خيري حسن - هيكل.. وكيسنجر.. و (الكفتة)!

"شرفت يا نيكسون بابا
يابتاع الووترجيت
عملولك قيمة وسيما
سلاطين الفول والزيت"
(القاهرة - 1974)
فى خريف ذلك العام - وبالتحديد فى صباح يوم 3 سبتمبر / أيلول - تم القبض على الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم ومعهما سبعة عشر آخرين. وحققت معهم نيابة أمن الدولة العليا - بعد 48 ساعة قضوها فى معتقل القلعة - بتهمة عرفت وقتها إعلامياً باسم قضية أغنية(نيكسون بابا) وهى كلمات كتبها نجم وغناها الشيخ إمام رداً على زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون للقاهرة، فيما عرف- حينذاك - بالتمهيد لاتفاقية السلام تحت الرعاية الأمريكية، وحل أزمة الشرق الأوسط!
°°°
"فرشولك أوسع سكة
من رأس التين على مكة
وهناك تنفذ على عكا
ويقولوا عليك حجيت"
( مكتب التحقيق - بعد مرور 40 دقيقة)
المحقق: أنت مُتهم بنشر قصائد تبث الكراهية والسخط فى نفوس الجماهير؟
رد نجم:" غير صحيح، وأنا أري هذا الكلام الذي ينشره( على ومصطفى أمين) وصالح جودت، وأمثالهما، هو الذي يبثُ الكراهية فى نفوس الناس، ضد ثورة يوليو ومنجزاتها"!
(كانت الصحف المصرية قد بدأت حملة صحفية، يومية، ممنهجة، ومدبرة، ضد التأميم، والسد العالى، والقطاع العام، وتحالف قوي الشعب العامل).
المحقق: ما هو موقفك من نظام الحكم القائم ومن سياسة الدولة الخارجية والداخلية؟
- رد نجم: «أنا مع الاشتراكية والميثاق وبيان 30 مارس، والاتجاه إلى تعميق الحريات وإرساء سيادة القانون"
ثم أضاف قائلاً: «زائد كل ما سبق، يوجد.. ويحدث فى كل أجهزة الدولة، فساد، وانحراف، ورشوة، وسرقات، وتخريب خاصة فى الثقافة"!
المحقق: ( موجهاً كلامه للشيخ إمام) وأنت متهم بالصياح والاستهزاء - بالغناء - ضد سياسة الدولة ومصالحها العليا؟
- الشيخ إمام:" محصلش...أنا بغني للناس.. وبحب الناس.. وعايش للناس"!
- المحقق: "ما هو القصد من بعض التعبيرات الشعرية في قولك: «سلاطين الفول والزيت»/ و«فرشوا لك أوسع سكة/ من رأس التين على مكة»؟
رد نجم: «المقصود بـ«سلاطين الفول والزيت»: دي شتيمة مهذبة للشتيمة الشعبية «ابن سلاطين الكلب»، وأقصد بـ«اللى فرشوا له السكة» عملاء أمريكا الذين بالغوا فى الحفاوة بـ«نيكسون».
°°°
"جواسيسك يوم تشريفك
عملولك دقة وزار
يتقصع فيه العايق
والساكت والمندار"
( القاهرة - 1973 )
"ونيكسون بابا" هذا - حسب وصف نجم والشيخ إمام - هو الرئيس الأمريكي(ريتسارد نيكسون) الذي قاد - حسب تقدير محمد حسنين هيكل فى كتابه ( الحل والحرب! ) الخطوة الأولى فى الدور الأمريكي لحل أزمة الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر من نفس العام.
ونيكسون بابا هذا - كما وصفته أربعة كتب ظهرت فى أمريكا فى تلك الفترة هى:( كل رجال الرئيس- الأيام الأخيرة- قبل السقوط - خيانة الأمانة) هو رئيس" ارتشي فى مكتبه بالبيت الأبيض. وهو رئيس كذب تحت القسم واليمين. وهو رئيس زور أوراقاً رسمية فى الدنيا والتاريخ. وهو رئيس اتخذ قرارات بالغة الأهمية بالنسبة لمصائر شعوب وهو فى حالة (سُكر بيَّن) التوي معها لسانه حتي استعصي عليه النطق"!
°°°
"والشيخ شمهورش راكب
ع الشعب وهات يامواكب
وبواقي الزفة عناكب
ساحبين من تحت الحيط"
(البيت الأبيض - 1974)
فى صباح يوم غائم من ذلك العام المُلتهب دخل هنري كيسنجر وزير الخارجية على الرئيس نيكسون مكتبه، فوجده يخاطب صور أسلافه فى رئاسة الولايات المتحدة (وهو سكران) ويخاطبهم نادباَ حظه العاثر ويبكي. شعر نيكسون بأن كيسنجر دخل عليه القاعة..فقال والدموع تسيل على خديه:" هنري...هنري..." ثم بعد حوار قصير بينهما قال له:" لماذا فعلوا بي هكذا.. ماذا فعلت أنا"! ثم زحف نيكسون - رئيس أمريكا - على الأرض، ورمي نفسه على بساط الحجرة ثم قام ورمي نفسه مرة أخري على هنري كيسنجر حتي وقع الاثنان على الأرض. نيكسون لا يزال يصرخ ويبكي..وهنري صامت فى ذهول حتي انتهي هذا المشهد المأساوى العجيب!
فى المساء اتصل نيكسون هاتفياَ وقال لكيسنجر ولسانه ثقيل من كثرة ما احتسي من الخمر:" هنري.. لا تقل لأحد عما حدث فى المكتب اليوم"!
°°°
"خد مني كلام يبقى لك
ولو أنك مش ح تعيش
لا حأقول أهلاَ ولا سهلاَ
ولاتيجي ولا ماتجيش"
( الخارجية - صباح اليوم التالى)
فى مكتبه يجلس الآن هنري كيسنجر يراجع بعض الملفات أمامه، عندما دخل عليه سكرتيره قائلاً:" إن الرئيس يطلبك لتذهب إليه فى مكتبه الآن!
رد كيسنجر:" قل لرئيسك..( الكفتة) !! إننى سأذهب إليه بعد عشر دقائق"! ثم أغلق الملفات، ونظر فى سقف الحجرة مدة طويلة.. بعدما طلب من سكرتيره أن يخرج ويغلق خلفه الباب.. لكن من غير المؤكد - حتي الآن - أن يكون هنري كيسنجر ذلك السياسي اليهودى الداهية المنحاز إلى إسرائيل دائماً قد ذهب إليه بعد 10 دقائق، أو ذهب إليه بعد 10 أسابيع، أو ذهب إليه بعد 10 شهور، أو ذهب إليه بعد 10 سنوات. لكن المؤكد - بشواهد، وحقائق، ووقائع ما حدث فى منطقة الشرق الأوسط من ذلك العام وحتي اليوم - إنه استغله أسوأ استغلال فى أن يكون هو - أي هنري كيسنجر - كما قال لهيكل فى جلسة غير رسمية كانت على نيل القاهرة ( فى فندق هيلتون):" أنا أملك كامل سلطات الرئيس فى مجال السياسة الخارجية الأمريكية "!
°°°
"بيقولوا اللحم المصري
مطرح مابيسري بيهري
وده من تأثير الكشري
والفول والسوس أبو زيت"
( القاهرة - 2022)
وعندما يهل علينا خريف هذا العام ومعه ذكريات، ومناورات، ولقاءات، واتفاقيات، تلك الأيام ( التى بدأت فى خريف 1973 ) فإننا نتذكر تلك المرحلة السياسية الخطيرة التى أعلن فيها الرئيس الراحل أنور السادات:" إن أوراق اللعبة السياسية كلها - فى الشرق الأوسط - 90% منها فى يد أمريكا".!
أمريكا( التى كان رئيسها باعتراف وزير خارجيته) - حسبما ذكر هيكل فى سلسلة مقالات له نُشرت خارج مصر سنة 1976 بعنوان:" إلى أين.. من هنا؟ " قال فيها - على لسان هنري كيسنجر - أن ريتشارد نيكسون رئيس (كفتة)! و ( سكران )!
هذه الذكريات، والحكايات، والسياسات - بدواعي ليال الخريف الهادئة، والعاصفة أحياناَ - تجعلنا نتذكر بالفخر والسعادة، رؤية وبصر أحمد فؤاد نجم. وذكاء وبصيرة الشيخ إمام عندما غنوا (واعتقلوا بسبب ذلك) لنيكسون بابا.. وللسياسة الأمريكية فى ذلك الزمان...وفى كل زمان:
" أهو مُولد
ساير
داير
شيلاه
يا صحاب البيت"
... البيت الأبيض... طبعاَ!!!
•خيري حسن.
------------------------
• الأحداث حقيقية.. والسيناريو من خيال الكاتب.
• الشعر المصاحب للشاعر أحمد فؤاد نجم.
المصادر:
• كتاب: شاعر تكدير الرأي العام / صلاح عيسي. طبعة الشروق / 2008.
• كتاب: الحل والحرب! / محمد حسنين هيكل. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر / بيروت - 1985 الطبعة الخامسة.
• رابط أغنية :
" شرفت يا نيكسون بابا"
نجم / الشيخ إمام.

https://youtu.be/bh4fiRgD38s




1662837962835.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى