د. محمد عباس محمد عرابي - التعليل الصوتي في كتاب سيبويه للباحث عادل الحسّانــي

في إطار عرض الدراسات التي أجريت حول كتاب سيبويه نقدم دراسة:
التعليل الصوتي في كتاب سيبويه-دراسة في ضوء علم اللغة الحديث –أطروحة تلك الدراسة التي تقدّمَ بها الباحث /عادل نذيـر بيــري عـزيز الحسّانــي إلى مجلس كلية الآداب في جامعة بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة دكتوراه فلسفة في اللغة العربية وآدابها بإشراف الأستاذة الدكتورة/خديجة عبد الرزاق الحديثي1427 هـ / 2006م، وفيما يلي نص محتويات الدراسة ونتائجها كما ذكرها الباحث عادل الحسّانــي نقدمها على النحو التالي:
*محتويات الدراسة:
بداية بين الباحث أن كتاب سيبويه هو هذا السفر العظيم الذي أقامه العالم الجليل في ساحة الخلود أثرًا، وأرسله مع الأيام ذكرًا، وادخره للعربية كنزًا، وندبه في العالمين شاهدًا على براعته فيها، ونفاذه إلى أسرارها، وإمامته في الاشتراع لها، وضبط أصولها على نحو يعز نظيره في الأولين والآخرين شمول إحاطة وبراعة أستاذية، وسلامة تحليل، وصدق نظر، وصحة حكم، وليس لنحوي قديم ولا حديث يجاري كتاب سيبويه، أو يدانيه "
ويرى الباحث أن التعليل الصوتي يتطلب معرفة الآلية والإجراء الصوتي الذي يعتمده اللغوي بغية الوصول إلى الحكم؛ لأن العلة ركنٌ من أركان القياس، وإليها يستند الحكم عند واضعه، فضلاً عن كونها مصدر إقناع لدى المتلقي، فهي تتكفل بوضع التفسير المنسجم وطبيعة اللغة.
فقد ألمَّ الباحث بطبيعة الدرس الصوتي ، فضلاً عما يمكن الإسهام به في هذا الميدان من توضيح الأسس المعرفية المعتمدة عند العرب في وضع القاعدة أو الحكم ، أو الصفة الصوتية ، ومن ثم محاولة التعرف على مدى صمود تلك الأسس أمام معطيات الدرس اللغوي الحديث ،ولاسيما الصوتي منه ، ذلك الدرس الذي كان أكثر مستويات اللغة موضوعية وواقعية ؛ لأن اللغوي يستطيع أن يدخل معه إلى المختبر ، ومن ثم فإن مصاديقه أكثر علمية من غيرها ، ولاسيما انَّ النتائج في الدرس الصوتي أكثر النتائج اللغوية عرضة إلى الاختبار والتأكد ، ولذا لم تغب عن الباحث معالجة معطيات الدرس الصوتي القديم في ضوء علم اللغة الحديث .
وتتكفل الدراسة بتحديد الأصول التي عنها تمتد كثير من الإسهامات الصوتية في العربية، إذ إنَّ الكتاب هو مظنة دارسي العربية، ومنه نقطة الانطلاق، وإليه – إذا اختلفوا – يرجعون، ولذا رأى الباحث أن يكـون عنوان الأطروحة: (التعليل الصوتي في كتاب سيبويه) لا التعليـل الصوتي عند سيبويه؛ لأن الكتاب إنَّما جاء بفكر مرحلة من مراحل العربية، ويشهد على ذلك الحضور الوافر -في الكتاب -للمسموعات والمرويات عن شيوخ العربية، ولاسيما الخليل، ويونس، وأبو عمرو بن العلاء، وعبد الله بن اسحق.
وفيما يلي عرض لمكونات الدراسة:
تكونت الدراسة من أربعة فصول تسبقها مقدمة، وتتلوها خاتمة بالنتائج والتوصيات.
الفصل الأول:
سعى إلى الكشف عن منهج سيبويه في التعليل الصوتي ,ولعلَّ تغليب ما يُسمى بالتعليل النحوي في الدراسات اللغوية وتكون من:
المبحث الأوّل: تأصيل المصطلح (ًالتعليل الصوتي):
كانت الدراسة فيه يتعلق بـ (التعليل الصوتي في كتاب سيبويه، المنهج والاتجاهات)، وكان من الواجب توضيح المصطلح (= التعليل الصوتي) عما علق به من مستويات التعليل اللغوي ، ولاسيما النحوي والصرفي ، وتحقَّقَ ذلك من متابعة أصول التعليل ومفهومه حتى طالته أذهان النحاة ، وأياديهم ،
المبحث الثاني: الخصائص الأسلوبية للمنهج الذي يمارسهُ سيبويه في التعليل:
حيث تحدث الباحث عن خصائص التعليل الصوتي بالنظر إلى الكيفية التي تحدد بها العلة في الكتاب، والأساليب التي يمكن بواسطتها تأشير مواطن التعليل، وفيما إذا كانت العلة مرافقة للحكم أو سابقة عليه أو لاحقة له، ومن ثم يكون القارئ على بينة من الآلية التي تم في ضوئها اختيار النص على انه نص تعليلي،
المبحث الثالث: اتجاهات التعليل الصوتي التي انفرَدَ بها كتاب سيبويه
الفصل الثاني: (التعليل الصوتي في مستوى الصفات)
وقد اشتمل على المباحث الآتية:
  • المبحث الأول: تعليل الصفات السمعية:
  • وفيه تحدث الباحث عن مواطن تعليل الصفات التي اتصفت بها الأصوات من خلال الأثر السمعي المرافق لها بشكل يفوق الأثر النطقي.
  • المبحث الثاني: تعليل الصفات النطقية:
  • وفيه وقف الباحث على مواطن تعليل الكتاب للصفات النطقية التي اتصفت به مجموعة من أصوات العربية.
  • المبحث الثالث: تعليل الصفات المخرجية:
  • وفيه وقف الباحث على تعليل الصفات التي تلحق بالصوت باعتبار نقطة انطلاق هذا الصوت من مخرجه.
* الفصل الثالث :( التعليل الصوتي في مستوى الصوائت):
وفيه تم رصد التعليل الصوتي المرافق لكل حكم من أحكام الظواهر الصوتية المؤسسة على الطبيعة التعاملية للصوائت، واشتمل على:
  • المبحث الأول: التعليل الصوتي لمظاهر الإمالة.
  • المبحث الثاني: التعليل الصوتي لمظاهر الإعلال.
الفصل الرابع (التعليل الصوتي في مستوى الصوامت):
وفيه تم الحديث عن التعامل الصوتي للصوامت العربية من خلال أبرز مبحثين فيهما؛ الأثر السياقي والأدائي لتلك الأصوات، وعليه توزع الفصل على النحو الآتي:
  • المبحث الأول: وفيه التعليل الصوتي لمظاهر الإبدال.
  • المبحث الثاني: وفيه التعليل الصوتي لمظاهر الإدغام.
نتائج الدراسة:
توصلت الدراسة للكثير من النتائج نذكر منها على سبيل المثل بعضًا منها مما ذكره الباحث بنصه على النحو التالي:
  • إنَّ الناظر إلى نهج سيبويه في تعليل مظاهر الإدغام في الأصوات المتقاربة يكتشف أنَّه يعمد إلى المجاميع الصوتية المتوسطة ، لأنها توفّر له الفرصة في تعليل مظاهر الإدغام بتغليب بعض الصفات على بعض ، بل قد تغلّب الصفة على المخرج فضلاً عن أنَّ هذه المجموعات تراعي كون بعض الأصوات منطقة ريط واتصال بين أصوات متباعدة ، فالزاي مثلاً تحتل موقعًا وسطًا بين مجموعة الصاد والسين مكوّنة بذلك المجموعة الصفيريّة ، ومجموعة أخرى تتكون من الدال والثاء والظاء تشترك فيها الزاي والظاء في الجهر ، ويقترب صوت الثاء من هذه المجموعة من صوتي السين والصاد لاشتراكه معهما في صفة الهمس .
  • إنَّ الكتاب لم تتوافق فيه الأحكام والتعليلات ابتداءً ، وإنما جاء بعد مرحلة استقرار الكثير من المفاهيم والقواعد التي أريد صيانتها وتسويغها ، وإلا لماذا تزّاور أضواء التعليل مع بعض الظواهر الصوتية ذات اليمين وذات الشمال ، ولاسيما مع الظواهر الصوتية التي تشهد حضورًا سياقيًا وأدائيًا مما يجعلنا نقف مستفهمين بين الفينة والأخرى ، ويرى الباحث أنَّ ذلك ناجم من حرص سيبويه على عدم تشويه القاعدة ، وعليه لا ينبغي للألف – مثلًا – أن تكون ساكنة إذا وليها متماثلان متحركان لأن ذلك إنما يتعارض وشرط الإدغام ( = سكون الأول ) إذ يتحقق التقاء الساكنين ، ويجب التخلص منه حينئذ بحذف الأول أو تحريكه ، والألف لا تقبل الحركة ، وقد عدّها سيبويه - من قبل – حركة عندما لم تعترضه القاعدة ، وعندي أن لا ضير في ذلك على سيبويه ولا تثريب لأنَّ الكتاب وإنْ جاء لاحقًا – أي بعد استقرار كثير من المفاهيم – يبقى صورة من معطيات مرحلة التأسيس .
  • لم يكن الكتاب من الأمالي، فقد لاحظ الباحث أن الكتاب أعدّ له إعداد باحث يدلنا على ذلك كثرة الإحالات والتنبيهات على ما سيأتي، أو إلى ما تقدّم.
  • التأسيس لمفاهيم جديدة تنضوي تحت موضوع الإدغام من خلال نمطين أسميى الباحث الأول سطحي، والثاني تحتي، أما الأول: فيتضمن الإدغام المكاني والزماني، وأما الثاني فيتضمن الإدغام العروضي والمقطعي. والحق أنَّ الضوء كان مسلطًا على أول الأنواع، وهو الإدغام المكاني، فقد بقيت الأنواع الأخرى ميدانًا للدرس لمن يريد الوقوف على خفايا هذا الموضوع من زواياه المختلفة.
  • إمكانية أن تكون الهمزة أصل الأصوات، وإن الاستعداد النطقي لها هو أصل الأصوات، والمنعم النظر في أصوات العربية نطقًا وصفات وتعاملات كثيرًا ما يجد الأصوات تتلوّث بالهمزة إلى الحد الذي لا تخلو فيه الدراسات اللغوية المهمة؛ القديمة منها والحديثة من باب عريض يسمّى باب الهمز، وعليه يمكن القول باحتمال أن تكون الهمزة أصل الأصوات لاعتبارات ذكرت في موضعها من هذا البحث.
  • لم يصرح سيبويه بلفظة (العلّة) إلا نادرًا قياسًا إلى ما توافر من مبحث (التعليل) في الكتاب، ومرد ذلك – بحسب ما أراه – إلى الغاية التعليمية التي جاء من أجلها الكتاب، ولاسيما أنَّ التعليم من أدواته بسط الأمور وتسهيلها إلى الحد الذي يستطيع المتلقي من خلاله إدراك غاية ما يتعلمه، وسبر أسراره .
  • لم يخلُ الكتاب في مجموع نسخه من الإشارة إلى استدلال سيبويه بالقراءات الشاذة، وتعليلها، أو توظيفها في التعليل، وإذا كان هذا حال سيبويه مع القراءات الشاذة، فالباحث على خلاف مع الدكتور أحمد مكي الأنصاري الذي يرى أن سيبويه لم يعتد بالقراءات القرآنية
  • على الرغم من هيمنة الخليل – بوصفه مرجعًا رئيسًا للكتاب – إلا أنَّ الموضوعية دفعت سيبويه إلى الانتصار لآراء غيره من العلماء.
  • لم يكن التعليل يتصدى للمسائل الصوتية وحسب، وإنما كانت له اتجاهات ترافق مستويات الأداء اللغوي؛ أعني الصرف والنحو والدلالة واللهجات.
  • في ضوء نصوص الكتاب خلصت الدراسة إلى أنَّ العلة الغائية للإدغام هي العمل من وجه واحد، فضلاً عن التخلص من معاودة استعمال اللسان من موضع واحد، ففي ذلك جهد عضلي لا يخفى على من يتصوّر ذلك باختبار كلمة يتردد فيها الصوتان المتماثلان بشكل متلاصق.
  • التعليل الصوتي لا يعني التلازم الحتمي بين العلة والمعلول، فإذا تدافعت الغايتان الأدائية والدلالية في سياق صوتي يحقق الإدغام، فإنَّ المؤدي سيتجشّم عناء الأداء الثقيل تحقيقًا للغاية الدلالية، لأن مهمة اللغة مهمة إبلاغيّة لا نظميّة.
  • سجّل البحث مفارقة، وهي أن سيبويه كان يحمل ما يجري من الإدغام في (حيَّ) على ما يجري في ( ودَّ ) ، بعد أن أخرج الياء الثانية في ( حيِيَ ) من دائرة المعتل إلى دائرة الصحيح بفعل ملازمة الحركة لها ، غير أنَّه قال بوجوب إدغام ( ودَّ ) وجواز الإدغام في ( حيَّ ) على الرغم من أنَّ كلا المثالين أخضعهما لقوله " ما كانت عينه ولامه من موضع واحد ، فإذا تحرّكت اللام منه وهو فعل ألزموه الإدغام " .
  • في ضوء نصوص الكتاب، أسس البحث لمفاهيم صوتية أهملها القدامى والمحدثون، وإذا التفتوا إليها فإنهم يذكرونها بمسميات أخر، وتلك المفاهيم هي (المعاودة) و ( المهلة ) .
  • على الرغم من تحقق شروط الإدغام الأدائية فقد سجّلت الدراسة علّتين يمتنع إدغام المتماثلين المتصلين بوجودهما.
  • في إدغام الأصوات المتقاربة قسّم سيبويه الحديث عنها إلى ثلاثة مستويات هي:
      • الأصوات التي لا تدغم.
      • الأصوات التي لا تدغم في مقاربها، ويدغم المقارب فيها
      • الأصوات التي يدغم بعضها في بعض.
  • لم يكن التأثير لأصوات الميم والراء والفاء والشين تأثيرًا تقدميًا، وإنما كان تأثيرها رجعيًا عند تلي الأصوات المقاربة لها.
  • وضع سيبويه معايير خاصة لتجويز إدغام لام (هل ، وبل ) وهي : الأحسن ، والجائز ، والضعيف ، والأضعف ، والأقبح .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى