في كل عام تقام ما تسمى "معارض" الكتاب في الدول العربية قاطبة، وتتبارز إدارات كل "معرض" -مع اعتراضي الشخصي على التسمية- في الإعلان لاستقطاب دور النشر المختلفة المشارب، وتسهيل قدومها ضمن آلية متبعة، ويصار في هذا المجال إلى استقطاب جمع من الكتّاب "المشاهير" من خلال تسهيلات لوجستية منها (الدعوة - تذاكر طيران - فندق فاخر - تنقل مجاني - pocket money)، وبالطبع ترويج منتجهم الورقي، ومعظم هؤلاء في حقيقة الأمر نتاج "فرقعة" المسابقات السنوية سواء الأدبية منها أو غيرها، لكن الأكثر ظهورا هي "كرنفالات" الفرقعات الأدبية، وذلك لسقف الجائزة المرتفع، والذي يمكن أن يحوّل حياة الفائز إلى نوع من الاستقرار المادي، وإسناد ذلك من خلال جهد معنوي بائن يكون ضمن "الهالة" الإعلامية التي ترافق مميزات الجائزة " وهي الأهم بالطبع".
مع العلم أن الكثير -وليس الكل- يبدأ في جني ثمار "إنجازه" إلى تفعيل "الكتابة التجارية تحت الطلب"؛ فلا دخول في وضع إقليمي أو في تابوه السياسة، ولذا يلجأ هؤلاء الكتّاب إلى تقليم أظفارهم طوعا، لتصبح طريقة الآداء ناجعة ضمن صيرورة الشهرة غير المؤرقة، والتي تتشعب لجني ثمار أكبر.
ومن خلال هذا البعد التوافقي؛ تلجأ إدارات هذه "المتاجر" إلى إعادة تدوير "المرضي عنهم"، ويصبح حضور هذا أو ذاك بروتوكولا هزليا، ويعاد إنتاج نفس الوجوه طيلة العام، والتقافز من معرض إلى آخر دون أن تؤسس هذه " المعارض" لحراك ثقافي علاوة على الحراك الأدبي.
لم نسمع أن ندوة عقدت هنا أو هناك؛ يحدث فيها إعادة تقييم للمشهدين الأدبي والثقافي في البلاد العربية، ومحاولة نسج منظومة تقوم على إعادة تأثير الثقافة والأدب في حياة المواطن.
لم نسمع عن طرح إعادة تقييم لمنتوجات أدبية أو فكرية أو ثقافية أو غيرها، وعمل عصف ذهني لها.
لم نسمع عن أطروحات نقدية ثقافية للنهوض بالواقع الثقافي المترهل، والذي باتت تداعياته خطيرة من خلال الهجمة متعددة الاتجاهات لتغريب الثقافة العربية، وكيفية مواجهتها.
لم نسمع عن تصدر الكثير من الكتّاب الحقيقيين الذين تتوارى أسماؤهم بسبب "الشللية" والإلزامات التي توضع مقابل عدم الخروج عن السياق المتفق عليه.
لم نسمع عن المساءلة ضمن تنظيم أسبوع ثقافي بطرح سبب إعلاء كعب منتج أدبي وجعله قمة الهرم، وتنحي أشكال أدبية أخرى.
لم نسمع عن مناقشة الفائدة من كم الإنتاج المترهل والذي تتخم دور النشر مطبوعاتها بفعل "دفع ثمن الطباعة" دون أن تكون هناك رقابة حقيقية على دور النشر من خلال وزارات الثقافة أو حتى اتحاد الناشرين العرب.
هل نحن أمام منظومة انتفاعية متراصّة يشد بعضها أزرها المتوافق!
بروز الأسماء وتدويرها، وجعلها "عناوين" تختصر المشهد الكتابي، هل يراد منه تنويم القارئ العربي، وجعله منقادا لهالة الأسماء أو العناوين!
هنا يجب التوقف؛ وإدراك أن التفسخ الحاصل بين كم المنتج "العرض" وانحسار المتابع "الطلب"؛ ناتج عن هذه المنظومة المهترئة والتي مهما جمّلت وجهها، فإنها إلى القبح أقرب، وإلى التشظي مسيّرة، وهذا الأمر ليس سهلا بفعل استحقاق غير حميد، ويؤثر على مراحل تكوّن القارئ من نبتة القراءة إلى جعلها مسار تقوية للفكر للقارئ وممارسة حقيقة أن تكون قارئا فاعلا في المجتمع.
إنني أطرق خزّان الصمت، خزّان البهرجة الزائفة، حزّان إنتاج تاريخ يشار إليه بأنه تاريخ "ثقافي" أو تاريخ "أدبي" واقتصار ذلك على دعم المسابقات وإصدار مجلات وكتب، ليس من أجل إحداث حراك حقيقي بل للتمويه والتنويم لاحقا بأن هناك تاريخا يكتب، وما هو إلا هباء تذروه الرياح لاحقا.
الكاتب: طلعت قديح
مع العلم أن الكثير -وليس الكل- يبدأ في جني ثمار "إنجازه" إلى تفعيل "الكتابة التجارية تحت الطلب"؛ فلا دخول في وضع إقليمي أو في تابوه السياسة، ولذا يلجأ هؤلاء الكتّاب إلى تقليم أظفارهم طوعا، لتصبح طريقة الآداء ناجعة ضمن صيرورة الشهرة غير المؤرقة، والتي تتشعب لجني ثمار أكبر.
ومن خلال هذا البعد التوافقي؛ تلجأ إدارات هذه "المتاجر" إلى إعادة تدوير "المرضي عنهم"، ويصبح حضور هذا أو ذاك بروتوكولا هزليا، ويعاد إنتاج نفس الوجوه طيلة العام، والتقافز من معرض إلى آخر دون أن تؤسس هذه " المعارض" لحراك ثقافي علاوة على الحراك الأدبي.
لم نسمع أن ندوة عقدت هنا أو هناك؛ يحدث فيها إعادة تقييم للمشهدين الأدبي والثقافي في البلاد العربية، ومحاولة نسج منظومة تقوم على إعادة تأثير الثقافة والأدب في حياة المواطن.
لم نسمع عن طرح إعادة تقييم لمنتوجات أدبية أو فكرية أو ثقافية أو غيرها، وعمل عصف ذهني لها.
لم نسمع عن أطروحات نقدية ثقافية للنهوض بالواقع الثقافي المترهل، والذي باتت تداعياته خطيرة من خلال الهجمة متعددة الاتجاهات لتغريب الثقافة العربية، وكيفية مواجهتها.
لم نسمع عن تصدر الكثير من الكتّاب الحقيقيين الذين تتوارى أسماؤهم بسبب "الشللية" والإلزامات التي توضع مقابل عدم الخروج عن السياق المتفق عليه.
لم نسمع عن المساءلة ضمن تنظيم أسبوع ثقافي بطرح سبب إعلاء كعب منتج أدبي وجعله قمة الهرم، وتنحي أشكال أدبية أخرى.
لم نسمع عن مناقشة الفائدة من كم الإنتاج المترهل والذي تتخم دور النشر مطبوعاتها بفعل "دفع ثمن الطباعة" دون أن تكون هناك رقابة حقيقية على دور النشر من خلال وزارات الثقافة أو حتى اتحاد الناشرين العرب.
هل نحن أمام منظومة انتفاعية متراصّة يشد بعضها أزرها المتوافق!
بروز الأسماء وتدويرها، وجعلها "عناوين" تختصر المشهد الكتابي، هل يراد منه تنويم القارئ العربي، وجعله منقادا لهالة الأسماء أو العناوين!
هنا يجب التوقف؛ وإدراك أن التفسخ الحاصل بين كم المنتج "العرض" وانحسار المتابع "الطلب"؛ ناتج عن هذه المنظومة المهترئة والتي مهما جمّلت وجهها، فإنها إلى القبح أقرب، وإلى التشظي مسيّرة، وهذا الأمر ليس سهلا بفعل استحقاق غير حميد، ويؤثر على مراحل تكوّن القارئ من نبتة القراءة إلى جعلها مسار تقوية للفكر للقارئ وممارسة حقيقة أن تكون قارئا فاعلا في المجتمع.
إنني أطرق خزّان الصمت، خزّان البهرجة الزائفة، حزّان إنتاج تاريخ يشار إليه بأنه تاريخ "ثقافي" أو تاريخ "أدبي" واقتصار ذلك على دعم المسابقات وإصدار مجلات وكتب، ليس من أجل إحداث حراك حقيقي بل للتمويه والتنويم لاحقا بأن هناك تاريخا يكتب، وما هو إلا هباء تذروه الرياح لاحقا.
الكاتب: طلعت قديح