(1)
"قُمصان العبارة
تضيقُ بك أيها العابر بلا أثرٍ..".
صَلّى عَلَى جُثَّةِ المتاح، كي يكون عَلَى فُصْحَى وهو يقترف
صَبْوَة غير المدرك، ذاك الحلم الذي يشبه هيام السَّكْرَى في كَأْس نصفها مَوَّال صحو، ونصفها أَنَا عُلْيَا، وما فاض يذهب صوب مَنْ أَفْنَوْا العمر في حياكة ثوب الروح !
"أينَ سترسو بكَ السفنُ أيها الحوذي؟
وهل من مرفأ آمن
يستكينُ إليه ليْلُك قبل نهارك
في منتصف إبحارك ؟".
(2)
"في قلبي
عشق بألف عمر".
أَتَسَلَّـقُ جِدَار بصره، عَلَّنِي أَسْتَمِعُ إلى بصيرته، وأرى رهافة التميز وهي تسري في حبال صوته، وأشم روائح دواله في انهطال استعاراته، وأمشي - بعيدا - في رتق خَفايا الضوء، ذاك الذي ينير في حيز قراءتي.
"أيها الزقاق سأمشيك
هذا خطوي مبلّل بالوصول".
في الْحُبِّ، سعيد كوبريت لا شريك له. هو مثل داليةِ عنبٍ، خَمْرَته من فصيلة الحَلَّاجْ، يثمل بالكل، لكي يتذوق البعض، أبدا لا يترنح إلا لما يصحو ليل المتاه، ولما تنام لذائذ النهار الضاج بليلك الروح !
"خُذ أفقا
لعينيك العاشقة
من هنا، وامض....".
الآنَ، جاءني كنه فَخّه الذي يُعْلِي النَّبْضَ. الآنَ عرفت "كيف طوَّع نداء الضواري في حاشية البستان..؟". لا عجب، فهو الشاعر الذي يحلق بِلاَ سِرْبٍ !
(3)
"تقطفُني يدٌ ندية
طالَها انتظارٌ في الهجير..".
فِي قَلْبِ تيهانه، الذي منه تَأْتِي حصائد الْمَعَانِي، خطوا دون ظل، يتهجد يقين الطريق، يَسْجُدُ شك الْوَقْت، وتغدو الدنى كلها منذورة لبَلَايَا الكتابة.
هي يدٌ تربت على صدر "عاشقٍ أعمى"، يَعُبُّ الليل باصطبار الأنبياء، لا بخفة العابرين، لكي يتعلّم إضاءة شموع جسده، ذاك التواق، الجوال، الصوال، في تراتيل احتراقه !
"يدٌ تغزلُ ريشَ أعشابٍ
مترنحة وضفاف السواقي..".
(4)
"نترك غوايات البحر
لشهوات سواحله..".
بوسوسة اصْطِبَارٍ، بهدأة عَطَب، وبِنَبْضِ وَقْت يُدَاعِـبُ توقه الفضِّيِّ، يشكل كوبريت معالم لغته، التي هي نارٌ له وحَطَب
لك، تخوم لصوره الشعرية، وشسوع تجسيد لك. وتذكر أنه من استحضرك من غيابك، وخاطبك قائلا: "أبالغُ في شكّي،
أنت يقيني الوحيد" !
"لاحَ نبأُ خريفٍ
بصوتٍ باردٍ مثلَ أجسادِ الغرقَى،
فكيفَ أشرحُ لغابةِ الدّفلَى
أنّ الزمن فصلٌ واحدٌ فيَّ،
لا يتعاقبُ.. ولكنّهُ يشيخ ؟".
حين يرشح بإِيقَاعِ الْمَعَانِي، يبدو أمام إعجابي كأنه "يرتبُ تفسيرا للرماد الذي خلّفتهُ الحرائق"، ويسير حفيفَ الخُطى نحو شكّ يد راسمة، وجنون عبارة منسكبة، وطيف مخيال ضبطه السطر وهو في حالة مُوسِيقَى !
"كان يمتلكُ كاملَ الوقت
ليُسمي الحياة إنتظاراً..
كان يقفُ خلفَ باب اللّيل كي يَقتنعَ الأرقُ
أنه أعزل..
كان يحمي الموج من الغرق..
والجسر من تعب الضفاف الخائبة..".
لا أعرف، على وجه الظن، لماذا أحس به ينتحبُ في مئذنة اللغة، حين يأتي إلينا وهو ضاج بشطحات تعبيرية ترن كما خلخال في وضح ليالي الذهول ؟!
(5)
"ليلُها..
شاهقُ التراتيل كمئذنة..".
سعيد يتركك بين حيرتين، يتخلى عنك في مهب خطوتين. فلا تأويلك لإغوائه يدرك هل "ليلُها" ضوء لغة، ولا دهشتك من مكره تعرف هل "ليلُها" عتق جسد. وفي مسافة المابين يطوح بك صوب شواهق حوافيه، كأنك حرف في أبجديته المخاتلة، ذات الشرارة في الحَطَب !
"مساء يفكُّ أزراره
ليقظة ماء،
كَأَنَّه انهمار بعد جذب
كَأَنَّه ارتواء...".
متأخرا عن حبري بتأويل، وعلى قرب هنيهة من قَلْبِه، أدرك تطوافي السابر سر هذه الْمَغَارَاتِ التي يكشفها، هذا الشاعر الماكر، في مداخل، لا مخارج، نصه المنفلت من سيطرة أي قارىء مرتجف.
وإنْ زلّ خطوكَ
في عثرة كخطيئة لا تتألم..
ياأناي،
ولا تنتظر من يأوي بردك من عراء..
جرِّب المشيَ على حافة الطريق
دون ظل دون نعل،
الضوء يخدش وجه الليل السديم..
فلا ترجم الخسارات..
ولا تصرخ عاليا في المآتم..
فأنت لا ترهب الجنازات
ياأناي".
(6)
"نتْرك الأيام تمْضي،
لكِنَّنا لا نسْمحُ لِعطْرها
أنْ يَبْرد..".
لا يستهلك حبرا كثيرا. يكفيه القليل من المداد، وفسحة من مزاج رائق، ليسفر عن صوغ مواعيد ٱسرة، الشعرية فيها بلا تأجيل أبدا.
يؤمن بقول صبح الأعشى: "لا دية ليد لا تكتب"، لكن يخضع يراعه لمواعيد الكتابة إبان نبضها. بينما يده شبيهة بحبره. لا تمسك القلم إلا لما يكون قطاف الحرف دانيا، نكهة العبارة لا تقاوم فتنها، وحبر يتهاطل في انسيابية ليغدو زخم الدخائل ألقا لأقاصيه المتفردة.
"ليسَ مُهِما الوِجهة
الرِّحلة هِي الأَهَم..".
مقل في كتابة تجليه، هيوب من ملاحقة ظلال التخفي، إذا كتب يَمْشِي فؤاده على سجاد الورق، مستعيدا قول بيسوا:
"كن شاعراً خارج النص قبل أن تكون فيه".
"ما أفسح قلب العاصفة
تكنسها أوتار عزفك
كي لا تضل الطريق..،
كي تتحسس رعشة عطرك،
وتخشى نار الإشتعال بعود كبريت".
(7)
"كأن الخطى تتوسلُ طريقا
في آخره شعاعٌ..
كأن جذوة مواقد مطفأة
تُنبئُ بوعودٍ من نار ونور....".
ملغوم هو بدَنْدَنَةِ الأغوار، حيث لا منجاة من شهوة بياض، أراه يَهْذِي عَلَى مقربة من سدرة التمني. سعيد يتعاطى ما يفاقم هبوب الحلم في كف المحال. لذا، يتخلى ليتبدى، ما من مفر منه إلا إليه !
"الأوتار دلَّتني
على مقامات خاطئة
حينما كنتُ أعزف للعاصفة..".
(
"وتأتيك يدٌ
تضيءُ سراجكَ المنطفئ".
مُنذ عَرَفْتُ كيف اُناجِيـكَ، أيها الشاعر الذي يتَسَلَّـلُ، خفية، إِلَى مَغَارَاتِ سريرتي، إِلَى أرخبيلات صبواتي، وأنا أمارس فتون ذاتي على مرأى من رهافة مجازك، أعُبُّ ما شاء لي لهاث مصيرك مِنْ مكوث فداحتي !
"ماذا لو...؟".
بهذا تجهر أنت، حين يهبط عليك ليل لا قبل لك به. وبذاك أنصت أنا إلى هدير نهار تأتيني به، ولا قدرة لي على طيه، لكي أظل في فلوات عتمة، بها يحيا مسائي.
"ليْست الأمكنَةُ،
بل القلوب هيَ ما نسْكُن...".
