المكان أسبق من الوطن، هو أقرب إلى الطبيعة فهو ما قبل الدول والسياسة والملكية الخاصة والأمم والقوميات، هو الشق الآخر من المقولة الفلسفية الإنسانية التاريخية “المكان والزمان” . ومع انتقال البشرية إلى السياسة عبر أو بواسطة أنماط إنتاج أثرت بها في الطبيعة أو الحيز فحوَّلته إلى فضاء تتحكم به تسحقه وتعيد إنتاجه، لكنه مع ذلك يبقى مكاناً.
ولم يتحول المكان إلى وطن إلا بعد انتقال البشرية إلى الاجتماع وتبلور الشعوب وتحول القبائل إلى أمم، ومن ثم تبلور الشعور القومي، وكل هذا مرتبط أساساً بالصراع بين الأمم مما يخلق الوطنية إلى جانب المواطنة بالطبع.
تأسس التناقض على الملكية الخاصة بالمعنى الفردي، ومع تبلور الدول، لِنَقُل بداية في العراق قبل ستةآلاف سنة تحول المكان الذي تُقام عليه الدولة أو الإمبراطورية إلى وطنٍ بمعنى حصره للمجتمع البشري الذي يعيش عليه ومنه. وبالتالي صار الدفاع عنه واجباً. واشتد التمسك بالوطن نظراً لتوسع دولة ضد أخرى فصار لا بد من الدفاع عن المكان المتحول إلى وطن وخاصة لأن البقعة التي تسيطر عليها دولة ما هي مصدر عيشها وبقائها وعليه، فالدفاع عن الوطن هو دفاع عن الوجود في عالم المصالح والمطامع والصراع.
يشتمل الدفاع عن الوطن على كل الوطن صغيرا كان أم كبيراً وعلى كل قطعة منه مهما كانت مساحتها لأن الأمر أمر حق وليس أمر صفقة تُعقد.
بعض الكتاب والأحزاب، في زعم أنهم أمميون أو إنسانيون، يجادلون بأن الحرص على وجود وطن هو ضرب من الملكية الخاصة والشوفينية حيث يرفضون مسألة الوطن بحجة فهمهم الخاص للشيوعية والإنسانية. وهم بهذا يحرفون المسألة عن سياقها التاريخي والحدثي من حدث.
لكن هؤلاء والذي يمكننا تسميتهم “كوزموبولتيين” لا ينتمون إلى وطن ولا إلى مشروع سياسي، وبالتالي يُعفون أنفسهم من أي صراع أو نضال دفاعاً عن من طُردوا من وطنهم، وهذه حُجَّة مريحة لهم. فهم يتجاهلون بأن احتلال وطن شعب معين هو مثابة إفناء لذلك الشعب ولصالح شعب أو نظام معتدٍ.
في سياق النظر للوطن كَ مكان وربط ذلك بأن الوطن هو ملكية خاصة وبالتالي فالشيوعي يجب أن لا يتمسك بالوطن/الأرض لأن الشيوعية تدعو إلى إلغاء الملكية الخاصة.
كما يتذرع بعض الشيوعيين بمقولة ماركس “العمال لا وطن لهم” مع أن المقصود بهذا أن كل العالم وطنهم، ولذلك قال للعمال: “أمامكم عالم كي تربحوه”
والحقيقة أن خطاب أل-لا-وطن هو:
• إما خطاب خبيث لتبرير اغتصاب طرف محتل لوطن شعب جرى طرده/حالة فلسطين
• أو ناجم عن سذاجة وتخلف فكري نظري وانبهار بخطاب خبيث.
هذا ما جرى لكثير من الفلسطينيين، “ومنهم كاتب هذه السطور في بدايات الوعي” الذين جرى تشويه وعيهم بأن الوطن ليس مهماً حتى لو احتله الصهاينة لأن الاشتراكية تحل الموضوع.
وبهذا جرت التعمية على حقائق هامة ومفصلية:
• لماذا قامت الإمبريالية بدعم الصهيونية لتحتل فلسطين وتقتلع شعبها مع أن اليهود أتوا من مئة قومية وكانوا يعيشون كمترفين وحتى متحكمين بالثروة هناك.
• جرى اضطهاد اليهود في بلدان معينة، ولكن ليس الحل بأن يتم سحق الشعب الفلسطيني لصالح اليهود بل يجب حل قضاياهم في بلدانهم الأم التي جرى إضطهادهم فيها.
• كيف يمكن الوصول إلى حل إشتراكي في فلسطين مع كيان أقامته الراسمالية/الإمبريالية وتدعمه بالمطلق حتى اليوم، وقادته يرددون بأنهم لن يُعيدوا للفلسطينيين شبرا، ومنظروهم يقولون سوف نحتل المنطقة من الوطن العربي الممتدة من الفرات إلى النيل”؟
• منذ مئة سنة والشعب الفلسطيني يعاني ويقاتل ويضحي وهذه كلها عذابات. وسوف يستمر في هذه المعاناة. والسؤال منذ السابق ومنذ الآن وإلى أن نصل اشتراكية، لماذا يبقى الفلسطيني في كل هذا العذاب والتشرد والإضطهاد؟
• وطالما أن الوطن/الأرض للفلسطينيين، لماذا يقبلوا بتقاسمها مع العدو بموجب مثلا حل دولتين؟
• ولماذا يقبل الفلسطيني بحل دولة واحدة مع كيان استيطاني لكل إثنية منه وطنهاالأصلي الذي غادرته وأتت هنا بالغزو الإمبريالي؟ وهنا يتضح أن طرح وتبني حل الدولة الواحدة مع المستوطنين في هذه الفترة هو تخدير للشعب كي لا يناضل، الأمر الذي يقطع الطريق على الوصول إلى دولة واحدة اشتراكية طالما مطلوب من الفلسطيني وضع السيف في غمده وترجي الأمم المتحدة أن تعيده إلى وطنه. ولذا، فالدولة الواحدة هي رؤية للمستقبل بعد التحرير وضمن دولة عربية واحدة أو موحدة أو فدرالية.
• وحتى حينه فمن يحق له البقاء في فلسطين من اليهود هم اليهود الأصليون أي اليهود الفلسطينيين، وغير اليهود الفلسطينيين يجب أن يعودوا من حيث جيىء بهم وهم قادرون على ذلك مالياً وجنسيةً حيث يحملون جنسيات اوطانهم الأم ويورثونها لنسلهم. وهم حقا سيفعلوا ذلك ومن يتبقى يُحل وضعه ضمن قوانين الدولة العربية الواحدة والمهم أن لا يُحل وضعه على حساب لا فلسطيني ولا أية قومية أو إثنية في الوطن العربي.
نعود إلى الوطنية، فالوطنية تأتي غالباً رداً على تحدٍّ خارجي عدواني او تحريضاً من أجل التجنيد للقيام بعدوان خارجي. والدفاع عن الوطن هو دفاع عن الوجود وليس من المنطق حصره في إطار ضيق هو الملكية الخاصة بالمعنى الفردي. فما من وطن يمكن تجزئته إلى ملكيات فردية، فحينها لا يعود وطناً، بل مكاناً.
إن النظر إلى الوطن كمكان يعني عدم الانتماء إليه ولا الدفاع عنه، وتركه حين الأزمات والاحتفاظ، بناء على حق المواطنة، بحق العودة إليه وقتما تعود ظروفه مريحة وهذا سلوك انتهازي. ولذا، يشعر المناضلون بأفضلية ما لأنهم دافعوا عن الوطن فما بالك بالشهداء الحقيقيين.
من بين من ركَّزوا على المكان لصالح الوطن كان الفيلسوف ميخائيل أدورنو من مدرسة فرانكفورت. وأدورنو من أصل يهودي وهو منسجم مع حال اليهود الذين لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من أيَّة أمّة حتى التي يعيشون فيها، هم موجودون فيها بسبب اختلافهم عن الدين هناك وليس عن القومية. يعتبرون أن وضع اليهود الطبيعي هو المنافي مؤمنين، وإن لم يعلنوا بوضوح، بزعم التوراة أنَّ اليهود طُردوا من فلسطين. والتوراة رواية غير تاريخية ولا تستند إلى اي وجود ملموس أركيولوجي، هذا طبعاً إذا كان يهودي من كندا هو من نسل يهودي في اليمن كان قبل 3000 سنة!لا ندري مثلاً على أجنحة اية خطوط جوية طار يهودي من فلسطين او العراق أو اليمن قبل 3000 سنة إلى روسيا أو كندا!ثم قرر بعد 3000 سنة العودة إلى فلسطين بزعم انها وطنه!
التوراة رواية أسطورية لا تاريخية ولا علمية. وليس شرطاً أن يكون أدورنو متطابقاً مع هذه الرواية ولكن المهم أنّه من منظِّري نظرية المكان وليس الوطن. وقد تأثر الراحل إدوارد سعيد بأدورنو بقوله: “أنا اليهودي الأخير” وتنظيره أن لا ضرورة للوطن. وهذا موقف يتناقض مع النضال الفلسطيني لحق العودة بغض النظر إن كان قد جادل ضد هذا الحق أم لا .
(انظر عادل سمارة، إدوارد سعيد بين ديالكتيك النص والطبقة: يغطيه النقد وتحرجه السياسة ويحاصره الاقتصاد السياسي، في مجلة كنعان، العدد 140، كانون الثاني 2010، ص ص84-139.)
لقد وقع إدوارد سعيد في نفس المحظور الذي وقع فيه بسطاء الماركسيين، وإن كان وقوعه من مدخل مختلف. واللافت أن سعيداً يمكنه تبني أل- لا- وطن فهو أكاديمي مرموق ويعيش في امريكا، ولكن كيف نصرف أطروحته لدى ملايين المشردين منذ أكثر من سبعين عاماً بما عانوه من شتاء ثلج عام 1948 وهم في الكهوف وحتى العراء وفقدوا من قسوة الطبيعة أعزائهم، هذا ناهيك عن ما فقدوه في أكثر من ثمانين مذبحة مسجلة ومعروفة وأقر بها مؤرخون صهاينة لبراليون ومتزمتون أمثال إيلان بابيه وبني موريس وأمنون راز كروكستين…الخ، وبالطبع سلسلةآلاف الشهداء من حينه حتى اليوم في النصال للتحرير والعودة. إن ترف سعيد مؤسف حقاً.
إن طرح حل الدولة الواحدة اليوم قبل التحرير، وهو بالمناسبة مطروح منذ مئة عام، هو تبرع بالوطن للعدو، كما أن حل الدولتين هو تقاسم الوطن مع العدو وكليهما كارثيْ.
(من كتابي الذي سينشر قريبا: “في نحت المصطلح وتحرير المعنى”).
_________
“كنعان”
ولم يتحول المكان إلى وطن إلا بعد انتقال البشرية إلى الاجتماع وتبلور الشعوب وتحول القبائل إلى أمم، ومن ثم تبلور الشعور القومي، وكل هذا مرتبط أساساً بالصراع بين الأمم مما يخلق الوطنية إلى جانب المواطنة بالطبع.
تأسس التناقض على الملكية الخاصة بالمعنى الفردي، ومع تبلور الدول، لِنَقُل بداية في العراق قبل ستةآلاف سنة تحول المكان الذي تُقام عليه الدولة أو الإمبراطورية إلى وطنٍ بمعنى حصره للمجتمع البشري الذي يعيش عليه ومنه. وبالتالي صار الدفاع عنه واجباً. واشتد التمسك بالوطن نظراً لتوسع دولة ضد أخرى فصار لا بد من الدفاع عن المكان المتحول إلى وطن وخاصة لأن البقعة التي تسيطر عليها دولة ما هي مصدر عيشها وبقائها وعليه، فالدفاع عن الوطن هو دفاع عن الوجود في عالم المصالح والمطامع والصراع.
يشتمل الدفاع عن الوطن على كل الوطن صغيرا كان أم كبيراً وعلى كل قطعة منه مهما كانت مساحتها لأن الأمر أمر حق وليس أمر صفقة تُعقد.
بعض الكتاب والأحزاب، في زعم أنهم أمميون أو إنسانيون، يجادلون بأن الحرص على وجود وطن هو ضرب من الملكية الخاصة والشوفينية حيث يرفضون مسألة الوطن بحجة فهمهم الخاص للشيوعية والإنسانية. وهم بهذا يحرفون المسألة عن سياقها التاريخي والحدثي من حدث.
لكن هؤلاء والذي يمكننا تسميتهم “كوزموبولتيين” لا ينتمون إلى وطن ولا إلى مشروع سياسي، وبالتالي يُعفون أنفسهم من أي صراع أو نضال دفاعاً عن من طُردوا من وطنهم، وهذه حُجَّة مريحة لهم. فهم يتجاهلون بأن احتلال وطن شعب معين هو مثابة إفناء لذلك الشعب ولصالح شعب أو نظام معتدٍ.
