عبدالله علي إبراهيم - يوميات أبادماك (1968-1969): مريم ماكبا تظللنا

في قبايل العيد الخمسين لتأسيس أبادماك أنشر هنا ذكرى أيام محورية في تكوين التنظيم ونشاطه.
النشأة والاحتجاج
نشأ ابادماك حول مذكرة للرأي العام في شتاء 1968 استنكرنا فيها اعتداء الإتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم على حفل جماعة الثقافة الوطنية. وهي الحادثة المعروفة بواقعة العجكو. والعجكو رقصة من غرب السودان. فما أن صعدت راقصاتها الطالبات على المسرح حتى أفسد الإخوان الحفل وفرتقوه. ومات طالب في المعركة.
في إجتماعنا الأول العاشر من يناير 1969 أجزنا قرارين. واحد يشجب اعتداء الإخوان المسلمين على حفل جمعية الثقافة الوطنية. أما القرار الآخر فقد شجبنا فيه حكم الردة الذي صدر بحق المرحوم محمود محمد طه. وهذا نصه:
يستنكر إجتماع الكتاب والفنانين التقدميين التضييق الذي تمارسه بعض الجهات علي العقل باسم الدين. إن الحرج الذي تعرض له العقل والوجدان بوقوف فكر ومنهج الأستاذ محمود محمد طه أمام القضاء الشرعي لهو حرج في افئدة كل الذين يريدون لبلادنا أن تستظل بالحوار وأن تسترشد بالحجة والبيان وأن يصان العقل من الاستعلاء والاستعداء. وإننا لنؤكد بالقطع مسئولية الفكر في خلق سودان معاصر في التاريخ والزمان والمكان. لن ننثني أمام محاكم الردة وما أشبه . . ففي عمق رؤانا يعيش شعبنا وتراثه وبإسمه نستشرف آفاق المعاصرة والبهاء.

اجتماعات هامة لأبادماك
إجتماع جمعية الصاقة الإلمانية (جهة سينما كلوزيوم) (10 يناير 1969) (أو أنقص أو زد عليه قليلا)
1) "دوار" عوض جاد الرب ومحمد تاج السر
كان هذا فاتحة الاجتماعات ورتبناه لإجازة المانفستو المقدم للاجتماع (ننشره لاحقاً). وزيناه ببرنامج فني جاذب. فقد استمعنا الي اغنية من الأستاذ عوض جادالرب من كلمات المهندس محمد تاج السر اسمها "دوار". ومما يؤسف له أن ليس بيدنا ارشيفاً للأغنية وهي التي اسكرت (واقعاً ومجازاً) الجيل. وكان عوض مغنياً مجيدا وكان محمد تاج السر شاعراً مجيداً. ولا تزال طلاوة الأغنية مما اتذكره. كانت محاولة لإشهار غناء جديد. فهل تكرم من له سجل بها كأغنية أو قصيدة بنشرها علينا. . . يكسب ثواب.
2) مريم ما كيبا
واستمعنا في نفس الجلسة الي اغنية من المغنية جنوب افريقية مريم ما كيبا عنوانها " أغنية الكليك". والكليك هو الإسم الأوربي للغة البوشمن أو الخوسان بالجنوب الأفريقي. ولو شاهدت فيلم "الآلهة لابد مجنونة" ستري انها لغة اولئك القوم القصار الذين لهم لون النحاس. وتسربت لنا الأغنية خلال منتصف الستينات ضمن الإسطوانات التي ترد من غناء الستينات الأمريكي المقاوم للحرب من مثل أريتا فرانكلين وجون باييز. وكانت مريم مكيبا وقتها لاجئة بأمريكا وكانت نوارة في هذا القبيل الفني الثوري. وقد قدمتُ الأغنية للمجتمعين بدار جمعية الصداقة الألمانية قائلاً أنكم تذكرون كيف كان يختبرنا أولئك الذين لم يدخلوا المدرسة من جيلنا أو من هم اكبر بقولهم "أكتب لي . . . " ثم ينطق صوتاً بطرقعة الأسنان واللسان لكلمة "نعم". وقلت إنهم كانوا يعدون كتابة "نعم" السنونية مما يعجز عنه المتعلم. وقلت إن مريم مكيبا قد استثمرت طرقعة الأسنان هذه لكتابة اغنية رصينة تحتج فيها علي الغربيين الذي سموا لغة القوم "طرقعة" لأنهم لا يحسنون قول ". . . ." ثم نطقت شيئاً من لغة البوشمان. وتزحلقت من هناك الي الأغنية نفسها. (عدت للأغنية مراراً وربما تداخل الماضي بالحاضر).
من أطرف ما أذكر في مانيفستو الجماعة أنني كتبت "ذواكر" كجمع ل "ذاكرة". ونشرناه هكذا. وصوبني المرحوم محمد سعيد معروف في كلمة له. واذكر أنني "تتريقت" عليه في ردي لعنايته بالقشور دون اللباب. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لقبلت التصويب مع الشكر والعرفان. ثم وجد "ذواكر" لاحقة مستخدمة في جمع "ذاكرة".
نُشر ما نفيستو أبادماك بالصحف فور اجتماعنا الأول بجمعية الصداقة السودانية الألمانية في مطلع بناير 1968. وهو بيان سياسي بنفس مبدعين. كما نشره المرحوم غسان كنفاني في ملف الأدب السوداني في ملحق أدبي لجريدة "الأنوار" البيروتية كما اعتقد.
اجتماع اتحاد طلاب جامعة القاهرة بالمقرن (لا تاريخ له عندي ولكنه اتبع الاجتماع التأسيسي
ناقشنا فيه إسم التنظيم. وقد وردت اقتراحات أذكر منها "سنار" بالتبرير الغابي صحراوي المعروف. ثم ورد أبادماك. وكان أقوى ما زكاه لنا أنه خلق سوداني قديم له ثلاث رؤوس تمثل الحكمة ولا اذكر الباقي ولكنها من الفضائل الجيدة. وربما كنا بذلك الاختيار بصدد تسجيل احتجاج عال النبرة على ما يسميه البعض الآن العربسلامية التي كان رمزها آنذاك مشروع الدستور الإسلامي المعروض امام الجمعية التاسيسية. ولم يغب هذا الاحتجاج على العربسلاميين فقالوا لنا من اين نَكَتم هذا الهبل القديم.
ونواصل الحديث في حلقة قادمة عن المدينة الثقافية في المقرن والقافلة الثقافية لمديرية الجزيرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
الجماعات والمدارس والحركات والصالونات الأدبية
المشاهدات
467
آخر تحديث
أعلى