(1)
"تذكروني
بفرح".
إذا تجرأ المختصر على تدوين المتراحب، فاعلم، آنذاك، أن بينهما آصرة أصفاد تذود عن وشيجة سياط. وتذكر أن علو الأسوار يتأتى من انخفاض الأرواح. ثم إياك أن تنسى، هنيهة صراخ، أن جسد القصيدة أقوى من ضربات الجلاد. وأن اليد الكاتبة أخلد من اليد القاتلة !
ماذا لو زجَّ بك في زنزانة،
بحجم كلمة لا،
واِنْفَرَدَ جماع هلعك
بباسق اطمئنان سعيدة المنبهي ؟!
أتراك - مثلي أنا - ستعثر على عذابات محبسها في توق قصيدتها، وتفتش عن أزلية مكتوبها في زوال مقروئها، ثم تخلد بك إلى حياتها الأطول من موتها، وإلى حضور دائم فيها لا يطاله عبور الغياب ؟!
"أما جراحي، فباسمة،
محلقة بحرية،
بحب متناه،
تضحية فريدة،
وبذل مستميت”.
(2)
مثل طيف يتسلل إلى زنزانة حريته، أو كما شبح على هيئة سراح، أجيء إلى صوتها. أجلس على مقربة من شجاعتها. أحادثها عبر مساحة وهم الإفراج، وتحاورني من مسافة جليد الأقفال. وبيننا، هي وأنا، رأي يؤدي إلى فداحة العمر، وجرأة تؤول إلى فجيعة الوقت !
أجيء إليها من أقاص مضرجة بوصمة الدم، من قفار ضاجة بأصوات من كانوا وراحوا، كي أعرف منها، منها وحدها، جوابا لأسئلة تدور في خلد يدي. تقض مضجع حبري. وتنال مني دون أن أنال منها.
كيف تكون مرارة الاعتقال
في غياهب الذات،
لما تتحرر القضبان من أوزارها ؟!
ولماذا يغدو القيد
بحجم وطن،
حين يصبح المعصم
بشسع قضية ؟!
ويأتيني جوابها، حاملا سمات إعجازها. يأتيني كما توقع قلبي الذي تركته عند عتبات سجنها. وها هي تسرب إلى ذاكرة الحرية رسالة الاستعباد.
"أنا وإن كان جسدي
بين القضبان الموحشة
فإن روحي العاتية
مخترقة لأسوار
السجن العالية،
وبواباته الموصدة،
وأصفاده وسياط الجلادين
الذين أهدوني إلى الموت" !
(3)
"ساموت
مناضلة" !
بجسد تلفه حلك العتمة، بروح في قبضة العزلة، وأنين يسري في كوابيس الاحتضار، ظلت سعيدة في كامل وعيها بأعطاب الذات وجراح الزمن. عقلها الباطن، موئل نجاتها، استمر صاحيا يصيغ سمعه لكل حشرجة، لكل جارحة، لكل بارقة أمل. في أوج شسوع الألم، لاذت هذه الأثيلة بوعثاء الكتابة، حتى لا تتحول إلى شبح حي، وكي تؤسس لحياة آتية، لزمن قادم.
بدمها، أو ما تبقى منه،
كتبت قصائدها الموغلة
في ثراء الوجع.
بأظافرها الطويلة،
التي صارت حادة كشفرة الفقدان،
أبدعت نصوصها الغارقة
في طوايا الظلمات !
عاشت بين حواف العتمات، باحت بأوصاب سنوات غليان وطلقات، ثم أسلمت روحها إلى غياب موحش، وهي محاطة بشروق لا يأفل. وقبل أن تزف إلى خلاص الحرية، إلى حرية الخلاص، كتبت فوق تاريخ رحيلها (11 دجنبر 1977) عبارة متقدة المعنى، تدين عهدا بأكمله، عاشت بعدها أزيد من نصف قرن: "تذكروني بفرح".
كم كان بارعا للغاية الشاعر عبد الله زريقة، حين رآها بعيني القصيدة، لما أرخ لها بمداد رؤية الرمز، ثم عندما وصفها بلغة تمتح من خلود:
"امرأة
أحبت
الضوء".
(4)
"وجودي في السجن
لايعني بالضرورة
حرماني من الحياة،
إن حياتي لها عدة معان".
اختطفت في عز الظلام. حكم عليها بسبع سنوات سجنا
نافذة، بتهمة الانخراط في تنظيم ماركسي (منظمة "إلى الأمام"). خضعت لتعذيب جسدي ونفسي فظيع في المعتقل السري درب مولاي الشريف. ماتت وهي تخوض إضرابا عن الطعام، وعمرها خمسة وعشرون عاما.
أيمكن، بل أيصح،
أن تشكل هذه الأسطر الثلجية
اختصارا لامرأة
قدت من نار لا تخبو،
واختزالا لشاعرة
حطمت أغلال الرق
بكلمة ثكلى
تجلس على سرير من الشوك ؟!
"إن السجن مدرسة"، هكذا جاهرت سعيدة بكل وثوقها، وهي في قبضة الهول، وتحت رحمة التنكيل. لقد انسل الموت إلى جلادها، وهرب الشعر إليها. مغيبة في أسرار الموت، وسرائر الحياة، حولت الألم، الذي تراكم كجبال الطغيان، إلى الأمل، الذي تفاقم مثل أحلام القصيدة العصية عن التكبيل !
"إنني لا أخاف القمع.
إنني أؤمن بقضيتي".
(5)
"اخرس، كفى
هذا الصوت الذي يطاردني
يسكنني
هذا الصوت ليس صوتي
لماذا يستمر
كصفارة قطار
لا أريد ان أسمعه منذ الآن
سأغلق أذني
سأضغط عليهما
لأفلت من هذا العذاب" !
أن توثق تاريخ محنتك، أنت القابع خلف ظلمة الحياة، وأن تحول ضيق أسرك إلى فلوات انطلاق لا حد ثمة لتخوم سراحه، يلزمك، أولا، أن تكون بخصال سعيدة. كما يلزمك، ثانيا، أن تتبدى فولاذا كالمنبهي !
اقتراف الكتابة داخل "القلعة الوحشية"، بعبارة الكاتب محمد الشركي، لم يكن بالنسبة إليها فعلا تفريغيا عبره تتخلص، نفسيا، من أثقال الوقت. بل كان فعلا وجوديا عبره تورط خطو المستقبل في تعثر الماضي.
"دائرة الفولاذ
الفولاذ اللا إنساني
البارد، الجليدي
يمنعني من أن أكون أنا
هذا الأنا الذي يجب إبعاده
وإعادة بنائه
أقول لمن يظنون
أنه لم يبق لي خيار
إن هذا المسلك
الذي لم يكن عن قناعة
أنكره، أرفضه
أقتلعته وأرمي به
على الضفة التي تمتد
على طول نهر الدم" !
لنستمع، بإمعان، إلى الشاعر الكبير عبد اللطيف اللعبي، الذي قام بترجمة أشعارها إلى اللغة العربية، ونشرها في مجلة "البديل" سنة 1982:
"بدأت سعيدة تكتب الشعر
بأظافرها على حائط الزنزانة.
كان ذلك سنة 1976
بالسجن المدني بالبيضاء.
كانت تكتب ولا تنقح،
لأنها لم تكن تفكر
في أضواء الشهرة،
ولا في المخبرين وجواسيس اللغة".
(6)
"لقد علمني السجن
أن لا أسكب الدمع أبدا" !
بدت سعيدة المنبهي، في جماع متنها الشعري المشتعل بفداحة الروح، واضحة الدال والمدلول. نظيفة تماما من أي إبهام في لعبة المجاز، أو في تلون الرؤية. ذلك لأن البارز أمام عينيها كان أفدح من أن تعبر عنه وهي مكفنة بسواده الطاعن في لحد بياضها.
"لا للذكرى
التي تريد إلحاق العار بي
إلى الأبد
إنني أعرف كيف أنفض عن نفسي الغبار
كيف أسترجع قوتي
وأستعد للمواجهة
سأردد في كل ليلة
غدا
ستشرق الشمس
على كل جبال
الأطلس والريف والتوبقال
وذلك الصوت الذي كان
بالأمس أخرس
سيدوي ويصرخ
حتى الإنهاك
سيقول:
انتهى الكابوس" !
حادة، مغوية، بل كالحة، تغدو القصيدة، وهي ماثلة في سويداء السراديب، حيث لا محيد، أبدا، عن استحلاب ضوء الذات بشكل لا ثورية فيه. ربما لأن ما تستشعره القريحة، في حالتها الموارة هذه، يربو عن أيما تعبيرات تتزيا بما يحول بينها وبين قسوة المعنى.
"قلت لي
في رسالتك الأخيرة:
(أشعر أن حبنا قوي
أقوى من القمع
من ظلمة السجن الحالكة)
كلماتك هاته تفجر دمي
تروي جسدي
الظمآن
وتملأني بقوة
لا تقهر
كلماتك هاته
أود أن أحفرها
على الحائط الرمادي
حائط الزنزانة التي أعيش فيها" !
نصوص متكلمة ومكلومة، شحذتها عزلة الجسد، غربة القلب، غموم الوجدان، واستلاب جواني، حد اقتراف الكتابة من داخل التشظي، وفي قلب الهوان.
"أقطع عروقي
لأكتب كلماتك بدمي
أشحذ أظافري
لأحفر كلماتك في الأعماق" !
(7)
"في ليلهم الذي يطرده النهار
أتحول إلى لحظة
وأصبح انتصارا..." !
أغادر زنزانة سعيدة. في عيني ثمة دهشة تذرف جماع إعجاب. في كفي يزهر رنين صوتها الباقي. في دواخلي تتلالى سور ترتل آيات قصيدها. في حبري كثير منها، قليل منا، وبعض نشيج مفجوع.
إني أراها تطل من ضوء بعيد. تبتسم بحجم حضورها. ترمقنا بعينين تجمعت فيهما كل سنوات الرصاص. تقول ملء بقائها فينا، مستعيرة من إميل حبيبي وارف قولته الباقية:
"سحبت ساعتي
من وقتكم الزائل،
ثم انصرفت" !
"تذكروني
بفرح".
إذا تجرأ المختصر على تدوين المتراحب، فاعلم، آنذاك، أن بينهما آصرة أصفاد تذود عن وشيجة سياط. وتذكر أن علو الأسوار يتأتى من انخفاض الأرواح. ثم إياك أن تنسى، هنيهة صراخ، أن جسد القصيدة أقوى من ضربات الجلاد. وأن اليد الكاتبة أخلد من اليد القاتلة !
ماذا لو زجَّ بك في زنزانة،
بحجم كلمة لا،
واِنْفَرَدَ جماع هلعك
بباسق اطمئنان سعيدة المنبهي ؟!
أتراك - مثلي أنا - ستعثر على عذابات محبسها في توق قصيدتها، وتفتش عن أزلية مكتوبها في زوال مقروئها، ثم تخلد بك إلى حياتها الأطول من موتها، وإلى حضور دائم فيها لا يطاله عبور الغياب ؟!
"أما جراحي، فباسمة،
محلقة بحرية،
بحب متناه،
تضحية فريدة،
وبذل مستميت”.
(2)
مثل طيف يتسلل إلى زنزانة حريته، أو كما شبح على هيئة سراح، أجيء إلى صوتها. أجلس على مقربة من شجاعتها. أحادثها عبر مساحة وهم الإفراج، وتحاورني من مسافة جليد الأقفال. وبيننا، هي وأنا، رأي يؤدي إلى فداحة العمر، وجرأة تؤول إلى فجيعة الوقت !
أجيء إليها من أقاص مضرجة بوصمة الدم، من قفار ضاجة بأصوات من كانوا وراحوا، كي أعرف منها، منها وحدها، جوابا لأسئلة تدور في خلد يدي. تقض مضجع حبري. وتنال مني دون أن أنال منها.
كيف تكون مرارة الاعتقال
في غياهب الذات،
لما تتحرر القضبان من أوزارها ؟!
ولماذا يغدو القيد
بحجم وطن،
حين يصبح المعصم
بشسع قضية ؟!
ويأتيني جوابها، حاملا سمات إعجازها. يأتيني كما توقع قلبي الذي تركته عند عتبات سجنها. وها هي تسرب إلى ذاكرة الحرية رسالة الاستعباد.
"أنا وإن كان جسدي
بين القضبان الموحشة
فإن روحي العاتية
مخترقة لأسوار
السجن العالية،
وبواباته الموصدة،
وأصفاده وسياط الجلادين
الذين أهدوني إلى الموت" !
(3)
"ساموت
مناضلة" !
بجسد تلفه حلك العتمة، بروح في قبضة العزلة، وأنين يسري في كوابيس الاحتضار، ظلت سعيدة في كامل وعيها بأعطاب الذات وجراح الزمن. عقلها الباطن، موئل نجاتها، استمر صاحيا يصيغ سمعه لكل حشرجة، لكل جارحة، لكل بارقة أمل. في أوج شسوع الألم، لاذت هذه الأثيلة بوعثاء الكتابة، حتى لا تتحول إلى شبح حي، وكي تؤسس لحياة آتية، لزمن قادم.
بدمها، أو ما تبقى منه،
كتبت قصائدها الموغلة
في ثراء الوجع.
بأظافرها الطويلة،
التي صارت حادة كشفرة الفقدان،
أبدعت نصوصها الغارقة
في طوايا الظلمات !
عاشت بين حواف العتمات، باحت بأوصاب سنوات غليان وطلقات، ثم أسلمت روحها إلى غياب موحش، وهي محاطة بشروق لا يأفل. وقبل أن تزف إلى خلاص الحرية، إلى حرية الخلاص، كتبت فوق تاريخ رحيلها (11 دجنبر 1977) عبارة متقدة المعنى، تدين عهدا بأكمله، عاشت بعدها أزيد من نصف قرن: "تذكروني بفرح".
كم كان بارعا للغاية الشاعر عبد الله زريقة، حين رآها بعيني القصيدة، لما أرخ لها بمداد رؤية الرمز، ثم عندما وصفها بلغة تمتح من خلود:
"امرأة
أحبت
الضوء".
(4)
"وجودي في السجن
لايعني بالضرورة
حرماني من الحياة،
إن حياتي لها عدة معان".
اختطفت في عز الظلام. حكم عليها بسبع سنوات سجنا
نافذة، بتهمة الانخراط في تنظيم ماركسي (منظمة "إلى الأمام"). خضعت لتعذيب جسدي ونفسي فظيع في المعتقل السري درب مولاي الشريف. ماتت وهي تخوض إضرابا عن الطعام، وعمرها خمسة وعشرون عاما.
أيمكن، بل أيصح،
أن تشكل هذه الأسطر الثلجية
اختصارا لامرأة
قدت من نار لا تخبو،
واختزالا لشاعرة
حطمت أغلال الرق
بكلمة ثكلى
تجلس على سرير من الشوك ؟!
"إن السجن مدرسة"، هكذا جاهرت سعيدة بكل وثوقها، وهي في قبضة الهول، وتحت رحمة التنكيل. لقد انسل الموت إلى جلادها، وهرب الشعر إليها. مغيبة في أسرار الموت، وسرائر الحياة، حولت الألم، الذي تراكم كجبال الطغيان، إلى الأمل، الذي تفاقم مثل أحلام القصيدة العصية عن التكبيل !
"إنني لا أخاف القمع.
إنني أؤمن بقضيتي".
(5)
"اخرس، كفى
هذا الصوت الذي يطاردني
يسكنني
هذا الصوت ليس صوتي
لماذا يستمر
كصفارة قطار
لا أريد ان أسمعه منذ الآن
سأغلق أذني
سأضغط عليهما
لأفلت من هذا العذاب" !
أن توثق تاريخ محنتك، أنت القابع خلف ظلمة الحياة، وأن تحول ضيق أسرك إلى فلوات انطلاق لا حد ثمة لتخوم سراحه، يلزمك، أولا، أن تكون بخصال سعيدة. كما يلزمك، ثانيا، أن تتبدى فولاذا كالمنبهي !
اقتراف الكتابة داخل "القلعة الوحشية"، بعبارة الكاتب محمد الشركي، لم يكن بالنسبة إليها فعلا تفريغيا عبره تتخلص، نفسيا، من أثقال الوقت. بل كان فعلا وجوديا عبره تورط خطو المستقبل في تعثر الماضي.
"دائرة الفولاذ
الفولاذ اللا إنساني
البارد، الجليدي
يمنعني من أن أكون أنا
هذا الأنا الذي يجب إبعاده
وإعادة بنائه
أقول لمن يظنون
أنه لم يبق لي خيار
إن هذا المسلك
الذي لم يكن عن قناعة
أنكره، أرفضه
أقتلعته وأرمي به
على الضفة التي تمتد
على طول نهر الدم" !
لنستمع، بإمعان، إلى الشاعر الكبير عبد اللطيف اللعبي، الذي قام بترجمة أشعارها إلى اللغة العربية، ونشرها في مجلة "البديل" سنة 1982:
"بدأت سعيدة تكتب الشعر
بأظافرها على حائط الزنزانة.
كان ذلك سنة 1976
بالسجن المدني بالبيضاء.
كانت تكتب ولا تنقح،
لأنها لم تكن تفكر
في أضواء الشهرة،
ولا في المخبرين وجواسيس اللغة".
(6)
"لقد علمني السجن
أن لا أسكب الدمع أبدا" !
بدت سعيدة المنبهي، في جماع متنها الشعري المشتعل بفداحة الروح، واضحة الدال والمدلول. نظيفة تماما من أي إبهام في لعبة المجاز، أو في تلون الرؤية. ذلك لأن البارز أمام عينيها كان أفدح من أن تعبر عنه وهي مكفنة بسواده الطاعن في لحد بياضها.
"لا للذكرى
التي تريد إلحاق العار بي
إلى الأبد
إنني أعرف كيف أنفض عن نفسي الغبار
كيف أسترجع قوتي
وأستعد للمواجهة
سأردد في كل ليلة
غدا
ستشرق الشمس
على كل جبال
الأطلس والريف والتوبقال
وذلك الصوت الذي كان
بالأمس أخرس
سيدوي ويصرخ
حتى الإنهاك
سيقول:
انتهى الكابوس" !
حادة، مغوية، بل كالحة، تغدو القصيدة، وهي ماثلة في سويداء السراديب، حيث لا محيد، أبدا، عن استحلاب ضوء الذات بشكل لا ثورية فيه. ربما لأن ما تستشعره القريحة، في حالتها الموارة هذه، يربو عن أيما تعبيرات تتزيا بما يحول بينها وبين قسوة المعنى.
"قلت لي
في رسالتك الأخيرة:
(أشعر أن حبنا قوي
أقوى من القمع
من ظلمة السجن الحالكة)
كلماتك هاته تفجر دمي
تروي جسدي
الظمآن
وتملأني بقوة
لا تقهر
كلماتك هاته
أود أن أحفرها
على الحائط الرمادي
حائط الزنزانة التي أعيش فيها" !
نصوص متكلمة ومكلومة، شحذتها عزلة الجسد، غربة القلب، غموم الوجدان، واستلاب جواني، حد اقتراف الكتابة من داخل التشظي، وفي قلب الهوان.
"أقطع عروقي
لأكتب كلماتك بدمي
أشحذ أظافري
لأحفر كلماتك في الأعماق" !
(7)
"في ليلهم الذي يطرده النهار
أتحول إلى لحظة
وأصبح انتصارا..." !
أغادر زنزانة سعيدة. في عيني ثمة دهشة تذرف جماع إعجاب. في كفي يزهر رنين صوتها الباقي. في دواخلي تتلالى سور ترتل آيات قصيدها. في حبري كثير منها، قليل منا، وبعض نشيج مفجوع.
إني أراها تطل من ضوء بعيد. تبتسم بحجم حضورها. ترمقنا بعينين تجمعت فيهما كل سنوات الرصاص. تقول ملء بقائها فينا، مستعيرة من إميل حبيبي وارف قولته الباقية:
"سحبت ساعتي
من وقتكم الزائل،
ثم انصرفت" !