د. السيد إبراهيم أحمد - "قبل الإفطار" بين "أونيل" و"مرجان"..

عرفت الدراما العربية طريقها إلى مسرحية "قبل الإفطار" ذات الفصل الواحد، للكاتب المسرحي الأمريكي العالمي "يوجين أونيل" حين ترجمها الكاتب الكبير الراحل "بهاء طاهر" عام 1959م ونشرها بمجلة "المجلة" عدد (29)، ثم أخرجها للإذاعة وتم تقديمها عام 1962؛ إذ كان أول من أدخل تقديم الروايات العالمية "إذاعيا" في البرنامج الثاني للإذاعة المصرية، وقامت بدور البطولة الفنانة القديرة "سميحة أيوب" سيدة المسرح العربي.

وقد تم تقديم هذه المسرحية لأول مرة في نيويورك عام 1916م، وقد قرأتها بترجمة الأستاذ بهاء طاهر وترجمة حديثة للأستاذ عزيز الطائي، ورأيتها بنفس الترجمة الأخيرة حين تحولت المسرحية لفيلم قصير، كما رأيتها حين قدمها المخرج أيمن مرجان الذي قدم "النص" ممسرحا برؤية جديدة تخالف النصين المترجمين، من حيث الصباح المشرق الذي قد بدأ في بيت الشاعر والقاص "ألفرد رولاند" وزوجه "مسز رولاند" في تمام الساعة والثامنة والنصف صباحا؛ كما خالفه في كون البطلة "نهال فهمي" التي قامت بدور "مسز رولاند" أقل منها في السن والبدانة؛ فمسز رولاند في العقد الثالث من عمرها، والسبب أن المسرحية مكونة من طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية.

نجح مرجان في تصوير الغرفة الضيقة بمكوناتها من خلال الديكور والإضاءة في استبطان التكوين النفسي للشخصية المحورية، متعاملا مع المونودراما التي يراها البعض من أشكال المسرح التجريبي، ببداية تعبيرية الأداء من البطل والبطلة، توحي في نفس المتفرج بأنه ليس بيتا بل سجنا أو زنزانة في سجن من خلال القضبان الطويلة التي تقف بجانب القضبان القصيرة التي تسد النافذة، بل أن خلفية مقعدي المائدة على هيئة قضبان.

لا يلتزم مرجان بوجود "ألفرد" في النص الذي رسمه أونيل وإعلانه عن نفسه بالتثاؤب المسموع دون الظهور، ليقدم بديلا عنه ظلاله التي تعكسها الإضاءة على شاشة جانبية للمسرح، وكأنه تفتيت خفيف للمونودراما التي استحالت على يديه إلى "ديو دراما" خفيفة، كسر بها ملل واحدية المكان، الذي حاول أونيل كسره بكثرة الحركة من تلك الزوجة الثرثارة بابتسامتها الانتقامية.

وقد لعبت الإنتقالات الضوئية مع التلاعب بالموسيقى تصويرا رائعا في التجسيد النفسي لشخصيتين يسكنان نفس المكان، ولا يتحاوران ولا يلتقيان، ولا يتحرران من سجنهما الاختياري، ولا يجد الزوج وسيلة للخروج منه بغير الخروج من الحياة ذاتها، فيما رأت الزوجة أنها ستبادر بالخروج إلى الشارع لتتحمل وحدها المسئولية عنهما، وهذه ستسعد كثيرا المناديات بالأدب النسوي، وكأن الخروج الاختياري/الإجباري من الشاعر تمردًا على منغصات الزوجة التي تصر على البقاء في هذه الوضعية ليس حبا في زوجها، وإنما ثأرا لنفسها وكرامتها وانتصارا لها بديلا عن الهزيمة والتسليم أمام معشوقته "هيلين"، وهذا تصوير رائع من أونيل وخبرته بنفسية المرأة.

نجح فريق العمل بقيادة البارع أيمن مرجان في تقديم هذا النص العالمي لأونيل برؤية جديدة تخالف من سبقه في التعامل مع النص واستنطاقه، واستخراج مكنونات نفسية أكثر من التقاطع الظاهري بين الشخصيتين، وأجادت الفنانة الشابة نهال فهمي في تحمل هذا العبء الثقيل في الوصول بسفينة العرض إلى مرفأ الأمان والنجاح، وإعلان البشارات الباكرة بجيل جديد واعد سيعيد الشباب للمسرح العربي، ويضمن له الاستمرار بحرفية وعلمية ومهنية ورؤية إبداعية خلاقة، تنحو إلى طزاجة الإبداع الجديد وإن استندت ثقافتهم للعراقة.​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى