1/ السكيتج القصصي
عنيت السرديات الحديثة المعاصرة أو علم السرد بالإنجليزية (Narratology) بالفرنسية ( Narratologie) بتقديم نظرية تهتم بدراسة الأجناس السردية (قصة ، اقصوصة ، رواية ، مقامة ، نادرة ، أسطورة ، خرافة، الخبر ، السيرة ، الرسائل ، الخاطرة ، المذكرات وسواها ) وازاء ذلك فإن السرد يحتل مكانة مهمة في الثقافات الإنسانية المختلفة ، وبحسب رونالد بارت فإن السرد يوجد في كل الأزمنة وكل الأمكنة ، وفي كل المجتمعات ، يبدأ السرد مع التأريخ أو حتى مع الإنسانية ، فليس ثمة شعب بدون سرد ، فلكل الطبقات ولكل المجتمعات الإنسانية سردياتها ، وبهذا المفهوم فإن السرد فعل لا حدود له ، ويتسع ليشمل الخطابات الأدبية وغير الأدبية ، والسرديات من المصطلحات التي ابدعتها البنيوية ، وكانت بدايته مع الشكلانيين الروس وخاصة مع فلاديمير بروب (1928 -- 1968) في كتابه المهم ( علم تشكّل الحكاية) ، فقد اتاح هذا العلم للكتاب الاهتمام بالمهمل والعابر ولفت النظر إلى كل يمكن تدوينه خارج الأنماط السردية التي سادت في السرد الكلاسيكي واعني بها الرواية والقصة ، لذا فقد دخل كل نشاط سردي مدون إلى منطقة مابعد السرد الكلاسيكي وتحديدا مابعد الحداثة ومابعدها .
وهذا ما دفع القاص العراقي (محمد خضير) إلى ركونه إلى المفهوم الواسع لعلم السرد ليجعل (السكيتج ) و (التمرين السردي) نوعاً سردياً عبر منشوره ( السكيتج القصصي نوعاً سردياً ) المنشور في صفحته الخاصة في 11 يوليو 2020 ، ومن المعروف أن القاص محمد خضير قد دأب
علىٰ تكريس مساهمته الفاعلة في تأثيث خطاب القصة الستينية التحديثي الذي تمكن من وضع القصة العراقية علىٰ المسار الصحيح بتجاوزه ومفارقته لٱليات وتقنيات السرد الكلاسيكي عبر تجريبية أسفرت عن ظهور اتجاهات قصصية احتكمت في مجملها لصيرورة المجتمع العراقي ، حتىٰ في تلك الاتجاهات التي تأثرت بالفكر الوجودي الذي أوجد مساحة سردية مهمة للدخول الىٰ الشخصية العراقية التي تعرضت إلى المحو والقهر الٱيديولوجي والاجتماعي في العقد الستيني الذي لاتُخفىٰ فواعل مكوناته العالمية والعربية والعراقية على أحد ، لذا فإن النهج التجريبي ظلّ ملازماً لكل مشاريعه السردية ، إيماناً منه بضرورة مغادرة الساكن والنموذج ، على أن هذه التجريبية لم تكن غايةً نهائية لمشاريعه وانما وسيلته للولوج إلى مناطق أكثر إثارة وجدل علىٰ مستوىٰ التقنيات والأفكار التي بات يغذي ٱفاقها الإنسانية بشكل مستمر وبما يشكّل إضافة نوعية للخطاب السردي ليس العراقي وحسب وانما العربي أيضاً . ويمكن ملاحظة ذلك منذ مجموعته القصصية الاولىٰ ( المملكة السوداء) 1972 وسائر منجزاته السردية .
وفي مشروعه التجريبي الجديد (سكيتجات قصصية) يزيل الغبار عن واحد من السرديات المهملة أو المنقرضة على حد تعبيره في منشوره المذكور أعلاه والذي أشار فيه الىٰ تجارب كبار الروائيين العالمين مثل ماركيز و..ساراماجو في مفكرته ومن العرب طه حسين ونجيب محفوظ في كتابة هذا
(النوع) السردي الذي تكاد تخلو منه التجارب السردية للكتاب العراقيين لإعتقادهم بلا أهمية الكتابة فيه ، ليأخذ مداه الفاعل في المشهد السردي على مستوىٰ الإكتفاء به موجزاً سردياً لأنه يتضمن لحظة القبض علىٰ الفكرة ، وهي لحظة إبداعية تتدخل في حضورها التجربة اللاشعورية التي يتفرّد بها الكاتب المبدع . وتشكّل لذاتها سرديات تتجاوز كونها تخطيط أولي أو مشروعاً لقصة قادمة يتدخل في تكوينها الوعي لإختيار الأسلوب والتقنيات البلاغية التي من المحتمل أن تكون خارج تلك اللحظة القابضة علىٰ الفكرة ، وعندئذ تخفق في استثمار تلك اللحظة الإبداعية الفريدة .
وللإقتراب من مشروع القاص محمد خضير في سكيتشياته القصصية التي نشرها في صفحته الخاصة على مدار عامين منصرمين ، لابد لنا من المرور علىٰ مفردة (الاسكيتج) التي تم ترحيلها من حقلها الفني -- التشكيلي تحديداً -- إلى الحقل السردي ، وتعني :- الرسم الأولي ، هو رسم تقريبي ينفّذُ عادة استخدام اليد الحرة ولايُشترط اكتماله ، ويعتبر الاسكيتج من أهم المهارات التي يجب أن يتمكن منها المعماري أو الفنان التشكيلي ..(ويكبيديا)
كما أنه عدَّ نوعاً من أنواع العروض المسرحية ، وهو عبارة عن مونولوج أو حوار مسرحي أو مسرحية قصيرة يغلب عليها الطابع الهزلي لتقديم افكار مسرحية بطريقة كوميدية ، وعادة يعتمد هذا الأدب المسرحي على الارتجال حيث يكون عدد الشخصيات قليل بما لا يتجاوز خمس شخصيات , ومن خلال التعريفين الٱنفي الذكر ومشروعية الترحيل إلى الحقل السردي نصل إلى مفهوم متقارب وهو ان ( الاسكيتج) يعدُّ التخطيط الأولي للفكرة التي تحضر في اللحظة الإبداعية ومن الممكن أن تكون فيما بعد مشروعاً لقصّة أو رواية مستقبلية . وبهذا المفهوم سنتقصّىٰ المٱلات السردية لعدد من الإسكيتشات القصصية التي وجد القاص محمد خضير في ماتتيحه وسائل الإتصال الحديثة كصفحات التواصل الاجتماعي والواتساب والتويتر مكاناً مناسباً لإحتواء هذا النوع السردي الذي تتبدّىٰ أهميته في اعتباره سردية تتوخىٰ تدوين اللحظة الإبداعية للقبض علىٰ الفكرة والثيمة القصصية أو الروائية عند ولادتها ،
كتب القاص محمد خضير مجموعة من (الاسكيتجات) القصصية والتمارين السردية بين عامي 2020 و2022 ، وسنحاول فيما يأتي من السطور الوقوف علىٰ بنائية واحدة من سكيتجياته وفق ما تسمح به مساحة النشر .
الكاتب الثمانيني
(سكيتج قصصي) / 22 سبتمبر/ 2021
يسعىٰ القاص في سرديته هذه الىٰ استدعاء ما اختزنته ذاكرته من تسجيل لوقائع عقد الثمانينات ، وفق بنائية تقترب من (السيناريو) اي ماسيقوم بتثبيته ليكون فيما بعد قصة مكتملة ، لذا فهو (يُخطّطُ) الخطوط الأولىٰ لأركان القصة من مكان وزمان واحداث وشخصيات ، ففي سكتج (الكاتب الثمانيني) يرسم القاص مشهدا استهلالياً لرجل متقاعد من الحرب التي انتهت عام1988 ، دون تشخيص دقيق لمهنته أو تفاصيله الواضحة ويضع بين قوسين احتمال توصيفه بأنه كاتب ( قد يكون كاتباً) ، ويجلس على قارعة الطريق بقبعة مخرومة ونظارات مشروطة ودورق ماء بلاستيكي ، يقترب منه سائق حافلة لتصليح العطب الحاصل في إطار حافلته, يشرب من قنينة الماء كما حصل في اليوم الماضي ويشير عليه بنقله إلى المكان الذي يريد ، إلا أن الرجل المتقاعد يتذرع بأن الوقت مبكرا للعودة إلى البيت ، فرسم هذا المشهد وباستخدام الفعل المضارع يقترب من السيناريو ، كما أن استخدام (قد) تضع احتمالية أن يكون هذا الرجل كاتباً ، اي توفر إمكانية تغيير صفته الشخصية فيما بعد ، أما زمن السرد / زمن الحكاية فهو بعد انتهاء حرب 1988 ، في حين كان زمن الخطاب السردي هو الٱن / زمن التخطيط للمشهد الذي تمكن من توكيد بنية الإحباط والعوز للرجل المتقاعد ، وفي الفقرة التخطيطية الثانية يرسم القاص مشهداً لرجل هرم في التسعين من عمره إلّا أن القاص يضع بين قوسين عدم وثوقيته كونه (كاتباً) ، ويقتعد نفس المكان الذي كان يجلس فيه الرجل المتقاعد ، إلا أن تفاصيل المشهد تشير الىٰ أن الرجل هو ذاته في كلا المشهدين ، إذ يخبر الرجل الهرم الشاب الذي يجالسه على الرصيف بتفاصيل الوقوف المتكرر لأبيه وهو يصلح الإطار المثقوب وشربه الماء من القنينة البلاستيكية ، وبعد أن يأخذ الرسالة من الشاب يغادر المكان بدون أن يودع الشاب المصاب بالذهول ، وفي نهاية هذه الفقرة يشير القاص بين قوسين( لقد حصل أحدهما على موضوع لقيته لو كان كاتباً ) وهي إشارة إلى أن القاص في طور بناء اللبنات الأولىٰ لقصة قادمة ،
( مٱلات) مقطع ثاني
وفي الفقرة الثالثة يواصل القاص رسم التخطيط السردي الثالث الذي يؤكد فيه متوالية الرجل الثمانيني والشخص الحامل للرسالة من الرجل الأول ، مع بقاء ذات التفاصيل / مقهىٰ الرصيف/ قنينة الماء البلاستيكية / السيارة التي يطرأ عليها التحديث ، مع تأكيد الشاب الأخير علىٰ توالي الرجل كل عام بشكل شيخي يشبه الرجل الثمانيني الأول ، ويضع القاص مقترحاته السردية القابلة للتغيير بين قوسين أو خطّي الاعتراض ، مثلاً في معرض سرده عن توالي الموديلات الحديثة للسيارات يشير بين قوسين ( ولابأس أن يحتفظ الكاتب الثمانيني بالموديل القديم - نفسه- في خياله ) أو -- إنما سيحدث تغيير بسيط -- إذ شكّلت هذه الجمل المقوّسة والمعترضة مقترحات وضعها القاص ليأخذ بها فيما بعد عند كتابته للقصة كاملة ، وحتى نهاية السكيتج فقد تضمنت مقترحاً كتابياً فيشير ( ستشطب الحرب - أية حرب قادمة لا اعتراض - المقطع السابق من التخطيط السريع لبلاد الوجوه المتشابهة ... واخيرا سيجد الرجل الثمانيني في بريده الالكتروني ، المخترق ، تنبيهاً بضرورة تغيير كلمة المرور ) فقد تضمنت هذه الإشارة مقترحات للامتداد بالحدث إزاء أية حرب قادمة متخيلة / واقعية لتوكيد وجود أكثر من رجل بدءاً من الرجل الثمانيني وحتى الحرب الأخيرة المقترحة وبالتحايث مع التقدم الحاصل بوسائل الإتصال حتى يصل بالمقترح إلى الإستخدام الإفتراضي من قبل الرجل .
وخلاصة القول فإن هذا السكيتج القصصي يُعدُّ سردية أزالت الغبار عن التخطيط الأولي لكتابة النص الإبداعي الذي هجره العديد من المبدعين ، وقد تبدّىٰ مٱل السرد في الإحتفاظ بالفكرة لحظة تجليها في ذاكرة القاص أو وقوع عينه على زاوية يرىٰ فيها موضوعاً جيدا لقصته القادمة ، وهنا يظهر التجلي الإبداعي الخالص المرافق للحظة القبض على الفكرة ، وجدير بالإشارة إلى ان هذا النوع قد عاد بفعل جملة من الظروف لعل في مقدمتها التقدم الحاصل بوسائل الاتصال وتحديدا صفحات التواصل الاجتماعي وسهولة الكتابة فيه وانتشاره وكذلك صيرورة النقد المعاصر وتقدم علم السرد وشموله لأغلب الأنواع النثرية كسرديات قائمة بذاتها ومتضمنة للفعل الابداعي الخاص بكينونة الكتابة ، وماذهبنا إليه في مقاربتنا للسكيتج القصصي (الكاتب الثمانيني) ينطبق علىٰ الاسكيتجات القصصية الأربعة التي كتبها القاص محمد خضير في سعيه للإمساك باللحظة الإبداعية وتضمينها لمقترحات كتابية موجهة له ، وبهذا المعنىٰ فإن السارد والمسرود له هو ذات الكاتب .
وفي الحلقات القادمة ستتناول بعض المهجور من السرديات والتي تم تداولها مؤخرا بوظائف جديدة وخصائص جديدة كالخاطرة وأدب الرسائل .
عنيت السرديات الحديثة المعاصرة أو علم السرد بالإنجليزية (Narratology) بالفرنسية ( Narratologie) بتقديم نظرية تهتم بدراسة الأجناس السردية (قصة ، اقصوصة ، رواية ، مقامة ، نادرة ، أسطورة ، خرافة، الخبر ، السيرة ، الرسائل ، الخاطرة ، المذكرات وسواها ) وازاء ذلك فإن السرد يحتل مكانة مهمة في الثقافات الإنسانية المختلفة ، وبحسب رونالد بارت فإن السرد يوجد في كل الأزمنة وكل الأمكنة ، وفي كل المجتمعات ، يبدأ السرد مع التأريخ أو حتى مع الإنسانية ، فليس ثمة شعب بدون سرد ، فلكل الطبقات ولكل المجتمعات الإنسانية سردياتها ، وبهذا المفهوم فإن السرد فعل لا حدود له ، ويتسع ليشمل الخطابات الأدبية وغير الأدبية ، والسرديات من المصطلحات التي ابدعتها البنيوية ، وكانت بدايته مع الشكلانيين الروس وخاصة مع فلاديمير بروب (1928 -- 1968) في كتابه المهم ( علم تشكّل الحكاية) ، فقد اتاح هذا العلم للكتاب الاهتمام بالمهمل والعابر ولفت النظر إلى كل يمكن تدوينه خارج الأنماط السردية التي سادت في السرد الكلاسيكي واعني بها الرواية والقصة ، لذا فقد دخل كل نشاط سردي مدون إلى منطقة مابعد السرد الكلاسيكي وتحديدا مابعد الحداثة ومابعدها .
وهذا ما دفع القاص العراقي (محمد خضير) إلى ركونه إلى المفهوم الواسع لعلم السرد ليجعل (السكيتج ) و (التمرين السردي) نوعاً سردياً عبر منشوره ( السكيتج القصصي نوعاً سردياً ) المنشور في صفحته الخاصة في 11 يوليو 2020 ، ومن المعروف أن القاص محمد خضير قد دأب
علىٰ تكريس مساهمته الفاعلة في تأثيث خطاب القصة الستينية التحديثي الذي تمكن من وضع القصة العراقية علىٰ المسار الصحيح بتجاوزه ومفارقته لٱليات وتقنيات السرد الكلاسيكي عبر تجريبية أسفرت عن ظهور اتجاهات قصصية احتكمت في مجملها لصيرورة المجتمع العراقي ، حتىٰ في تلك الاتجاهات التي تأثرت بالفكر الوجودي الذي أوجد مساحة سردية مهمة للدخول الىٰ الشخصية العراقية التي تعرضت إلى المحو والقهر الٱيديولوجي والاجتماعي في العقد الستيني الذي لاتُخفىٰ فواعل مكوناته العالمية والعربية والعراقية على أحد ، لذا فإن النهج التجريبي ظلّ ملازماً لكل مشاريعه السردية ، إيماناً منه بضرورة مغادرة الساكن والنموذج ، على أن هذه التجريبية لم تكن غايةً نهائية لمشاريعه وانما وسيلته للولوج إلى مناطق أكثر إثارة وجدل علىٰ مستوىٰ التقنيات والأفكار التي بات يغذي ٱفاقها الإنسانية بشكل مستمر وبما يشكّل إضافة نوعية للخطاب السردي ليس العراقي وحسب وانما العربي أيضاً . ويمكن ملاحظة ذلك منذ مجموعته القصصية الاولىٰ ( المملكة السوداء) 1972 وسائر منجزاته السردية .
وفي مشروعه التجريبي الجديد (سكيتجات قصصية) يزيل الغبار عن واحد من السرديات المهملة أو المنقرضة على حد تعبيره في منشوره المذكور أعلاه والذي أشار فيه الىٰ تجارب كبار الروائيين العالمين مثل ماركيز و..ساراماجو في مفكرته ومن العرب طه حسين ونجيب محفوظ في كتابة هذا
(النوع) السردي الذي تكاد تخلو منه التجارب السردية للكتاب العراقيين لإعتقادهم بلا أهمية الكتابة فيه ، ليأخذ مداه الفاعل في المشهد السردي على مستوىٰ الإكتفاء به موجزاً سردياً لأنه يتضمن لحظة القبض علىٰ الفكرة ، وهي لحظة إبداعية تتدخل في حضورها التجربة اللاشعورية التي يتفرّد بها الكاتب المبدع . وتشكّل لذاتها سرديات تتجاوز كونها تخطيط أولي أو مشروعاً لقصة قادمة يتدخل في تكوينها الوعي لإختيار الأسلوب والتقنيات البلاغية التي من المحتمل أن تكون خارج تلك اللحظة القابضة علىٰ الفكرة ، وعندئذ تخفق في استثمار تلك اللحظة الإبداعية الفريدة .
وللإقتراب من مشروع القاص محمد خضير في سكيتشياته القصصية التي نشرها في صفحته الخاصة على مدار عامين منصرمين ، لابد لنا من المرور علىٰ مفردة (الاسكيتج) التي تم ترحيلها من حقلها الفني -- التشكيلي تحديداً -- إلى الحقل السردي ، وتعني :- الرسم الأولي ، هو رسم تقريبي ينفّذُ عادة استخدام اليد الحرة ولايُشترط اكتماله ، ويعتبر الاسكيتج من أهم المهارات التي يجب أن يتمكن منها المعماري أو الفنان التشكيلي ..(ويكبيديا)
كما أنه عدَّ نوعاً من أنواع العروض المسرحية ، وهو عبارة عن مونولوج أو حوار مسرحي أو مسرحية قصيرة يغلب عليها الطابع الهزلي لتقديم افكار مسرحية بطريقة كوميدية ، وعادة يعتمد هذا الأدب المسرحي على الارتجال حيث يكون عدد الشخصيات قليل بما لا يتجاوز خمس شخصيات , ومن خلال التعريفين الٱنفي الذكر ومشروعية الترحيل إلى الحقل السردي نصل إلى مفهوم متقارب وهو ان ( الاسكيتج) يعدُّ التخطيط الأولي للفكرة التي تحضر في اللحظة الإبداعية ومن الممكن أن تكون فيما بعد مشروعاً لقصّة أو رواية مستقبلية . وبهذا المفهوم سنتقصّىٰ المٱلات السردية لعدد من الإسكيتشات القصصية التي وجد القاص محمد خضير في ماتتيحه وسائل الإتصال الحديثة كصفحات التواصل الاجتماعي والواتساب والتويتر مكاناً مناسباً لإحتواء هذا النوع السردي الذي تتبدّىٰ أهميته في اعتباره سردية تتوخىٰ تدوين اللحظة الإبداعية للقبض علىٰ الفكرة والثيمة القصصية أو الروائية عند ولادتها ،
كتب القاص محمد خضير مجموعة من (الاسكيتجات) القصصية والتمارين السردية بين عامي 2020 و2022 ، وسنحاول فيما يأتي من السطور الوقوف علىٰ بنائية واحدة من سكيتجياته وفق ما تسمح به مساحة النشر .
الكاتب الثمانيني
(سكيتج قصصي) / 22 سبتمبر/ 2021
يسعىٰ القاص في سرديته هذه الىٰ استدعاء ما اختزنته ذاكرته من تسجيل لوقائع عقد الثمانينات ، وفق بنائية تقترب من (السيناريو) اي ماسيقوم بتثبيته ليكون فيما بعد قصة مكتملة ، لذا فهو (يُخطّطُ) الخطوط الأولىٰ لأركان القصة من مكان وزمان واحداث وشخصيات ، ففي سكتج (الكاتب الثمانيني) يرسم القاص مشهدا استهلالياً لرجل متقاعد من الحرب التي انتهت عام1988 ، دون تشخيص دقيق لمهنته أو تفاصيله الواضحة ويضع بين قوسين احتمال توصيفه بأنه كاتب ( قد يكون كاتباً) ، ويجلس على قارعة الطريق بقبعة مخرومة ونظارات مشروطة ودورق ماء بلاستيكي ، يقترب منه سائق حافلة لتصليح العطب الحاصل في إطار حافلته, يشرب من قنينة الماء كما حصل في اليوم الماضي ويشير عليه بنقله إلى المكان الذي يريد ، إلا أن الرجل المتقاعد يتذرع بأن الوقت مبكرا للعودة إلى البيت ، فرسم هذا المشهد وباستخدام الفعل المضارع يقترب من السيناريو ، كما أن استخدام (قد) تضع احتمالية أن يكون هذا الرجل كاتباً ، اي توفر إمكانية تغيير صفته الشخصية فيما بعد ، أما زمن السرد / زمن الحكاية فهو بعد انتهاء حرب 1988 ، في حين كان زمن الخطاب السردي هو الٱن / زمن التخطيط للمشهد الذي تمكن من توكيد بنية الإحباط والعوز للرجل المتقاعد ، وفي الفقرة التخطيطية الثانية يرسم القاص مشهداً لرجل هرم في التسعين من عمره إلّا أن القاص يضع بين قوسين عدم وثوقيته كونه (كاتباً) ، ويقتعد نفس المكان الذي كان يجلس فيه الرجل المتقاعد ، إلا أن تفاصيل المشهد تشير الىٰ أن الرجل هو ذاته في كلا المشهدين ، إذ يخبر الرجل الهرم الشاب الذي يجالسه على الرصيف بتفاصيل الوقوف المتكرر لأبيه وهو يصلح الإطار المثقوب وشربه الماء من القنينة البلاستيكية ، وبعد أن يأخذ الرسالة من الشاب يغادر المكان بدون أن يودع الشاب المصاب بالذهول ، وفي نهاية هذه الفقرة يشير القاص بين قوسين( لقد حصل أحدهما على موضوع لقيته لو كان كاتباً ) وهي إشارة إلى أن القاص في طور بناء اللبنات الأولىٰ لقصة قادمة ،
( مٱلات) مقطع ثاني
وفي الفقرة الثالثة يواصل القاص رسم التخطيط السردي الثالث الذي يؤكد فيه متوالية الرجل الثمانيني والشخص الحامل للرسالة من الرجل الأول ، مع بقاء ذات التفاصيل / مقهىٰ الرصيف/ قنينة الماء البلاستيكية / السيارة التي يطرأ عليها التحديث ، مع تأكيد الشاب الأخير علىٰ توالي الرجل كل عام بشكل شيخي يشبه الرجل الثمانيني الأول ، ويضع القاص مقترحاته السردية القابلة للتغيير بين قوسين أو خطّي الاعتراض ، مثلاً في معرض سرده عن توالي الموديلات الحديثة للسيارات يشير بين قوسين ( ولابأس أن يحتفظ الكاتب الثمانيني بالموديل القديم - نفسه- في خياله ) أو -- إنما سيحدث تغيير بسيط -- إذ شكّلت هذه الجمل المقوّسة والمعترضة مقترحات وضعها القاص ليأخذ بها فيما بعد عند كتابته للقصة كاملة ، وحتى نهاية السكيتج فقد تضمنت مقترحاً كتابياً فيشير ( ستشطب الحرب - أية حرب قادمة لا اعتراض - المقطع السابق من التخطيط السريع لبلاد الوجوه المتشابهة ... واخيرا سيجد الرجل الثمانيني في بريده الالكتروني ، المخترق ، تنبيهاً بضرورة تغيير كلمة المرور ) فقد تضمنت هذه الإشارة مقترحات للامتداد بالحدث إزاء أية حرب قادمة متخيلة / واقعية لتوكيد وجود أكثر من رجل بدءاً من الرجل الثمانيني وحتى الحرب الأخيرة المقترحة وبالتحايث مع التقدم الحاصل بوسائل الإتصال حتى يصل بالمقترح إلى الإستخدام الإفتراضي من قبل الرجل .
وخلاصة القول فإن هذا السكيتج القصصي يُعدُّ سردية أزالت الغبار عن التخطيط الأولي لكتابة النص الإبداعي الذي هجره العديد من المبدعين ، وقد تبدّىٰ مٱل السرد في الإحتفاظ بالفكرة لحظة تجليها في ذاكرة القاص أو وقوع عينه على زاوية يرىٰ فيها موضوعاً جيدا لقصته القادمة ، وهنا يظهر التجلي الإبداعي الخالص المرافق للحظة القبض على الفكرة ، وجدير بالإشارة إلى ان هذا النوع قد عاد بفعل جملة من الظروف لعل في مقدمتها التقدم الحاصل بوسائل الاتصال وتحديدا صفحات التواصل الاجتماعي وسهولة الكتابة فيه وانتشاره وكذلك صيرورة النقد المعاصر وتقدم علم السرد وشموله لأغلب الأنواع النثرية كسرديات قائمة بذاتها ومتضمنة للفعل الابداعي الخاص بكينونة الكتابة ، وماذهبنا إليه في مقاربتنا للسكيتج القصصي (الكاتب الثمانيني) ينطبق علىٰ الاسكيتجات القصصية الأربعة التي كتبها القاص محمد خضير في سعيه للإمساك باللحظة الإبداعية وتضمينها لمقترحات كتابية موجهة له ، وبهذا المعنىٰ فإن السارد والمسرود له هو ذات الكاتب .
وفي الحلقات القادمة ستتناول بعض المهجور من السرديات والتي تم تداولها مؤخرا بوظائف جديدة وخصائص جديدة كالخاطرة وأدب الرسائل .