في ظل استقالة الفضاءات الثقافية التقليدية عن القيام بدورها في تنمية الحس الثقافي وتحسين الذائقة الأدبية والفنية للشباب، وفي جو عام يطبعه العزوف عن القراءة والنفور من كل ما هو أكاديمي صرف وسيادة ثقافة الاستهلاك ، برزت فكرة المقاهي الثقافية أو الادبية في محاولة من الكتاب والمهتمين لإعادة تطبيع العلاقة بين الثقافة ومحيطها. فلاحظنا تأسيس عدة مقاه على مستوى أغلب المدن المغربية، بمبادرات من الأدباء فقط والمهتمين حولت فضاءات تجارية واجتماعية الى فضاء ثقافي مفتوح للعموم، وحولت أمكنة مخصصة للدردشة العابرة الى لحظة للقبض على الزمن الثقافي والإنصات الى نبض الإبداع في خطوة لدمقرطة الفعل الثقافي وجعله في متناول الجمهور الواسع.
بعد ما يقارب 13 سنوات من التجربة، حاولنا استقراء أفق هذه المبادرة، هل حققت مصالحة الثقافة مع جمهورها أم ظلت حبيسة النخبوبة؟ ماهي الكوابح التي أعاقت الفكرة وحدت من إشعاعها وزخمها الذي ظهرت به في بداياتها؟.
مقهى بوليز محطة الانطلاق
انطلقت تجربة المقاهي الأدبية / الثقافية بيعقوب المنصور بالرباط من طرف جمعية الشعلة للتربية والثقافة في فبراير 2002 بالمقهى الأدبي بوليز بالمركب التجاري المنال، يصرح الاستاذ نور الدين أقشاني رئيس شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب في خطوة لانفتاح الأدباء على جمهور الثقافة بعيدا عن الفضاءات التقليدية التي يبقى جمهورها محدد سلفا. رغم أن هذه الثقافة الجديدة انطلقت في منتصف التسعينات من طرف اتحاد كتاب المغرب بحديقة الجامعة العربية بالبيضاء وبمقاهي باليما وكموفل بالرباط، لكن لم تكتب لها الاستمرارية.
بداية المقهى الادبي بالرباط كانت باستضافة الشاعر ووزير الثقافة والاتصال أنذاك محمد الأشعري في لقاء مفتوح استقطب فعاليات ثقافية وفنية وسياسية وجمعوية، أكدت كلها على أهمية هذه المبادرة الثقافية الأولى بيعقوب المنصور. وتلتها عدة لقاءات فاقت 50 إلى حدود 2009 وقد تمت استضافة ثريا جبران وسالم حميش ومحمد الكحص كوزراء .
هذه اللقاءات استضافت أزيد من 150 ضيفا منهم فنانون : نعيمة لمشرقي، ياسين أحجام ، عبد الخالق فهيد، عبد الكبير الركاكنة ،سعيدة باعدي، محمد باجدوب، نعمان لحلو، فريد الركراكي، محمد خويي، بنعيسى الجيراري ، لطيفة أحرار، عبد الإله عاجل ، لطيفة جبابدي ، نعيمة إلياس وعمر السيد وفاطمة تحيحيت وآخرون .... إضافة لأسماء رحلت مثل أحمد الطيب لعلج وحبيبة المذكوري وعزيز العلوي، ومثقفون كمحمد برادة ووفاء العمراني وحسن نجمي ونجيب العوفي ومراد القادري و.... كما عرف الفضاء استضافة شعراء عرب وأجانب وفرق ومجموعات موسيقية وإعلاميين مغاربة كفاطمة الإفريقي. ورشيد الصباحي و...
كما أسست الجمعية بمعية مؤسسة الشرق والغرب تجربة المقهى الثقافي شرق غرب في 2006 ،وكان الراحلان محمد بسطاوي ومحمد الحسين السلاوي وفاطمة عوام ونجاة الواعر ومصطفى تاه تاه وحنان إبراهيمي وإلهام زهيري ووسيلة صابحي وعزالدين منتصر ورشيد نيني، من ضيوفها. كما أسست الجمعية تجربة المقهى الثقافي إليغ بتنظيم ثلاثة لقاءات مع أمين الناجي وعادل أبا تراب ومحمد الأشراقي وآخرين، إضافة للمقهى الأدبي الأمل بالفضاء الجمعوي الأمل منذ 2012 بتنظيم لقاءات مفتوحة مع فنانين وكتاب وإعلاميين من بينهم اسمهان عمور ، عبد الكبير الركاكنة ، فرقة تكدة وأمين بنيوب وآخرين ..
وأضاف نور الدين أقشاني أن عدة فروع لجمعية الشعلة للتربية والثقافة اقتحمت هذا المجال بمدن تازة وسطات وخريبكة وقلعة السراغنة وأنزا والفقيه بن صالح، حيث نظمت لقاءات بعدة مقاه مما خلق إشعاعا ثقافيا وفنيا محليا. إلا أن هناك إكراهات عديدة جعلت تجربة الشعلة تتعثر، ومنها غياب الإمكانيات وعدم إيجاد مدعمين دائمين لمختلف التجارب التي أسستها الجمعية، وتوقيف بعضها رغم الإشعاع الكبير الذي خلقته منذ 2002، ، معتبرا أن تجربة المقهى الأدبي المنال تبقى متميزة لأنها عمرت لأزيد من سبع سنوات، ويعد هذا رقما قياسيا في كل التجارب التي عرفها المغرب .
ومن بين الإكراهات التي لعبت دورا في توقف بعض التجارب بعدد من المدن رغم إشعاع هذه المقاهي، ذكر أقشاني عدم التزام أصحاب المقاهي بضمان استمرار هذه الثقافة الجديدة ودعمها لغياب حس ثقافي لديهم، بالإضافة الى
غياب دعم المؤسسات المنتخبة رغم تنصيص ميزانيتها على دعم الثقافة المحلية، وعدم اهتمام الوزارة باقتراح مشاريع لتنمية المبادرة.
من بين التجارب التي توقفت ، ساق أقشاني تجربة مقهى لاكوميدي بفاس لصاحبه عز العرب الكغاط تجربة حولت تأسيس مقهى مسرحي كان ملتقى للمسرحيين ومرجعا للباحثين عن الثقافة من مهتمين وطلبة، التي لم تستمر، ثم تجربة مقهى الحرية الزرقاء بالمحمدية والتي كانت تجربة رائدة ، بالإضافة الى مقهى مازاغان بالجديدة لحبيبة الزوكي، وذلك لظروف خاصة، ومقهى النخيل بسوق أربعاء الغرب لها وكلها توقفت لأسباب لها ارتباط بالداعمين.
ليس هناك جمهور ثقافي بيضاوي
الدار البيضاء المدينة التي تعج بألوان كثيرة من وسائل التنشيط والترفيه، والتي تعيش شبه ركود على مستوى الحياة الثقافية المفتوحة على الفضاءات العامة، كانت الموطن الأصلي لتقليد الصالون الأدبي، خصوصا مع تجربة الكاتبة زهرة زيراوي وصالونها الأدبي منذ التسعينات والتي تطورت في ما بعد الى المقاهي الثقافية، حيث يقول الكاتب سعيد بوكرامي إن البذرة الأولى لهذه المبادرة الثقافية انطلقت منها، وبالضبط في 2007 بمبادرة من مجموعة من الأدباء والمثقفين بعيدا عن فعاليات المجتمع المدني، مضيفا أنه "قررنا بمعية مجموعة من الأدباء: مليكة فيراري، السعدية باحدة، مصطفى لغتيري، المهدي لعرج، مصطفى الدقاري، سعيد جومال، أحمد شكر، محمد أيت حنة، القيام بلمة أدبية بين الأصدقاء. وبالفعل كانت تجربة مهمة حركت الفضاء الثقافي بالبيضاء لتنتشر بعد ذلك فروع له في العديد من المدن المغربية.
وللخروج من الطابع الأرستقراطي للصالون، والانفتاح على شرائح وجمهور أوسع تحولت الفكرة الى المقهى الثقافي بحي الألفة التي اتخذ مقهى" بلادي" حضنا لأنشطته، التي سننقلها في ما بعد الى فضاء الاعمال الاجتماعية الهمذاني بشارع ابن سينا، حيث تتوفر جميع الشروط لإنضاج عرض ثقافي مميز وفي مستوى الحضور، عكس المقهى الذي له رواده والذين لا يمكن أن تفرض عليهم طقسا خاصا في مكان عام بالإضافة الى أرباب المقاهي الذين يفضلون العائد المادي أكثر."
ففي هذا الفضاء، أي الهمذاني، يضيف الأستاذ بوكرامي، كان إشعاع الصالون أكثر، حيث تم الانفتاح على أدباء مشارقة ومغاربيين وخليجيين وهي الفترة الممتدة ما بين 2007 و2010 ، حيث استضاف الصالون أسماء لامعة مثل محمد بنطلحة، أحمد بوزفور، محمد بنيس، إدريس الملياني".
إن أكثر ما يِؤاخذ على هذه التجربة أنها عوض أن تصالح الثقافة مع جمهورها، انغلقت على ذاتها ولم تخرج من دائرة النخبوية، فمعظم الحضور يتكون من الأدباء والثقفين، وهو ما نفاه بوكرامي قائلا "إنه من خلال تجربة الصالون الادبي بالبيضاء، فإن كل أديب استضافه الصالون كان يرافقه جمهور من المهتمين والطلبة كما حدث عند استضافتنا للكاتب محمد بنيس"، مؤكدا أن التجديد في أدوات الاشتغال والانفتاح على جميع الاشكال التفافية يضخ دماء جديدة في شرايين الصالون، حيث يتنوع الجمهور بتنوع العرض. فقد قام الصالون منذ شهر بلقاء لتوقيع كتاب الاستاذ عبد الغني عارف الاخير" مرايا الظلال" بشراكة مع أكاديمية وزارة التربية الوطنية بالبيضاء، وبعده أقمنا لقاء زجليا بامتياز جمع الزجال ادريس بلعطار والزجالة نهاد بنعكيدة. فلكل لقاء جمهوره وهذه ميزة تحسب للصالون، مضيفا أنه لا يمكن إرضاء الجمهور الثقافي مهما فعلت . أما بالنسبة للجمهور الثقافي بالبيضاء فهو غير موجود، حيث يمكن الحديث فقط عن الجمهور الموسيقي والكروي .ففي لقاء وطني مثلا وبتنظيم من وزارة الثقافة نفسها، وبالرغم من حضور اسم لامع ثقافيا، لا يحضر إلا 10 أشخاص. فالمشكل، يؤكد بوكرامي، يكمن في أولوية الثقافة وأهميتها عند المواطن. ففكرة المقهى الأدبي يجب أن تصبح تقليدا وسلوكا عند المغاربة مثلما كانت زيارة السينما والمسرح في السبعينات تقليدا ، دون أن يفصل أسباب محدودية هذه التجربة عن سياقها العام وهو أزمة القراءة التي تتداخل فيها عوامل عدة تبدأ من التربية الى الاختيارات المؤسسية.
هذه ضريبة الثقافة نؤديها بحب للآسفيين
تجربة المقهى الأدبي بأسفي تبقى متفردة من حيث بواعثها ومن حيث إشعاعها، فالفكرة كانت بمبادرة فردية من شخص مسته لوثة القراءة والثقافة منذ الستينيات، أيام كان طالبا حيث كان شغوفا بالقراءة من الأدب الى السياسة وكل ينابيع المعرفة.
هذا الشخص لم يكن سوى المحامي امحمد الشقوري ابن أسفي، ونائب رئيس شبكة المقاهي الأدبية بالمغرب، الذي لم يستكن لاحتضار الثقافة بمدينته ولم يختر مقعد المتفرج على ينابيع معرفة تجف . فكانت فكرة المقهى الأدبي للم شتات مثقفي وأدباء وسياسيي المدينة كخطوة أولى قبل الانفتاح على عالم الثقافة وطنيا دوليا. فقد خصص هذا المحامي جزءا من بيته ، وكثيرا من وقته وجهده لرعاية هذا الجنين حتى اكتمل نموه، بعد أن لمس حاجة الأصدقاء المتحلقين كل صباح بأحد مقاهي المدينة للتداول في قضايا مشتركة، توزعت ما بين المحلي والوطني والكوني.
"البداية، كما يقول الاستاذ الشقوري ، كانت في 2004، وبتنظيم شخصي حيث خصصت الطابق السفلي من منزلي للمقهى وتم تأثيث الفضاء على نفقتي بخزانتين ولوحات فنية . في البداية استضفنا الأساتذة إدريس الكراوي، حبيب المالكي للحديث عن الازمة الاقتصادية، ثم محمد اليازغي لتوقيع ومناقشة كتابه "سيرة وطن مسيرة حزب" محمد الاشعري، حسن نجمي، عبد الله الساعف، الدكتور مصطفى حدية، محمد ظريف ،عبد اللطيف اللعبي، حسن أوريد لتوقيع كتابه "مرآة المغرب المنكسرة" ، واصف منصور لمناقشة وتوقيع كتابه "بعض مني"، أساتذة الكلية المتعددة الاختصاصات بأسفي، لقاءات شعرية، فنية ولقاء محلي لممثلي الاحزاب السياسية بالمدينة لتقييم التجربة الحكومية، لتتوالى المواضيع التي توزعت بين الشأن العام والشأن المحلي. فمثلا ناقشنا مواضيع الجهوية، الحكم الذاتي، وقمنا بتواقيع لعدد من الكتب"'.
هذا التنوع في المواضيع التي تناولها المقهى الأدبي بأسفي، أملته طبيعة رواد المقهى، يقول الاستاذ الشقوري "فبينهم، السياسي، التاجر، الأستاذ، المناضل، الكاتب... حيث أن الانشطة لا تقتصر على تيار سياسي معين، فالمقهى ملتقى لكل التيارات الفكرية والهدف منه هو الحوار والإنصات الى الآخر. وفي هذا الاطار استضفنا في أحد اللقاءات حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والطليعة، بتأطير من أساتذة جامعيين مهتمين" حتى يبقى المقهى مواكبا لكل الاحداث الادبية و السياسية والقانونية والدستورية بالمغرب.
ينظم المقهى لقاء الى اثنين كل شهر، حيث أن التجربة التي انطلقت لملء الفراغ الثقافي بالمدينة، لقيت إقبالا كبيرا من المجتمع المدني وتعطشا للمعرفة والنقاش، وهو ما دفع المقهى الى عقد شراكات مع وزارة الثقافة التي نظمت مندوبيتها بالمدينة عدة لقاءات بالمقهى الادبي قبل تأسيس مدينة الفنون، ثم مع جمعيات المجتمع المدني وكذا مع الكلية المتعددة الاختصاصات بأسفي ، إلا أن هذا الإقبال لم يمنع من وجود عوائق أغلبها كما يؤكد الشقوري يبقى ماديا، حيث يتحمل شخصيا جميع الالتزامات المالية من تغذية ومبيت وملصقات ومراسلات لكنه يعتبر ذلك ضئيلا أمام الربح المعنوي للمدينة وأبنائها بل واجبا، في انتظار منح مساعدات من المجالس المحلية للمقاهي الادبية بعد تأسيس الشبكة الوطنية للمقاهي الأدبية بالمغرب، بالإضافة الى عوائق البداية حيث يبقى اختلاف وجهات النظر بين الاعضاء عاملا مفرملا لكل عمل، ما دفع الاستاذ الشقوري الى العمل الفردي ليضمن استمرارية المقهى وبالتالي الهدف من إنشائه، معتبرا أن ما يحركه هو حب المعرفة خاتما كلامه: "هذه ضريبة حب الثقافة والعلم، نؤديها بكل حب".
"الحورية الزرقاء" ذكرى من الزمن الجميل
لمة مثقفي المحمدية وصحفييها وكتابها، انطلقت في نهاية 1999 في تجربة لم يكتب لها الظهور بسبب رفض الترخيص لإقامة مقهى أدبي للمدينة من طرف باشا المدينة أنذاك، هذا الرفض الذي لم يثن صاحب الفكرة والمقهى عن إخراج مشروعه الى العلن. ففي بداية سنة 2000، قرر الكاتب مصطفى الغزلاني خوض التحدي من جديد فاستدعى صحفيي المحمدية للقاء داخل المقهى استضاف فيه في لقاء أول الكاتب أحمد بوزفور. بعد يومين فقط، يضيف الغزلاني، اتصل به الباشا الجديد للمدينة الذي رحب بالفكرة بالنظر الى تكوينه الجمعوي وإلمامه بهذا التقليد الثقافي في الغرب والمشرق.
وتلك كانت الولادة الحقيقة للمقهى الذي نظم ما بين 52 الى 60 لقاء الى حدود 2011.
هذه اللقاءات توزعت بين الأمسيات الشعرية، اللقاءات النقدية والفلسفية، تواقيع كتب، كل ذلك وفق برنامج محدد.
وكان الهدف هو أن يقتسم المثقف والمواطن البرج العاجي للثقافة للتقارب وخلق جسر معرفي من المجتمع والى المجتمع دون أي تدخل مؤسساتي، بالإضافة الى خلق تفاعل اجتماعي، التشجيع على القراءة والابداع".
يعتبر مصطفى الغزلاني أن أهم ما حققته تجربة "أصدقاء الحورية الزرقاء" هو التقعيد لهذه الممارسة ، إذ بعد سنتين تعممت التجربة على جميع المدن المغربية وهذا في نظره أكبر رهان حققه المقهى، بالإضافة الى الصداقات التي جمعت المثقفين ورواد المقهى حيث أصبح بإمكان أي مواطن التقاء شاعر، ناقد، كاتب، مشيرا الى محاولة سابقة لاحتواء المقهى رسميا بمنحه دعما، وهو ما رفضه الغزلاني معتبرا أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام المتطفلين الذين يتحينون مثل هذه الفرص بعيدا عن فكرة التطوع التي هي أس هذه التجربة.
يرجع الغزلاني أسباب توقف المقهى الأدبي بالمحمدية بعد 11 سنة من العطاء الثقافي ، استضاف فيها المقهى أسماء وازنة في الحقل الثقافي المغربي، الى سببين، أولهما محلي لغياب رؤية قطاعية للكورنيش المتواجد يه المقهى، لدى القائمين على الشأن المحلي بالمحمدية وعدم تهيئته ما يؤدي الى ضعف الاستثمار به ما دفعه الى بيعه. وثانيهما شخصي اختزله في عدم استيعاب المثقفين أنفسهم لفكرة المقهى الذي أراده منذ البداية فضاء للتلاقي ومكانا رمزيا للثقافة بالمدينة، حيث لم يلمس في رواده قوة اقتراحية ورغبة أكيدة في تكريس هذا التقليد، مؤكدا على أن أهم مكسب حققه هو تكوين صداقات جميلة مع المثقفين داخل المغرب وخارجه وأن الجميع مازال يتذكر هذه التجربة التي رغم توقفها بالمحمدية، مازال ملتزما بالحفاظ عليها من خلال اشتغاله مع بعض المثقفين بمقهى بولو ببن سليمان.
التشبيك ، الدعم ..
بداية أم نهاية؟
في خطوة لتجميع التجارب وإغناء هذه الثقافة الجديدة ، تم تأسيس شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب على هامش اللقاء الوطني الخامس للمقاهي الثقافية بالمغرب، المنظم في أواخر مارس الماضي، والذي ركزت أغلب المداخلات خلاله كما يؤكد رئيسها نور الدين أقشاني" ركزت على
أهمية هذا الفعل الثقافي الذي بدأ يجد مكانا له في المشهد الثقافي رغم تعثر بعض التجارب ، وعدم ديمومة أخريات لظروف مادية بالدرجة الأولى .
كما ركزت مداخلة منظمي اللقاء الوطني على ضرورة دعم هذه المبادرة الثقافية من طرف وزارة الثقافة والمجالس المنتخبة التي تتوفر على بند في الميزانية خاص بالمجال الثقافي ، مع استحضار الدور الهام للقطاع الخاص في إشعاع هذه الثقافة الجديدة التي انطلقت في منتصف التسعينات .
وأضاف أقشاني على دور المؤسسات الثقافية الفاعلة في تعضيد هذا المكسب أنه يمكن لاتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر في المغرب أن يكونا شريكين مع شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب - التي تأسست على هامش اللقاء - مستقبلا لتعميم هذه التجربة وتطويرها، دون نسيان الدور الريادي للساهرين على الشأن الثقافي لإعطاء الأهمية لهذا النموذج الثقافي الذي يستحق التشجيع والدعم" .
وتماشيا مع توصيات اللقاء الأخير بالرباط ستعتمد الشبكة لامركزية الأنشطة ، والانفتاح على مختلف المجالات المعرفية واتساع الشبكة بالتحاق مقاه وفضاءات ثقافية وصالونات أدبية تشتغل في أكثر من مدينة "لرسم استراتيجية وطنية لخدمة الثقافة المغربية، والاحتفاء بالمبدع المغربي بالدرجة الأولى مع جمهور لم يتعود على إقحام الثقافة والفن في فضاء عام، بعيدا عن القاعات ذات الأربعة جدران" يقول رئيس الشبكة مع التأكيد على أن باب الالتحاق بالشبكة مازال مفتوحا أمام منظمي المقاهي الأدبية والثقافية والصالونات الأدبية.
فكرة المأسسة، علق عليها الكاتب مصطفى الغزلاني بأنها قد تخرج الفكرة من طرحها العادي والعفوي الى الرمس، موضحا أنه " عندما نمؤسس فإننا نخرج من التواصل الاجتماعي المحض لنصبح أمام مؤسسة رسمية وهنا تتدخل عدة معايير وشروط قد تؤدي الى تدمير الفكرة ومع ذلك نتمنى التوفيق للأصدقاء للحفاظ على هذه البوابة الاضافية للفعل الثقافي بالمغرب".
حفيظة الفارسي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 09 - 2015
بعد ما يقارب 13 سنوات من التجربة، حاولنا استقراء أفق هذه المبادرة، هل حققت مصالحة الثقافة مع جمهورها أم ظلت حبيسة النخبوبة؟ ماهي الكوابح التي أعاقت الفكرة وحدت من إشعاعها وزخمها الذي ظهرت به في بداياتها؟.
مقهى بوليز محطة الانطلاق
انطلقت تجربة المقاهي الأدبية / الثقافية بيعقوب المنصور بالرباط من طرف جمعية الشعلة للتربية والثقافة في فبراير 2002 بالمقهى الأدبي بوليز بالمركب التجاري المنال، يصرح الاستاذ نور الدين أقشاني رئيس شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب في خطوة لانفتاح الأدباء على جمهور الثقافة بعيدا عن الفضاءات التقليدية التي يبقى جمهورها محدد سلفا. رغم أن هذه الثقافة الجديدة انطلقت في منتصف التسعينات من طرف اتحاد كتاب المغرب بحديقة الجامعة العربية بالبيضاء وبمقاهي باليما وكموفل بالرباط، لكن لم تكتب لها الاستمرارية.
بداية المقهى الادبي بالرباط كانت باستضافة الشاعر ووزير الثقافة والاتصال أنذاك محمد الأشعري في لقاء مفتوح استقطب فعاليات ثقافية وفنية وسياسية وجمعوية، أكدت كلها على أهمية هذه المبادرة الثقافية الأولى بيعقوب المنصور. وتلتها عدة لقاءات فاقت 50 إلى حدود 2009 وقد تمت استضافة ثريا جبران وسالم حميش ومحمد الكحص كوزراء .
هذه اللقاءات استضافت أزيد من 150 ضيفا منهم فنانون : نعيمة لمشرقي، ياسين أحجام ، عبد الخالق فهيد، عبد الكبير الركاكنة ،سعيدة باعدي، محمد باجدوب، نعمان لحلو، فريد الركراكي، محمد خويي، بنعيسى الجيراري ، لطيفة أحرار، عبد الإله عاجل ، لطيفة جبابدي ، نعيمة إلياس وعمر السيد وفاطمة تحيحيت وآخرون .... إضافة لأسماء رحلت مثل أحمد الطيب لعلج وحبيبة المذكوري وعزيز العلوي، ومثقفون كمحمد برادة ووفاء العمراني وحسن نجمي ونجيب العوفي ومراد القادري و.... كما عرف الفضاء استضافة شعراء عرب وأجانب وفرق ومجموعات موسيقية وإعلاميين مغاربة كفاطمة الإفريقي. ورشيد الصباحي و...
كما أسست الجمعية بمعية مؤسسة الشرق والغرب تجربة المقهى الثقافي شرق غرب في 2006 ،وكان الراحلان محمد بسطاوي ومحمد الحسين السلاوي وفاطمة عوام ونجاة الواعر ومصطفى تاه تاه وحنان إبراهيمي وإلهام زهيري ووسيلة صابحي وعزالدين منتصر ورشيد نيني، من ضيوفها. كما أسست الجمعية تجربة المقهى الثقافي إليغ بتنظيم ثلاثة لقاءات مع أمين الناجي وعادل أبا تراب ومحمد الأشراقي وآخرين، إضافة للمقهى الأدبي الأمل بالفضاء الجمعوي الأمل منذ 2012 بتنظيم لقاءات مفتوحة مع فنانين وكتاب وإعلاميين من بينهم اسمهان عمور ، عبد الكبير الركاكنة ، فرقة تكدة وأمين بنيوب وآخرين ..
وأضاف نور الدين أقشاني أن عدة فروع لجمعية الشعلة للتربية والثقافة اقتحمت هذا المجال بمدن تازة وسطات وخريبكة وقلعة السراغنة وأنزا والفقيه بن صالح، حيث نظمت لقاءات بعدة مقاه مما خلق إشعاعا ثقافيا وفنيا محليا. إلا أن هناك إكراهات عديدة جعلت تجربة الشعلة تتعثر، ومنها غياب الإمكانيات وعدم إيجاد مدعمين دائمين لمختلف التجارب التي أسستها الجمعية، وتوقيف بعضها رغم الإشعاع الكبير الذي خلقته منذ 2002، ، معتبرا أن تجربة المقهى الأدبي المنال تبقى متميزة لأنها عمرت لأزيد من سبع سنوات، ويعد هذا رقما قياسيا في كل التجارب التي عرفها المغرب .
ومن بين الإكراهات التي لعبت دورا في توقف بعض التجارب بعدد من المدن رغم إشعاع هذه المقاهي، ذكر أقشاني عدم التزام أصحاب المقاهي بضمان استمرار هذه الثقافة الجديدة ودعمها لغياب حس ثقافي لديهم، بالإضافة الى
غياب دعم المؤسسات المنتخبة رغم تنصيص ميزانيتها على دعم الثقافة المحلية، وعدم اهتمام الوزارة باقتراح مشاريع لتنمية المبادرة.
من بين التجارب التي توقفت ، ساق أقشاني تجربة مقهى لاكوميدي بفاس لصاحبه عز العرب الكغاط تجربة حولت تأسيس مقهى مسرحي كان ملتقى للمسرحيين ومرجعا للباحثين عن الثقافة من مهتمين وطلبة، التي لم تستمر، ثم تجربة مقهى الحرية الزرقاء بالمحمدية والتي كانت تجربة رائدة ، بالإضافة الى مقهى مازاغان بالجديدة لحبيبة الزوكي، وذلك لظروف خاصة، ومقهى النخيل بسوق أربعاء الغرب لها وكلها توقفت لأسباب لها ارتباط بالداعمين.
ليس هناك جمهور ثقافي بيضاوي
الدار البيضاء المدينة التي تعج بألوان كثيرة من وسائل التنشيط والترفيه، والتي تعيش شبه ركود على مستوى الحياة الثقافية المفتوحة على الفضاءات العامة، كانت الموطن الأصلي لتقليد الصالون الأدبي، خصوصا مع تجربة الكاتبة زهرة زيراوي وصالونها الأدبي منذ التسعينات والتي تطورت في ما بعد الى المقاهي الثقافية، حيث يقول الكاتب سعيد بوكرامي إن البذرة الأولى لهذه المبادرة الثقافية انطلقت منها، وبالضبط في 2007 بمبادرة من مجموعة من الأدباء والمثقفين بعيدا عن فعاليات المجتمع المدني، مضيفا أنه "قررنا بمعية مجموعة من الأدباء: مليكة فيراري، السعدية باحدة، مصطفى لغتيري، المهدي لعرج، مصطفى الدقاري، سعيد جومال، أحمد شكر، محمد أيت حنة، القيام بلمة أدبية بين الأصدقاء. وبالفعل كانت تجربة مهمة حركت الفضاء الثقافي بالبيضاء لتنتشر بعد ذلك فروع له في العديد من المدن المغربية.
وللخروج من الطابع الأرستقراطي للصالون، والانفتاح على شرائح وجمهور أوسع تحولت الفكرة الى المقهى الثقافي بحي الألفة التي اتخذ مقهى" بلادي" حضنا لأنشطته، التي سننقلها في ما بعد الى فضاء الاعمال الاجتماعية الهمذاني بشارع ابن سينا، حيث تتوفر جميع الشروط لإنضاج عرض ثقافي مميز وفي مستوى الحضور، عكس المقهى الذي له رواده والذين لا يمكن أن تفرض عليهم طقسا خاصا في مكان عام بالإضافة الى أرباب المقاهي الذين يفضلون العائد المادي أكثر."
ففي هذا الفضاء، أي الهمذاني، يضيف الأستاذ بوكرامي، كان إشعاع الصالون أكثر، حيث تم الانفتاح على أدباء مشارقة ومغاربيين وخليجيين وهي الفترة الممتدة ما بين 2007 و2010 ، حيث استضاف الصالون أسماء لامعة مثل محمد بنطلحة، أحمد بوزفور، محمد بنيس، إدريس الملياني".
إن أكثر ما يِؤاخذ على هذه التجربة أنها عوض أن تصالح الثقافة مع جمهورها، انغلقت على ذاتها ولم تخرج من دائرة النخبوية، فمعظم الحضور يتكون من الأدباء والثقفين، وهو ما نفاه بوكرامي قائلا "إنه من خلال تجربة الصالون الادبي بالبيضاء، فإن كل أديب استضافه الصالون كان يرافقه جمهور من المهتمين والطلبة كما حدث عند استضافتنا للكاتب محمد بنيس"، مؤكدا أن التجديد في أدوات الاشتغال والانفتاح على جميع الاشكال التفافية يضخ دماء جديدة في شرايين الصالون، حيث يتنوع الجمهور بتنوع العرض. فقد قام الصالون منذ شهر بلقاء لتوقيع كتاب الاستاذ عبد الغني عارف الاخير" مرايا الظلال" بشراكة مع أكاديمية وزارة التربية الوطنية بالبيضاء، وبعده أقمنا لقاء زجليا بامتياز جمع الزجال ادريس بلعطار والزجالة نهاد بنعكيدة. فلكل لقاء جمهوره وهذه ميزة تحسب للصالون، مضيفا أنه لا يمكن إرضاء الجمهور الثقافي مهما فعلت . أما بالنسبة للجمهور الثقافي بالبيضاء فهو غير موجود، حيث يمكن الحديث فقط عن الجمهور الموسيقي والكروي .ففي لقاء وطني مثلا وبتنظيم من وزارة الثقافة نفسها، وبالرغم من حضور اسم لامع ثقافيا، لا يحضر إلا 10 أشخاص. فالمشكل، يؤكد بوكرامي، يكمن في أولوية الثقافة وأهميتها عند المواطن. ففكرة المقهى الأدبي يجب أن تصبح تقليدا وسلوكا عند المغاربة مثلما كانت زيارة السينما والمسرح في السبعينات تقليدا ، دون أن يفصل أسباب محدودية هذه التجربة عن سياقها العام وهو أزمة القراءة التي تتداخل فيها عوامل عدة تبدأ من التربية الى الاختيارات المؤسسية.
هذه ضريبة الثقافة نؤديها بحب للآسفيين
تجربة المقهى الأدبي بأسفي تبقى متفردة من حيث بواعثها ومن حيث إشعاعها، فالفكرة كانت بمبادرة فردية من شخص مسته لوثة القراءة والثقافة منذ الستينيات، أيام كان طالبا حيث كان شغوفا بالقراءة من الأدب الى السياسة وكل ينابيع المعرفة.
هذا الشخص لم يكن سوى المحامي امحمد الشقوري ابن أسفي، ونائب رئيس شبكة المقاهي الأدبية بالمغرب، الذي لم يستكن لاحتضار الثقافة بمدينته ولم يختر مقعد المتفرج على ينابيع معرفة تجف . فكانت فكرة المقهى الأدبي للم شتات مثقفي وأدباء وسياسيي المدينة كخطوة أولى قبل الانفتاح على عالم الثقافة وطنيا دوليا. فقد خصص هذا المحامي جزءا من بيته ، وكثيرا من وقته وجهده لرعاية هذا الجنين حتى اكتمل نموه، بعد أن لمس حاجة الأصدقاء المتحلقين كل صباح بأحد مقاهي المدينة للتداول في قضايا مشتركة، توزعت ما بين المحلي والوطني والكوني.
"البداية، كما يقول الاستاذ الشقوري ، كانت في 2004، وبتنظيم شخصي حيث خصصت الطابق السفلي من منزلي للمقهى وتم تأثيث الفضاء على نفقتي بخزانتين ولوحات فنية . في البداية استضفنا الأساتذة إدريس الكراوي، حبيب المالكي للحديث عن الازمة الاقتصادية، ثم محمد اليازغي لتوقيع ومناقشة كتابه "سيرة وطن مسيرة حزب" محمد الاشعري، حسن نجمي، عبد الله الساعف، الدكتور مصطفى حدية، محمد ظريف ،عبد اللطيف اللعبي، حسن أوريد لتوقيع كتابه "مرآة المغرب المنكسرة" ، واصف منصور لمناقشة وتوقيع كتابه "بعض مني"، أساتذة الكلية المتعددة الاختصاصات بأسفي، لقاءات شعرية، فنية ولقاء محلي لممثلي الاحزاب السياسية بالمدينة لتقييم التجربة الحكومية، لتتوالى المواضيع التي توزعت بين الشأن العام والشأن المحلي. فمثلا ناقشنا مواضيع الجهوية، الحكم الذاتي، وقمنا بتواقيع لعدد من الكتب"'.
هذا التنوع في المواضيع التي تناولها المقهى الأدبي بأسفي، أملته طبيعة رواد المقهى، يقول الاستاذ الشقوري "فبينهم، السياسي، التاجر، الأستاذ، المناضل، الكاتب... حيث أن الانشطة لا تقتصر على تيار سياسي معين، فالمقهى ملتقى لكل التيارات الفكرية والهدف منه هو الحوار والإنصات الى الآخر. وفي هذا الاطار استضفنا في أحد اللقاءات حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والطليعة، بتأطير من أساتذة جامعيين مهتمين" حتى يبقى المقهى مواكبا لكل الاحداث الادبية و السياسية والقانونية والدستورية بالمغرب.
ينظم المقهى لقاء الى اثنين كل شهر، حيث أن التجربة التي انطلقت لملء الفراغ الثقافي بالمدينة، لقيت إقبالا كبيرا من المجتمع المدني وتعطشا للمعرفة والنقاش، وهو ما دفع المقهى الى عقد شراكات مع وزارة الثقافة التي نظمت مندوبيتها بالمدينة عدة لقاءات بالمقهى الادبي قبل تأسيس مدينة الفنون، ثم مع جمعيات المجتمع المدني وكذا مع الكلية المتعددة الاختصاصات بأسفي ، إلا أن هذا الإقبال لم يمنع من وجود عوائق أغلبها كما يؤكد الشقوري يبقى ماديا، حيث يتحمل شخصيا جميع الالتزامات المالية من تغذية ومبيت وملصقات ومراسلات لكنه يعتبر ذلك ضئيلا أمام الربح المعنوي للمدينة وأبنائها بل واجبا، في انتظار منح مساعدات من المجالس المحلية للمقاهي الادبية بعد تأسيس الشبكة الوطنية للمقاهي الأدبية بالمغرب، بالإضافة الى عوائق البداية حيث يبقى اختلاف وجهات النظر بين الاعضاء عاملا مفرملا لكل عمل، ما دفع الاستاذ الشقوري الى العمل الفردي ليضمن استمرارية المقهى وبالتالي الهدف من إنشائه، معتبرا أن ما يحركه هو حب المعرفة خاتما كلامه: "هذه ضريبة حب الثقافة والعلم، نؤديها بكل حب".
"الحورية الزرقاء" ذكرى من الزمن الجميل
لمة مثقفي المحمدية وصحفييها وكتابها، انطلقت في نهاية 1999 في تجربة لم يكتب لها الظهور بسبب رفض الترخيص لإقامة مقهى أدبي للمدينة من طرف باشا المدينة أنذاك، هذا الرفض الذي لم يثن صاحب الفكرة والمقهى عن إخراج مشروعه الى العلن. ففي بداية سنة 2000، قرر الكاتب مصطفى الغزلاني خوض التحدي من جديد فاستدعى صحفيي المحمدية للقاء داخل المقهى استضاف فيه في لقاء أول الكاتب أحمد بوزفور. بعد يومين فقط، يضيف الغزلاني، اتصل به الباشا الجديد للمدينة الذي رحب بالفكرة بالنظر الى تكوينه الجمعوي وإلمامه بهذا التقليد الثقافي في الغرب والمشرق.
وتلك كانت الولادة الحقيقة للمقهى الذي نظم ما بين 52 الى 60 لقاء الى حدود 2011.
هذه اللقاءات توزعت بين الأمسيات الشعرية، اللقاءات النقدية والفلسفية، تواقيع كتب، كل ذلك وفق برنامج محدد.
وكان الهدف هو أن يقتسم المثقف والمواطن البرج العاجي للثقافة للتقارب وخلق جسر معرفي من المجتمع والى المجتمع دون أي تدخل مؤسساتي، بالإضافة الى خلق تفاعل اجتماعي، التشجيع على القراءة والابداع".
يعتبر مصطفى الغزلاني أن أهم ما حققته تجربة "أصدقاء الحورية الزرقاء" هو التقعيد لهذه الممارسة ، إذ بعد سنتين تعممت التجربة على جميع المدن المغربية وهذا في نظره أكبر رهان حققه المقهى، بالإضافة الى الصداقات التي جمعت المثقفين ورواد المقهى حيث أصبح بإمكان أي مواطن التقاء شاعر، ناقد، كاتب، مشيرا الى محاولة سابقة لاحتواء المقهى رسميا بمنحه دعما، وهو ما رفضه الغزلاني معتبرا أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام المتطفلين الذين يتحينون مثل هذه الفرص بعيدا عن فكرة التطوع التي هي أس هذه التجربة.
يرجع الغزلاني أسباب توقف المقهى الأدبي بالمحمدية بعد 11 سنة من العطاء الثقافي ، استضاف فيها المقهى أسماء وازنة في الحقل الثقافي المغربي، الى سببين، أولهما محلي لغياب رؤية قطاعية للكورنيش المتواجد يه المقهى، لدى القائمين على الشأن المحلي بالمحمدية وعدم تهيئته ما يؤدي الى ضعف الاستثمار به ما دفعه الى بيعه. وثانيهما شخصي اختزله في عدم استيعاب المثقفين أنفسهم لفكرة المقهى الذي أراده منذ البداية فضاء للتلاقي ومكانا رمزيا للثقافة بالمدينة، حيث لم يلمس في رواده قوة اقتراحية ورغبة أكيدة في تكريس هذا التقليد، مؤكدا على أن أهم مكسب حققه هو تكوين صداقات جميلة مع المثقفين داخل المغرب وخارجه وأن الجميع مازال يتذكر هذه التجربة التي رغم توقفها بالمحمدية، مازال ملتزما بالحفاظ عليها من خلال اشتغاله مع بعض المثقفين بمقهى بولو ببن سليمان.
التشبيك ، الدعم ..
بداية أم نهاية؟
في خطوة لتجميع التجارب وإغناء هذه الثقافة الجديدة ، تم تأسيس شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب على هامش اللقاء الوطني الخامس للمقاهي الثقافية بالمغرب، المنظم في أواخر مارس الماضي، والذي ركزت أغلب المداخلات خلاله كما يؤكد رئيسها نور الدين أقشاني" ركزت على
أهمية هذا الفعل الثقافي الذي بدأ يجد مكانا له في المشهد الثقافي رغم تعثر بعض التجارب ، وعدم ديمومة أخريات لظروف مادية بالدرجة الأولى .
كما ركزت مداخلة منظمي اللقاء الوطني على ضرورة دعم هذه المبادرة الثقافية من طرف وزارة الثقافة والمجالس المنتخبة التي تتوفر على بند في الميزانية خاص بالمجال الثقافي ، مع استحضار الدور الهام للقطاع الخاص في إشعاع هذه الثقافة الجديدة التي انطلقت في منتصف التسعينات .
وأضاف أقشاني على دور المؤسسات الثقافية الفاعلة في تعضيد هذا المكسب أنه يمكن لاتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر في المغرب أن يكونا شريكين مع شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب - التي تأسست على هامش اللقاء - مستقبلا لتعميم هذه التجربة وتطويرها، دون نسيان الدور الريادي للساهرين على الشأن الثقافي لإعطاء الأهمية لهذا النموذج الثقافي الذي يستحق التشجيع والدعم" .
وتماشيا مع توصيات اللقاء الأخير بالرباط ستعتمد الشبكة لامركزية الأنشطة ، والانفتاح على مختلف المجالات المعرفية واتساع الشبكة بالتحاق مقاه وفضاءات ثقافية وصالونات أدبية تشتغل في أكثر من مدينة "لرسم استراتيجية وطنية لخدمة الثقافة المغربية، والاحتفاء بالمبدع المغربي بالدرجة الأولى مع جمهور لم يتعود على إقحام الثقافة والفن في فضاء عام، بعيدا عن القاعات ذات الأربعة جدران" يقول رئيس الشبكة مع التأكيد على أن باب الالتحاق بالشبكة مازال مفتوحا أمام منظمي المقاهي الأدبية والثقافية والصالونات الأدبية.
فكرة المأسسة، علق عليها الكاتب مصطفى الغزلاني بأنها قد تخرج الفكرة من طرحها العادي والعفوي الى الرمس، موضحا أنه " عندما نمؤسس فإننا نخرج من التواصل الاجتماعي المحض لنصبح أمام مؤسسة رسمية وهنا تتدخل عدة معايير وشروط قد تؤدي الى تدمير الفكرة ومع ذلك نتمنى التوفيق للأصدقاء للحفاظ على هذه البوابة الاضافية للفعل الثقافي بالمغرب".
حفيظة الفارسي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 09 - 2015