في سياق النظر للوطن كَ مكان وربط ذلك بأن الوطن هو ملكية خاصة وبالتالي فالشيوعي يجب أن لا يتمسك بالوطن/الأرض لأن الشيوعية تدعو إلى إلغاء الملكية الخاصة.
كما يتذرع بعض الشيوعيين بمقولة ماركس “العمال لا وطن لهم” مع أن المقصود بهذا أن كل العالم وطنهم، ولذلك قال للعمال: “أمامكم عالم كي تربحوه”
والحقيقة أن خطاب أل-لا-وطن هو:
• إما خطاب خبيث لتبرير اغتصاب طرف محتل لوطن شعب جرى طرده/حالة فلسطين
• أو ناجم عن سذاجة وتخلف فكري نظري وانبهار بخطاب خبيث.
هذا ما جرى لكثير من الفلسطينيين، “ومنهم كاتب هذه السطور في بدايات الوعي” الذين جرى تشويه وعيهم بأن الوطن ليس مهماً حتى لو احتله الصهاينة لأن الاشتراكية تحل الموضوع.
وبهذا جرت التعمية على حقائق هامة ومفصلية:
• لماذا قامت الإمبريالية بدعم الصهيونية لتحتل فلسطين وتقتلع شعبها مع أن اليهود أتوا من مئة قومية وكانوا يعيشون كمترفين وحتى متحكمين بالثروة هناك.
• جرى اضطهاد اليهود في بلدان معينة، ولكن ليس الحل بأن يتم سحق الشعب الفلسطيني لصالح اليهود بل يجب حل قضاياهم في بلدانهم الأم التي جرى إضطهادهم فيها.
• كيف يمكن الوصول إلى حل إشتراكي في فلسطين مع كيان أقامته الراسمالية/الإمبريالية وتدعمه بالمطلق حتى اليوم، وقادته يرددون بأنهم لن يُعيدوا للفلسطينيين شبرا، ومنظروهم يقولون سوف نحتل المنطقة من الوطن العربي الممتدة من الفرات إلى النيل”؟
• منذ مئة سنة والشعب الفلسطيني يعاني ويقاتل ويضحي وهذه كلها عذابات. وسوف يستمر في هذه المعاناة. والسؤال منذ السابق ومنذ الآن وإلى أن نصل اشتراكية، لماذا يبقى الفلسطيني في كل هذا العذاب والتشرد والإضطهاد؟
• وطالما أن الوطن/الأرض للفلسطينيين، لماذا يقبلوا بتقاسمها مع العدو بموجب مثلا حل دولتين؟
• ولماذا يقبل الفلسطيني بحل دولة واحدة مع كيان استيطاني لكل إثنية منه وطنهاالأصلي الذي غادرته وأتت هنا بالغزو الإمبريالي؟ وهنا يتضح أن طرح وتبني حل الدولة الواحدة مع المستوطنين في هذه الفترة هو تخدير للشعب كي لا يناضل، الأمر الذي يقطع الطريق على الوصول إلى دولة واحدة اشتراكية طالما مطلوب من الفلسطيني وضع السيف في غمده وترجي الأمم المتحدة أن تعيده إلى وطنه. ولذا، فالدولة الواحدة هي رؤية للمستقبل بعد التحرير وضمن دولة عربية واحدة أو موحدة أو فدرالية.
• وحتى حينه فمن يحق له البقاء في فلسطين من اليهود هم اليهود الأصليون أي اليهود الفلسطينيين، وغير اليهود الفلسطينيين يجب أن يعودوا من حيث جيىء بهم وهم قادرون على ذلك مالياً وجنسيةً حيث يحملون جنسيات اوطانهم الأم ويورثونها لنسلهم. وهم حقا سيفعلوا ذلك ومن يتبقى يُحل وضعه ضمن قوانين الدولة العربية الواحدة والمهم أن لا يُحل وضعه على حساب لا فلسطيني ولا أية قومية أو إثنية في الوطن العربي.
نعود إلى الوطنية، فالوطنية تأتي غالباً رداً على تحدٍّ خارجي عدواني او تحريضاً من أجل التجنيد للقيام بعدوان خارجي. والدفاع عن الوطن هو دفاع عن الوجود وليس من المنطق حصره في إطار ضيق هو الملكية الخاصة بالمعنى الفردي. فما من وطن يمكن تجزئته إلى ملكيات فردية، فحينها لا يعود وطناً، بل مكاناً.
إن النظر إلى الوطن كمكان يعني عدم الانتماء إليه ولا الدفاع عنه، وتركه حين الأزمات والاحتفاظ، بناء على حق المواطنة، بحق العودة إليه وقتما تعود ظروفه مريحة وهذا سلوك انتهازي. ولذا، يشعر المناضلون بأفضلية ما لأنهم دافعوا عن الوطن فما بالك بالشهداء الحقيقيين.
من بين من ركَّزوا على المكان لصالح الوطن كان الفيلسوف ميخائيل أدورنو من مدرسة فرانكفورت. وأدورنو من أصل يهودي وهو منسجم مع حال اليهود الذين لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من أيَّة أمّة حتى التي يعيشون فيها، هم موجودون فيها بسبب اختلافهم عن الدين هناك وليس عن القومية. يعتبرون أن وضع اليهود الطبيعي هو المنافي مؤمنين، وإن لم يعلنوا بوضوح، بزعم التوراة أنَّ اليهود طُردوا من فلسطين. والتوراة رواية غير تاريخية ولا تستند إلى اي وجود ملموس أركيولوجي، هذا طبعاً إذا كان يهودي من كندا هو من نسل يهودي في اليمن كان قبل 3000 سنة!لا ندري مثلاً على أجنحة اية خطوط جوية طار يهودي من فلسطين او العراق أو اليمن قبل 3000 سنة إلى روسيا أو كندا!ثم قرر بعد 3000 سنة العودة إلى فلسطين بزعم انها وطنه!
التوراة رواية أسطورية لا تاريخية ولا علمية. وليس شرطاً أن يكون أدورنو متطابقاً مع هذه الرواية ولكن المهم أنّه من منظِّري نظرية المكان وليس الوطن. وقد تأثر الراحل إدوارد سعيد بأدورنو بقوله: “أنا اليهودي الأخير” وتنظيره أن لا ضرورة للوطن. وهذا موقف يتناقض مع النضال الفلسطيني لحق العودة بغض النظر إن كان قد جادل ضد هذا الحق أم لا .
(انظر عادل سمارة، إدوارد سعيد بين ديالكتيك النص والطبقة: يغطيه النقد وتحرجه السياسة ويحاصره الاقتصاد السياسي، في مجلة كنعان، العدد 140، كانون الثاني 2010، ص ص84-139.)
لقد وقع إدوارد سعيد في نفس المحظور الذي وقع فيه بسطاء الماركسيين، وإن كان وقوعه من مدخل مختلف. واللافت أن سعيداً يمكنه تبني أل- لا- وطن فهو أكاديمي مرموق ويعيش في امريكا، ولكن كيف نصرف أطروحته لدى ملايين المشردين منذ أكثر من سبعين عاماً بما عانوه من شتاء ثلج عام 1948 وهم في الكهوف وحتى العراء وفقدوا من قسوة الطبيعة أعزائهم، هذا ناهيك عن ما فقدوه في أكثر من ثمانين مذبحة مسجلة ومعروفة وأقر بها مؤرخون صهاينة لبراليون ومتزمتون أمثال إيلان بابيه وبني موريس وأمنون راز كروكستين…الخ، وبالطبع سلسلةآلاف الشهداء من حينه حتى اليوم في النصال للتحرير والعودة. إن ترف سعيد مؤسف حقاً.
إن طرح حل الدولة الواحدة اليوم قبل التحرير، وهو بالمناسبة مطروح منذ مئة عام، هو تبرع بالوطن للعدو، كما أن حل الدولتين هو تقاسم الوطن مع العدو وكليهما كارثيْ.
(من كتابي الذي سينشر قريبا: “في نحت المصطلح وتحرير المعنى”).
_________
“كنعان”
“الوطن كمكان!” لا، الوطن ليس مجرد مكان، عادل سماره
المكان أسبق من الوطن، هو أقرب إلى الطبيعة فهو ما قبل الدول والسياسة والملكية الخاصة والأمم والقوميات، هو الشق الآخر من المقولة الفلسفية الإنسانية التاريخية "المكان والزمان" . ومع انتقال البشرية إلى السياسة عبر أو بواسطة أنماط إنتاج أثرت بها في الطبيعة أو الحيز فحوَّلته إلى فضاء تتحكم به تسحقه...
kanaanonline.org