أ. د. عادل الأسطة - هوامش على المؤتمر

على هامش المؤتمر:
سأزور عمان، الأسبوع ما قبل المنصرم، لمدة يومين، لأشارك في مؤتمر أدبي عقدته جامعة البتراء الخاصة. سألقي ورقة عن رواية إميل حبيبي "المتشائل" أبين فيها دحضه الفكر الصهيوني ورده عليه. سيكون د. عزمي بشارة ويوسف زيدان ضيفي المؤتمر، وسيكرم المؤتمر والقائمون عليه د. ابراهيم السعافين والكاتب جمال أبو حمدان. كنت أعرف د. عزمي ود. السعافين، ولكنني للمرة الأولى ألتقي الروائي المصري والكاتب الأردني. وتلك فائدة.
لم ألتق د. عزمي، وجهاً لوجه، منذ 1993. في ذلك العام شاركنا معاً في مؤتمر في جامعة بيرزيت عن التعددية في المجتمع الفلسطيني. أنا، يومها، ألقيت ورقة عن التعددية في الأدب الفلسطيني، وقد نشرته، فيما بعد، في مجلة كان مركز الأبحاث في نابلس يصدرها. انتهى المركز، وتوقفت المجلة، مثل أشياء كثيرة في حياتنا.
في المؤتمر، بعد أن ألقى د. عزمي ورقته، سأحاوره. وسأذكر أربعة أسماء أدبية بارزة، لأقول له إن في أدبنا أدباء مفكرين. سأعدد أسماء معين بسيسو وإميل حبيبي ومحمود درويش وغسان كنفاني. ولا يروق كلامي لـ د. عزمي، فهؤلاء ليسوا مفكرين، ودليله أنهم لم يصدروا كتباً فكرية. وسأبين له حجتي: لقد مرر الصهيونيون أفكارهم من خلال الأدب، وكان رائدهم في هذا (ثيودور هرتسل) الذي ألف كتابه "الدولة اليهودية"، وأعاد التعبير عن أفكاره في روايته "أرض قديمة جديدة"، وفيها عكس الفكر الصهيوني. وسأقول، فيما بعد، في الورقة التي ألقيتها، وكان د. عزمي غادر إلى الدوحة: إن هؤلاء الأربعة تبنوا الفكر الماركسي، وردوا من خلاله على الفكر الصهيوني. هل كنت مصيباً؟ هل كنت مخطئاً؟ ربما.
وأنا ألقي كلمة، باسم ضيوف المؤتمر، أتيت على د. عزمي أديباً. ذكرت روايته "حب في منطقة الظل"، ولفت الأنظار الى ضرورة الالتفات اليها، فهي أيضاً، مثل رواية "المتشائل" تبرز صورة لمعاناة المثقف الفلسطيني المفكر في أثناء عيشه تحت الحكم الإسرائيلي. ومرة أنجزت مقالاً، نشرته في هذه الزاوية: دفاتر الأيام، عنوانه: عزمي بشارة وهاجس الرحيل، وأتيت فيه على الرواية، وقلت فيه: كان علينا أن نلتفت الى أن هاجس الرحيل كان يلح على عزمي بشارة، وهو ما بدا في روايته، وكان علينا ألا نفاجأ يوم رحل.
ويبدو أن د. عزمي قرأ المقال، بل إنه قرأه، إذ وأنا جالس معه على المنصة، مرر لي ورقة كتب لي فيها إن استنتاجي، في أثناء قراءة الرواية والكتابة عنها، استنتاج ذكي جداً. وحين يحاضر د. عزمي عن الأدب والفكر يقول كلاماً كثيراً، يقول كلاماً صادراً عن مفكر وأديب، راق لنا بعضه ولم يرق لنا بعضه الآخر، وهذا ما أبرزه النقاش. لكن يظل كلام د. عزمي كلاماً يصغى اليه. ولقد لاحظت، من خلال ما قاله، وقد وزعت ورقته، فيما بعد، على المشاركين، أنه حزين لأنه لم يلتفت اليه أديباً، ما جعلني أثير السؤال التالي: هل كان لتجربتك الأدبية أثر في صياغة ورقتك؟
لا يمكث د. عزمي بشارة طويلاً. يلقي محاضرته ويغادر، فالطائرة ستقلع الى الدوحة بعد ساعات، وكان يمكن أن نتحاور أكثر. وأنا ألتقي بالدكتور، بعد انتهاء جلسة الافتتاح، سأتذكر محمود درويش وراشد حسين، وما أورده الأول في رثائه الثاني، في قصيدة: كان ما سوف يكون، إذ أعاد صياغة بيت شعر قاله راشد لدرويش، حين التقيا، بعد الخروج، في مطار القاهرة، وقد أورد درويش بيت راشد في إحدى رسائله لسميح القاسم.
قال درويش:
"والتقينا، بعد عام، في مطار القاهرة،
قال لي، بعد ثلاثين دقيقة:
ليتني كنت طليقاً في سجون الناصرة".
وسأذكر د. عزمي بهذا، وسأسأله إن كان مسروراً في العالم العربي أو إن كان يشعر بندم لأنه خرج، فقد ظل درويش يعبر عن ندمه، في أشعاره وفي نثره، وفي كتابه النثري الأخير، "في حضرة الغياب" كرر السؤال: لماذا نزلت عن الكرمل؟
سيقول لي د. عزمي إن رحيله عبر عن خياره، وإن خياره عروبي، وأنه صادق في هذا. ولا نتحاور أكثر. الجلسة الأولى ستبدأ، ود. عزمي سيغادر، ومحاوروه كثر، ومثلهم المعجبون. وكل يريد أن يتصور معه. والطائرة ستقلع في موعدها أيضاً.

