د. سيد شعبان - من أين أسرد؟

منذ فترة تساءل كثيرون: من أين آتي بكل هذا الحكي؟
هذا سؤال إجابته تحتاج بوحا صادقا؛ كل إنسان منا لديه القدرة أن يناغم بمفرداته أو أن يعزف بنايه أو أن يضرب على أوتار عوده، في الحقل يتراقص النبات ، تهتز الأشجار، تلهو الحملان وراء أمهاتها، في النهر تتماوج الأسماك طربا.
ظن بعض من أهلي أنني ألخص الكتب ومن ثم أكتب؛ نعم فما الأسد إلا خراف تغذوه.
لست أدعي العبقرية أو التفرد؛ إنها محاولات لتوسعة رئة التنفس في ذاك العالم المطبق بثقله يحاصرني ليل نهار، ثمة هاتف ينبعث من داخلي؛ أن أمسك بقلمي، عالمي مملوء بحكايات الأجداد هؤلاء الذين هم ملح أرض الوطن؛ بالفأس والمحراث والثيران عزفوا لحنا أخضر فوق الثرى، لم يستطعموا سوط الجلاد، ولا ركنوا يوما لأتابك، كان الليل والنجم دليل هداية، لونهم من البرونز أظهر، أعوادهم تنتصب في عزة وشموخ، النداهة تسرق الجدات في ليالي الشتاء الطويلة ومن ثم تحلو الحكايات التي نتناعس خوفا من دقات الجن على الأبواب، أرانب تعدو وتمرح فوق صفحة النهر، عراك حول الوجاهة التي دائما ما تجلب الهجانة بإبلهم ليحكموا الخناق على الحواري والأزقة.
من تلك الخبرات ومن الكتب التي صنعت لي عالما يوازي واقعي؛ المتنبي بخيله وشهوة نفسه، أبي زيد الهلالي وعالمه؛ الظاهر بيبرس وحواديت المحروسة وبوابة المتولي، قلعة الجبل والمماليك الذين أريقت دماؤهم فسالت أنهارا حتي شارع النحاسين ودرب الجماميز.
من حديث الخيانة الذي عجنته " المكرونة" أيام الخديو سعيد؛ خنفس والكلب ولس؛ يوم وقف البطل عرابي في الميدان، والولي محمد عبيد وقد انصهر روحا في حب هذا الوطن، في بيتنا ألف رجل ورجل؛لم يطو بعد سجل الفخار.
من الحب الذي امتزج بدفق دمي؛ وجهها الملائكي، يوم كانت وردة تخطو، حلم النجاح الذي زها به أبي، الجامعة التي تدق كل آونة ساعتها.
عالمي يتسع وراء الحدود، يعانق عمر المختار كما يفخر بسليمان الحلبي، يرى العرب أمجادا، تطربه النغمة وتشده البسمة.
لهذا أكتب وسأظل أحلم بعالم جميل؛ تختفي منه أقنعة الظلام، أرسو بسفينتي عند شاطيء النهر الذي شرب منه أجدادي، زرعوا أرضهم وردا وقمحا وسقوا لبنا خالصا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى