ضمن مشروع "صمت المدافع بحلول العشرية المقبلة" نجح الاتحاد الأفريقي في إيصال طرفي النزاع الاثيوبي إلى توقيع اتفاق سلام ينهي الحرب الأهلية. ردود الفعل الأولية كانت متباينة باختلاف موقع الناظرين إلى الاتفاق. وكل اتفاق سلام يحظى دوما بعدة تفسيرات حسب اختلاف وجهات النظر هذه.
فأشهر اتفاقات التاريخ المعاصر هو اتفاق ميونيخ بين رئيس الوزراء البريطاني نيفيل شامبرلين مع دكتاتور المانيا هتلر في سنة 1938. بعد عودة شامبرلين إلى لندن خاطب شعبه بعبارة شهيرة حيث قال فيها: " لقد جلبت لكم سلام الشجعان" ولكن الاتفاق دخل التاريخ في الذاكرة الشعبية بأنه أسواء تنازل تقدمه بريطانيا لألمانيا النازية ووسم بانه "استرضاء وضيع لطاغية المانيا الرهيب".
تميز الدبلوماسية بين السلام والاستسلام بشكل حاسم وجوهري. فاتفاقات السلام تكون بين أطراف تكون موازين القوى بينها متقاربة وتدخل المفاوضات بجدول أعمال ووسطاء ومطالب وتدخل كذلك في تفاوض من أجل تحقيق المطالب. ويعتمد نجاح اتفاقات السلام على تحقيق المطالب الأساسية للطرفين وفقا لمبدأ "الكل فائز" وضمان حفظ ماء الوجه لطرفي النزاع. أما الاستسلام، من ناحية أخرى، فهو حضور ممثل الطرف المهزوم للتوقيع بدون تفاوض أو تقديم مطالب أو حضور وسطاء ومثال ذلك: توقيع وثيقة استسلام المانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى وتوقيع وثيقة تسليم اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية.
دخل طرفا التفاوض الاثيوبي العملية السلمية وهما على قناعة بأن الحرب لن تكون قادرة على حسم الخلاف بينهما، وأن الحرب يمكن أن تستمر لفترة طويلة، حتى لو استطاع الطرف الحكومي استلام كل إقليم تيغراي. وبدت الرغبة في التوصل إلى حل جاهزة لدى الطرفين مع تزايد الضغوط الدولية.
استطاع الطرف الحكومي ترجيح الكفة لصالحه عبر دبلوماسية ناجحة اعتمدت على انتزاع إقرار من الوسطاء بأن التسوية تتم بين حكومة شرعية لدولة ذات سيادة عضو في الاتحاد الافريقي مقابل حركة "تمرد" إقليمي. بنيت هذه الدبلوماسية على خطين الأول الضغط على الاتحاد الافريقي باعتبار اثيوبيا دولة المقر، وأدراك أن مبادرة "صمت المدافع" تحتاج إلى تغليب مصالح الدول الأعضاء على حساب حركات التمرد الداخلية. واستطاعت الحكومة تغليب مطالبها على حساب مطالب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في بنود الاتفاق وذلك بتحويل الجبهة إلى تنظيم سياسي مجرد من القوى العسكرية، والطموح الجامح، والحلفاء المحليين ،والدوليين. الاتحاد الافريقي بدوره يحتاج إلى تبنى وجهات نظر الحكومات باعتبار الحكومات هي الأعضاء المكونة له ولكن دون التغاضي عن المطالب المشروعة لحركات التمرد.
أشار اليكس دي وال الكاتب المؤيد لتيغراي بأن الاتفاق قوبل عند قطاع كبير من أبناء تيغراي بالرفض لأنه اعطى الحكومة كل ما تطلب وأن الجبهة الشعبية رفعت راية الاستسلام. ولكن بالنظر إلى المحافظة على الدستور الفيدرالي والذي يعد أكبر إنجازاتها
السياسية والبقاء على قيد الحياة كتنظيم سياسي ورفع اسم التنظيم من قائمة الإرهاب وضمان مشروعيته السياسية فإن النظر من هذه الزاوية يبدو مختلفا بالنظر إلى اتفاق السلام بأنه ضامن لمطالب الطرفين خاصة "مطلب الأمن للجميع" والذي تم تضمينه في البند الرابع من أهداف الاتفاق. ويشمل حل قوات تيغراي الإقرار بأن تكون هناك قوات واحدة لكل اثيوبيا وهي الجيش الاثيوبي مما يعني حل كل المليشيات في البلاد بما في ذلك قوات تيغراي. وبتوزيع انصبة السلام على الطرفين نتساءل عما يهمنا هنا وهو: ما نصيب ارتريا، الشريك الاستراتيجي للحكومة الاثيوبية في هذه التسوية؟
لو افترضنا أن هدف تدخل دكتاتور اسمرا العجوز في الحرب هو استعادة الأراضي الارترية المحتلة وضمان سيادة وأمن ارتريا مستقبلا فإن تحجيم طموحات قيادة تيغراي يعتبر مكسبا مهما وجوهريا، ولكن هذا الاعتبار مضلل بشكل مطلق، فلماذا؟
بسبب أن دكتاتور اسمرا لم يدخل الحرب إلا وفي نيته "دفن الوياني" وإزالة العقبة أمام التعاون الدولي وأخيرا تخليص اثيوبيا من الدستور "العرقي" الذي تحدث كثيرا عن رفضه له خاصة المادة التاسعة والثلاثين منه. وبعدم تحقق أي من الهدفين اللذين دخل بسببهما الحرب فإنه يبدو الخاسر الأكبر من هذه التسوية. أما انسحاب قواته من تيغراي وإن لم يتم تضمينه تصريحا في الاتفاق فأنه يرد في باب "ضمان أمن الجميع" لأن التصريح بتواجد قواته يضر بموقف الحكومة الاثيوبية التفاوضي باعتبار استعانتها بقوى أجنبية لحل مشكلة داخلية مما يجعلها المنتهك الأول لسيادة اثيوبيا ذاتها، لذلك ترك الأمر للتسوية على الأرض. وخسارة افورقي الكبرى ستكون عبر خسارة "الحجة" أو البعبع الذي ظل يخيف الشعب الارتري منه في السنوات الماضية، وهذا يعنى العمل على "صناعة" عدو جديد وبدء مهام جديدة في عمر متأخر للحكم وللرجل.
من ناحية أخرى وضع هذا الاتفاق مؤيدي اسياس ومؤيدي تيغراي من أنصار شعار تيغراي تنتصر "تيغراي تسعر" على قدم المساواة في محاولة فك خيوط الاتفاق لتبرير انتصار الطرفين، وأن بدا موقف مؤيدي تيغراي أفضل لأن الماكينة الدعائية سوف تعمل على تبرير مكاسب الاتفاق، بينما يجرد صمت الدكتاتور العجوز أنصاره من السند المعنوي، فأسمرا وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا زالت تلوذ بصمت القبور، رغم أن ارتريا لا تحتاج إلى اجتماع لمجلس الوزراء لإصدار تصريح حول اتفاق الفرقاء الإثيوبيين.
ويقع العبء الأكبر على مؤيدي اسياس افورقي: فهم بحاجة أولا لإبراز الأهداف من الحرب ومن ثم تحديد عما إذا كان الاتفاق يحقق لارتريا ما دفعها لزج جيشها في الحرب الدامية.
أخيرا السلام لا يعني المحبة، خاصة وأن الحرب الأخيرة تم خوضها بناء على خطاب كراهية عرقي لن تمحوه اتفاقية سلام واحدة، ولكن المعيار الأساسي لأي اتفاقية هو نجاحها في إيقاف آلة الحرب المجنونة وحقن الدماء وهذا هو الاختبار الحقيقي لأي اتفاق مهما تباينت وجهات النظر حوله. ويلقى الاتفاق فوق ذلك عبئا أكبر على قيادة جبهة تيغراي في اقناع أنصارها بأن خوضها للحرب ومحاولة وصولها إلى العاصمة اديس ابابا لم تكن يوما مغامرة بدماء الشباب وهذا هو المحك الشعبي لقبول أو رفض مخرجات العملية السلمية في الإقليم.
فأشهر اتفاقات التاريخ المعاصر هو اتفاق ميونيخ بين رئيس الوزراء البريطاني نيفيل شامبرلين مع دكتاتور المانيا هتلر في سنة 1938. بعد عودة شامبرلين إلى لندن خاطب شعبه بعبارة شهيرة حيث قال فيها: " لقد جلبت لكم سلام الشجعان" ولكن الاتفاق دخل التاريخ في الذاكرة الشعبية بأنه أسواء تنازل تقدمه بريطانيا لألمانيا النازية ووسم بانه "استرضاء وضيع لطاغية المانيا الرهيب".
تميز الدبلوماسية بين السلام والاستسلام بشكل حاسم وجوهري. فاتفاقات السلام تكون بين أطراف تكون موازين القوى بينها متقاربة وتدخل المفاوضات بجدول أعمال ووسطاء ومطالب وتدخل كذلك في تفاوض من أجل تحقيق المطالب. ويعتمد نجاح اتفاقات السلام على تحقيق المطالب الأساسية للطرفين وفقا لمبدأ "الكل فائز" وضمان حفظ ماء الوجه لطرفي النزاع. أما الاستسلام، من ناحية أخرى، فهو حضور ممثل الطرف المهزوم للتوقيع بدون تفاوض أو تقديم مطالب أو حضور وسطاء ومثال ذلك: توقيع وثيقة استسلام المانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى وتوقيع وثيقة تسليم اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية.
دخل طرفا التفاوض الاثيوبي العملية السلمية وهما على قناعة بأن الحرب لن تكون قادرة على حسم الخلاف بينهما، وأن الحرب يمكن أن تستمر لفترة طويلة، حتى لو استطاع الطرف الحكومي استلام كل إقليم تيغراي. وبدت الرغبة في التوصل إلى حل جاهزة لدى الطرفين مع تزايد الضغوط الدولية.
استطاع الطرف الحكومي ترجيح الكفة لصالحه عبر دبلوماسية ناجحة اعتمدت على انتزاع إقرار من الوسطاء بأن التسوية تتم بين حكومة شرعية لدولة ذات سيادة عضو في الاتحاد الافريقي مقابل حركة "تمرد" إقليمي. بنيت هذه الدبلوماسية على خطين الأول الضغط على الاتحاد الافريقي باعتبار اثيوبيا دولة المقر، وأدراك أن مبادرة "صمت المدافع" تحتاج إلى تغليب مصالح الدول الأعضاء على حساب حركات التمرد الداخلية. واستطاعت الحكومة تغليب مطالبها على حساب مطالب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في بنود الاتفاق وذلك بتحويل الجبهة إلى تنظيم سياسي مجرد من القوى العسكرية، والطموح الجامح، والحلفاء المحليين ،والدوليين. الاتحاد الافريقي بدوره يحتاج إلى تبنى وجهات نظر الحكومات باعتبار الحكومات هي الأعضاء المكونة له ولكن دون التغاضي عن المطالب المشروعة لحركات التمرد.
أشار اليكس دي وال الكاتب المؤيد لتيغراي بأن الاتفاق قوبل عند قطاع كبير من أبناء تيغراي بالرفض لأنه اعطى الحكومة كل ما تطلب وأن الجبهة الشعبية رفعت راية الاستسلام. ولكن بالنظر إلى المحافظة على الدستور الفيدرالي والذي يعد أكبر إنجازاتها
السياسية والبقاء على قيد الحياة كتنظيم سياسي ورفع اسم التنظيم من قائمة الإرهاب وضمان مشروعيته السياسية فإن النظر من هذه الزاوية يبدو مختلفا بالنظر إلى اتفاق السلام بأنه ضامن لمطالب الطرفين خاصة "مطلب الأمن للجميع" والذي تم تضمينه في البند الرابع من أهداف الاتفاق. ويشمل حل قوات تيغراي الإقرار بأن تكون هناك قوات واحدة لكل اثيوبيا وهي الجيش الاثيوبي مما يعني حل كل المليشيات في البلاد بما في ذلك قوات تيغراي. وبتوزيع انصبة السلام على الطرفين نتساءل عما يهمنا هنا وهو: ما نصيب ارتريا، الشريك الاستراتيجي للحكومة الاثيوبية في هذه التسوية؟
لو افترضنا أن هدف تدخل دكتاتور اسمرا العجوز في الحرب هو استعادة الأراضي الارترية المحتلة وضمان سيادة وأمن ارتريا مستقبلا فإن تحجيم طموحات قيادة تيغراي يعتبر مكسبا مهما وجوهريا، ولكن هذا الاعتبار مضلل بشكل مطلق، فلماذا؟
بسبب أن دكتاتور اسمرا لم يدخل الحرب إلا وفي نيته "دفن الوياني" وإزالة العقبة أمام التعاون الدولي وأخيرا تخليص اثيوبيا من الدستور "العرقي" الذي تحدث كثيرا عن رفضه له خاصة المادة التاسعة والثلاثين منه. وبعدم تحقق أي من الهدفين اللذين دخل بسببهما الحرب فإنه يبدو الخاسر الأكبر من هذه التسوية. أما انسحاب قواته من تيغراي وإن لم يتم تضمينه تصريحا في الاتفاق فأنه يرد في باب "ضمان أمن الجميع" لأن التصريح بتواجد قواته يضر بموقف الحكومة الاثيوبية التفاوضي باعتبار استعانتها بقوى أجنبية لحل مشكلة داخلية مما يجعلها المنتهك الأول لسيادة اثيوبيا ذاتها، لذلك ترك الأمر للتسوية على الأرض. وخسارة افورقي الكبرى ستكون عبر خسارة "الحجة" أو البعبع الذي ظل يخيف الشعب الارتري منه في السنوات الماضية، وهذا يعنى العمل على "صناعة" عدو جديد وبدء مهام جديدة في عمر متأخر للحكم وللرجل.
من ناحية أخرى وضع هذا الاتفاق مؤيدي اسياس ومؤيدي تيغراي من أنصار شعار تيغراي تنتصر "تيغراي تسعر" على قدم المساواة في محاولة فك خيوط الاتفاق لتبرير انتصار الطرفين، وأن بدا موقف مؤيدي تيغراي أفضل لأن الماكينة الدعائية سوف تعمل على تبرير مكاسب الاتفاق، بينما يجرد صمت الدكتاتور العجوز أنصاره من السند المعنوي، فأسمرا وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا زالت تلوذ بصمت القبور، رغم أن ارتريا لا تحتاج إلى اجتماع لمجلس الوزراء لإصدار تصريح حول اتفاق الفرقاء الإثيوبيين.
ويقع العبء الأكبر على مؤيدي اسياس افورقي: فهم بحاجة أولا لإبراز الأهداف من الحرب ومن ثم تحديد عما إذا كان الاتفاق يحقق لارتريا ما دفعها لزج جيشها في الحرب الدامية.
أخيرا السلام لا يعني المحبة، خاصة وأن الحرب الأخيرة تم خوضها بناء على خطاب كراهية عرقي لن تمحوه اتفاقية سلام واحدة، ولكن المعيار الأساسي لأي اتفاقية هو نجاحها في إيقاف آلة الحرب المجنونة وحقن الدماء وهذا هو الاختبار الحقيقي لأي اتفاق مهما تباينت وجهات النظر حوله. ويلقى الاتفاق فوق ذلك عبئا أكبر على قيادة جبهة تيغراي في اقناع أنصارها بأن خوضها للحرب ومحاولة وصولها إلى العاصمة اديس ابابا لم تكن يوما مغامرة بدماء الشباب وهذا هو المحك الشعبي لقبول أو رفض مخرجات العملية السلمية في الإقليم.