ü على هامش المؤتمر:
في اليوم التالي، اليوم الذي ألقيت فيه ورقتي، سأتعرف إلى الكاتب فاروق وادي وزوجته المصرية. (سيلومني فاروق مواسي لأنني لم أعرفه به). كان الكاتب الذي أتابع كتاباته - أعني فاروق وادي - منذ 1980، حيث قرأت له رواية "طريق إلى البحر"، كان حضر، ليحضر الجلسة الأولى التي كانت مخصصة للروائي المصري د. يوسف زيدان، حيث قرأ فصلاً من رواية "النبطي"، وهي رواية جديدة ستصدر عما قريب. (وأنا أصغي إلى يوسف زيدان يقرأ، تذكرت روايته "عزازيل"، وقد قرأت أجزاء منها، وشعرت أنني أصغي لراوي "عزازيل". كأن راوية النبطي، وهي أنثى، راوي "عزازيل"، وهو ذكر. هل هذا ما رمى إليه (ميخائيل باختين) حين تحدث عن الأسلبة ونهر ليثي؟ ربما).
سيعرف فاروق وادي أنني قارئ جيد لأدبه، لرواياته ولمقالاته، وسأعرف الشيء نفسه أيضاً. فقد تذكرت بعض مقالاته، كما سألني عن بعض مقالاتي، بخاصة التي أتيت فيها على مقالاته، فقد أنجزت غير مقالة اعتمدت فيها على مقالاته. وسأقول له: أحد مقالاتك في "الأيام" دفعني لشراء شقة، وسأكتب، ذات نهار، عن هذا. سأذكره بقصة فرويد والأزمة الاقتصادية العالمية في الربع الأول من القرن العشرين. وسيخبرني بدوره أنه هو نفسه اشترى شقة للسبب ذاته.
لم ألتق فاروق وادي من قبل وجهاً لوجه. كم مرة زرت عمان، ولم يأت. جاء ليصغي إلى الروائي يوسف زيدان. هو - أي وادي - الذي يكتب الرواية، ولم يكن غاضباً مني، فقد قرأ رأيي في بعض رواياته: "رائحة الصيف" (1982) و"عصفور الشمس" (2007)، وسيصحح لي معلومة تخص راوي الأولى، فقد كنت ظننته طفلاً، ولم ألتفت إلى أنه في الأربعين. وسيبدي فاروق وادي رأيه في مقالاتي، وفي دفاتر كاتب آخر. سيقول لي إن الصبغة الأدبية تغلب عليها، وهي لا تخلو من عمق في هذا الجانب. وسيسألني إن كنت أفكر في التوقف عن كتابتها. كان هو، مرة، كتب عن هذا الهاجس، وأبان أنه غدا عبداً للورقة والقلم والموعد الأسبوعي، فهو، منذ عشر سنوات، يكتب دفاتر الأيام، ولكنه لم يتوقف حتى هذه اللحظة. هل سأكف أنا عن كتابة الدفاتر؟ لا أدري، وإن كنت أفكر في أن يغدو موقع مقالي في الجريدة، في صفحاتها الداخلية، لا في الصفحة الأخيرة.


عادل الأسطة
2009-11-15

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى