(1)
هذه امرأة
"تضيء في ليالي الغياب...".
أنت لا تبقى ما كُنته، بعد أن تلتقي بفاطمة عافي، حبرا ثم جلسة، وفيكما، معا، يزهر ليلك الألفة، شيما ثم رأيا. وأنت فيها ستكتشف أنك فيك. ولا مفر من مراكمة إعجابك بها، بخصالها النادرة، طوال وقت اللقاء.
وبعد امتلائك بشخصيتها، ستذهب توا، دون إياب، صوب نصوصها. تلك ميزاتها، وهذا قدرك. ولا محيد عن الذي تم، سوى أن يتم. هي هكذا، وأنت كذلك !
وهذا، تحديدا وقطعا، ما حدث لي، حين حظيت بأول لقاء معها / بها، تم يوم 22 ماي سنة 2017، في مقهى "لمياء" بطنجة، وخرجت منه وفي يدي نسخة مهداة من قصصها: "نقش على جدار الزمن".
"تخاطبني..
في الغياب تترى رسائلك..
تحمل أخبارك..
تسهب في التفاصيل..
لكن...
لما أحس أن بين السطور
دموع مزروعة.." !
(2)
"حمل الحلم ربابته..
على الوتر..
ذابت القصائد
سقطت
قنادل..".
ليس التذكر من يقودها نحو الكتابة، بل الحلم من يجعلها تكتب. وها هنا، هي لا تسمع تشيخوف وهو يتدفق: "أولى علامات الشيخوخة أن تتحول من إنسان يحلم إلى إنسان يتذكر". بل تنصت إلى قلبها وهو يردد مع الفذ جلال الدين الرومي: "لا أراك، ولكنني أراك، فرؤية العين رؤية، ورؤية القلب لقاء".
"كفان يتلامسان..
قبلة..
صنعا ربيعا..".
وها أنا، في لحظتي المقيمة فيها، أتذكر قولها، ميمما قلمي شطر شغبها: "البيت... هو المكان الوحيد الآمن، الذي أشعر فيه أني إنسان فقط، ولست حيوانا غريبا في سيرك" !
(3)
"تشعل سجارة.. ترشف ٱخر قطرة
من قهوة مرة.
تنظر في المرٱة.. تضع ٱخر اللمسات
على قناع المجون.
أتى الليل.. وفي الليل تحترق.." !
يستأثر العذاب الأنثوي بوارف مكابدتها النصية. ليس لأنها أنثى، بل لأنها إنسانة. لذا، نراها تتقصى - وباختزال سردي يرفل في ذكاء - حضور الأنثى الملغز في واقع موؤود، ثم ترمي إشارة موحية للقارىء، كي تجعله في صلب نظرات، إيماءات، وشطحات النص.
"التقت به.. أحبته بجنون..
أبعدت عنه كل النساء..
لا تريد منافسات.. تنهدت..
أخيرا أصبح لها وحدها..
لكن عرفت أنه متزوج.." !
وأكثر شيء مسكر في الومض القصصي عند فاطمة، ذلك الذي لا تقوله، بل توحي به، ويبقى هو الأبلغ فصاحة في تجسيد شتى ظلال ختامها المغوي.
"أتحرك.. أعبث بالأشياء..
أفكر.. أنظر إلى المرآة..
أرى الجدران تضيق..".
(4)
"لأنني امرأة،
لايمكن أن أكون إلا مع النساء".
ما يميز الخطاب الإبداعي لفاطمة، أنه لا يوغل في تسفيه الرجل، وتبخيسه، مقابل تثمين المرأة، والعلو بها. ثمة أفق ٱخر، مختلف، تنطلق منه هذه الكاتبة المتزنة، التي لا تريد وضع ألغام في حقول العلاقة بين الطرفين.
"من شرفة الغرفة..
في هدوء الليل العميق
أرقب بدرا..
أنتظر فجرا..".
خلافها مع الذكر، لا مع الرجل. في الفرق بين أبهة الرجال، وسفاهة الذكور، يكمن عمق توجهها الأدبي. بقراءة واعية، متأنية، تفحص أكثر مما تنفعل، تكتشف أنها تنتقد الأفكار بدون أي تجريح، وتناقش الموروث بهدوء الرأي، لا بثورة الغضب. في الحالتين، معا، هي تلفت انتباهنا إلى مصادر الوجع الأنثوي المزمن، وذلك عبر الإبداع، وليس بواسطة الصراخ والعويل !
ولاحظوا معي، هذه الإشارة الملغزة، توحي دون تصريح، وتجهش بكنه علاقة الدال بالمدلول، من خلال اقتباس لا يفلت المتلقي من تأثيره الوجداني المؤكد. هكذا، وبلسان
هلين كلير، تقول فاطمة:
"نحن لا نموت
حين نفقد من نحب..
فقط نكمل الحياة بقلب ميت".
(5)
"أمسك بهاتفه، فتحه، أبيات شعر
في ذهنه تصر على السفر،
توقف عن الكتابة، نهض، أمسك غيتاره،
نزل إلى الشارع، وقف،
بين الناس بدأ ينشد شعره".
تدنو من لغتها بشكل لعوب، وتوظفها بعفوية ٱسرة، فتحرز أثرا فعالا في الدخائل. إنها اللغة المباغتة، التي تجعل نص فاطمة عرضة للتفاسير، رغم وضوحه السردي. ليس، فقط، لأنها نابضة بالحياة، وإنما، أيضا، لأن حكيها يتمتع بمسافة داخلية تضعه في مواجهة لغته المخاتلة.
"أبحث، بفضول،
عن أسطورة أضيفها لحكايات شهرزاد..
فتكون ألف ليلة وليلتين".
وفي ديوانها "صخب الموج"، سعت هذه المبدعة الثرة إلى
سبر أغوار الذوات، عبر جعل نصوصها تتكلم لغتها الخاصة، منطلقة من رهان سبك عبارات توقظ وتلهب، ناذرة نفسها، وكتاباتها، لملذات التعبير.
(6)
"يسكن الغيظ كل خلجة فيها..
والرجال يمشون كالطواويس،
ينفشون بعض ريشهم من كلمات
معسلة أو وقحة..
من نظرات تعريها..
من بسمات تعني أكثر من معنى..
كل هذا يقرفها.. يصيبها بالدوار......".
فاطمة عافي تأسر انتباه قارئها، عبر حبها الشغوف للكتابة. ومن خلال إغوائية الأفكار التي تنجذب إليها. أحسب أنك ستجد عسرا في تقييم جودة يراعها، إذا لم تنتبه إلى هذا الثراء الإبداعي الذي تزخر به رؤيتها، ككاتبة، وإلى الزخم الإنساني الذي تحظى به أفكارها، كإنسانة.
وهنا، أستعيد ما قالته لي، خلال أول لقاء جمع بيننا، كان ثالثنا قصصها الخاطفة المخطوفة، وبدت فيه، أمام وعي اللقاء الأول، كاتبة تدرك أرخبيل حبرها، وامرأة تعلم ما لا يستشف إلا عبر شعلة من طرازها.
"شوف، السي حسن:
ليس مهما أن أكتب كثيرا، طويلا،
الأهم، عندي:
أن أقتنص هواجس ذاتي،
أن أراني بمرٱة حبري،
في لحظات الكتابة النادرة جدا".
(7)
"قال: لم تتحدثي..
أجبت: علموني أن أصمت.." !
حقا، في أرض البساطة تبرق سماء المعنى. وفي أقل كلام يزدهي كل الكلام. وفاطمة عافي، هذه الكاتبة الماكرة، نرى عمق البساطة، وبساطة العمق، يسيران معا.
لكن... ومهلا: إنها حين تصمت ينتابني الكلام. وإذا تكلمت التزمت الصمت.
والسؤال الذي يراودني، الٱن، يقول لي، ويهمس لها:
كيف أكتب أنا صمتها،
دون أن أتكلم ؟!
وكيف تقرأ هي كلامي،
دون أن تصمت ؟!
هذه امرأة
"تضيء في ليالي الغياب...".
أنت لا تبقى ما كُنته، بعد أن تلتقي بفاطمة عافي، حبرا ثم جلسة، وفيكما، معا، يزهر ليلك الألفة، شيما ثم رأيا. وأنت فيها ستكتشف أنك فيك. ولا مفر من مراكمة إعجابك بها، بخصالها النادرة، طوال وقت اللقاء.
وبعد امتلائك بشخصيتها، ستذهب توا، دون إياب، صوب نصوصها. تلك ميزاتها، وهذا قدرك. ولا محيد عن الذي تم، سوى أن يتم. هي هكذا، وأنت كذلك !
وهذا، تحديدا وقطعا، ما حدث لي، حين حظيت بأول لقاء معها / بها، تم يوم 22 ماي سنة 2017، في مقهى "لمياء" بطنجة، وخرجت منه وفي يدي نسخة مهداة من قصصها: "نقش على جدار الزمن".
"تخاطبني..
في الغياب تترى رسائلك..
تحمل أخبارك..
تسهب في التفاصيل..
لكن...
لما أحس أن بين السطور
دموع مزروعة.." !
(2)
"حمل الحلم ربابته..
على الوتر..
ذابت القصائد
سقطت
قنادل..".
ليس التذكر من يقودها نحو الكتابة، بل الحلم من يجعلها تكتب. وها هنا، هي لا تسمع تشيخوف وهو يتدفق: "أولى علامات الشيخوخة أن تتحول من إنسان يحلم إلى إنسان يتذكر". بل تنصت إلى قلبها وهو يردد مع الفذ جلال الدين الرومي: "لا أراك، ولكنني أراك، فرؤية العين رؤية، ورؤية القلب لقاء".
"كفان يتلامسان..
قبلة..
صنعا ربيعا..".
وها أنا، في لحظتي المقيمة فيها، أتذكر قولها، ميمما قلمي شطر شغبها: "البيت... هو المكان الوحيد الآمن، الذي أشعر فيه أني إنسان فقط، ولست حيوانا غريبا في سيرك" !
(3)
"تشعل سجارة.. ترشف ٱخر قطرة
من قهوة مرة.
تنظر في المرٱة.. تضع ٱخر اللمسات
على قناع المجون.
أتى الليل.. وفي الليل تحترق.." !
يستأثر العذاب الأنثوي بوارف مكابدتها النصية. ليس لأنها أنثى، بل لأنها إنسانة. لذا، نراها تتقصى - وباختزال سردي يرفل في ذكاء - حضور الأنثى الملغز في واقع موؤود، ثم ترمي إشارة موحية للقارىء، كي تجعله في صلب نظرات، إيماءات، وشطحات النص.
"التقت به.. أحبته بجنون..
أبعدت عنه كل النساء..
لا تريد منافسات.. تنهدت..
أخيرا أصبح لها وحدها..
لكن عرفت أنه متزوج.." !
وأكثر شيء مسكر في الومض القصصي عند فاطمة، ذلك الذي لا تقوله، بل توحي به، ويبقى هو الأبلغ فصاحة في تجسيد شتى ظلال ختامها المغوي.
"أتحرك.. أعبث بالأشياء..
أفكر.. أنظر إلى المرآة..
أرى الجدران تضيق..".
(4)
"لأنني امرأة،
لايمكن أن أكون إلا مع النساء".
ما يميز الخطاب الإبداعي لفاطمة، أنه لا يوغل في تسفيه الرجل، وتبخيسه، مقابل تثمين المرأة، والعلو بها. ثمة أفق ٱخر، مختلف، تنطلق منه هذه الكاتبة المتزنة، التي لا تريد وضع ألغام في حقول العلاقة بين الطرفين.
"من شرفة الغرفة..
في هدوء الليل العميق
أرقب بدرا..
أنتظر فجرا..".
خلافها مع الذكر، لا مع الرجل. في الفرق بين أبهة الرجال، وسفاهة الذكور، يكمن عمق توجهها الأدبي. بقراءة واعية، متأنية، تفحص أكثر مما تنفعل، تكتشف أنها تنتقد الأفكار بدون أي تجريح، وتناقش الموروث بهدوء الرأي، لا بثورة الغضب. في الحالتين، معا، هي تلفت انتباهنا إلى مصادر الوجع الأنثوي المزمن، وذلك عبر الإبداع، وليس بواسطة الصراخ والعويل !
ولاحظوا معي، هذه الإشارة الملغزة، توحي دون تصريح، وتجهش بكنه علاقة الدال بالمدلول، من خلال اقتباس لا يفلت المتلقي من تأثيره الوجداني المؤكد. هكذا، وبلسان
هلين كلير، تقول فاطمة:
"نحن لا نموت
حين نفقد من نحب..
فقط نكمل الحياة بقلب ميت".
(5)
"أمسك بهاتفه، فتحه، أبيات شعر
في ذهنه تصر على السفر،
توقف عن الكتابة، نهض، أمسك غيتاره،
نزل إلى الشارع، وقف،
بين الناس بدأ ينشد شعره".
تدنو من لغتها بشكل لعوب، وتوظفها بعفوية ٱسرة، فتحرز أثرا فعالا في الدخائل. إنها اللغة المباغتة، التي تجعل نص فاطمة عرضة للتفاسير، رغم وضوحه السردي. ليس، فقط، لأنها نابضة بالحياة، وإنما، أيضا، لأن حكيها يتمتع بمسافة داخلية تضعه في مواجهة لغته المخاتلة.
"أبحث، بفضول،
عن أسطورة أضيفها لحكايات شهرزاد..
فتكون ألف ليلة وليلتين".
وفي ديوانها "صخب الموج"، سعت هذه المبدعة الثرة إلى
سبر أغوار الذوات، عبر جعل نصوصها تتكلم لغتها الخاصة، منطلقة من رهان سبك عبارات توقظ وتلهب، ناذرة نفسها، وكتاباتها، لملذات التعبير.
(6)
"يسكن الغيظ كل خلجة فيها..
والرجال يمشون كالطواويس،
ينفشون بعض ريشهم من كلمات
معسلة أو وقحة..
من نظرات تعريها..
من بسمات تعني أكثر من معنى..
كل هذا يقرفها.. يصيبها بالدوار......".
فاطمة عافي تأسر انتباه قارئها، عبر حبها الشغوف للكتابة. ومن خلال إغوائية الأفكار التي تنجذب إليها. أحسب أنك ستجد عسرا في تقييم جودة يراعها، إذا لم تنتبه إلى هذا الثراء الإبداعي الذي تزخر به رؤيتها، ككاتبة، وإلى الزخم الإنساني الذي تحظى به أفكارها، كإنسانة.
وهنا، أستعيد ما قالته لي، خلال أول لقاء جمع بيننا، كان ثالثنا قصصها الخاطفة المخطوفة، وبدت فيه، أمام وعي اللقاء الأول، كاتبة تدرك أرخبيل حبرها، وامرأة تعلم ما لا يستشف إلا عبر شعلة من طرازها.
"شوف، السي حسن:
ليس مهما أن أكتب كثيرا، طويلا،
الأهم، عندي:
أن أقتنص هواجس ذاتي،
أن أراني بمرٱة حبري،
في لحظات الكتابة النادرة جدا".
(7)
"قال: لم تتحدثي..
أجبت: علموني أن أصمت.." !
حقا، في أرض البساطة تبرق سماء المعنى. وفي أقل كلام يزدهي كل الكلام. وفاطمة عافي، هذه الكاتبة الماكرة، نرى عمق البساطة، وبساطة العمق، يسيران معا.
لكن... ومهلا: إنها حين تصمت ينتابني الكلام. وإذا تكلمت التزمت الصمت.
والسؤال الذي يراودني، الٱن، يقول لي، ويهمس لها:
كيف أكتب أنا صمتها،
دون أن أتكلم ؟!
وكيف تقرأ هي كلامي،
دون أن تصمت ؟!
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com