"قُمصان العبارة
تضيقُ بك أيها العابر بلا أثرٍ..".
صَلّى عَلَى جُثَّةِ المتاح، كي يكون عَلَى فُصْحَى وهو يقترف
صَبْوَة غير المدرك، ذاك الحلم الذي يشبه هيام السَّكْرَى في كَأْس نصفها مَوَّال صحو، ونصفها أَنَا عُلْيَا، وما فاض يذهب صوب مَنْ أَفْنَوْا العمر في حياكة ثوب الروح !
"أينَ سترسو بكَ السفنُ أيها الحوذي؟
وهل من مرفأ آمن
يستكينُ إليه ليْلُك قبل نهارك
في منتصف إبحارك ؟".
(2)
"في قلبي
عشق بألف عمر".
أَتَسَلَّـقُ جِدَار بصره، عَلَّنِي أَسْتَمِعُ إلى بصيرته، وأرى رهافة التميز وهي تسري في حبال صوته، وأشم روائح دواله في انهطال استعاراته، وأمشي - بعيدا - في رتق خَفايا الضوء، ذاك الذي ينير في حيز قراءتي.
"أيها الزقاق سأمشيك
هذا خطوي مبلّل بالوصول".
في الْحُبِّ، سعيد كوبريت لا شريك له. هو مثل داليةِ عنبٍ، خَمْرَته من فصيلة الحَلَّاجْ، يثمل بالكل، لكي يتذوق البعض، أبدا لا يترنح إلا لما يصحو ليل المتاه، ولما تنام لذائذ النهار الضاج بليلك الروح !
"خُذ أفقا
لعينيك العاشقة
من هنا، وامض....".
الآنَ، جاءني كنه فَخّه الذي يُعْلِي النَّبْضَ. الآنَ عرفت "كيف طوَّع نداء الضواري في حاشية البستان..؟". لا عجب، فهو الشاعر الذي يحلق بِلاَ سِرْبٍ !
(3)
"تقطفُني يدٌ ندية
طالَها انتظارٌ في الهجير..".
فِي قَلْبِ تيهانه، الذي منه تَأْتِي حصائد الْمَعَانِي، خطوا دون ظل، يتهجد يقين الطريق، يَسْجُدُ شك الْوَقْت، وتغدو الدنى كلها منذورة لبَلَايَا الكتابة.
هي يدٌ تربت على صدر "عاشقٍ أعمى"، يَعُبُّ الليل باصطبار الأنبياء، لا بخفة العابرين، لكي يتعلّم إضاءة شموع جسده، ذاك التواق، الجوال، الصوال، في تراتيل احتراقه !
"يدٌ تغزلُ ريشَ أعشابٍ
مترنحة وضفاف السواقي..".
(4)
"نترك غوايات البحر
لشهوات سواحله..".
بوسوسة اصْطِبَارٍ، بهدأة عَطَب، وبِنَبْضِ وَقْت يُدَاعِـبُ توقه الفضِّيِّ، يشكل كوبريت معالم لغته، التي هي نارٌ له وحَطَب
لك، تخوم لصوره الشعرية، وشسوع تجسيد لك. وتذكر أنه من استحضرك من غيابك، وخاطبك قائلا: "أبالغُ في شكّي،
أنت يقيني الوحيد" !
"لاحَ نبأُ خريفٍ
بصوتٍ باردٍ مثلَ أجسادِ الغرقَى،
فكيفَ أشرحُ لغابةِ الدّفلَى
أنّ الزمن فصلٌ واحدٌ فيَّ،
لا يتعاقبُ.. ولكنّهُ يشيخ ؟".
حين يرشح بإِيقَاعِ الْمَعَانِي، يبدو أمام إعجابي كأنه "يرتبُ تفسيرا للرماد الذي خلّفتهُ الحرائق"، ويسير حفيفَ الخُطى نحو شكّ يد راسمة، وجنون عبارة منسكبة، وطيف مخيال ضبطه السطر وهو في حالة مُوسِيقَى !
"كان يمتلكُ كاملَ الوقت
ليُسمي الحياة إنتظاراً..
كان يقفُ خلفَ باب اللّيل كي يَقتنعَ الأرقُ
أنه أعزل..
كان يحمي الموج من الغرق..
والجسر من تعب الضفاف الخائبة..".
لا أعرف، على وجه الظن، لماذا أحس به ينتحبُ في مئذنة اللغة، حين يأتي إلينا وهو ضاج بشطحات تعبيرية ترن كما خلخال في وضح ليالي الذهول ؟!
(5)
"ليلُها..
شاهقُ التراتيل كمئذنة..".
سعيد يتركك بين حيرتين، يتخلى عنك في مهب خطوتين. فلا تأويلك لإغوائه يدرك هل "ليلُها" ضوء لغة، ولا دهشتك من مكره تعرف هل "ليلُها" عتق جسد. وفي مسافة المابين يطوح بك صوب شواهق حوافيه، كأنك حرف في أبجديته المخاتلة، ذات الشرارة في الحَطَب !
"مساء يفكُّ أزراره
ليقظة ماء،
كَأَنَّه انهمار بعد جذب
كَأَنَّه ارتواء...".
متأخرا عن حبري بتأويل، وعلى قرب هنيهة من قَلْبِه، أدرك تطوافي السابر سر هذه الْمَغَارَاتِ التي يكشفها، هذا الشاعر الماكر، في مداخل، لا مخارج، نصه المنفلت من سيطرة أي قارىء مرتجف.
وإنْ زلّ خطوكَ
في عثرة كخطيئة لا تتألم..
ياأناي،
ولا تنتظر من يأوي بردك من عراء..
جرِّب المشيَ على حافة الطريق
دون ظل دون نعل،
الضوء يخدش وجه الليل السديم..
فلا ترجم الخسارات..
ولا تصرخ عاليا في المآتم..
فأنت لا ترهب الجنازات
ياأناي".
(6)
"نتْرك الأيام تمْضي،
لكِنَّنا لا نسْمحُ لِعطْرها
أنْ يَبْرد..".
لا يستهلك حبرا كثيرا. يكفيه القليل من المداد، وفسحة من مزاج رائق، ليسفر عن صوغ مواعيد ٱسرة، الشعرية فيها بلا تأجيل أبدا.
يؤمن بقول صبح الأعشى: "لا دية ليد لا تكتب"، لكن يخضع يراعه لمواعيد الكتابة إبان نبضها. بينما يده شبيهة بحبره. لا تمسك القلم إلا لما يكون قطاف الحرف دانيا، نكهة العبارة لا تقاوم فتنها، وحبر يتهاطل في انسيابية ليغدو زخم الدخائل ألقا لأقاصيه المتفردة.
"ليسَ مُهِما الوِجهة
الرِّحلة هِي الأَهَم..".
مقل في كتابة تجليه، هيوب من ملاحقة ظلال التخفي، إذا كتب يَمْشِي فؤاده على سجاد الورق، مستعيدا قول بيسوا:
"كن شاعراً خارج النص قبل أن تكون فيه".
"ما أفسح قلب العاصفة
تكنسها أوتار عزفك
كي لا تضل الطريق..،
كي تتحسس رعشة عطرك،
وتخشى نار الإشتعال بعود كبريت".
(7)
"كأن الخطى تتوسلُ طريقا
في آخره شعاعٌ..
كأن جذوة مواقد مطفأة
تُنبئُ بوعودٍ من نار ونور....".
ملغوم هو بدَنْدَنَةِ الأغوار، حيث لا منجاة من شهوة بياض، أراه يَهْذِي عَلَى مقربة من سدرة التمني. سعيد يتعاطى ما يفاقم هبوب الحلم في كف المحال. لذا، يتخلى ليتبدى، ما من مفر منه إلا إليه !
"الأوتار دلَّتني
على مقامات خاطئة
حينما كنتُ أعزف للعاصفة..".
(
"وتأتيك يدٌ
تضيءُ سراجكَ المنطفئ".
مُنذ عَرَفْتُ كيف اُناجِيـكَ، أيها الشاعر الذي يتَسَلَّـلُ، خفية، إِلَى مَغَارَاتِ سريرتي، إِلَى أرخبيلات صبواتي، وأنا أمارس فتون ذاتي على مرأى من رهافة مجازك، أعُبُّ ما شاء لي لهاث مصيرك مِنْ مكوث فداحتي !
"ماذا لو...؟".
بهذا تجهر أنت، حين يهبط عليك ليل لا قبل لك به. وبذاك أنصت أنا إلى هدير نهار تأتيني به، ولا قدرة لي على طيه، لكي أظل في فلوات عتمة، بها يحيا مسائي.
"ليْست الأمكنَةُ،
بل القلوب هيَ ما نسْكُن...".