الجزء الأول:
1_ تعريف الدهشة:
الدهشة حالة التنبه الذهني التي تنكسر فيها الرتابة، ويتجلى فيها التبصر.
وتنتهي الدهشة حينما يصبح كل شيء مألوفاً ذلك أن الدهشة لا تحصل إلا أمام الظواهر الغريبة النادرة والساحرة والخارقة للمألوف، فإذا رفع عنها الحجاب زال العجب، وانمحى الانبهار.. فلا يعود هناك ما يدهشنا لأننا فقدنا شيئاً أساسياً وهو أن الحياة لم تعد لغزاً.
فالدهشة تحصل حين تبدو لنا الأشياء والظواهر جميعا معجزة غير قابلة للتفسير، كونها خارقة لمألوف العادة.
حياتنا اليومية أفقدتنا الدهشة، وينهض الإبداع بشتى أنواعه بوظيفة إعادتنا إلى طفولتنا لنرى ما تعودنا عليه وكأنه خارق وجديد وغير مألوف، يقوم بصنع دهشتنا الجميلة أمام كل ما يبهر ويثير الإعجاب. يعيدنا إلى الحياة لأن فاقد الدهشة كائن ميت، وبناء عليه، ينبغي أن ننفض الغبار عن أفكارنا القديمة، ونعيد تكوينها بفعل الدهشة والتحرر من مبدأ العادة.
وإذا كانت العادة تقتل الرغبة في البحث والتساؤل، فإن الدهشة تنزع عن الأشياء أُلفتها وبساطتها. وتعيد إليها غرابتها الأولى المولدة للسؤال والبحث.
وقد تبنع الدهشة من اللامألوف والغريب والخارق للعادة، كما من المألوف الذي صيره الإبداع غير مألوف، أو جعلنا نراه بشكل مختلف ينزع من أفواهنا علامات التعجب لأننا نكتشفه من جديد، ونراه على غير الوجه الذي كنا نراه به واعتدنا عليه.
والإبداع القادر على تحقيق ذلك، بحسب القاص سي أحمد بوزفور يتطلب بالطبع قوةَ تخيل هائلة.. ويتطلب معها قدرةً حِرَفيةً خرافيةً على الكتابة الجميلة التي تُمتع القارئَ وتُثير فيه الدهشةَ والتأمل.
ثَمَّة تعبير أرقى عن الدهشة هنا، نجده في الفن والشعر والفلسفة، كونها تتعلق أكثر بمفهوم الجَمَال الذي يثير الحواس والأذهان والعواطف ويرتقي بها.
فعنصر الدهشة يُعدُّ من أبرز عناصر الإبداع الفني، ولذا يوصف الشعر بأنه تعبيرٌ عن المُدهش، كما يذكر الدكتور سلام الأوسي. والدهشة هنا تعني مرحلة سامية من درجات التأمل واستغراق الذهن بالتفكير، نابعة من علم الإنسان وإحساسه بوجوده المحدود. فالفنان والشاعر والفيلسوف يرون العالم وكأنهم يرونه أول مرَّة، ويعبّرون غالباً عن موضوع يبعث على الدهشة، ولهذا قال سقراط: "الفلسفة تبدأ من الدهشة".
لماذا نحتاج إلى الدهشة؟ لأنها تمنحنا الدافع لمحاولة فهم العالَم، وتدفعنا نحو تحقيق الإنجازات العظيمة، وتحفِّز العلماء على "فهم طبيعة قوس القزح وغيرها من الظواهر الغريبة"، كما يقول ديكارت في القرن السابع عشر. أما اليوم، فالدهشةُ تُشبَّه كنبعٍ يبدأ منه البحث العلمي.
ولعل وجه الدهشة الأجمل دائماً، هو ذلك الملهم على الاستمرار في طلب المعرفة، فكما تقول العبارة: "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك أن يندهش، فلا هو يستطيع أن يعرف كل شيء، ولا هو بقادر على ألَّا يعرف أي شيء".1
القاص البارع هو الذي يحقق الدهشة، ويشبه في فعله الساحر الذي يبهر العيون ويطلق صرخات الإعجاب بعيون مفتوحة وأفواه على شكل O أجنبية. إنه الساحر الذي يأتي باللامتوقع، والمبهر والمثير للحيرة والتعجب.
**
1_ المقالة الافتتاحية بعنوان: وجوه الدهشة، من المجلة الثقافية الالكترونية، القافلة، عدد يناير فبراير، 2020.
1_ تعريف الدهشة:
الدهشة حالة التنبه الذهني التي تنكسر فيها الرتابة، ويتجلى فيها التبصر.
وتنتهي الدهشة حينما يصبح كل شيء مألوفاً ذلك أن الدهشة لا تحصل إلا أمام الظواهر الغريبة النادرة والساحرة والخارقة للمألوف، فإذا رفع عنها الحجاب زال العجب، وانمحى الانبهار.. فلا يعود هناك ما يدهشنا لأننا فقدنا شيئاً أساسياً وهو أن الحياة لم تعد لغزاً.
فالدهشة تحصل حين تبدو لنا الأشياء والظواهر جميعا معجزة غير قابلة للتفسير، كونها خارقة لمألوف العادة.
حياتنا اليومية أفقدتنا الدهشة، وينهض الإبداع بشتى أنواعه بوظيفة إعادتنا إلى طفولتنا لنرى ما تعودنا عليه وكأنه خارق وجديد وغير مألوف، يقوم بصنع دهشتنا الجميلة أمام كل ما يبهر ويثير الإعجاب. يعيدنا إلى الحياة لأن فاقد الدهشة كائن ميت، وبناء عليه، ينبغي أن ننفض الغبار عن أفكارنا القديمة، ونعيد تكوينها بفعل الدهشة والتحرر من مبدأ العادة.
وإذا كانت العادة تقتل الرغبة في البحث والتساؤل، فإن الدهشة تنزع عن الأشياء أُلفتها وبساطتها. وتعيد إليها غرابتها الأولى المولدة للسؤال والبحث.
وقد تبنع الدهشة من اللامألوف والغريب والخارق للعادة، كما من المألوف الذي صيره الإبداع غير مألوف، أو جعلنا نراه بشكل مختلف ينزع من أفواهنا علامات التعجب لأننا نكتشفه من جديد، ونراه على غير الوجه الذي كنا نراه به واعتدنا عليه.
والإبداع القادر على تحقيق ذلك، بحسب القاص سي أحمد بوزفور يتطلب بالطبع قوةَ تخيل هائلة.. ويتطلب معها قدرةً حِرَفيةً خرافيةً على الكتابة الجميلة التي تُمتع القارئَ وتُثير فيه الدهشةَ والتأمل.
ثَمَّة تعبير أرقى عن الدهشة هنا، نجده في الفن والشعر والفلسفة، كونها تتعلق أكثر بمفهوم الجَمَال الذي يثير الحواس والأذهان والعواطف ويرتقي بها.
فعنصر الدهشة يُعدُّ من أبرز عناصر الإبداع الفني، ولذا يوصف الشعر بأنه تعبيرٌ عن المُدهش، كما يذكر الدكتور سلام الأوسي. والدهشة هنا تعني مرحلة سامية من درجات التأمل واستغراق الذهن بالتفكير، نابعة من علم الإنسان وإحساسه بوجوده المحدود. فالفنان والشاعر والفيلسوف يرون العالم وكأنهم يرونه أول مرَّة، ويعبّرون غالباً عن موضوع يبعث على الدهشة، ولهذا قال سقراط: "الفلسفة تبدأ من الدهشة".
لماذا نحتاج إلى الدهشة؟ لأنها تمنحنا الدافع لمحاولة فهم العالَم، وتدفعنا نحو تحقيق الإنجازات العظيمة، وتحفِّز العلماء على "فهم طبيعة قوس القزح وغيرها من الظواهر الغريبة"، كما يقول ديكارت في القرن السابع عشر. أما اليوم، فالدهشةُ تُشبَّه كنبعٍ يبدأ منه البحث العلمي.
ولعل وجه الدهشة الأجمل دائماً، هو ذلك الملهم على الاستمرار في طلب المعرفة، فكما تقول العبارة: "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك أن يندهش، فلا هو يستطيع أن يعرف كل شيء، ولا هو بقادر على ألَّا يعرف أي شيء".1
القاص البارع هو الذي يحقق الدهشة، ويشبه في فعله الساحر الذي يبهر العيون ويطلق صرخات الإعجاب بعيون مفتوحة وأفواه على شكل O أجنبية. إنه الساحر الذي يأتي باللامتوقع، والمبهر والمثير للحيرة والتعجب.
**
1_ المقالة الافتتاحية بعنوان: وجوه الدهشة، من المجلة الثقافية الالكترونية، القافلة، عدد يناير فبراير، 2020.