إطلاق صفة الأستاذية تجاه نص أو كاتبه هو انتزاع لأحد حقوق القراء الجوهرية. إذ أن الاتهام نفسه ينطوي على "سلطة مدعاة واسعة" وهي سلطة "تمثيل القراء" بينما القراءة فعل فردي كامل يعطي النص ابعادا متعددة بتعدد القراء والقراءات. وفي العادة تعكس التهمة "بعدا نفسيا" أكثر من تقريب حكم قيمة نقدي؛ لأن التهمة في العادة لا تكون مصحوبة بأي مجهود لتفكيك "استاذية" النص أو الكاتب.
لكل نص سلطته المتعددة الأبعاد والتي تمضي إلى ما وراء النص ذاته. مقابل هذا السلطة نجد سلطة القارئ، وهي سلطة حرة لا يمكن ممارسة الاستاذية عليها لأنها تختار عن قصد الحوار من عدمه مع النص. فملكية كتاب ما تتجاوز شراءه (امتلاكه الفعلي) إلى فهم محتواه والتحاور معه (امتلاكه الرمزي)؛وأي من هاتين الملكيتين- في الغالب الأعم- ليس فيهما أي إكراه ناهيك عن الاستاذية.
يمكن فهم سلطة النص عبر تفكيك شبكة علاقاته بين المنتج والمستهلك؛ والتي أشرنا فيها إلى فتح صفحة كتاب من عدمه هو اختيار حر، لا أكراه فيه، ما عدا في بعض الحالات وتنطوي شبكة العلاقات هذه على مستويات منها:
مستوى التموضع:
تتضح هذه العلاقة أكثر بالتمثيل لها في فصل دراسي، ما دمنا في سياق تفكيك الاستاذية. هنا يحتل الاستاذ موضع بينما يحتل الطالب موضع مقابل. يتمتع الاستاذ من "موضعه" بسلطة مقابل التلاميذ وهي سلطة "المعلم" الذي يمثل علاقات القوى التي تنطوي عليها علاقات "الهيمنة" التي يمنحها التعليم حتى في قوته الماورائية وهي قوة "التشكيل" أو فرض خطاب ايديولوجي يمر عبر التعليم بتحديد "الوظائف" حسب علاقات التموضع بين واضع المنهج ومدير المدرسة والمعلم والطالب والمشاركين في العملية التعليمية برمتها.
المستوى الظرفي:
وهذا مستوى شامل لعلاقات التموضع ولكنه يحتمل تفريعات أكثر دقة وهي العلاقات المكانية والزمانية الداخلة في تحديد شروط القوى بين المعلم والطالب؛ وهي تحدد سلطة الطالب إزاء المعلم بكون عدم وجود الطالب، حتى كطرف ضعيف في المعادلة، يمكن أن ينسف وجود المعلم ذاته. أي أنها علاقة موازنة حساسة في طبيعة علاقة القوى نفسها؛ ويمكن كشف مدى التأرجح فيها بكشف الخطاب والسياق.
مستوى محتوى النص:
يعتبر محتوى النص مستوى آخر من مستويات علاقات التفاعل بين أطراف القوى: المؤلف والقارئ. ولا تخرج هذه العلاقة في مداها الأوسع عن علاقات التفاعل الاجتماعي. فالنص يفلت من ناحية الملكية المادية والمعنوية من مؤلفه ليقع في حضن القارئ؛ الذي يحدد، ما عدا في حالات استثنائية، توجد فيه علاقة إكراه: (كتاب منهج وطالب مثلا)، تفاعله مع النص بصورة اختيارية تعكس حريته. وتنتفي تهمة الاستاذية عن النص، إضافة إلى ذلك، بتوفر عامل الاختيار، بطبيعة النص المكتوب ذاته ولغته. فواحد من شروط النصوص ذات الطابع التوجيهي أو "الاستاذية" هو احتواءها على ما يسمي ب: موجهات الفعل، أي الصيغة الظاهرة والمتوارية لفكرة "الأمر" التي تشمل ظاهرا وباطنا بعد "السيطرة". فإذا لم يكشف النص هذه الابعاد فإنه لا ينطوي على "الاستاذية" المفترضة.
ويكشف الانتاج الإبداعي للعديد من الكتاب إدراكا عميقا لنفي فكرة "القطعية" والتشبع المعرفي في النص، وهذا عنصر ناف لتهمة الاستاذية خاصة بعد تفكيك أصول النص. ويمكن اعتبار الكاتب النمساوي ستيفان تسفايغ في سائر مؤلفاته خاصة كتاب "عالم الأمس" واحدا من هؤلاء. ومن هؤلاء أيضا في التراث العربي: أبو سعيد عبد الملك الأصمعي. فهذا الرجل في غنى إبداعه التأليفي واعتماده على سلطة النص "المعياري": أي الذي يرتكز على "نقاء" عربية البادية، لم يقدم نصوصا قطعية، وتشهد مسامراته وحكاويه مع الأعراب في البادية المرونة والتخفيف من تسلط النص عنده؛ رغم أن الغاية من كثير من مؤلفاته هو تقديم نص يعتمد على العربية الصحيحة والتي حدد موضعها في بادية العرب؛ ولكن سلطة القارئ في اختيار ما يقرأه للأصمعي هي المحدد الأخير لوجود أو غياب عنصر "الاستاذية" في نصه من عدمه. هذا إلى جانب اعتماده "التوسل" الفكاهي والتخفيفي لكسب القراء، وهذا العنصر الأخير ليس أسلوب جذب للقراء بل هو تشكيل وفهم لطبيعة العلاقة بين القارئ والمؤلف تنتفي فيه فكرة الاستاذية تماما.
ختاما، عدة مستويات من التفاعل بين النص والقارئ تنفي، رغم وجود سلطة النص، استاذية النصوص، بصورة خاصة بسبب حرية القارئ، وامتلاك أدوات تفكيك النصوص واكتشاف مستويات العلاقات الداخلة في انتاجها واستهلاكها. حتى أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة تموت وظيفتها في حال الانصراف عنها أو إغلاقها
لكل نص سلطته المتعددة الأبعاد والتي تمضي إلى ما وراء النص ذاته. مقابل هذا السلطة نجد سلطة القارئ، وهي سلطة حرة لا يمكن ممارسة الاستاذية عليها لأنها تختار عن قصد الحوار من عدمه مع النص. فملكية كتاب ما تتجاوز شراءه (امتلاكه الفعلي) إلى فهم محتواه والتحاور معه (امتلاكه الرمزي)؛وأي من هاتين الملكيتين- في الغالب الأعم- ليس فيهما أي إكراه ناهيك عن الاستاذية.
يمكن فهم سلطة النص عبر تفكيك شبكة علاقاته بين المنتج والمستهلك؛ والتي أشرنا فيها إلى فتح صفحة كتاب من عدمه هو اختيار حر، لا أكراه فيه، ما عدا في بعض الحالات وتنطوي شبكة العلاقات هذه على مستويات منها:
مستوى التموضع:
تتضح هذه العلاقة أكثر بالتمثيل لها في فصل دراسي، ما دمنا في سياق تفكيك الاستاذية. هنا يحتل الاستاذ موضع بينما يحتل الطالب موضع مقابل. يتمتع الاستاذ من "موضعه" بسلطة مقابل التلاميذ وهي سلطة "المعلم" الذي يمثل علاقات القوى التي تنطوي عليها علاقات "الهيمنة" التي يمنحها التعليم حتى في قوته الماورائية وهي قوة "التشكيل" أو فرض خطاب ايديولوجي يمر عبر التعليم بتحديد "الوظائف" حسب علاقات التموضع بين واضع المنهج ومدير المدرسة والمعلم والطالب والمشاركين في العملية التعليمية برمتها.
المستوى الظرفي:
وهذا مستوى شامل لعلاقات التموضع ولكنه يحتمل تفريعات أكثر دقة وهي العلاقات المكانية والزمانية الداخلة في تحديد شروط القوى بين المعلم والطالب؛ وهي تحدد سلطة الطالب إزاء المعلم بكون عدم وجود الطالب، حتى كطرف ضعيف في المعادلة، يمكن أن ينسف وجود المعلم ذاته. أي أنها علاقة موازنة حساسة في طبيعة علاقة القوى نفسها؛ ويمكن كشف مدى التأرجح فيها بكشف الخطاب والسياق.
مستوى محتوى النص:
يعتبر محتوى النص مستوى آخر من مستويات علاقات التفاعل بين أطراف القوى: المؤلف والقارئ. ولا تخرج هذه العلاقة في مداها الأوسع عن علاقات التفاعل الاجتماعي. فالنص يفلت من ناحية الملكية المادية والمعنوية من مؤلفه ليقع في حضن القارئ؛ الذي يحدد، ما عدا في حالات استثنائية، توجد فيه علاقة إكراه: (كتاب منهج وطالب مثلا)، تفاعله مع النص بصورة اختيارية تعكس حريته. وتنتفي تهمة الاستاذية عن النص، إضافة إلى ذلك، بتوفر عامل الاختيار، بطبيعة النص المكتوب ذاته ولغته. فواحد من شروط النصوص ذات الطابع التوجيهي أو "الاستاذية" هو احتواءها على ما يسمي ب: موجهات الفعل، أي الصيغة الظاهرة والمتوارية لفكرة "الأمر" التي تشمل ظاهرا وباطنا بعد "السيطرة". فإذا لم يكشف النص هذه الابعاد فإنه لا ينطوي على "الاستاذية" المفترضة.
ويكشف الانتاج الإبداعي للعديد من الكتاب إدراكا عميقا لنفي فكرة "القطعية" والتشبع المعرفي في النص، وهذا عنصر ناف لتهمة الاستاذية خاصة بعد تفكيك أصول النص. ويمكن اعتبار الكاتب النمساوي ستيفان تسفايغ في سائر مؤلفاته خاصة كتاب "عالم الأمس" واحدا من هؤلاء. ومن هؤلاء أيضا في التراث العربي: أبو سعيد عبد الملك الأصمعي. فهذا الرجل في غنى إبداعه التأليفي واعتماده على سلطة النص "المعياري": أي الذي يرتكز على "نقاء" عربية البادية، لم يقدم نصوصا قطعية، وتشهد مسامراته وحكاويه مع الأعراب في البادية المرونة والتخفيف من تسلط النص عنده؛ رغم أن الغاية من كثير من مؤلفاته هو تقديم نص يعتمد على العربية الصحيحة والتي حدد موضعها في بادية العرب؛ ولكن سلطة القارئ في اختيار ما يقرأه للأصمعي هي المحدد الأخير لوجود أو غياب عنصر "الاستاذية" في نصه من عدمه. هذا إلى جانب اعتماده "التوسل" الفكاهي والتخفيفي لكسب القراء، وهذا العنصر الأخير ليس أسلوب جذب للقراء بل هو تشكيل وفهم لطبيعة العلاقة بين القارئ والمؤلف تنتفي فيه فكرة الاستاذية تماما.
ختاما، عدة مستويات من التفاعل بين النص والقارئ تنفي، رغم وجود سلطة النص، استاذية النصوص، بصورة خاصة بسبب حرية القارئ، وامتلاك أدوات تفكيك النصوص واكتشاف مستويات العلاقات الداخلة في انتاجها واستهلاكها. حتى أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة تموت وظيفتها في حال الانصراف عنها أو إغلاقها