِيهَا انْطِبَاعًا شَامِلًا عَنِ الْوَعْي بِإِحْسَاسٍ قَلِقٍ بِمَحْسُوسٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ بِالوَاقِعِ، أَوْ يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ مَا فِي ذِهْنِ شَخْصٍ دُوْنَ غَيْرِهِ.
فَتَبْدَأُ القِصَّةُ بِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ، أَوْ بِأُسْلُوبِ السَّرْدِ الذَّاتِيِّ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّاوِي الْمُشَارِكِ فِي الأَحْدَاثِ أَوِ الشَّاهِدِ عَلَيْهَا:
( أشباحٌ تطاردني، تحالفت مع سياطٍ من زخّات المطر، تُلهب ظهري، ووجه جواد مهشّماً، وجمله مبعثرةً، هي الأخرى تلاحقني، توصلني إلى الجحيم، وبيتنا هو أيضاً تآمر ضدّي، أين هو؟
المسافة إليه تزداد اتّساعاً
وكأنني أركض في اتجاهٍ معاكس ) .
نَرَى مِنَ السُّطُورِ الأُوْلِى لِلقِصَّةِ وَجْهَ جَوَادٍ مُهَشَّمًا، وَجُمَله مُبَعْثَرَةً؛ مِمَّا يَجْعَلُ المُتَلَقِّيَ أَمَامَ حَدَثٍ أَوْ حَادِثٍ لَهُ مُسَبِّبَاتُهُ؛ وَتَسَاقُطُ زَخَّاتٍ المَطَرِ الَّتِي تُصَاحِبُ الْقَلَقَ، وَتَجْعَلُ مِنَ المسَافَةِ إِلَى الْبَيْتِ تَتَّسِعُ؛ نَتِيجَةً لِحَالَةِ الضِّيْقِ وَالتَّعَبِ النَّفْسِيِّ الَّتِي تُعَانِي مِنْهَا الشَّخْصِيَّةُ الرَّئِيسِيَّةُ، لِنَعْرِفَ لَاحِقًا أَنَّ "جَوَادًا" هَذَا هُوَ عَمُّ الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَصْطَحِبُهُ عَلَى مَضَضٍ مِنْهُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ، فَيَتَعَرَّضَ لِحَادِثِ دَهْسٍ، وَيَغْدُو جِسْمًا مَمْدُودًا، غَارِقًا بِدَمِهِ، إِضَافَةً إِلَى أَحْدَاثٍ أُخْرَى لَهَا صَدًى سَلْبِيٌّ عَلَى الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ يَأْتِي سَرْدُهَا فِيْمَا بَعْدُ ضِمْنَ هَذِهِ الْهَلْوَسَةِ، وَهُوَ زَوَاجُ الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسيَّةِ مِنِ ابْنَةِ عَمِّهِ (مُوْحَةَ) الَّتِي تَمِيلُ إِلَى جَارِهِم (فَرْحَانَ) الَّذِي يُلَاحِقُهَا بِنَظَرَاتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ هُرُوْبهَا مَعَهُ تَارِكَةً زَوْجَهَا:
( ـ موحة لم تكن تمشي على الأرضِ بقدمين، بأجنحةٍ شفّافةٍ تطير، أحاول اللحاق بها، فلا أستطيع، ومن القفص طارت مع فرحان ) ...
نَرَى أَنَّ(الشَّخْصِيَّةَ الرَّئِيسِيَّةَ) الَّتِي لَمْ يُذْكَرِ اسْمُهَا فِي القِصَّةِ شَخْصِيَّةٌ بَسِيْطَةٌ فِي ظَاهِرِهَا، تَمَكَّنَتِ الكَاتِبَةُ مِنْ أَنْ تَجْعَلَ مِنْهَا شَخْصِيَّةً مُثِيْرَةً فِي صِرَاعِهَا مَعَ الْوَاقِعِ وَمَعَ قَلَقِهَا، وَفِي مُعَانَاتِهَا مِنْ تَدَاعِيَاتِ الْهَلْوَسَةِ حَتَّى النّهَايَةِ بِوُصُولِ (الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ) إِلَى أُمِّهِ لِيُنَبِّئَهَا بِمَوتِ (حَامِدٍ) بِالحَادِثِ الَّذِي بَدَأَتْ بِهِ السُّطُورُ الأُوْلَى لِلْقِصَّةِ، لِتُشَكِّلَ طَرِيقَةَ السَّرْدِ الانْعِكَاسِيِّ بِوَعْيٍ مِنَ الْكَاتِبَةِ بِبَوَاطِنِ الشَّخْصِيَّاتِ.
٢- قِصَّةُ (ثَأْر قَدِيم):
نَرَى فِي العَتَبَةِ الْأُوْلَى لِلْقِصَّةِ عَنْوَنَةً صُوْرِيَّةً ذَاتَ طَابِعٍ نَوْعِيٍّ جَاءَتْ بِصُورَةٍ وَاقِعِيَّةٍ لِأَحْدَاثِهَا الدِّرَامِيَّةِ، اخْتَزَلَتْهَا الْجُمْلَةُ الخَبَرِيَّةُ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ...
تَبْدَأُ الْقِصَّةُ بِوَصْفٍ دَقِيقٍ وَوَاقِعِيٍّ لِطَرِيقَةِ التَّعذِيبِ الَّتِي تَسْلُكُهَا السُّلْطَاتُ الْأَمْنِيَّةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ الْعَالَمِ، وَطَرِيْقَةِ التَّصفِيَةِ الْجَسَدِيَّةِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي عَانَتْ وَتُعَانِي ظُلْمَ وَعُنْصُرِيَّةَ الْمُجْتَمَعِ ضِدَّهَا، وَصُمُوْدِهَا بِوَجْهِ هَذَا الظُّلْمِ بِمُخْتَلَفِ أَشْكَالِهِ، وَمُقَاوَمَتِهَا المُسْتَمِرَّةِ لَهُ:
( - جرّدوها من ملابسها... علّقوها..صوته ليس غريباً عليها... اللّعنة... تكاد... ثمّ تغرق في جحيم الألم، لم تستطع أن ترى وجهه؛ فقد كان يستدير إلى الحائط بكرسيّه الهزّاز حين تدخل..).
فِيْمَا تَسْتَمِرُّ الْكَاتِبَةُ فِي تَحْفِيزِ الْمَعَانِي التَّضْمِينِيَّةِ لِلْفِكْرَةِ كَمَا نَرَى، لِتُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الصَّوْتَ هُوَ صَوتُ ابْنِ عَمِّهَا (مُهَنَّد) الَّذِي كَانَ يُلَاحِقُهَا، وَالَّذِي سَمِعَتْ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورَ السِّجْنِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ وَالِدُهَا... لِتَنْتَقِلَ بَعْدَ هَذَا السَّرْدِ إِلَى حِوَارٍ ذَاتِيٍّ (الْمُونُولُوج الْمُتَدَاخِل) خِلَالَ إِصَابَتِهَا بِالْغَيْبُوبَةِ أَثْنَاءَ التَّعْذِيبِ:
( انخلعت ذراعاي ونبت لي جناحان...
تبخّر جسدي قطرةً قطرة في الفضاء...
أحلّق، عالياً أحلّق...
ريحٌ عاتية تدفعني إلى الأعالي...
أرى أبي محلّقاً يبتسم لي، يحيط به سرب طيورٍ ترفرف بأجنحة كريستاليّة شفيفة...
أقترب منه أكثر... أكثر، يحتضنني...
الله! ما أعذب أن أكون طفلةً بين ذراعيه، يقبّلني، أتعلّق برقبته...
يداعب جديلتيّ؛ فأضحك بفرحٍ غامر...
تقترب الطيور منّي، تحيط بي )
كَمَا نَرَى هُنَا أَنَّ القِصَّةَ امْتَازَتْ بِتَعَدُّدِ الأَصْوَاتِ: (الْبَطَلَةِ، الجَلَّادِ، مَرْيَمَ، وَالِدِ البَطَلَةِ)، وَكُلُّهَا أَسْهَمَتْ فِي الْخِطَابِ الْأَدَبِيِّ دُوْنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ سَلْبَيٌّ فِي وَعْيِ البَطَلَةِ (الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ)، وَدَوْرِهَا؛ وَهَذَا مَا يَجْعَلُنَا نَقِفُ ثَانِيَةً نَتَأَمَّلُ كُلَّ هَذِهِ الأَصْدَاءِ الَّتِي تَقْتَرِنُ بِصَوتِ الْكَاتِبَةِ الَّذِي تَوَغَّلَ فِي كَشْفِ جَوْهَرِ الْوَاقِعِ، وَعَدَمِ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْوَاقِعِ الْخَارِجِيِّ لِلْأَحْدَاثِ بِتقَانَاتِهَا التَّعْبِيرِبَّةِ، مِثْلِ: (الْمنُولُوجِ ).
وَنَرَى التَّأْثِيرَ الفَاعِلَ فِي إِنْهَاءِ القِصَّةِ بِحِوَارِيَّةٍ دِرَامِيَّةٍ رَائِعَةٍ :
( تمتثل أمامها مريم بوجهها الجميل الذي شوّهوه، فوزية التي حلقوا جدائلها الطويلة واقتلعوا أظفارها، خالد، سعاد و و و
كلّهم نوارس حرّة تحلّق الآن في السماء.
— ستخرجين لحظة تخبريننا عن اسم المسؤول في تنظيمك، أعدك بشرفي...
لم تستطع أن تكتم ضحكتها، ساخرةً صاحت:
— عن أيّ شرف تتحدّث يا قاتل عمّك والضحايا الآخرين...؟
— أيتها الكلبة القذرة، ستموتين هنا متعفّنةً تنهشك الجرذان، خذوها إلى زنزانتها وغداً لنا معها فصلٌ جديد...
لا تدري أيّة قوّةٍ خارقة تلبّستها فجأةً، تلملم نزيف ريقها الناشف.... تبصقه في وجهه دماً متخثّراً بالحقد والاحتقار..)...
٣- قِصَّة (زغْرُودَةٌ حَزِينَةٌ):
تَأْخُذُنَا الْعنْوَنَةُ الْوَصْفِيَّةُ لِلْقِصَّةِ إِلَى رُؤْيَةٍ تَحْلِيلِيَّةٍ لِلزغْرُودَةِ الَّتِي هِيَ صَوتٌ تُصْدِرُهُ النِّسَاءُ غَالِبًا بِمُنَاسَبَاتِ الْأَفرَاحِ وَالأَعْرَاسِ وَالْمَوَالَدِ وَالْخِتَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْوَاضِحُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ أَنَّ الزّغْرُودَةَ هُنَا طَغَى عَلَيْهَا طَابعُ الْحُزْنِ بَدَلًا مِنَ الْفَرَحِ، وَهَذِهِ الْمُفرَدَةُ لَمْ يَأْتِ ذِكْرُهَا فِي مَتْنِ الْقِصَّةِ، وَاقْتَصَرَتْ عَلَى الْعنْوَنَةِ. وَفِكْرَةُ الْقِصَّةِ الَّتِي تَتَلَخَّصُ فِي مُعَانَاةِ سَيِّدِةٍ فِي مَشْفَى الوِلَادَةِ تَنْتَظِرُ مَوْلُودَهَا، وَالْأَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَولُودُ ذَكَرًا؛ تَلْبِيَةً لِإرَادَةِ زَوْجِهَا:
( ناح صوت مرتجف في صدرها وهي تقبض بأسنانها على الشرشف بقوة حتى مزقته ، يارب ليكن ذكراً حتى لو كان الثمن حياتي … من أجل بناتي الثلاث ، يارب )
وَرَغْبَتُهَا هَذِهِ لَمْ تَكُنْ حُبًّا بِزَوْجِهَا، وَلَا رَغْبَةً خَالِصَةً بِالمَوْلُوْدِ الذَّكَرِ؛ وَإِنَّمَا خَوْفًا مِنَ الْعَوَاقِبِ الَّتِي تَنْتَظِرُهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُتَعَصِّبِ لِعَادَاتٍ وَتَقَالِيْدَ طَغَى عَلَيْهَا التَّخَلُّفُ وَالْجَهْلُ:
( وفي صدره هدر صوت مهدد ، أرتجف له شارباه الكتان ، لن تري وجهي ، أقسم بكل الأنبياء والرسل لو جاءت بنت رابعة … سأتركك هنا تتعفنين ، انتِ وابنتك يابنت ال… )
وَتَتَجَلَّى لَنَا صُوْرَةُ الْوَاقِعِ الْمَرِيرِ الَّذِي تُعَانِي مِنْهُ الْمَرْأَةُ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الشَّرْقِيَّةِ، وَالتَّمْيِيزُ الْمُتَخَلِّفُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ مُنْذُ الْوِلَادَةِ وَقَبْلَهَا، وَتَخْتِمُ الكَاتِبَةُ القِصَّةَ بِالاعْتِمَادِ عَلَى فعَالِيَّةِ الصُّوْرَةِ فِي التَّأثِيرِ كَمَا هُوَ نَهْجُ المُصَوِّرِ السِّيْنمَائِيِّ فِي عَمَلِيَّةِ التَّصْوِيْرِ، مِنْ خِلَالِ السَّرْدِ المُتَتَابِعِ لِلحِكَايَةِ فِي حبْكَةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ تُرَكِّزُ عَلَى الصُّورَةِ وَالأَفْعَالِ ذَاتِ الطَّبِيعَةِ البَصَرِيَّةِ مَعَ حِوَارٍ مُقتَضَبٍ بَيْنَ المُمَرِّضَةِ وَزَوْجِ بَطَلَةِ القِصَّةِ:
( يتيه بأحلامه، يوقظه صوت الممرضة تستدعيه..
- مبارك..
- ولد.. أليس كذلك؟
- بنت، مثل القمر..
دارت الأرض به،
كاد يسقط،
تفجّر رأسه دماً
وتهدّلت كتفاه...
وقبل أن يكرّر السؤال يخترق طابور النساء المتوجعات، كالبرق راكضاً إلى الشارع...
يضيع في الزحام.... )
٤ - قِصَّةُ (جُرْحٌ فِي أُمُوْمَتِي):
جَاءَتِ الْعنْوَنَةُ الْاسْمِيَّةُ لِرَسْمِ صُوْرَةٍ لِجُرْحٍ تُعَانِي مِنْهُ أُمُّ شَابٍ أَحَسَّتْ بِالنَّدَمِ عِنْدَ تَعَرُّضِ ابْنِهَا لِمُشْكِلَةٍ يُزَجُّ بِسَبَبِهَا فِي السِّجْنِ، وَنَدَمُهَا نَاتِجٌ عن عَدَمِ إِصْغَائِهَا لِابْنِهَا الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَهَا أَوْ يَطْرَحَ عَلَيْهَا مَشَاكِلَهُ، وَتُقَابِلُهُ بِعَدَمِ الْاهْتِمَامِ؛ بِسَبَبِ انْشِغَالِهَا بِمَشَاكِلِ الْحَيَاةِ وَالْغُرْبَةِ؛ مِمَّا يَجْعَلُهَا تَلُومُ نَفْسَهَا، وَتَعْتَبِرُ نَفْسَهَا سَبَبًا لِلْمَشَاكِلِ الَّتِي أَوْدَتْ بِابْنِهَا إِلَى السِّجْنِ:
( أرهقتها سنين الغربة ومسؤولية ابنتين مراهقتين تتخاصمان طوال الوقت، وأب لا وجود له إلاّ مخمورًا يشعل البيت نارًا بالصياح والسباب لأتفه الأسباب، حتى أصبحت هشّةً مثل سحابة صيف، أذرف الدموع بصمت وأندب حظّي! )
جَاءَ سَرْدُ الْأَحْدَاثِ بِشَكْلٍ مُتَتَابِعٍ: (بِدَايَة / وَسَط/ نِهَايَة)، وَالكَاتِبَةُ تَرْوِي لَنَا أَحْدَاثَ القِصَّةِ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ حتى نهايتُها لَحظة لِقاء ابْنها بِصورةٍ مَشْهَديةٍ مُكَثَفةٍ حَسب ما يَقتضيهِ بِناء وشكل القِصَة القَصيرة :
( رأيته قادمًا نحوي، احتضنني بقوّة أشعرتني أنه لم يعد ذلك الصبي الصغير الذي كان ملتصقًا بي كجلدي..
— أنا آسف يا امي، سبّبت لك الكثير من الألم.
اختنقت، حاولت أن أخرج تلك الغصّة التي تكسّرت في صدري، ولكن لم أجد ما اقوله سوى،
" انا السبب حبيبي.. أنا السبب.. ) .
ماجد حميد الغراوي
١- قِصَّةُ (هَلْوَسَة):
جَاءَتِ العَنْوَنَةُ مُفْرَدَةً نَكِرَةً، لَهَا مَدْلُولٌ سَايكُولُوجيٌّ خَاصٌّ بِالشَّخْصِيَّةِ المحْوَرِيَّةِ (الرَّئِيسِيَّةِ) لِلقِصَّةِ، وَمَدْلُولٌ عَامٌّ يُعْطِيهَا انْطِبَاعًا شَامِلًا عَنِ الْوَعْي بِإِحْسَاسٍ قَلِقٍ بِمَحْسُوسٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ بِالوَاقِعِ، أَوْ يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ مَا فِي ذِهْنِ شَخْصٍ دُوْنَ غَيْرِهِ.
فَتَبْدَأُ القِصَّةُ بِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ، أَوْ بِأُسْلُوبِ السَّرْدِ الذَّاتِيِّ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّاوِي الْمُشَارِكِ فِي الأَحْدَاثِ أَوِ الشَّاهِدِ عَلَيْهَا:
( أشباحٌ تطاردني، تحالفت مع سياطٍ من زخّات المطر، تُلهب ظهري، ووجه جواد مهشّماً، وجمله مبعثرةً، هي الأخرى تلاحقني، توصلني إلى الجحيم، وبيتنا هو أيضاً تآمر ضدّي، أين هو؟
المسافة إليه تزداد اتّساعاً
وكأنني أركض في اتجاهٍ معاكس ) .
نَرَى مِنَ السُّطُورِ الأُوْلِى لِلقِصَّةِ وَجْهَ جَوَادٍ مُهَشَّمًا، وَجُمَله مُبَعْثَرَةً؛ مِمَّا يَجْعَلُ المُتَلَقِّيَ أَمَامَ حَدَثٍ أَوْ حَادِثٍ لَهُ مُسَبِّبَاتُهُ؛ وَتَسَاقُطُ زَخَّاتٍ المَطَرِ الَّتِي تُصَاحِبُ الْقَلَقَ، وَتَجْعَلُ مِنَ المسَافَةِ إِلَى الْبَيْتِ تَتَّسِعُ؛ نَتِيجَةً لِحَالَةِ الضِّيْقِ وَالتَّعَبِ النَّفْسِيِّ الَّتِي تُعَانِي مِنْهَا الشَّخْصِيَّةُ الرَّئِيسِيَّةُ، لِنَعْرِفَ لَاحِقًا أَنَّ "جَوَادًا" هَذَا هُوَ عَمُّ الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَصْطَحِبُهُ عَلَى مَضَضٍ مِنْهُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ، فَيَتَعَرَّضَ لِحَادِثِ دَهْسٍ، وَيَغْدُو جِسْمًا مَمْدُودًا، غَارِقًا بِدَمِهِ، إِضَافَةً إِلَى أَحْدَاثٍ أُخْرَى لَهَا صَدًى سَلْبِيٌّ عَلَى الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ يَأْتِي سَرْدُهَا فِيْمَا بَعْدُ ضِمْنَ هَذِهِ الْهَلْوَسَةِ، وَهُوَ زَوَاجُ الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسيَّةِ مِنِ ابْنَةِ عَمِّهِ (مُوْحَةَ) الَّتِي تَمِيلُ إِلَى جَارِهِم (فَرْحَانَ) الَّذِي يُلَاحِقُهَا بِنَظَرَاتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ هُرُوْبهَا مَعَهُ تَارِكَةً زَوْجَهَا:
( ـ موحة لم تكن تمشي على الأرضِ بقدمين، بأجنحةٍ شفّافةٍ تطير، أحاول اللحاق بها، فلا أستطيع، ومن القفص طارت مع فرحان ) ...
نَرَى أَنَّ(الشَّخْصِيَّةَ الرَّئِيسِيَّةَ) الَّتِي لَمْ يُذْكَرِ اسْمُهَا فِي القِصَّةِ شَخْصِيَّةٌ بَسِيْطَةٌ فِي ظَاهِرِهَا، تَمَكَّنَتِ الكَاتِبَةُ مِنْ أَنْ تَجْعَلَ مِنْهَا شَخْصِيَّةً مُثِيْرَةً فِي صِرَاعِهَا مَعَ الْوَاقِعِ وَمَعَ قَلَقِهَا، وَفِي مُعَانَاتِهَا مِنْ تَدَاعِيَاتِ الْهَلْوَسَةِ حَتَّى النّهَايَةِ بِوُصُولِ (الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ) إِلَى أُمِّهِ لِيُنَبِّئَهَا بِمَوتِ (حَامِدٍ) بِالحَادِثِ الَّذِي بَدَأَتْ بِهِ السُّطُورُ الأُوْلَى لِلْقِصَّةِ، لِتُشَكِّلَ طَرِيقَةَ السَّرْدِ الانْعِكَاسِيِّ بِوَعْيٍ مِنَ الْكَاتِبَةِ بِبَوَاطِنِ الشَّخْصِيَّاتِ.
٢- قِصَّةُ (ثَأْر قَدِيم):
نَرَى فِي العَتَبَةِ الْأُوْلَى لِلْقِصَّةِ عَنْوَنَةً صُوْرِيَّةً ذَاتَ طَابِعٍ نَوْعِيٍّ جَاءَتْ بِصُورَةٍ وَاقِعِيَّةٍ لِأَحْدَاثِهَا الدِّرَامِيَّةِ، اخْتَزَلَتْهَا الْجُمْلَةُ الخَبَرِيَّةُ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ...
تَبْدَأُ الْقِصَّةُ بِوَصْفٍ دَقِيقٍ وَوَاقِعِيٍّ لِطَرِيقَةِ التَّعذِيبِ الَّتِي تَسْلُكُهَا السُّلْطَاتُ الْأَمْنِيَّةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ الْعَالَمِ، وَطَرِيْقَةِ التَّصفِيَةِ الْجَسَدِيَّةِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي عَانَتْ وَتُعَانِي ظُلْمَ وَعُنْصُرِيَّةَ الْمُجْتَمَعِ ضِدَّهَا، وَصُمُوْدِهَا بِوَجْهِ هَذَا الظُّلْمِ بِمُخْتَلَفِ أَشْكَالِهِ، وَمُقَاوَمَتِهَا المُسْتَمِرَّةِ لَهُ:
( - جرّدوها من ملابسها... علّقوها..صوته ليس غريباً عليها... اللّعنة... تكاد... ثمّ تغرق في جحيم الألم، لم تستطع أن ترى وجهه؛ فقد كان يستدير إلى الحائط بكرسيّه الهزّاز حين تدخل..).
فِيْمَا تَسْتَمِرُّ الْكَاتِبَةُ فِي تَحْفِيزِ الْمَعَانِي التَّضْمِينِيَّةِ لِلْفِكْرَةِ كَمَا نَرَى، لِتُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الصَّوْتَ هُوَ صَوتُ ابْنِ عَمِّهَا (مُهَنَّد) الَّذِي كَانَ يُلَاحِقُهَا، وَالَّذِي سَمِعَتْ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورَ السِّجْنِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ وَالِدُهَا... لِتَنْتَقِلَ بَعْدَ هَذَا السَّرْدِ إِلَى حِوَارٍ ذَاتِيٍّ (الْمُونُولُوج الْمُتَدَاخِل) خِلَالَ إِصَابَتِهَا بِالْغَيْبُوبَةِ أَثْنَاءَ التَّعْذِيبِ:
( انخلعت ذراعاي ونبت لي جناحان...
تبخّر جسدي قطرةً قطرة في الفضاء...
أحلّق، عالياً أحلّق...
ريحٌ عاتية تدفعني إلى الأعالي...
أرى أبي محلّقاً يبتسم لي، يحيط به سرب طيورٍ ترفرف بأجنحة كريستاليّة شفيفة...
أقترب منه أكثر... أكثر، يحتضنني...
الله! ما أعذب أن أكون طفلةً بين ذراعيه، يقبّلني، أتعلّق برقبته...
يداعب جديلتيّ؛ فأضحك بفرحٍ غامر...
تقترب الطيور منّي، تحيط بي )
كَمَا نَرَى هُنَا أَنَّ القِصَّةَ امْتَازَتْ بِتَعَدُّدِ الأَصْوَاتِ: (الْبَطَلَةِ، الجَلَّادِ، مَرْيَمَ، وَالِدِ البَطَلَةِ)، وَكُلُّهَا أَسْهَمَتْ فِي الْخِطَابِ الْأَدَبِيِّ دُوْنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ سَلْبَيٌّ فِي وَعْيِ البَطَلَةِ (الشَّخْصِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ)، وَدَوْرِهَا؛ وَهَذَا مَا يَجْعَلُنَا نَقِفُ ثَانِيَةً نَتَأَمَّلُ كُلَّ هَذِهِ الأَصْدَاءِ الَّتِي تَقْتَرِنُ بِصَوتِ الْكَاتِبَةِ الَّذِي تَوَغَّلَ فِي كَشْفِ جَوْهَرِ الْوَاقِعِ، وَعَدَمِ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْوَاقِعِ الْخَارِجِيِّ لِلْأَحْدَاثِ بِتقَانَاتِهَا التَّعْبِيرِبَّةِ، مِثْلِ: (الْمنُولُوجِ ).
وَنَرَى التَّأْثِيرَ الفَاعِلَ فِي إِنْهَاءِ القِصَّةِ بِحِوَارِيَّةٍ دِرَامِيَّةٍ رَائِعَةٍ :
( تمتثل أمامها مريم بوجهها الجميل الذي شوّهوه، فوزية التي حلقوا جدائلها الطويلة واقتلعوا أظفارها، خالد، سعاد و و و
كلّهم نوارس حرّة تحلّق الآن في السماء.
— ستخرجين لحظة تخبريننا عن اسم المسؤول في تنظيمك، أعدك بشرفي...
لم تستطع أن تكتم ضحكتها، ساخرةً صاحت:
— عن أيّ شرف تتحدّث يا قاتل عمّك والضحايا الآخرين...؟
— أيتها الكلبة القذرة، ستموتين هنا متعفّنةً تنهشك الجرذان، خذوها إلى زنزانتها وغداً لنا معها فصلٌ جديد...
لا تدري أيّة قوّةٍ خارقة تلبّستها فجأةً، تلملم نزيف ريقها الناشف.... تبصقه في وجهه دماً متخثّراً بالحقد والاحتقار..)...
٣- قِصَّة (زغْرُودَةٌ حَزِينَةٌ):
تَأْخُذُنَا الْعنْوَنَةُ الْوَصْفِيَّةُ لِلْقِصَّةِ إِلَى رُؤْيَةٍ تَحْلِيلِيَّةٍ لِلزغْرُودَةِ الَّتِي هِيَ صَوتٌ تُصْدِرُهُ النِّسَاءُ غَالِبًا بِمُنَاسَبَاتِ الْأَفرَاحِ وَالأَعْرَاسِ وَالْمَوَالَدِ وَالْخِتَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْوَاضِحُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ أَنَّ الزّغْرُودَةَ هُنَا طَغَى عَلَيْهَا طَابعُ الْحُزْنِ بَدَلًا مِنَ الْفَرَحِ، وَهَذِهِ الْمُفرَدَةُ لَمْ يَأْتِ ذِكْرُهَا فِي مَتْنِ الْقِصَّةِ، وَاقْتَصَرَتْ عَلَى الْعنْوَنَةِ. وَفِكْرَةُ الْقِصَّةِ الَّتِي تَتَلَخَّصُ فِي مُعَانَاةِ سَيِّدِةٍ فِي مَشْفَى الوِلَادَةِ تَنْتَظِرُ مَوْلُودَهَا، وَالْأَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَولُودُ ذَكَرًا؛ تَلْبِيَةً لِإرَادَةِ زَوْجِهَا:
( ناح صوت مرتجف في صدرها وهي تقبض بأسنانها على الشرشف بقوة حتى مزقته ، يارب ليكن ذكراً حتى لو كان الثمن حياتي … من أجل بناتي الثلاث ، يارب )
وَرَغْبَتُهَا هَذِهِ لَمْ تَكُنْ حُبًّا بِزَوْجِهَا، وَلَا رَغْبَةً خَالِصَةً بِالمَوْلُوْدِ الذَّكَرِ؛ وَإِنَّمَا خَوْفًا مِنَ الْعَوَاقِبِ الَّتِي تَنْتَظِرُهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُتَعَصِّبِ لِعَادَاتٍ وَتَقَالِيْدَ طَغَى عَلَيْهَا التَّخَلُّفُ وَالْجَهْلُ:
( وفي صدره هدر صوت مهدد ، أرتجف له شارباه الكتان ، لن تري وجهي ، أقسم بكل الأنبياء والرسل لو جاءت بنت رابعة … سأتركك هنا تتعفنين ، انتِ وابنتك يابنت ال… )
وَتَتَجَلَّى لَنَا صُوْرَةُ الْوَاقِعِ الْمَرِيرِ الَّذِي تُعَانِي مِنْهُ الْمَرْأَةُ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الشَّرْقِيَّةِ، وَالتَّمْيِيزُ الْمُتَخَلِّفُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ مُنْذُ الْوِلَادَةِ وَقَبْلَهَا، وَتَخْتِمُ الكَاتِبَةُ القِصَّةَ بِالاعْتِمَادِ عَلَى فعَالِيَّةِ الصُّوْرَةِ فِي التَّأثِيرِ كَمَا هُوَ نَهْجُ المُصَوِّرِ السِّيْنمَائِيِّ فِي عَمَلِيَّةِ التَّصْوِيْرِ، مِنْ خِلَالِ السَّرْدِ المُتَتَابِعِ لِلحِكَايَةِ فِي حبْكَةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ تُرَكِّزُ عَلَى الصُّورَةِ وَالأَفْعَالِ ذَاتِ الطَّبِيعَةِ البَصَرِيَّةِ مَعَ حِوَارٍ مُقتَضَبٍ بَيْنَ المُمَرِّضَةِ وَزَوْجِ بَطَلَةِ القِصَّةِ:
( يتيه بأحلامه، يوقظه صوت الممرضة تستدعيه..
- مبارك..
- ولد.. أليس كذلك؟
- بنت، مثل القمر..
دارت الأرض به،
كاد يسقط،
تفجّر رأسه دماً
وتهدّلت كتفاه...
وقبل أن يكرّر السؤال يخترق طابور النساء المتوجعات، كالبرق راكضاً إلى الشارع...
يضيع في الزحام.... )
٤ - قِصَّةُ (جُرْحٌ فِي أُمُوْمَتِي):
جَاءَتِ الْعنْوَنَةُ الْاسْمِيَّةُ لِرَسْمِ صُوْرَةٍ لِجُرْحٍ تُعَانِي مِنْهُ أُمُّ شَابٍ أَحَسَّتْ بِالنَّدَمِ عِنْدَ تَعَرُّضِ ابْنِهَا لِمُشْكِلَةٍ يُزَجُّ بِسَبَبِهَا فِي السِّجْنِ، وَنَدَمُهَا نَاتِجٌ عن عَدَمِ إِصْغَائِهَا لِابْنِهَا الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَهَا أَوْ يَطْرَحَ عَلَيْهَا مَشَاكِلَهُ، وَتُقَابِلُهُ بِعَدَمِ الْاهْتِمَامِ؛ بِسَبَبِ انْشِغَالِهَا بِمَشَاكِلِ الْحَيَاةِ وَالْغُرْبَةِ؛ مِمَّا يَجْعَلُهَا تَلُومُ نَفْسَهَا، وَتَعْتَبِرُ نَفْسَهَا سَبَبًا لِلْمَشَاكِلِ الَّتِي أَوْدَتْ بِابْنِهَا إِلَى السِّجْنِ:
( أرهقتها سنين الغربة ومسؤولية ابنتين مراهقتين تتخاصمان طوال الوقت، وأب لا وجود له إلاّ مخمورًا يشعل البيت نارًا بالصياح والسباب لأتفه الأسباب، حتى أصبحت هشّةً مثل سحابة صيف، أذرف الدموع بصمت وأندب حظّي! )
جَاءَ سَرْدُ الْأَحْدَاثِ بِشَكْلٍ مُتَتَابِعٍ: (بِدَايَة / وَسَط/ نِهَايَة)، وَالكَاتِبَةُ تَرْوِي لَنَا أَحْدَاثَ القِصَّةِ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ حتى نهايتُها لَحظة لِقاء ابْنها بِصورةٍ مَشْهَديةٍ مُكَثَفةٍ حَسب ما يَقتضيهِ بِناء وشكل القِصَة القَصيرة :
( رأيته قادمًا نحوي، احتضنني بقوّة أشعرتني أنه لم يعد ذلك الصبي الصغير الذي كان ملتصقًا بي كجلدي..
— أنا آسف يا امي، سبّبت لك الكثير من الألم.
اختنقت، حاولت أن أخرج تلك الغصّة التي تكسّرت في صدري، ولكن لم أجد ما اقوله سوى،
" انا السبب حبيبي.. أنا السبب.. ) .
ماجد حميد الغراوي