#إشراق
(مُرافعةُ الصبّ على مُقامِ السّهد.)
بقلم: طلعت قديح (فلسطين)
صبٌّ أنا، والسّهد يوجع خافقي
فارحم هجودي، إنّني لك ألجأ
لم ألق في كوني سواك مُآزرا
انت الرّحيم، وأنت، نِعم الملجأُ
د.نهاد المعلاوي
........
والصبّ إدراك لغير مدركٍ في عالم كان الخفقُ مداره الأشهى، يصيّر أحاسيس ذات حمأة من كبرياء النفس، فانسكبت ذائقة التعريف بالذات بالقول "صبُّ أنا"، ففي البيان حالان:
الأول التحام مبدئي وتأصيل لمعرفة محققة بذكرها في أول الحرف، وهي إقرار بدخول حلبة الصبّ "العشق"، وعلى هذا نرى أن اللاحق يفرز مآلات كينونة الصبّ، وبوتقة عالم الأنا.
ولأن البدء اشتعال الكلم، فكان التعريف الأولي؛ تعريف إشارة، والتعريف الثاني؛ صيرورة تلك الإشارة ومتبوعاتها.
وفي تفسيرات الكلم؛ أميل للبحث عن مخفيات المقاصد ومرويات المتخفّى من خلف ستار؛ قدّ البوح، فتناثرت شظايا رقيقة، تلثم استفهامات الذكر.
وفي السّهد أرق البال بحذر عدم استطاعة الغفو طوعا؛ فعالج الكلم ذاته، بتعليل ذلك توجعا غير منسكب، ومبلغ ذلك مفردة "خافقي" ففيها استعلاء أقرب للحركة المضطربة، ويستعمل الكثيرون مفردة "خافق" استدلالا بالقلب، وقد تلامس ترقق الحال في ذات المعنى دون إصابة موثقة وعليمة بالحال المتحقق.
وقد أدركت الشاعرة عالم الاضطراب في غفو غير منتظم، فأحالت أمر حرفها إلى استكان على هيئة أمر برجاء، متلائمة مع جوّ "السّهد"؛ فكان "فارحم هجودي" وكأنه تتابع نبض، برجاء يلبس قناع أمر، ما لبث أن انكشف طوع إلحاق ولهفة انقياد في بوح مناجاة "إنني لك ألجأ"!
ففي قول "إنني" لجوء مدقق وإصرار محقق، وإفراد حالة اللجوء جاءت في رخصة "لك"، ولا يُعاب التأكيد إن تألق فعل "الصبّ" في فعل "ألجأ"!
وفي قول "فارحم هجودي" دنو لحال يرثى له، ومعين يفتح بساط الرجاء لنقطة قصوى، فالرحمة لا تطلب إلا بتحقق شعور عذاب.
وفي إعلام الحال في قول "لم ألق في كوني سواك مُآزرا"؛ انتفاء الرحمة في كشف طوق نجاة، وإقرار التخلي عن المُناجي، تبيان لحال تزاحمت فيه الخطوب، فنال عدم إسناد، ومعرفته بانت باسم يحصر المعنى في استثناء جار في حال.
ولأن المعنى يختص بالمناجاة، فقد يتبادر للذهن أن إشارة "أنت الرحيم"؛ قد فكّكت الشيفرة الشعرية والشعورية،وأرخت حبلها على الغارب، بجعل الكينونة مناجاة السماء بصفة الخالق "الرحيم"، ومرد ذلك "نعم الملجأ، وكما يقال؛ العشق إلهي".
ولكن؛ ولأن جوامع الكلم تناور المقاصد ومساقات ارتواء الروح بذكر "الصبّ"، فلا يمكن إغفال احتمالية تحقق المناجاة للحبيب، وفي ذكر سابق الكلم تحقق لذلك.
وما بين مناجاة الأرض ومناجاة السماء؛ إرهاصات تتثاءب تارة، وتتواثب تارة أخرى، كلما أمعنا في بساطة اللغة وعمق المعنى، ولذاذة الوصال لعاطفة اكتملت لحال كان لزاما أن يشار له، وتكون الولادة في بيتين من بحر كامل؛ أرادت الشاعرة فيه؛ التجديف بوصف حلّ على شط المعنى، ومرسى اللغة.
طلعت قديح
(مُرافعةُ الصبّ على مُقامِ السّهد.)
بقلم: طلعت قديح (فلسطين)
صبٌّ أنا، والسّهد يوجع خافقي
فارحم هجودي، إنّني لك ألجأ
لم ألق في كوني سواك مُآزرا
انت الرّحيم، وأنت، نِعم الملجأُ
د.نهاد المعلاوي
........
والصبّ إدراك لغير مدركٍ في عالم كان الخفقُ مداره الأشهى، يصيّر أحاسيس ذات حمأة من كبرياء النفس، فانسكبت ذائقة التعريف بالذات بالقول "صبُّ أنا"، ففي البيان حالان:
الأول التحام مبدئي وتأصيل لمعرفة محققة بذكرها في أول الحرف، وهي إقرار بدخول حلبة الصبّ "العشق"، وعلى هذا نرى أن اللاحق يفرز مآلات كينونة الصبّ، وبوتقة عالم الأنا.
ولأن البدء اشتعال الكلم، فكان التعريف الأولي؛ تعريف إشارة، والتعريف الثاني؛ صيرورة تلك الإشارة ومتبوعاتها.
وفي تفسيرات الكلم؛ أميل للبحث عن مخفيات المقاصد ومرويات المتخفّى من خلف ستار؛ قدّ البوح، فتناثرت شظايا رقيقة، تلثم استفهامات الذكر.
وفي السّهد أرق البال بحذر عدم استطاعة الغفو طوعا؛ فعالج الكلم ذاته، بتعليل ذلك توجعا غير منسكب، ومبلغ ذلك مفردة "خافقي" ففيها استعلاء أقرب للحركة المضطربة، ويستعمل الكثيرون مفردة "خافق" استدلالا بالقلب، وقد تلامس ترقق الحال في ذات المعنى دون إصابة موثقة وعليمة بالحال المتحقق.
وقد أدركت الشاعرة عالم الاضطراب في غفو غير منتظم، فأحالت أمر حرفها إلى استكان على هيئة أمر برجاء، متلائمة مع جوّ "السّهد"؛ فكان "فارحم هجودي" وكأنه تتابع نبض، برجاء يلبس قناع أمر، ما لبث أن انكشف طوع إلحاق ولهفة انقياد في بوح مناجاة "إنني لك ألجأ"!
ففي قول "إنني" لجوء مدقق وإصرار محقق، وإفراد حالة اللجوء جاءت في رخصة "لك"، ولا يُعاب التأكيد إن تألق فعل "الصبّ" في فعل "ألجأ"!
وفي قول "فارحم هجودي" دنو لحال يرثى له، ومعين يفتح بساط الرجاء لنقطة قصوى، فالرحمة لا تطلب إلا بتحقق شعور عذاب.
وفي إعلام الحال في قول "لم ألق في كوني سواك مُآزرا"؛ انتفاء الرحمة في كشف طوق نجاة، وإقرار التخلي عن المُناجي، تبيان لحال تزاحمت فيه الخطوب، فنال عدم إسناد، ومعرفته بانت باسم يحصر المعنى في استثناء جار في حال.
ولأن المعنى يختص بالمناجاة، فقد يتبادر للذهن أن إشارة "أنت الرحيم"؛ قد فكّكت الشيفرة الشعرية والشعورية،وأرخت حبلها على الغارب، بجعل الكينونة مناجاة السماء بصفة الخالق "الرحيم"، ومرد ذلك "نعم الملجأ، وكما يقال؛ العشق إلهي".
ولكن؛ ولأن جوامع الكلم تناور المقاصد ومساقات ارتواء الروح بذكر "الصبّ"، فلا يمكن إغفال احتمالية تحقق المناجاة للحبيب، وفي ذكر سابق الكلم تحقق لذلك.
وما بين مناجاة الأرض ومناجاة السماء؛ إرهاصات تتثاءب تارة، وتتواثب تارة أخرى، كلما أمعنا في بساطة اللغة وعمق المعنى، ولذاذة الوصال لعاطفة اكتملت لحال كان لزاما أن يشار له، وتكون الولادة في بيتين من بحر كامل؛ أرادت الشاعرة فيه؛ التجديف بوصف حلّ على شط المعنى، ومرسى اللغة.
طلعت قديح