عزيزي السيد "........."
تحية طيبة
أما بعد
ربما اخترتك أنت تحديدا، لأفضي إليك، أثرثر معك لدقائق معدودة، على نحوسريع، عن أشياء تخصنا سويا، باتت تلازم تفكيري في الفترة الأخيرة. أراسلك لأنك الأقرب لي، والأقل توافقا مع قناعاتي، فكم من أوقات قضيناها سويا في مناقشات نتناول فيها كل شئ. ثمة أفكار كنت توافيني بها، وكثير من آرائي كنت تدحضها بحكمة، ومحبة فائقة. قبل ان أكتب إليك، كنت قد دبجت رسالة سابقة، أحاور فيها كاتبا شهيرا، عظيم القدر، أداوم على قراءته بين فترة وأخرى، لأن أعماله من الصعب نسيانها أو الاطلاع عليها مرة واحدة. كنت أحاوره عن تاريخه الشخصي، إبداعاته الفارقة، مواقفه إزاء الوجود، الإبداع، المقاومة، الألم، الخ كاتب من هؤلاء الذين سهرت معهم ليال لا حصر لها، ملتهما أعمالهم، كعادتي التي بدأت مع نجيب محفوظ، وديستويفسكي. ثم توالت بعدها مع التراجيديا الإغريقية، شكسبير، ابسن، كافكا، كازانتزاكيس، ثورونتون وايلدر، ماركيز، بورخس، كالفينو، كونديرا، ساراماجو...... لكني مزقت ماكتبته، لأخاطبك، فظروفنا متشابهة، أحلامنا، آمالنا، طموحاتنا المجنونة، إحباطاتنا التي لاتنتهي. يكفيني أنك ستقرأ كلماتي غير مترجمة، حيث نتحدث لغة واحدة، يجمعنا زمن واحد، والمكان ذاته يضمنا، وتطلعاتنا مشتركة أمام الورقة البيضاء. آلان. حان الوقت لكي أوجه إليك بعض الأسئلة: هل فكرت أن تكون كاتبا؟ أم هي محض مصادفة؟ هل اختارتك آلهة الفن؟ أم أنك ملحاح ودءوب، تستفيد من توجهات إرادتك؟ بالنسبة لي، ليست لدى إجابة محددة، ولكني أشعر أن لذة الكتابة تفوق النشوات الأبيقورية، تعمل على طرد الملل واللحظات المسممة. سعادة مثالية، مجردة. لكني لم أصل بعد إلى تكريس نفسي للإبداع، مضحيا بكل شئ، فهناك بيوت مفتوحة، وأفواه تنتظر الخبز. لذا أغبطك عندما أراك تختلس الوقت لتنجز بعضا مما لديك، محاولا الهروب من فخاخ الزيف والرداءة، من وساوس مرعبة، تخايلك وأنت تضع الجملة النهائية التي قد ترضيك، وتمهد الطريق لاكتشاف هذا الوجود الغامض، من خلال عزلتك الفريدة، المزدحمة بالبشر، مستعيدا قول بوشكين "كن امبراطورا، عش وحيدا، وسر في طريق حر، حيث يقودك عقلك ". مبتعدا. كي تستطيع أن تصف العالم، بدلا من الانخراط في مشاكله، والذوبان في طاحونة العدم . ثمة قضايا، وحكايات، تفوق الحصر، تتناثر هنا وهناك. كل العناصرالتي تحتاج اليها الكتابة متوافرة، وبكثرة، لكنه الوقت، المحاذير، الكوابح، الأعين المتلصصة، ربما وجدوا جملة يستطيعون من خلالها القذف بك خارج الدائرة.
عزيزي.. قلت لي ذات مرة. أنك تكتب لتكرس للبهجة، تتطهر من عذاباتك، آلامك. أليس في الأمرثمة أنانية؟ الكتابة مشاركة الآخرين، اقتسام عوالمهم. أذكر، عندما كنت صغيرا، كنت أخط سطورا ساذجة ،عفوية، لو قرأتها عليك آلان لضحكت من تهافتها، وركاكتها المفرطة، لكن شعورا كاسحا، بالسعادة والجذل، كان يغزوني، وتلاحظه أمي بسهولة عندما أستيقظ: - كنت تكتب في الليل؟ تقول. - كيف عرفت؟ - ملامحك! بعدها بسنوات، وحدها أيضا، اكتشفت زوجتي هذا الأمر. استشعرته بحدسها. حقا. إنها الكتابة، كم هي مغوية إلى أقصى حد، محل ثقة، متعتها غير قابلة للكسر. لكني أعتقد أن هذا شخصي جدا، ذاتي جدا، ضرب من النرجسية والنزوع الأناني بعيد الآثر. لقد تابعت معك كثير من الأدباء والمفكرين الكبار، بعضهم كانوا أبطالا، يحملون على عاتقهم أعباء رسولية، يصنعون التاريخ، عبر تصديهم لمشاكل عصرهم، الصدام مع أوضاع لا انسانية، حروب غير عادلة، نظم استعمارية، ديكتاتوريات، حكومات مستبدة، فاشيات غادرة. قاتل هؤلاء كي تصبح دولهم على ماهى عليه ألآن، لم تأت الأشياء محض مصادفة؛ لقد سددوا ثمن حصولهم على الحرية. كتاب آخرين، سطروا أعمالا رائعة، مجابهات سردية، مضفورة بنكهة سياسية متوهجة، مبنية على موروثات الفن، وبشكل أكثر جمالا، وهى تحمل كل عناصر الإدانة للواقع المرير والمأساوي. فعلوها دونما خوف أو تردد، ببسالة ملفتة، حتى خلدت هذه الأعمال واتخذت سمتا قوميا، دالا على الهوية الوطنية، جوار وجودها كنصوص عالمية شاهقة. هناك أيضا، كتاب آخرين، ليسوا أقل بطولة، هؤلاء المولعون بالتجديد الشكلي، الصور، المجازات، الرموز، الأساطير، الإحالات المتميزة. أبطال جديرون بالثقة، يراهنون على جموح الموهبة فقط، على سمعة أدبية قد تتحول إلى حطام في حالة الاخفاق. محدثين هزات راديكالية لتثوير شكل الكتابة وتغيير المفهومات الكلاسيكية الفاترة، بجدية، وعلى نحو جذري. عد إلى: مارسيل بروست. جيمس جويس. فرجينيا وولف. ميشال بوتور. الان روب جرييه. ناتالي ساروت. مرجريت دوراس.. أنظر إليهم كأمثلة. عزيزي. أنت وأنا، أين نحن من هؤلاء؟ أجيبك بقليل من القسوة: نحن ضحايا صراعات لا تنتهي. متعلقين بمؤخرة قطار الحداثة، متطفلين، مكتفين بالحسد لهؤلاء الذين يقودون العالم بأناملهم. مانكتبه رماد، لايضيء سماء الأدب العالمي.
تحية طيبة
أما بعد
ربما اخترتك أنت تحديدا، لأفضي إليك، أثرثر معك لدقائق معدودة، على نحوسريع، عن أشياء تخصنا سويا، باتت تلازم تفكيري في الفترة الأخيرة. أراسلك لأنك الأقرب لي، والأقل توافقا مع قناعاتي، فكم من أوقات قضيناها سويا في مناقشات نتناول فيها كل شئ. ثمة أفكار كنت توافيني بها، وكثير من آرائي كنت تدحضها بحكمة، ومحبة فائقة. قبل ان أكتب إليك، كنت قد دبجت رسالة سابقة، أحاور فيها كاتبا شهيرا، عظيم القدر، أداوم على قراءته بين فترة وأخرى، لأن أعماله من الصعب نسيانها أو الاطلاع عليها مرة واحدة. كنت أحاوره عن تاريخه الشخصي، إبداعاته الفارقة، مواقفه إزاء الوجود، الإبداع، المقاومة، الألم، الخ كاتب من هؤلاء الذين سهرت معهم ليال لا حصر لها، ملتهما أعمالهم، كعادتي التي بدأت مع نجيب محفوظ، وديستويفسكي. ثم توالت بعدها مع التراجيديا الإغريقية، شكسبير، ابسن، كافكا، كازانتزاكيس، ثورونتون وايلدر، ماركيز، بورخس، كالفينو، كونديرا، ساراماجو...... لكني مزقت ماكتبته، لأخاطبك، فظروفنا متشابهة، أحلامنا، آمالنا، طموحاتنا المجنونة، إحباطاتنا التي لاتنتهي. يكفيني أنك ستقرأ كلماتي غير مترجمة، حيث نتحدث لغة واحدة، يجمعنا زمن واحد، والمكان ذاته يضمنا، وتطلعاتنا مشتركة أمام الورقة البيضاء. آلان. حان الوقت لكي أوجه إليك بعض الأسئلة: هل فكرت أن تكون كاتبا؟ أم هي محض مصادفة؟ هل اختارتك آلهة الفن؟ أم أنك ملحاح ودءوب، تستفيد من توجهات إرادتك؟ بالنسبة لي، ليست لدى إجابة محددة، ولكني أشعر أن لذة الكتابة تفوق النشوات الأبيقورية، تعمل على طرد الملل واللحظات المسممة. سعادة مثالية، مجردة. لكني لم أصل بعد إلى تكريس نفسي للإبداع، مضحيا بكل شئ، فهناك بيوت مفتوحة، وأفواه تنتظر الخبز. لذا أغبطك عندما أراك تختلس الوقت لتنجز بعضا مما لديك، محاولا الهروب من فخاخ الزيف والرداءة، من وساوس مرعبة، تخايلك وأنت تضع الجملة النهائية التي قد ترضيك، وتمهد الطريق لاكتشاف هذا الوجود الغامض، من خلال عزلتك الفريدة، المزدحمة بالبشر، مستعيدا قول بوشكين "كن امبراطورا، عش وحيدا، وسر في طريق حر، حيث يقودك عقلك ". مبتعدا. كي تستطيع أن تصف العالم، بدلا من الانخراط في مشاكله، والذوبان في طاحونة العدم . ثمة قضايا، وحكايات، تفوق الحصر، تتناثر هنا وهناك. كل العناصرالتي تحتاج اليها الكتابة متوافرة، وبكثرة، لكنه الوقت، المحاذير، الكوابح، الأعين المتلصصة، ربما وجدوا جملة يستطيعون من خلالها القذف بك خارج الدائرة.
عزيزي.. قلت لي ذات مرة. أنك تكتب لتكرس للبهجة، تتطهر من عذاباتك، آلامك. أليس في الأمرثمة أنانية؟ الكتابة مشاركة الآخرين، اقتسام عوالمهم. أذكر، عندما كنت صغيرا، كنت أخط سطورا ساذجة ،عفوية، لو قرأتها عليك آلان لضحكت من تهافتها، وركاكتها المفرطة، لكن شعورا كاسحا، بالسعادة والجذل، كان يغزوني، وتلاحظه أمي بسهولة عندما أستيقظ: - كنت تكتب في الليل؟ تقول. - كيف عرفت؟ - ملامحك! بعدها بسنوات، وحدها أيضا، اكتشفت زوجتي هذا الأمر. استشعرته بحدسها. حقا. إنها الكتابة، كم هي مغوية إلى أقصى حد، محل ثقة، متعتها غير قابلة للكسر. لكني أعتقد أن هذا شخصي جدا، ذاتي جدا، ضرب من النرجسية والنزوع الأناني بعيد الآثر. لقد تابعت معك كثير من الأدباء والمفكرين الكبار، بعضهم كانوا أبطالا، يحملون على عاتقهم أعباء رسولية، يصنعون التاريخ، عبر تصديهم لمشاكل عصرهم، الصدام مع أوضاع لا انسانية، حروب غير عادلة، نظم استعمارية، ديكتاتوريات، حكومات مستبدة، فاشيات غادرة. قاتل هؤلاء كي تصبح دولهم على ماهى عليه ألآن، لم تأت الأشياء محض مصادفة؛ لقد سددوا ثمن حصولهم على الحرية. كتاب آخرين، سطروا أعمالا رائعة، مجابهات سردية، مضفورة بنكهة سياسية متوهجة، مبنية على موروثات الفن، وبشكل أكثر جمالا، وهى تحمل كل عناصر الإدانة للواقع المرير والمأساوي. فعلوها دونما خوف أو تردد، ببسالة ملفتة، حتى خلدت هذه الأعمال واتخذت سمتا قوميا، دالا على الهوية الوطنية، جوار وجودها كنصوص عالمية شاهقة. هناك أيضا، كتاب آخرين، ليسوا أقل بطولة، هؤلاء المولعون بالتجديد الشكلي، الصور، المجازات، الرموز، الأساطير، الإحالات المتميزة. أبطال جديرون بالثقة، يراهنون على جموح الموهبة فقط، على سمعة أدبية قد تتحول إلى حطام في حالة الاخفاق. محدثين هزات راديكالية لتثوير شكل الكتابة وتغيير المفهومات الكلاسيكية الفاترة، بجدية، وعلى نحو جذري. عد إلى: مارسيل بروست. جيمس جويس. فرجينيا وولف. ميشال بوتور. الان روب جرييه. ناتالي ساروت. مرجريت دوراس.. أنظر إليهم كأمثلة. عزيزي. أنت وأنا، أين نحن من هؤلاء؟ أجيبك بقليل من القسوة: نحن ضحايا صراعات لا تنتهي. متعلقين بمؤخرة قطار الحداثة، متطفلين، مكتفين بالحسد لهؤلاء الذين يقودون العالم بأناملهم. مانكتبه رماد، لايضيء سماء الأدب العالمي.