رياض بوبسيط - معايير الجودة ومشكل القراءة في الوسط الأدبي الجزائري:

الجودة بمفهوميها اللغوي والاصطلاحي من المصطلحات الأساسية والمفاهيم الأولية في النقد الأدبي، ذلك أن وظيفة هذا الأخير هي التمييز بين جيد الأدب وسيئه. ولما أصبح الأدب عملية إبداعية وإنسانية ترقى إلى درجة الجمالية والفن، أصبح محكوما على هذه العملية بالجودة، حيث لابد على كل نص أدبي أن تتكامل فيه الملامح والجماليات اللغوية والفنية، اكتمالا يجعلها تلبي حاجيات المتلقي وشهوته إلى نصوص جيدة يستمتع بعملية قرائتها، ويحسن استقبالها وتأويلها تأويلا ينم عن ادارك وفهم عميق كما تتحدث نظرية التلقي.

إن الجودة هي جوهر النص الذي يجعله متميزاً عن غيره من النصوص الأخرى وهي الميزة التي بواسطتها يفاضل النقاد والقراء معا بين النصوص الأدبية، حيث يعاب كل نص خلت سطوره ومابين سطوره من الجودة.
وللجودة في النقد الأدبي الموضوعي مجموعة من المعايير التي يتم من خلالها انتقاء جيد النص من سيئه، فعلى الرغم من اختلافها وتنوعها حسب النقاد والقراء ومناخاتهم، إلا أنها لاتخرج على أن تكون:
* لغة النص لغة فصيحة خالية من الأخطاء الإملائية والنحوية، راقية في مستوياتها بليغة في معانيها لا تشوبها شوائب التصنع والكلفة.
من المعايير الحقيقية التي تطبع أي نص أدبي مهما كان نوعه بالجودة:
* توفره على التقنيات الجمالية والفنية، من سرد متسق يتميز بالتسلسل والتتابع في أحداثه ووقائعه(الرواية، القصة،المسرحية)، إلى وصف دقيق يشخص للمتلقي مايقرأه في واقع ذهنه (شعر)، إضافة إلى تصوير فني وجمالي يتم اللوحة الأدبية جودة بمختلف صور البيان.
ومن معايير الجودة في النص الأدبي أيضاً:
* مطابقة الكلام لمقتضى الحال حيث لا بد على صاحب النص أن ينسج إبداعه من كنف مقاماته وواقعه فيكون نصه مرآة عاكسة لما يحدث في الواقع والتزاما به، ولا حرج في إطلاق العنان لخياله فمن معايير الجودة كذلك امتلاك صاحب النص لخيال جامح وواسع يحسن تقنينه بما يقتضيه المقام.
إن هذه المعايير وعلى تنوعها مهمة لأي نص أدبي إذا ما أراد الحكم عليه بحكم الجودة، وهي المعايير الحقيقية التي لا بد أن يتبعها القارئ في الحكم على النص الذي هو بصدد قرائته حيث أنه الناقد الحقيقي لكل نص يقرأه، ذلك أن المعيار الأول لجودة أي نص أدبي تحدده قراءة القارئ، فمن أجل فهم النص والوقوف على معايير الجودة فيه، لابد من قراءة معمقة تهتم بأدق التفاصيل، وعلى رأسها تقنيات كتابة نص يرقى في شكله ومضمونه إلى مقام النصية. إذ أن الجودة لا تظهر بمجرد قراءة عابرة.


هذا ويمكن القول أن معايير الجودة في الوسط الأدبي الجزائري بقراءه وكتابه انحرفت عن مسالكها الأصلية تطبيقا لا تنظيرا، إلى درجة أصبحت فيها جودة النصوص الأدبية الجزائرية مختلفة عن ما اتفق عليه النقد الأدبي حسب القراء لاعتبارات سطرتها البيئة الأدبية، إذ أن معايير الجودة التي يحكم القارئ الجزائري من خلالها على النص الأدبي لا تمث للموضوعية بصلة. فمن معايير الجودة حسبهم أن يكون هذا الأخير:
* كثير الصفحات، كثيف اللغة والأحداث حتى وإن كان حشوا أو تصنعا، فالجودة عند البعض من القراء تقاس بالكم لا الكيف، وهنا اختلط الحابل بالنابل وانتشرت فوضى المصطلحات في الأدب الجزائري المعاصر حيث أصبحت الأحجيات رواية رغم خلوها من بنية السرد، وصارت الخواطر شعرا فقط لأنها تكتب على نظام الأسطر وظن قارئها أنها قصائد من عهد المتنبي فهو لا يقرا وكيف للذي لا يقرأ أن يفقه في الشعر.
ومن المعايير أيضا أن يكون:
* النص متوجا بالجوائز والألقاب، ففي هذه الحالة فقط يصبح النص جيدا وخارقا لقوانين الإبداع ولو كان قبل ذلك حبيس الرفوف لا يقرأه أحد. أما النصوص التي لا تتوج بالجوائز فهي كمن نحت فوق الرمال، حيث أنها سرعان ما تنسى ولا تقرأ في أحيان كثيرة، ولو كان كاتبها سيد قلمه، وهذا ما جعل الساحة الأدبية عندنا تعج بكتاب المسابقات حيث أصبح الجميع يتسابق من أجل كتابة نصوص تتوج بالجوائز، قد تكون طمعا في الشهرة والألقاب وقد تكون رغبة من الكاتب في إيصال نصه وتوسيع رقعته القرائية وهنا الغاية تبرر الوسيلة.

من المعايير التي زادت الطينة بلة قراءة النصوص على حسب أصحابها حيث لا تقرأ إلا النصوص التي يعرف أصحابها، فالقراء في الوسط الأدبي الجزائري نادرا ما يقرأون لكل الكتاب، وإنما هم يقرأون لأصحابهم ومعارفهم فقط، وهنا تكون القراءة لأسباب ومصالح شخصية لا أدبية. وهذا ما يطرح لنا مشكلا أعمق من معايير الجودة وهو مشكل القراءة...، ذلك أن القراءة تمر بفترة فراغ رهيب، فهي محدودة جداً. وهذا ما جعل النصوص الأدبية المتنوعة وعلى كثرتها مجهولة الهوية، فإن كان في وسطنا الأدبي كتاب في المستوى، فإنه لا يوجد قراء في المستوى لأن هذه العملية التي كانت عنصرا فعالا في نظريات الأدب ( نظرية القراءة)، لا يوجد إهتمام بها حالياً لأسباب وأخرى والضحية دائما هو النص.
ولمعرفة النصوص الجيدة وغربلتها وتمييزها عن المحاولات الأدبية الأخرى، لا بد من وضع استراتيجية فعالة ومدروسة لتحسين نظرية القراءة، وتشجيع الفاعلين في الوسط الأدبي من قراء وكتاب وناشرين على القراءة والغوص في ماتخفيه السطور والصفحات تحليلا ونقدا، فللقراءة شروط وأصول لا بد من الوقوف عليها وهي مايسميها النقد المعاصر بجماليات التلقي، كما لا بد من وضع مجموعة من المخططات التي تنتقل بالقارئ من مجرد كونه متلق للنص، لتجعله منتجا ومساهما يعيد تأويل ما قرأه من نصوص بإنطاق جمالياتها وتشكلاتها الدلالية، هنا فقط سيختفي الكاتب الذي لا يقرأ، وكذلك الناشر الذي لا يقرأ، وهنا فقط ستبصح معايير الجودة موضوعية تدرس النص بعيداً عن صانعه.

مع تحسن نظرية القراءة وجماليات التلقي يصبح الحكم على النص بعيدا عن الذاتية والأحكام المعيارية، فالعلاقة بين الجودة والقراءة علاقة مباشرة تماما، ذلك أن جودة النص من جودة القراءة، فمن لا يقرأ جيدا لا يفهم جيداً، أما من يحسن قراءة النص قراءة ناضجة فذاك يمكنه نقد النص بعيداً عن صفة ناقد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى