د. محمد عبدالله القواسمة - التكنولوجيا ومستقبل الأدب

من الواضح أن للتكنولوجيا تأثيرًا في جوانب حياتنا المختلفة ولكن تأثيرها الأكبر كان في الأدب. فقد عززت قدرات الأديب على الإبداع، كما غير الانفتاح على العالم من خلال أدواتها وأجهزتها مثل الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية نوعية القارئ؛ فغدا قادرًا على فهم النص الأدبي، وجعلت منه مشاركًا في إنتاجه مع المؤلف.

فضلًا عن هذه التأثيرات فإن الخبراء في جوجل يؤكدون أنّ الواقع الافتراضيّ سيفرض في القصة، على سبيل المثال، مفهومها كُليًّا من "سرد القصّة" إلى "عَيش القصّة" حيث تُصور المشاهد بكاميرا 360 درجة، ويُدمج العالم الافتراضي أو يخلق حاسوبيًا، حيث يُمكن مشاهدة القصّة من عدّة زوايا وبسيناريوهاتٍ مختلفة، ويمكن أن يكون المتلقي بطل القصّة يمشي ويتفاعل مع الشخوص والأشياء في عالمٍ افتراضيّ كلي أو مُعزّز.

رغم الإيجابيات التي جاءت بها التكنولوجيا للأدب وأجناسه فإن الخطر الأكبر يتأتى من إنتاج الأدب والفن إلكترونيًا، كما فعلوا حين أنتجوا السيمفونية العاشرة إلكترونيا على غرار السمفونية التاسعة لبيتهوفن التي ألفها بيتهوفن عام 1824؛ إذ قام مجموعة من خبراء الذكاء الصناعي، ومطوّري التكنولوجيا والفنانين والمهتمين بتراث بيتهوفن وحياته بتغذية الحاسوب والبرنامج الخاص بإعادة إنتاج آلية تفكيره، ووضعوا كل ما كان يفكر فيه ويلمسه ويحس به في ذلك البرنامج، فأنتج عبر خوارزمية التأليف المبرمجة ما نسميه افتراضيًا السيمفونية العاشرة.

وبمثل هذا الاستخدام للتكنولوجيا استطاعت شركة IBM في الحادي عشر من أيار1997، بحاسوبها المزود بالذكاء الاصطناعي هزيمة بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف، بعد تزويد الحاسوب بتكهنات واحتمالات لما سيكون عليه لعب كاسباروف.

هكذا لن نفاجأ إذا قرأنا شعرًا إلكترونيًا لشكسبير، وروايات وقصصًا قصيرة لهيمنجواي ونجيب محفوظ، وإنتاج لوحات لبيكاسو ودافنشي وغوغ. لا شك أن في مثل هذه الإبداعات الإلكترونية تهديدًا وجوديًا للأدب والفن. فما مصير الإبداع الإنساني والتجديد الفني في زمن الذكاء الصناعي الذي باستطاعته إنتاج مثل تلك الأعمال بالدقة والإتقان، كما لو كانت لأولئك المبدعين حقًا. فأي أدب هذا عندما تغدو المشاعر والأحاسيس الإنسانية قابلة للإنتاج الصناعي؟!

إذا كان تأثير التكنولوجيا في الغرب يثير الخوف من المستقبل على الأدب والفن فإنه في عالمنا العربي يتحول إلى ذعر من الحال والمآل. فإذا كانت التكنولوجيا قد خدمت العملية الإبداعية من خلال التفاعل الإلكتروني الذي أحدثته بين أطرافها، وهي: النص، والأديب، والمتلقي فإنها أتاحت لكثيرين من مدعي المعرفة والمواهب الضعيفة الكتابة في وسائلها كتابات هشة هابطة المعاني والأفكار، تعيدنا إلى الكتابة التي شهدها العالم العربي في عهد الدول المتتابعة أيام التخلف والظلم، فبتنا، على سبيل المثال في مجال الأدب، نرى على وسائل التواصل الاجتماعي ألغازًا وأخبارًا ونكتًا وأمثالا تحت مسمى القصة القصيرة جدًا. لعل هجوم هذا النوع من الكتابات الركيكة على وسائل التكنولوجيا الحديثة يهدد الذوق العام، ويشجع التفاهة في كل شيء. والمفاجأة الكارثية أن بعض الكتاب المرموقين وبعض ذوي الألقاب العلمية يتأثرون بهذا الفضاء المتخلف؛ فينتجون أدبًا وفنًا وفكرًا يرسخ القيم البالية، ويضعف الذائقة الجمالية لدى المتلقين.

إن هذه الحالة المتردية التي نعاني منها المتمثلة في الترويج للأدب الضعيف، يضاف إليها أننا مستوردون للتكنولوجيا، ونستخدمها في الغالب لغير صالح ثقافتنا وأدبنا جعلتنا نرزح تحت تأثيراتها المفزعة، والقاتلة للروح والفكر، لهذا فإن أدبنا مهدد بالموت والخراب، ومن الواجب على أدبائنا وفنانينا ومفكرينا أن يعوا هذه المرحلة، ويعدّوا للمستقبل عدته. ويحاولوا استخدام التكنولوجيا فيما يُطوّر أدبهم، ويخدم ثقافتهم العربية. ولا شك في أنهم يملكون القدرة على الاستجابة للتحديات التي تفرضها التكنولوجيا، والقدرة على الابتكار، واجتراح أشكال جديدة للأدب بعيدة عن الذكاء الاصطناعي وسلبياته التي تضر بالأدب ومتلقيه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى